Monthly Archives: يوليو 2011

كيف يفكر تاجر الأراضي؟

ما زالت أسعار الأراضي في ارتفاع مستمر وبنفس الوقت يظهر على هذه السوق نوع من الجمود، ويستغرب كثير من المحللين استمرار الارتفاعات بالرغم من عدم وجود حركة كبيرة للبيع والشراء، كما يختلف الناس في تحليلهم لآثار أي رسوم يمكن أن تسن في المستقبل على الأراضي البيضاء، وحتى نتمكن من تفسير هذه الظواهر والتنبؤ بنتائج أي قوانين مستقبلية يجب علينا أن نحلل سلوك تاجر الأراضي ونفهمه.

عندما يشتري تاجر الأراضي أرضا فإن هدفه الأول هو الإحتفاظ بها للأبد أو لأطول مدة ممكنة، ولا يبيعها إلا اذا احتاج النقد، فالأرض في نظره أفضل وسيلة لحفظ الثروات، خاصة أنها لا تأكل ولا تشرب ولو مرضت فهي لا تموت ولكنها دائما تكبر كما يردد دائما تجار الأراضي، لذلك فتاجر الأراضي يبيع من أراضيه بقدر ما يحتاج من نقد لتغطية مصاريفه الشخصية السنوية. فلو كان هذا التاجر يملك 100 ألف متر مربع من الأراضي البيضاء، ومعدل سعر المتر لأراضيه هو 700 ريال فهذا يعني أن القيمة الإجمالية لأراضيه هي 70 مليون ريال، ولو افترضنا أنه يحتاج لمصاريفه الشخصية السنوية 3 ملايين فإنه سيبيع من أراضيه حوالي 4300 متر مربع سنويا.

في أسواق السلع غير المشوهة وغير المحتكرة، عندما تزداد كمية الطلب تزداد كمية الشراء ويزداد السعر تبعا لذلك. ولكن المفارقة والحالة الإستثنائية التي تعيشها أسواق الأراضي في السعودية أنه كلما زاد الطلب زاد السعر وبنفس الوقت قلت كمية البيع، ولتوضيح السبب؛ لنرجع إلى مثال التاجر الذي يملك 100 ألف متر مربع، هذا التاجر يحتاج 3 ملايين ريال سنويا، فلو ارتفعت أسعار الأراضي وأصبح معدل المتر 900 ريال بدلا من 700 ريال، فإنه سيحتاج لبيع 3400 متر مربع فقط لتغطية نفس المبلغ الذي يحتاجه في الوقت الذي كان يحتاج لبيع 4300 متر عندما كان المعدل 700 ريال.

لذلك فإن ما يحدث حاليا هو أن تجار الأراضي لا يبيعون إلا لشريحة صغيرة جدا من المواطنين لديها دخل مرتفع جدا وقادرة على شراء الأراضي بالأسعار التي تغطي احتياجات التجار من المصاريف سنويا وبنفس الوقت تمكنهم من بيع الحد الأدنى من الأمتار. وهذا يعني أننا نعيش في دوامة مستمرة، وسنصل لمرحلة لا يشتري فيها الأراضي إلا الأثرياء وبأسعار فلكية، ويحرم الغالبية العظمى من المواطنين من إمتلاك أرض وسكن، وستستمر الإيجارات بالإرتفاع، وستستمر معاناة المواطن إلى أجل غير مسمى أو إلى أن يتم فرض الرسوم أو الزكاة على الأراضي البيضاء، وهذا ما سنفصل فيه بالمقال القادم.

