السعودة الإنتقائية

في الوقت الذي تستمر فيه وزارة العمل في إطلاق الأنظمة والمبادرات التي تدفع القطاع الخاص لزيادة نسب السعودة، تتزايد الضغوط في الجهة المقابلة على الشركات والمؤسسات وتواجه كثير من هذه المنشآت مصاعب تؤثر على أدائها المالي وقدرتها على التوسع أو حتى قدرتها على الاستمرار. كل هذه الآثار السلبية هي أمر متوقع ولا مفر منه، فالقطاع الخاص أدمن خلال الثلاثين سنة الماضية على العمالة الرخيصة، ومن المستحيل إحلال المواطنين بنفس تكلفة الوافدين، وبالتالي فإن هوامش الربح ستتقلص وتؤثر بشكل مباشر على نشاط هذه الشركات والمؤسسات.

وفي الوقت الذي يجب أن نتعامل مع هذا الواقع الجديد في القطاع الخاص فإنه يجب في نفس الوقت أن نتجنب بكل الوسائل الممكنة أي ضرر يقع على القطاع الإنتاجي من القطاع الخاص. لأن القطاع المنتج هو طريقنا الوحيد لخلق الوظائف على المدى الطويل، وهو الدعامة الرئيسية للتحول لاقتصاد منتج ومستدام لا يعتمد على النفط.

فتوطين الوظائف في قطاع التجزئة على سبيل المثال، يسهم في توفير مزيد من الوظائف للمواطنين ولا يبطيء من عجلة النمو في القطاع الإنتاجي، لذلك لايوجد أي مبرر لفتح باب الاستقدام لهذا القطاع، ويفترض أن يتم سعودته بالكامل خلال السنوات القادمة. ويمكن أن تعامل قطاعات أخرى على نفس الأساس، مثل جزء كبير من قطاع الخدمات كالمطاعم والخدمات الفندقية والشقق المفروشة والترفيه.

أما القطاعات الإنتاجية كالصناعة ومقاولات البناء على سبيل المثال، فعلى وزارة العمل أن ترخي قبضتها عليها، وتفسح المجال لها للتوسع من دون أن تواجه عنق زجاجة يمنع ذلك ويتمثل غالبا في عدم توفر القوى العاملة، فالقطاعات الصناعة من أفضل مصادر خلق الوظائف، وعادة ما تخلق كل وظيفة صناعية أكثر من خمسة وظائف في القطاعات الأخرى، كما أنها تسهم في زيادة حجم الصادرات وتقليص حجم الواردات وبالتالي تقليص عجز الميزان التجاري (بعد استبعاد النفط)، وتقليص هذا العجز يجب أن يمثل هدف استراتيجي لضمان اقتصاد قابل للاستدامة. أما قطاع المقاولات الذي يعاني من نقص العمالة أو سوء الإدارة فهو ضروري في تنفيذ المشاريع الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية، وهي البنية التي سترفع من طاقة الاقتصاد الإنتاجية وتصب بالنهاية في خلق مزيد من الوظائف.

لذلك فعلى راسمي الاستراتيجيات في الاقتصاد أن يعملوا على تحديد القطاعات المنتجة وتمييزها عن القطاعات الأخرى، وسن قوانين تختص بكل قطاع بشكل منفصل، وأن ترسم الاستراتيجيات بناء على هذه التصانيف، ويتم منح القطاعات المنتجة عناية خاصة لضمان عدم تأثرها سلبيا باي تشريعات أو قوانين جديدة. فأكبر خطأ يمكن أن نرتكبه هو إعاقة نمو القطاعات التي ستخلق لنا الوظائف

تعليقات فيس بوك

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>