Category Archives: سياسة

إيران يستحيل أن تقطع إمدادات النفط

تزايدت في الآونة الأخيرة التهديدات الإيرانية بقطع إمدادات النفط في حال زادت وتيرة العقوبات الاقتصادية عليها، وذلك بإغلاق مضيق هرمز ومنع مرور سفن النقل من خلاله، وجاءت ردود فعل كثيرة منددة لهذا التهديد و كتبت عدة تحليلات تدرس إمكانية تنفيذه، وبرأيي فإن السؤال الأهم هو هل يمكن من الناحية السياسية أن تجرؤ إيران على قطع الإمدادات؟

قبل أن نجيب سنوضح بشكل مبسط عواقب قطع إمدادات النفط من الخليج، لو أغلق مضيق هرمز ستتوقف إمدادات أكثر من 40% من إنتاج العالم من النفط، وسيؤدي ذلك لارتفاع أسعار النفط لمستويات فلكية – قد تتجاوز 300 دولار، كما أن شحا شديدا سيطال الدول الأقل ثراء كدول العالم النامي ودول العالم الثالث، هذا الشح سيعني إنقطاع الوقود الذي يغذي وسائل النقل والكهرباء والزراعة، وقد يصل عدد المتأثرين والمتضررين من هذا الإنقطاع مليارات البشر، وعلى إثر ذلك ستنتشر المجاعات وينشل الاقتصاد تماما في هذه الدول، وقد نشهد أعدادا ضخمة من ضحايا هذه المجاعات يتجاوزون مئات الألوف من البشر. نحن بكل بساطة أمام جريمة بشرية، وكارثة إنسانية لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية.

أمام هذه الكوارث والتداعيات لإغلاق المضيق، فإن العالم يستحيل أن لا تكون ردة فعله قوية جدا، إيران ستفقد تعاطف سكان العالم كلهم بسبب الكوارث التي تسببت بها، والدول العظمى لن تتردد ثانية في تدمير إيران بشكل كامل، وسيحدث لها كما حدث للنازيين والفاشيين في الحرب العالمية الثانية، وقطعا سينتهي النظام في إيران من خلال هجوم نووي أو احتلال كامل يقضي عليها، ولن تجد إيران من يتعاطف معها حتى من أقرب حلفائها.

بناء على المعطيات السابقة فإن احتمالية إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز هو أقرب للمستحيل، فالعالم لن يسكت عن دولة تخنق العالم، ولو تجرأت إيران على هذا الفعل المجنون فإنه سيعني يقينا نهاية النظام الإيراني القائم، بل حتى لو قصفت مفاعلات إيران النووية فإن إيران لن تجرؤ على إغلاق المضيق.

توقعات 2012

 

  1. ستفرض الرسوم على الأراضي البيضاء.
  2. أسعار الأراضي ستنخفض بنسبة لا تقل عن 25%.
  3. ارتفاع مؤشر الأسهم لأكثر من 11 ألف.
  4. سيسقط بشار الأسد (شيء متوقع للجميع).
  5. سيصل عدد متابعي الشيخ سلمان 2 مليون متابع (كوسيلة لمعرفة مدى انتشار تويتر بالسعودية).
  6. ستشتعل حرب أهلية بالعراق.
  7. الإعلان عن انتخابات جزئية في مجلس الشورى السعودية (حتى لو لم تتم بنفس السنة ولكن سيعلن عنها).

 

تدوينات متعلقة:

  1. حصاد توقعات 2011
  2. حصاد توقعات 2010
  3. حصاد توقعات 2009
  4. حصاد توقعات 2008

حصاد توقعات 2011

هذا حصاد التوقعات التي كتبتها قبل سنة في هذه التدوينة

إقتصاد

  1. سعر الذهب سيصل لأرقام قياسية تاريخية جديدة. (تجاوز سعر أونصة الذهب 1900$ وهو رقم قياسي تاريخي غير مسبوق)
  2. ارتفاع البطالة في السعودية لأكثر من 12%. (كل المؤشرات تدل أن البطالة أكثر من 15% بكثير – وبناء على أرقام حافز البطالة بين 17%-20%)
  3. لن تنخفض البطالة في أمريكا عن 9%. (أقل رقم وصلت له البطالة في 2011 كان 8.6% – سنعتبر التوقع خاطيء رغم أن الرقم قريب).
  4. إلغاء فكرة الوحدة النقدية الخليجية أو تأجيلها لأجل غير مسمى. (يبدو أن الجميع نسي أو تناسى الفكرة أصلا).
  5. أسعار الأراضي في السعودية لن تنخفض. (مالم يتم إقرار قانون زكاة أو ضريبة الأراضي) (أسعار الأراضي استمرت في الارتفاع ووصلت لأسعار غير مسبوقة).
  6. لن يقر نظام الرهن العقاري في السعودية. (لم يتم إقرار نظام الرهن العقاري)

