الدجاج وسياسة الدعم الفاشلة

أزمة جديد في ارتفاعات الأسعار واجهت المستهلكين في الأسابيع الماضية، هذه المرة كان الارتفاع في أسعار الدواجن. صاحب هذا الارتفاع غضب شعب وتنادى كثيرون لمقاطعة الدواجن كوسيلة للضغط على المنتجين لاعادة الأسعار لسابق عهدها، وخرج التبرير المعتاد من الشركات المنتجة أن أسعار الأعلاف ارتفعت وارتفعت معها التكاليف مما اضطرهم لرفع الأسعار، بينما خرجت الجهات الحكومية ببيانات ضبابية لا يمكن أن يستنتج معها المختصون شيئا، وبيانات أخرى غير منطقية.

فتصريح وكيل وزارة الزراعة على سبيل المثال ذكر أن أسعار الأعلاف ارتفعت بنسبة 30% وهي نفس النسبة التي ارتفعت بها الأسعار، وكأنه يلمح أن الارتفاع مبرر لأنه بنفس نسبة ارتفاع سعر الأعلاف، والحقيقة أن هذا يناقض مباديء المحاسبة، فمزارع الدواجن لا تبيع الدجاجة بسعر التكلفة، وإنما تبيعها بعد إضافة هامش ربح، كما أن الأعلاف لا تمثل كامل التكلفة، فالدجاجة التي تباع من المزرعة بـ 11 ريال قد لا تتجاوز تكلفة أعلافها 5 ريالات. وهذا يعني أنه لو ارتفعت الأعلاف 30% فالتكلفة تزداد  150 هللة، أي أقل من 14% ارتفاع على السعر الذي تبيع به المزرعة كل دجاجة.

الواضح كما هو الحال مع كثير من السلع المدعومة، أن أكبر مستفيد من الدعم هو المستثمر من خلال زيادة هوامش الأرباح وليس المستهلك النهائي، ومسلسل فشل أدوات الدعم يتكرر بشكل مستمر، فهناك دعم هائل تحصل عليه شركات الاسمنت وبالنهاية نجد أن هوامش ربحهم تتجاوز 50% ويحققون بذلك أرباحا فلكية، بالتالي فإن الدعم لا ينعكس على سعر السلعة النهائية الذي يدفعه المستهلك وإنما يستفيد منه المستثمر – الذي لا يحتاج لمن يدعمه ابتداء، فإذا كان هذا هو الحال، وكانت سياسات الدعم فاشلة بالمجمل، فالأولى أن يتم توجيه الدعم المباشر للمواطنين نقدا، بعد دراسة معدلات الأسعار والاستهلاك، بحيث يترك المجال لقوى السوق لتصحيح الاسعار وكميات العرض والطلب، وللمستهلك الحرية في اختيار ما يناسبه من سلع.

الأمر الآخر الذي يجب أن يعطى مزيدا من الاهتمام هو حتمية ارتفاع أسعار السلع، سواء استمر الدعم الحكومي للشركات أم لم يستمر، فقوى التضخم لن تتوقف، خاصة مع دخول مئات الملايين من سكان العالم لشريحة الطبقة المتوسطة، والنمو الاقتصادي الهائل في بعض الدول النامية الضخمة مثل الهند والصين، فهذه الطبقة المتوسطة ستزاحمنا في الاستهلاك، كما زاحمتنا الطبقة المتوسطة في الهند في استهلاك الأنواع عالية الجودة من الأرز وتسببت في ارتفاعات كبيرة في أسعارها. لذلك، يجب أن نضع في أذهاننا أن استراتيجية مواجهة التضخم على المدى الطويل يجب أن تبنى على أساس رفع مستوى الدخل والانتاجية، فما دام دخل المواطن وانتاجيته لا ينمو بنفس المقدار مقارنة ببقية شعوب الطبقة المتوسطة من العالم النامية، فسيأتي اليوم الذي نضطر فيه على أن نغير من مستوانا المعيشي ومستوى رفاهيتنا وقد ننسى عندها طعم الأرز البسمتي وننسى معه طعم اللحم والدجاج.

تعليقات فيس بوك

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>