Author Archives: عصام الزامل
هل يمكن أن تفشل رسوم الأراضي؟
بعد إعلان الحكومة فرض رسوم الأراضي، استقبل المواطنون والمهتمون بالشأن الاقتصادي هذا الخبر بسعادة بالغة، فهو في نظر الكثيرين الخطوة الأولى الحقيقية في اتجاه حل أزمة الإسكان. ورغم تلك السعادة البالغة بهذا القرار، إلا أن كثيرين بدؤوا بطرح مخاوفهم من فشل هذا القرار في كسر الاحتكار وتخفيض أسعار الأراضي، وهو تخوف مبرر، فقد تجاوزنا الآن مرحلة القرار وبدأنا مرحلة التنفيذ، بدءا بإنهاء الآليات المتعلقة بالرسوم وانتهاء بفرضها فعليا والبدء بجباية الرسوم، لذلك فمن المهم البدء بنقاش التفاصيل والآليات لضمان نجاح القانون.
هل يمكن أن تفشل الرسوم على الأراضي البيضاء في كسر الاحتكار وبالتالي تفشل في تخفيض أسعار الأراضي؟ الجواب: لا. لا يمكن أن تفشل الرسوم في كسر الاحتكار وتخفيض أسعار الأراضي إذا تم وضع آليات صحيحة وتم تنفيذ القانون على الجميع. القرار من الناحية الاقتصادية قادر على تخفيض أسعار الأراضي، ففي حال فرض رسوم تتجاوز 2.5% من قيمة الأرض. بحيث تدفع هذه الرسوم سنويا، ويطبق القانون على الجميع، فإن ذلك كفيل بدفع غالبية ملاك الأراضي إلى التخلص من أراضيهم وبالتالي ارتفاع معروض الأراضي وانخفاض الأسعار. فلا يمكن لغالبية الملاك تحمل تلك الرسوم. ولو افترضنا جدلا أن 2.5% غير كافية، فإن الحكومة قادرة ببساطة أن ترفع تلك الرسوم أكثر، إلى أن تصل إلى مستوى يستحيل معه استمرار محتكري الأراضي من حبس أراضيهم وحرمان المواطنين والمطورين من الاستفادة منها.
في المقابل ومن الناحية النظرية، يمكن أن تفشل الرسوم لو وضعت آليات سيئة تسمح للتجار بأن يتجاوزوا أثر الرسوم، على سبيل المثال: لو فرضت رسوم لا تتجاوز 0.5%، أو فرضت الرسوم عند البيع فقط وليس على جميع الأراضي وبشكل سنوي، أو تطبيق القانون على قلة قليلة غير مؤثرة على السوق. كل هذه السيناريوهات متوقعة، ولكنها غير مرتبطة بنجاح آلية الرسوم بذاتها، بل مرتبطة بسوء الآليات أو سوء التطبيق، وهذا ما لا نتمناه، وهو أيضا ما لا نتوقعه. ودور المختصين والكتاب هو التنبيه على أية أسباب محتملة لفشل القانون بالإضافة إلى متابعة تطبيقه والتأكد من أنه يشمل الجميع بلا استثناء. لدي ثقة كاملة أن هناك إرادة حقيقية لحل أزمة الإسكان، وأن هذه الرغبة ستبدأ من خلال كسر احتكار الأراضي وتخفيض أسعارها لتمكين المواطن من امتلاك السكن بسعر معقول.
فجر اقتصادي جديد
في قرار تاريخي طال انتظاره كثيرا، أعلن مجلس الوزراء عن موافقته على فرض الرسوم على الأراضي البيضاء. استقبل غالبية المواطنين هذا القرار بسعادة شديدة، واستبشر كثيرون بأن هذا القرار دليل ملموس على أن هناك نية حقيقية لحل أزمة الإسكان.
قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء هو – برأيي – أول خطوة جادة لإنهاء أزمة الإسكان. كانت هناك محاولات كثيرة ومبادرات متعددة لحل الأزمة، منها مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية من قبل وزارة الإسكان، ولكن كل تلك المبادرات فشلت في تقليل حدة الأزمة، بل إن الوضع ازداد سوءا في الفترة الأخيرة، وتجمد سوق العقار تماما بعد أن وصلت الأسعار إلى مستويات لا يستطيع تحملها إلا قلة قليلة جدا من المواطنين، ربما لا تتجاوز نسبتها 5%.