سياسة

  1. الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيتنحى عن منصبه. (لا أدري إن كانت هذه أمنية أم توقع) (لم يتنحى محمود عباس – لكن قريب إن شاء الله).

تقنية

  1. الآندرويد سيتسيد سوق الهواتف الذكية ويمتلك أكبر حصة سوقية. (أندرويد يملك الآن أكبر حصة سوقية بفارق كبير)

تدوينات متعلقة:

  1. توقعات 2012 (جديد)
  2. حصاد توقعات 2010
  3. حصاد توقعات 2009
  4. حصاد توقعات 2008

ثلاثة أورام سرطانية تفتك بجسد الاقتصاد السعودي

يواجه الاقتصاد السعودي العديد من المشاكل، نشأ أغلبها بسبب عيوب اقتصادية هيكلية، أهمها منهج الاقتصاد الريعي الذي كان يدار به الاقتصاد في العقود الثلاثة الماضية، حيث باتت غالبية الأسر السعودية تعتمد على الدولة كمصدر رئيسي للدخل، كما أن غالبية القطاعات الاقتصادية في القطاع الخاص تعتمد على الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر لضمان بقائها واستمراريتها. أدى ذلك لتركز غالبية القوى العاملة من السعوديين في القطاعات الحكومية وفتح الباب على مصراعيه للقوى العاملة الوافدة والرخيصة لتشغيل بقية الاقتصادي، والذين تحولوا للمحرك الرئيسي لكل القطاعات الاقتصادية غير الحكومية، ووصلت نسبة العمالة الوافدة – وأغلبها عمالة رخيصة – من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص أكثر من 90%. الخلل الاقتصادي الثالث بعد انتهاج الاقتصاد الريعي وفتح الابواب على مصاريعها للعمالة الوافدة الرخيصة هو غياب القوانين والأنظمة التي تضمن عدم احتكار الأراضي، بل على العكس فقد كانت هناك بعض الأنظمة التي تسهل تحويل الأراضي البيضاء إلى أوعية استثمارية من دون أي إضافة انتاجية.

كل هذه الأخطاء والعيوب الاقتصادية لم تكن مؤثرة ولم تكن أعراضها بادية للمواطن العادي، فقلة عدد السكان قبل ثلاثين أو عشرين سنة كانت تسهل عملية توزيع ريع الدولة على المواطنين من خلال التوظيف الحكومي أو الدعم الحكومي لبعض القطاعات كالزراعة وغيرها مما يوفر للأسر دخلا مناسبا من دون إنتاجية حقيقية. وأدى ضعف النمو في الإنتاجية إلى جمود في مستويات دخل المواطنين، في المقابل استمرت دول العالم – حتى الدول النامية التي كانت فقيرة جدا – بالنمو واستمرت انتاجيتهم بالارتفاع يوما بعد يوم، وارتفعت نتيجة لذلك مستويات الدخول في كل العالم، ومعها ارتفعت أسعار السلع، ابتداء بالأغذية وانتهاء بالسيارات وغيرها من الضروريات، فبينما كانت الهند تصدر لنا كل انتاجها من الرز عالي الجودة، زادت أعداد الطبقة المتوسطة بالهند وارتفع استهلاكهم الداخلي لهذا الرز وبالتالي ارتفعت أسعار الأرز على المواطن السعودي، ويمكن القياس على ما يحدث في الأرز على غالبية السلع الأخرى. وبالإضافة للجمود في نمو الإنتاجية فإن الدولة قلصت بشدة من مستويات التوظيف الحكومي، وبنفس الوقت ازدادت أعداد الداخلين لسوق العمل من الشباب بشكل كبير، وأصبح القطاع الخاص هو الخيار الوحيد لهم، ولكن القطاع الخاص عاجز عن توظيف الأعداد الكبيرة من الشباب برواتب تتلاءم مع المستويات الاجتماعية السائدة، لأن القطاع الخاص أدمن العمالة الرخيصة، ولا يمكن أن يوقف إدمانه فجأة، فهذا الإدمان استمر لعقود طويلة وبنيت على أساسه كل دراسات الجدوى التي يعمل من خلالها القطاع الخاص، وبسبب ذلك بدأ شبح البطالة يطل برأسه ويبرز كأحد أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع وخاصة الجيل الجديد من الشباب الذين يدخلون سن العمل سنويا ويأملون في بدء حياتهم المستقلة وتكوين حياة عائلية مستقرة. وأخيرا فإن مشكلة الأراضي وشحها المصطنع الذي اعتقد أنه لم يخطر ببال أحد قبل ثلاثين سنة أنه سيتسبب بالكارثة التي نعيشها اليوم هي أحد أكثر الأخطاء إيلاما للمواطن السعودي، وهو ألم يستشعره المواطن بشكل يومي، فغالبية الأسر تعاني لامتلاك منزل، وتعاني لدفع الإيجار، وكل ذلك بسبب الارتفاع غير المبرر في أسعار الأراضي الناتج عن احتكار قلة قليلة لهذه الأراضي وغياب الأنظمة التي تقضي على الإحتكار.