مقالات ذات صلة: خرافة إرتفاع الأسعار بسبب رسوم الأراضي البيضاء

كيف نقضي على السعودة الوهمية؟

ما زالت الموجات الإرتدادية مستمرة لإطلاق برنامج نطاقات من قبل وزارة العمل، فحالة الإستنفار تعم الشركات والمؤسسات في محاولة لتعديل أوضاعها قبل نهاية المهلة التي منحتها وزارة العمل للشركات، والتي سيبدأ بعدها تطبيق العقوبات على منشآت النطاق الأحمر والأصفر. غالبية المؤشرات تدل على أن البرنامج سيكون له أثر أيجابي، وأنه سيمهد فعلا للإستراتيجيات القادمة للتعامل مع مشكلة البطالة بين السعوديين والتي بدأت تتفاقم بين الشباب والشابات. ولكن ما يزال المتابعون والحريصون على نجاح المشروع متخوفين مما قد يواجهه البرنامج من تلاعب أو محسوبية تؤدي بالمشروع للفشل، وعلى رأس هذه المخاوف هو التمييز في التعامل بين المنشآت، حيث ستؤدي المحسوبية إلى إفشال المشروع، بل وقد يؤدي ذلك إلى جعل الوضع أسوأ من قبل، فبعد أن كان هناك مؤسسات صغيرة مستفيدة من الوضع القائم من تستر ومتاجرة بالتأشيرات، سيكون المستفيد أفراد قليلون ممن يملك النفوذ والسلطة والقدرة على تجاوز الأنظمة، وفي نفس الوقت لن يتم إصلاح سوق العمل ولن تزداد نسبة التوطين. أما الخطر الثاني الذي يواجه برنامج نطاقات فهو السعودة الوهمية، وبما أن زيادة نسبة السعودة هي الهدف الأساسي لهذا المشروع، فإن فشل البرنامج في دفع المنشآت لتوظيف المواطنين في وظائف حقيقية ومنتجة، هو فشل لكامل المشروع، ولذلك فيجب أن تحرص الوزارة على سن الأنظمة ووسائل الرقابة التي تضمن صدقية توظيف السعوديين وتعاقب المخالفين من دون تهاون.

ولكن رغم أهمية الرقابة على المنشآت للتأكد من عدم وجود سعودة وهمية، إلا أن الوزارة تفتقد للموارد الكافية لمراقبة كل المنشآت، كما أن الزيارات الميدانية قليلة جدا وقد يعتريها الفساد وضعف الكفاءة، ولذلك فمن الأفضل خلق وسائل مبتكرة جديدة لردع المنشآت من السعودة الوهمية، فعلى سبيل المثال يمكن للوزارة أن تلزم المنشآت بتوفير كشوف للحسابات البنكية التي تحوي جميع تحويلات الرواتب للموظفين السعوديين. كما يجب فتح الباب لكي يقوم الموظفون السعوديون بالتبليغ عن أي منشأة توظفهم بشكل وهمي، ويتم تحفيز هذا الإجراء من خلال دفع كل الرواتب التي كان من المفترض دفعها من قبل المنشأة للموظف حسب ما هو مسجل بالتأمينات بالإضافة إلى مبلغ إضافي تحفيزي يؤخذ من الغرامة التي دفعتها المنشأة المخالفة، وبذلك يتم نقل عملية الرقابة من وزارة العمل إلى كل موظف سعودي يعمل بالقطاع الخاص. وبذلك لن تجرؤ أي شركة أو مؤسسة على مخالفة النظام وتوظيف السعوديين بشكل وهمي.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

وانتصر المستهلكون… على من لا يراعي…

خلال فترة قياسية لا تتجاوز الأسبوع، إستطاع المجتمع أن يوحد صفوفه في مواجهة رفع الأسعار لسلعة إستهلاكية ضرورية وهي الحليب واللبن، فبعد أقل من يوم من إطلاق حملة المقاطعة لمنتجات شركة المراعي بسبب رفعها غير المبرر للأسعار انتشرت أصداء الحملة في جميع وسائل الت واصل من شبكات إجتماعية أو بلاك بيري أو رسائل للجوال، وتبادل الناس صور ثلاجاتهم وسفرة الطعام وهي تتزين بمنتجات بديلة، وبعد أيام من الحملة انتشرت صور أرفف المراعي في الأسواق ومنتجاتها متراكمة من دون أن يشتريها أحد في مؤشر لا لبس فيه لنجاح المقاطعة، بل أن صدى المقاطعة وصل للدول المجاورة التي تضامن مواطنوها مع الحملة وقاطعوا منتجات شركة المراعي. وقد وصل إنخفاض المبيعات للبن والحليب لشركة المراعي حسب أحد الأصدقاء الذين يملكون سلسلة من السوبرماركتات في المنطقة الشرقية أكثر من 40%، وهو انخفاض حاد جدا يستحيل لشركة المراعي أن تتحمله لفترة طويلة، خاصة أن نصف مبيعات منتجاتها هي من الألبان، كما أنها قد تخسر عملائها للأبد إذا وجدوا بدائل بنفس الجودة واعتادوا عليها. q00g

في نفس يوم صدور قرار إعادة الأسعار للألبان خرج المدير التنفيذي لشركة المراعي وذكر أن مبيعات شركة المراعي (لم تتأثر). وأن عدم رفع السعر سيؤدي لأضرار في استثمارات القطاع وقد يؤدي لنقص في توفير السلع، أما التأثر بالمبيعات فالجميع شاهد بنفسه تأثير المبيعات ولا نحتاج تأكيد أي جهة، أما تضرر الإستثمارات، فكما أشرنا بالمقال السابق زادت أرباح شركة المراعي على 1200 مليون ريال! أما النقص في معروض السلع، فإن حدث هذا النقص كما يقول المدير التنفيذي للشركة، فحله بسيط، وهو إيقاف التصدير، حيث تصدر الشركة الألبان للبحرين والكويت وقطر والإمارات، فالمستهلك المحلي أولى بالاستفادة من منتج مدعوم من قبل الدولة ويستنزف الموارد الطبيعية بشكل كبيرة.