قرار فرض الرسوم – إذا وضعت الآليات المناسبة – سيجعل ممارسات احتكار الأراضي من الماضي، وسينجح هذا القرار في كسر تلك الاحتكارات التي لم يقتصر ضررها في زيادة حدة أزمة السكن، ولكن امتد ضررها إلى كل جوانب الاقتصاد، فقد كان احتكار الأراضي عائقا حقيقيا لحركة عجلة التنمية الاقتصادية، فقد تعدّى ضرر الاحتكار المواطن العادي، فتضرر منه أيضا المستثمر الذي يريد استئجار محل تجاري، أو بناء مشروع، وتضررت منه الحكومة، التي بدأت تواجه صعوبة حتى في إيجاد الأراضي المناسبة لبناء خدماتها كالمستشفيات والمدارس.
بعد أن تبدأ جباية الرسوم، ستتحرر عشرات وربما مئات من المليارات من الريالات من تلك الأراضي، وستنتقل تلك الأموال في قنوات استثمارية سيكون لها نفع أكبر على المجتمع. فبعد أن كان كثير من أصحاب الأموال يكتنزون أموالهم في تلك الأراضي لسنوات طويلة، ويفضلونها على أي استثمار، لن يجد هؤلاء بدا من وضع أموالهم فيما ينفع الاقتصاد والمجتمع.
لن أبالغ إن قلت أن هذا القرار بمثابة فجر جديد للاقتصاد السعودي، وهو برأيي أهم قرار اقتصادي في الثلاثة عقود الماضية. وسيكون جليا للجميع خلال سنوات قليلة من بدء تطبيق القانون آثاره الإيجابية على الاقتصاد السعودي ككل، وليس فقط كوسيلة لحل أزمة الإسكان التي يعاني منها غالبية المواطنين.
الشعب الياباني الكسول
“صحيح أن مرتباتهم قليلة، ولكن العائد من عملهم متدن جدا، من الواضح بالنسبة إلى أنهم لا يضعون أي قيمة للوقت، وقد قال لي مديرهم أنه يستحيل تغيير عادات وتقاليد البلد” – هكذا يصف أحد المستشارين النمساويين العامل الياباني في عام 1900. ويصف سيدني غوليك وهو مبشّر أمريكي عاش في اليابان بين 1888-1913 المواطن الياباني بالكسل وعدم الاكتراث بالوقت.
هكذا كانت نظرة الغرب لليابانيين في بداية القرن العشرين، ولم تكن تلك وجهة نظر شاذة لدى الغرب تجاه المواطن الياباني. فقد كان الرأي السائد عنهم في الغرب أنهم شعب كسول وغير مكترث وأخلاقيات العمل لديه ضعيفة جدا. وأن هذا الضعف مرتبط بالثقافة والتقاليد اليابانية التي لا يمكن أن تتغير والتي لن تمكنهم من التحول لدولة صناعية متقدمة.
اليوم، ينظر العالم للياباني كأكثر موظفي العالم نشاطا والتزاما بالعمل، وأطولهم ساعات دوام. لا يغادر الياباني مكتبه إلا بعد أن يغادر مديره المكتب، وتطول ساعات عملهم لتصل إلى أكثر من 12 ساعة يوميا. من العيب لدى الياباني أن يغيب عن العمل بسبب مرضه، وإذا اشتد المرض ولم يستطع الذهاب للعمل، فإنه يأخذ من إجازته السنوية وليس من إجازته المرضية، ولا يأخذ الياباني إجازته السنوية من أجل الراحة إلا نادرا جدا، لدرجة أن الحكومة اليابانية تدرس جديا فرض قانون لإجبار الموظفين في اليابان بأخذ 5 أيام إجازة على الأقل سنويا. إذا تأخرت عن الدوام دقيقة واحدة، سينظر لك الجميع بازدراء، وسيُصدمون لو غادرت المكتب بمجرد نهاية الدوام الرسمي في الساعة الخامسة مساء. بعد أن كان الغربي ينظر إلى الياباني كمواطن كسول وغير مبال، أصبح الغربي ينظر إليه باستغراب! فالغربي يعمل من أجل أن يعيش، بينما يعيش الياباني من أجل أن يعمل.
في بداية القرن العشرين (1913) كان متوسط دخل الياباني حوالي 1300 دولار، بينما كان المتوسط العالمي 1500 دولار، ومتوسط دخل المواطن الأمريكي حوالي 5300 دولار. اليوم يحتل الياباني أعلى مراتب الدخل بالعالم وأكثره إنتاجية. كيف تحول هذا الشعب الكسول غير المبالي، لأحد أكثر الشعوب إنتاجية وحرصا على العمل؟ هل تغيرت جينات الياباني؟ أم هل قامت اليابان بحملة لتثقيف شعبها وزرع قيم العمل والإنتاج؟ الجواب: لا هذا ولا ذاك.