البطالة وارتفاع أسعار السلع المستمر لايمكن علاجهم إلا من خلال تغييرات هيكلية في الاقتصاد، تعيد تشكيل السياسات الاقتصادية وتحولنا لاقتصاد منتج قابل للاستدامة لا يعتمد على الطاقة ويستطيع أن ينتج بقدر ما يستهلك. هذه التغييرات ستحتاج لسنوات طويلة حتى تظهر آثارها، لن تقل عن خمس سنوات وقد تتجاوز العشر سنوات. وهي عملية معقدة تحتاج إلى أفضل العقول القادرة على قيادة دفة الاقتصاد وأخذه لبر الأمان. كما أن كل الحلول القادرة على علاج تلك المشكلتين ستتطلب تضحيات كبيرة من الجميع بدون استثناء وستكون فاتورة الإصلاح مؤلمة ومكلفة سياسيا. في المقابل نجد أن مشكلة الإسكان رغم أنها الأكثر إيلاما للمواطن في الوقت الحالي إلا أنها أسهل المشاكل حلا. فلب مشكلة الإسكان هو ارتفاع أسعار الأراضي، وسبب ارتفاع أسعار الأراضي هو احتكارها، وطريقة كسر احتكارها هو جعل تكلفة الاحتفاظ بهذه الأراضي غير المستفاد منها مرتفعا، وزيادة تكلفة الاحتفاظ ممكن من خلال سن الرسوم أو الزكاة على كل من يملك أراض بيضاء تزيد عن حاجته، وعلاج مشكلة الأراضي لن تكون له كلفة سياسية واجتماعية كبيرة كما هو الحال مع بقية الحلول. فالشريحة المتضررة صغيرة جدا، والضرر عليها لن يكون مؤثرا عليهم فغالبيتهم أثرياء، وما يمارسونه من احتكار للأراضي ممارسة غير منتجة بكل الأحوال وقد راكمت هذه الشريحة الصغيرة ثروات ضخمة من دون أن تضيف للاقتصاد شيئا بل أنها أضرت بالاقتصاد بشكل جسيم. كما أن ما يقومون به يشكل ظلما للمجتمع وهو ممارسات غير أخلاقية حتى لو كان القانون يسمح بها.