إن النجاح الكبير لهذه الحملة يمثل رسالة واضحة لكل التجار بأن يراعوا المستهلك قبل أن يفكروا بمضاعفة أرباحهم من دون مبرر إستغلالا لقوتهم في السوق أو احتكارهم لسلعة معينة. كما أن نجاحها زرع الثقة في نفوس المستهلكين بأن لديهم القدرة على حماية أنفسهم من جشع بعض التجار من دون إنتظار تحرك جمعيات حماية المستهلك أو غيرهم.

مقالات متعلقة:

(المقال منشور في جريدة اليوم)

كيّفوا الأبقار وارفعوا الأسعار

cowفي بلد صحراوي شديد الحرارة، لا تستطيع غالبية الكائنات الحية العيش فيه – باستثناء الضبان والجمال والجرابيع – يتم إنشاء مصانع ضخمة للألبان، تجلب لها الأبقار من أقاصي الأرض، أبقار لا تعيش في حرارة تقل عن 25 درجة، وحتى تتمكن هذه الأبقار من البقاء والإنتاج يتم وضعها  في بيئة (مكيفة). وفي بلد جاف لا يكاد ينزل فيه المطر تستهلك هذه الأبقار كميات ضخمة من المياه. كما تستهلك هذه الأبقار كميات كبيرة من الأعلاف، وبما أن أرضنا قاحلة، فالأعلاف غالبيتها مستوردة. التكييف الذي يبرّد هذه الأبقار يستهلك كميات هائلة من الكهرباء، كهرباء يباع لهذه المصانع بأسعار مدعومة من الحكومة – أي أموال المواطنين. والمياه التي تستنزفها هذه الأبقار، تباع بأسعار مدعومة أيضا، وتسهم في زيادة المشكلة المائية التي تواجهها البلاد وتهدد مستقبلنا جميعا، كما تشتري هذه المصانع الأعلاف بدعم حكومي كبير – أي أموال المواطنين أيضا. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمر أي شركة ألبان بالعمل من دون الدعم والكرم الحكومي، باختصار، لولا الدعم الحكومي لما كُيّفت الأبقار.

رغم كل هذا الدعم الحكومي، ورغم أن بقاء هذه الشركات مرهون باستمرار هذا الدعم، ترفع هذه الشركات أسعار منتجاتها بلا حسيب ولا رقيب، وتختلق أعذارا مختلفة لرفع الأسعار، على رأس هذه الأعذار زيادة تكاليف اللقيم من أعلاف وغيرها من التكاليف المتعلقة بالإنتاج، هذا العذر قد يبدو للوهلة الأولى منطقيا، ولكن بنظرة سريعة على القوائم المالية المنشورة لأحد شركات الألبان التي رفعت سعرها – وهي المراعي – نجد أن صافي أرباح الشركة ارتفع خلال الثلاث سنوات الماضية أكثر من 40%! وبلغ أكثر من 1.2 مليار ريال في 2010 بعد أن كان حوالي 910 مليون ريال في عام 2008. أما تكاليف الإنتاج مقارنة بالمبيعات فانخفضت حوالي 1% ما بين عام 2008 و 2010، فبعد أن كانت التكاليف تمثل 60% من المبيعات في 2008 أصبحت تكلف 59% من إجمالي المبيعات. باختصار، لا يوجد أي أعذار حقيقية لرفع الأسعار.

نحن نؤمن بحرية السوق وعدم التدخل بالأسعار، ولكن يجب أن تختار الشركات، بين سوق حر تعتمد فيه الشركات على نفسها في تقليل التكاليف وزيادة الأرباح وتحديد السعر، وبين سوق مدعوم من الحكومة، ففي حالة الدعم، ليس من حق الشركات أن تتحكم بالأسعار بلا رقابة، وإن كان الدعم الحكومي وسيلة لزيادة أرباح الرأسماليين وكبار ملاك الشركات، فهو دعم لا نريده، ولا يفيد المواطن بشيء. وكان من الأولى استخدام هذا الدعم في مشاريع تنموية يستفيد منها الجميع. باختصار أوقفوا دعم التجار أو ثبتوا الأسعار.

مقالات متعلقة: شركات الألبان… والكذب المكشوف

(المقال منشور في جريدة اليوم)