ما حدث في اليابان يُسقط كل النظريات التي تربط قدرة الدول على النمو والازدهار بثقافة تلك الشعوب وتقاليدها، كل دولة قادرة على النهوض، وكل شعب قادر على أن يتحول إلى شعب منتج مثابر. ولكن الذي ينقله من حال إلى حال، هو شكل الاقتصاد ونوعه. الاقتصاد هو الذي يشكّل ثقافة المجتمع وليس العكس. إذا وضعت الدولة سياسات اقتصادية تدفع بالبلد إلى الأمام، وتكافئ المنتج، وتجعل مواطنيها يشعرون بأن لعملهم أثرا إيجابيا، وأن بلدهم يوما بعد يوم تزداد ازدهارا وتنمية، فإن ذلك كاف لتغيير طريقة حياة ذلك الشعب، وجعله عاشقا للعمل والإنتاج. عندها فقط، سيضع ذلك الشعب قدمه على طريق النهضة، وسينجح خلال عقود قليلة بأن ينهض ببلده ويجعلها بمصاف أكثر الدول تقدما وحضارة.
لماذا تفشل الأمم
قبل ثلاث سنوات أصدر جيمس روبنسون ودارون أشيموجلو – وهما أكاديميان من جامعة إم آي تي – كتاب “لماذا تفشل الأمم: أصول السلطة والازدهار والفقر” أو “لماذا تفشل الدول” (Why Nations Fail). أثار الكتاب اهتمام الباحثين في مجال الاقتصاد والاقتصاد السياسي، وصنف كأحد أهم الكتب في مجاله. وقد صدرت مؤخرا الترجمة العربية لهذا الكتاب وهي تباع في معرض الكتاب المقام حاليا بالرياض.
تتلخص فكرة مؤلفي الكتاب أن فشل الدول ونجاحها اقتصاديا ليس له علاقة بالموقع الجغرافي لتلك الدولة، كما أنه ليس له علاقة بثقافة سكان تلك الدول وعاداتهم أو قيمهم الدينية أو عرقهم. وإنما، تنجح الدول أو تفشل بسبب شكل مؤسساتها الاقتصادية والسياسية ونوعها.
حيث يسرد المؤلفان شواهد تاريخية كثيرة للدول التي استطاعت أن تنهض باقتصادها، وكان العنصر المشترك في تلك الدول هو وجود مؤسسات اقتصادية وسياسية تشاركية. أي مؤسسات غير محتكرة من قبل قلة قليلة وإنما شاملة وضامة لكل أو أغلب شرائح المجتمع. فنمو اقتصاد أي دولة يعتمد بشكل أساسي – حسب وجهة نظر مؤلفي الكتاب – على قدرة تلك الدولة على فرض حقوق الملكية، وإيجاد أرضية تنافسية متساوية للجميع، وتحفيز الاستثمار في التقنيات الجديدة والمهارات التي تدفع بالتنمية الاقتصادية، وهذه العناصر لا يمكن أن تتوفر إلا بوجود مؤسسات اقتصادية وسياسية تشاركية.
في المقابل تفشل الدول عندما يتم احتكار المؤسسات الاقتصادية والسياسية. فعندما يسود الاحتكار قطاعات الاقتصاد، يتوقف التنافس، ويغيب حافز الإبداع والابتكار في المجال الاقتصادي، فيتباطأ الاقتصاد ويعجز عن النمو بسرعة كافية للوصول لمصاف الدول المتقدمة اقتصاديا. كما يرتكز النمو – المؤقت – لتلك الدول التي يسود فيها احتكار قطاعات الاقتصاد على استنزاف الموارد البشرية والاقتصادية من دون تقديم قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد، فتنمو تلك الدول لسنوات أو ربما عقود ثم يتوقف الاقتصاد عن النمو أو ينهار تماما – كما حدث في الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال.
التخطيط الاقتصادي في العصر الحجري
بين كل فترة وأخرى، يطل علينا وزير الاقتصاد محمد الجاسر، ليطلق تصريحا يستفز فيه غالبية المواطنين. وهي عادة تتكرر كل ثلاثة أشهر تقريبا، ويبدو أن هدفها هو تذكيرنا بوجود وزارة اسمها وزارة الاقتصاد والتخطيط.
آخر تصريحات الوزير محمد الجاسر، والتي أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي واستفزت الكثيرين، كانت بخصوص البطالة في السعودية، حيث أشار الجاسر أن البطالة موجودة منذ زمن النبوة، وأن معدلات البطالة معقولة في السعودية وأنها لا تتجاوز 6% بين السعوديين. كما ذكر أن الاقتصاد السعودي يوفر فرص عمل هائلة جدا، مستدلا بوجود 10 ملايين وافد يعملون في القطاع الخاص.