جذور أسباب الآلام الاقتصادية التي ذكرناها وهي ارتفاع أسعار السلع والبطالة وارتفاع السكن هي أشبه بالسرطانات التي تكونت بدايات أورامها منذ ثلاثين سنة، ولم يشعر بها أحد طوال هذه المدة، حتى تضخمت وكبرت وأصبحت تؤلم جسد الاقتصاد وتزداد إيلاما يوما بعد يوم، وكلما كبرت هذه السرطانات كلما تقلصت الطبقة المتوسطة وزاد الفقر وخُنق الاقتصاد، وإن كان علاج سرطان البطالة وارتفاع الأسعار معقدا، فإن استئصال ورم احتكار الأراضي الذي يتسبب بارتفاع أسعار السكن سهل جدا، ولا يحتاج لجراح ماهر، وستختفي آثار هذا السرطان بمجرد استئصاله وليس لاستئصاله أية أعراض جانبية سلبية، ولذلك فإننا نعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لهذا الورم، خاصة أن استئصاله سيمهد لعلاج بقية السرطانات، والتي ستكون أكثر تعقيدا وفترة علاجها ستكون مؤلمة بشدة لكل الجسد، وستتطلب أن يضحي أعضاء الجسد كلهم – بدون استثناء – خلال عملية العلاج، فلا يمكن لهذه العملية – عملية علاج البطالة وارتفاع الأسعار = أن تنجح من دون تضحيات، فإما التضحية وإلا فإن هذه السرطانات ستقتل جسد الاقتصاد، ولكن قبل أن ندخل في العلاج المؤلم، لنبدأ خطوتنا الأولى باستئصال الأسهل وهو سرطان احتكار الأراضي.

(المقال منشور بموقع المقال)

نطاقات والسوق السوداء

في المقال السابق ذكرنا أن برنامج نطاقات مشروع يستحق الدعم، خاصة أنه سيواجَه بهجمة شرسة من بعض من ستتضرر مصالحهم ولا ينظرون للمصلحة العامة، وذكرنا أن البرنامج سيكون له دور إيجابي كبير على المدى القصير وسيمهد الأرضية لأي إصلاحات جذرية قادمة في سوق العمل تسهم علاج مشكلة البطالة على المدى الطويل، ولكن في نفس الوقت لايوجد مشروع خال من العيوب، والزمن كفيل بإظهار الأخطاء وتصحيحها، لذلك سنطرح في هذا المقال بعض الحلول التي قد تسهم تطوير البرنامج وجعله أكثر فعالية.

يقوم برنامج نطاقات بشكل عام على تقليص العرض من العمالة الوافدة، وتصعيب الحصول عليها من خلال تصنيف الشركات بناء على نسبة السعودة وبناء على حجم وقطاع المنشأة، وذلك لدفع المنشآت لتوطين الوظائف. في أي سوق، عندما يتقلص العرض ولا يتقلص الطلب، فإن السعر أو التكلفة تزداد. واذا لم يجد هذا الإرتفاع قنوات قانونية للإرتفاع فإن سوقا سوداء ستخلق أو سيجد السعر وسيلة أخرى للإرتفاع، لأن قوى السوق دائما تغلب أي قوى قانونية أخرى. لذلك ففي حالة الإستقدام، وبما أن تكلفة الإستقدام لم ترتفع، وبما أن الطلب على العمالة الرخيصة أعلى يقينا من العرض، فإن الزيادة ستصب في أحد القنوات الثلاثة التالية: ارتفاع رواتب الموظفين غير السعوديين أو زيادة أسعار التأشيرات في السوق السوداء أو زيادة الرشاوي في الدوائر الحكومية لتجاوز الأنظمة.

ارتفاع الرواتب للعمالة الوافدة سيظهر جليا في النطاقات التي يستطيع الوافد الإنتقال منها من دون موافقة الكفيل، فالكفيل مجبر على دفع راتب أعلى للموظف حتى يتمكن من ضمان بقاءه. والشركات في النطاقات الأخرى ستحاول جذب هذا الموظف بعرض مرتب مغري له. هذه الزيادات في الرواتب سيتم تحويلها لا محالة لخارج المملكة، مما يزيد من كمية الثروات المسربة بسبب العمالة الوافدة والتي تجاوزت قيمتها 90 مليار ريال سنويا. بالإضافة لذلك فإن الشركات في النطاقات الصفراء والحمراء والتي تجني أرباحا كبيرة، ستستخدم المال لشراء التأشيرات أو لدفع الرشاوى كما هو حاصل الآن. وقد تستغل ذلك الشركات في النطاقات الخضراء والممتازة وتؤجر عمالتها للمنشآت في النطاقات الحمراء والصفراء.

أفضل علاج لهذه الظواهر السلبية التي تضر الإقتصاد المحلي بشكل مباشر، هو السماح للنطاقات الحمراء والصفراء بالإستقدام ولكن بتكلفة مرتفعة جدا، توازي هذه التكلفة قيمة تجارة التأشيرات في السوق السوداء، كما يتم منع الانتقال الحر للموظفين غير السعوديين في النطاق الأحمر واستبدال ذلك برفع تكلفة تجديد الإقامة. وبذلك نضمن عدم ارتفاع الرواتب ونضمن عدم نشوء سوق سوداء، وتذهب كل مداخيل السوق السوداء لصناديق حكومية تسهم في بدل البطالة والتدريب للعاطلين عن العمل.

هل يصلح نطاقات ما أفسده الدهر؟

أطلقت وزارة العمل هذا الأسبوع برنامج نطاقات الذي أثار موجة من ردود الفعل المتباينة ما بين مؤيد ومعارض. وما بين معارض للبرنامج لما سيلحقه من أضرار ومعارض للبرنامج لاعتقاده أنه حل غير كافي لما نواجهه من خلل في سوق العمل وتفش للبطالة. ابتداءا يجب أن نقول أن الخلل الموجود في سوق العمل والبطالة والضعف الإنتاجي الناتج من هذا الخلل هو أصعب معضلة اقتصادية تواجهها البلد. والخلل هذا نتيجة تراكمية لأكثر من ثلاثة عقود من العمالة الرخيصة المتدفقة على البلد والنمو الضعيف في القطاع الخاص الإنتاجي والاعتماد شبه المطلق على القطاع الحكومي في تحريك الاقتصاد وتوظيف المواطنين. هذا الخلل الهيكلي لا يحل فقط بتغييرات إجرائية او تنظيمية بل بتغيير اقتصادي شامل تشارك فيها كل القطاعات ويكون ضمن استراتيجية شاملة تقود البلد من اقتصاد ريعي إلى أقتصاد انتاجي حقيقي. لذلك فإن من يُسلط عليه الضوء كمسؤول عن اصلاح هذا السوق – وهو في هذه الحالة وزير العمل عادل فقيه – هو في وضع لا يحسد عليه. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح وزير العمل لوحده في إصلاح هيكل سوق العمل ومشكلة البطالة.

ولكن رغم حجم وصعوبة المهمة الملقاة على عاتق وزير العمل، فإنه قادر على تهيئة الأرضية ولو مبدئيا للحلول الشاملة التي يفترض أن تأتي في وقت لاحق كرفع رسوم الاستقدام بشكل كبير والبدء باستراتيجية تنمية حقيقية للقطاع الخاص الإنتاجي. ويفترض من برنامج نطاقات رغم بعض سلبياته وبعض ثغراته أن يقوم بدور هذه الأرضية الممهدة. ولذلك فإن علينا جميعا أن نعمل على إنجاح هذا البرنامج ومساندته بكل الوسائل، خاصة أنه سيواجه حملة شرسة – وقد بدأت الحملة فعلا – من قبل كثير من الجهات المستفيدة من الوضع القائم، وستعمل هذه الجهات على تعطيل البرنامج ومحاربته إعلاميا، ولو لم يجد البرنامج مساندة شعبية فقد تنجح هذه الجهات في مساعيها ونعود للنقطة صفر في رحلة إصلاح سوق العمل والقضاء على البطالة.

بالإضافة لذلك فإن نجاح البرنامج واستمراره مرهون بالشفافية وتطبيق النظام على الكل من دون محاباة أو تفضيل، فهذا النوع من الأنظمة إن لم يطبق بشكل كامل فضرره أكبر بكثير من عدم تطبيقه اطلاقا، والطريقة الأفضل للتطبيق العادل هو مشاركة البيانات إعلاميا وبشكل تفصيلي، كالإعلان شهريا عن عدد التأشيرات الصادرة لكل نطاق، وأعداد العمالة التي تم ترحيلها لكل نطاق، بالإضافة لأعداد السعوديين الذين تم توظيفهم في كل نطاق، ولو استشعر المجتمع التأثير الإيجابي الواضح للبرنامج فلن تستطيع أي قوى أن توقف تطبيق النظام أو تعطله أو حتى تحاربه.