لا أستطيع فهم سبب الاستشهاد بوجود البطالة منذ زمن النبوة، وهو أمر قد يكون صحيحا، فلا توجد دولة بالعالم ولا مجتمع يخلو من البطالة بشكل كلي. ولكن المستفز – حسب رأيي – هو التقليل من خطورة الوضع فيما يتعلق بأزمة البطالة. كما أن الأرقام التي استخدمها الوزير هي أرقام خاطئة أو مضللة، فنسبة البطالة التي ذكرها وهي 6%، بينما نشرت مصلحة الإحصاءات العامة – التي يرأسها الجاسر من خلال وزارة الاقتصاد – أن نسبة البطالة بين السعوديين هي 11.7% وهي نسبة مرتفعة وليست عادية كما يدّعي الجاسر. كما أنها نسبة مرشحة للارتفاع بشكل حاد في السنوات القادمة.
أما استدلاله بعدد الوافدين – الذي يصل إلى عشرة ملايين – لإقناعنا أن فرص العمل وفيرة، فالجاسر يعلم يقينا أن غالبية تلك الوظائف من الوظائف المتدنية جدا، فمعدلات الرواتب عند غير السعوديين لا تتجاوز 1500 ريال، وحسب إحصائيات وزارة العمل فإن أقل من 500 ألف موظف غير سعودي يستلم مرتبا يزيد على 2500 ريال. هذا يعني ضمنا، أن الوظائف القابلة للتوطين حاليا من خلال الإحلال، قد لا تتجاوز 500 ألف وظيفة، في المقابل نجد أن سوق العمل يدخله سنويا أكثر من 300 ألف سعودي، أي أن الإحلال لن يكفي لتغطية سنتين من تدفقات الباحثين عن عمل من السعوديين.
بدل أن يقلل الجاسر من خطورة البطالة، نتمنى منه أن يقوم بدوره – التخطيط الاقتصادي – ويطلعنا على خطته للسنوات العشر القادمة، وكيف سيتمكن الاقتصاد السعودي من خلق أكثر من 3 ملايين وظيفة عالية القيمة للسعوديين، يفترض أن تكون مرتباتها تزيد على 4000-5000 ريال. وبدل الاستشهاد بالوضع الاقتصادي في عصر النبوة، نتمنى أن يخرج بخطة اقتصادية لا تنتمي للعصر الحجري.
توطين الصناعة العسكرية
تحتل السعودية المرتبة الثالثة عالميا في حجم الإنفاق العسكري، بإنفاق يتجاوز 80 مليار دولار (300 مليار ريال)، كما احتلت المرتبة الأولى عالميا في نسبة الزيادة في الإنفاق العسكري، بزيادة بلغت 21% في 2014. جزء من هذه الميزانية يتم إنفاقه على رواتب منسوبي القطاعات العسكرية، ولكن في المقابل أيضا يتم إنفاق عشرات المليارات سنويا في شراء الأسلحة وصيانتها وشراء قطع غيارها. ورغم الإنفاق العسكري الضخم خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن كل محاولات توطين الصناعة في هذا المجال لم تؤتِ أكلها حتى الآن.
قبل حوالي الأسبوع تم تعيين محمد الماضي – الرئيس التنفيذي السابق لشركة سابك – بمنصب رئاسة المؤسسة العامة للصناعات العسكرية. تعيين شخص بخبرة محمد الماضي الذي كان يرأس أحد أكبر شركات البتروكيماويات بالعالم وأكبر مجموعة صناعية بالمملكة يبعث على التفاؤل بأن هناك توجها حقيقيا هذه المرة لإنجاح توطين الصناعات العسكرية.
ليس المطلوب في هذه المرحلة أن نصنع الطائرات الحربية أو الصواريخ، ولكن لو استطعنا على أقل تقدير صناعة قطع الغيار التي تحتاجها الترسانة العسكرية لوفرنا عشرات المليارات سنويا، وخلقنا آلاف الوظائف. كما أن هذه الصناعات ستمهد الطريق لصناعات أخرى قد تتقاطع بشكل أو بآخر معها في التقنيات المستخدمة. فالصناعات العسكرية في العالم كانت مفتاحا لكثير من التقنيات والاختراعات في العالم، كالإنترنت والأشعة الطبية وغيرها.
بناء قاعدة صناعية هي الخطوة الأولى والأهم لتنويع اقتصادنا وتنويع صادراتنا، ودخول مجال الصناعات العسكرية يصب بهذا الاتجاه، وحتى نضمن الاستفادة الكاملة من الصفقات العسكرية التي نقوم بها، علينا تضمين شروطنا في تلك الصفقات، باشتراط توطين صناعة جزء مما نشتريه وصناعة قطع غياره.