البطالة والأوامر الملكية الأخيرة

صدرت يوم السبت الماضي مجموعة من الأوامر الملكية المتعلقة بسوق العمل، وقد شملت هذه الأوامر مجالات متعددة وقطاعات مختلفة، ولكن غالبية القرارات تركزت على حل مشكلة آنية لشرائح من الباحثين عن العمل أو أصحاب الشهادات المهنية الذين ما زالوا ينتظرون وظيفتهم، كما تركزت على خلق مجالات جديدة لتوظيف النساء سواءا من خلال زيادة عدد الوظائف التعليمية للنساء أو من خلال تأنيث محلات المستلزمات النسائية أو البدء بتأنيث بعض خطوط الإنتاج في المصانع.

هذه القرارات تدل على أن هناك استشعارا لمدى تفاقم أزمة البطالة، ويبدو أن قرار بدل البطالة الأخيرة كشف عن حقيقة حجم هذه الظاهرة مما استوجب قرارات فورية تقلل من حجمها، ولكننا ما زلنا بحاجة لقرارت استراتيجية تسهم في حل مشكلة البطالة على المدى الطويل وليس على المدى القصير فقط، فهذه القرارات حسب أكثر التقديرات تفاؤلا ستخلق ما يقرب من الـ 100 ألف وظيفة، في المقابل نجد أن المسجلين رسميا كعاطلين لدى مكتب العمل يصل عددهم 500 ألف، أما الرقم الذي سيخرج بعد تدقيق المسجلين ببرنامج بدل العطالة فأتوقع أن يزيد على 2 مليون عاطل (سجل حتى الآن أكثر من ثلاثة ونصف المليون مواطن في البرنامج). أما أعداد الداخلين لسن العمل سنويا من الشباب والشابات فعددهم يزيد على 400 ألف، لو افترضنا أن نصفهم سيبحثون عن وظيفة فهذا يعني أن علينا خلق أكثر من 200 ألف وظيفة سنويا بالإضافة لتوظيف جميع العاطلين الحاليين.

الملاحظ أيضا في القرارات الأخيرة، أنها تركزت على الوظائف الحكومية، ولا يمكننا كاقتصاد أن نستمر في الإعتماد على توظيف المواطنين في الوظائف الحكومية، فهذه الاستراتيجية غير قابلة للاستدامة، ودور القطاع العام أن يكون خادما لضمان حركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وأن لا يكون هو الاقتصاد بحد ذاته. لذلك أتمنى أن يكون هناك خطوات لاحقة للبدء باستراتيجية وطنية تنقل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد منتج وقادر على خلق عدد كبير من الوظائف التي تضيف للاقتصاد بدل أن تستنزفه.

الملاحظة الأخرى بخصوص القرارت أنها تركزت على حل مشكلة البطالة بين النساء، ورغم أن من حق المرأة أن تعمل وتكون عنصرا منتجا في الاقتصاد، إلا أنني أتمنى أن لا يجرفنا الحماس لحل البطالة بين النساء وينسينا البطالة المستفحلة بين الشباب، فبعيدا عن العواطف والمثاليات فإن بطالة الرجل أكثر خطورة من بطالة المرأة، وهذا عائد للطبيعة الإجتماعية لدينا، فالأسرة هي المكون الرئيسي في المجتمع، والرجل هو العائل الرئيسي في هذه الأسرة، فعدم قدرته على إيجاد مصدر دخل أخطر بكثير من عدم قدرة المرأة على إيجاد دخل لتكون مصدرا ثانيا للدخل في الأسرة، أما الحالات الاستثنائية للنساء اللائي يفتقدن العائل كالأرملة أو المطلقة أو غيرها، فأعتقد أنه يجب أن تكون لهم الأولوية في الوظائف النسائية، وأعداد هذه الوظائف تكفي لتغطية كل الحالات الاستثنائية هذه وتزيد.

أخيرا فإن النجاح في مواجهة البطالة واستئصالها يتطلب خطة استراتيجية جديدة بروح مختلفة وعقلية منفتحة، تعمل فيها كل قطاعات الوطن بشكل متزامن، ويضحي فيها البعض – كرجال الأعمال، خطة تكون أقرب لإعادة هيكلة الإقتصاد، وأن ترتكز أهداف هذه الاستراتيجية على الوصول إلى نمو اقتصادي سريع خاصة في القطاع الخاص، وتعليم وتدريب وتأهيل المواطن حتى يكون العنصر الأساسي في عملية البناء والإنتاج.