Monthly Archives: أبريل 2011

أيها التجار… ارفعوا الأسعار…

حرب شعواء تشنها وزارة التجارة وهيئة السياحة والصحافة والمجتمع على التجار الذين رفعوا أسعار سلعهم أو خدماتهم. تقارير صحفية وأخبار عن ملاحقة المتلاعبين بالأسعار تتصدر الصحف كل يوم، وتقارير على القنوات التلفزيونية الرسمية تكاد تصل لدرجة التحريض على التجار، لإشارتها أن التجار يستغلّون الأوامر الملكية لرفع الأسعار، بل ويشيرون صراحة، أن التجار في كل مرة تحاول الحكومة رفع المستوى المعيشي للمواطن لإسعاده، يتدخلون ليسرقوا هذه الفرحة. هيئة السياحة أعلنت أكثر من مرة عن (معاقبتها) لأصحاب الشقق المفروشة الذين استغلوا الموسم السياحي ورفعوا الأسعار. حملات شعبية أطلقت لمقاطعة التجار الذين يرفعون اسعار السلع. كل هذا الحراك التنظيمي الحكومي والإعلامي والاجتماعي أمر إيجابي، ولكن هل هذه هي المعركة التي يجب أن تخوضها الجهات التنظيمية والإعلام والمجتمع؟

لنفترض جدلا أن هذه الحملة نجحت في إيقاف رفع الأسعار، ورضخ التجار جميعا وثبّتوا أسعار سلعهم وخدماتهم. هل سيرضخ أيضا تجار الأراضي المحتكرين ويوقفوا الإرتفاع المستمر والجنوني للأراضي؟ ارتفاع أسعار الأراضي يؤثر بشكل مباشر على أسعار الإيجارات سواءا للأفراد أو للتجار. ومع كل إرتفاع ستتقلص وبشكل حتمي هوامش أرباح التجار، بل قد يبدأ بعضهم بالخسارة. فمالذي نتوقعه من التجار؟ رفع أسعار السلع والخدمات ردة فعل طبيعية لاستمرار ارتفاع أسعار الإيجارات. واذا تم الضغط على التجار والمستثمرين حتى لا يرفعوا أسعارهم، رغم ما يعانونه من ارتفاعات في أسعار العقار، فنحن عمليا نقول لهم: ضحّوا بجزء من أرباحكم او حتى (اخسروا) حتى يتمكن تجار الأراضي من الاستمرار في رفع أسعار أراضيهم واستنزاف ثروات المواطنين وزيادة ومراكمة ثرواتهم الخاصة.

من غير المنطقي أن نحارب التجار، الذين يعملون في سوق مفتوحة، ويخاطرون بجهدهم وأموالهم، ويعملون على تسهيل حصول المواطن على السلع والخدمات، وفي المقابل نترك المحتكر الحقيقي، والمتسبب الفعلي في هذه الإرتفاعات، الذي لا يسهم بأي قيمة مضافة، ولا يخاطر ولا يجتهد، وبنفس الوقت تستمر أرباحه بالازدياد بشكل يومي على شكل زيادة بأسعار الأراضي التي يمتلكها. إن المواطن يعيش مشهدا دراميا، فهو محاصر من كل الإتجاهات، فتكلفة سكنه تزداد بشكل سنوي، وتكلفه السلع والخدمات التي يشتريها تزداد أيضا بشكل مستمر، وكل ذلك عائد لمشكلة احتكار الأراضي التي لم يستطع أحد أن يعالجها بشكل جذري ونهائي. رغم سهولة هذا الحل بفرض رسوم أو زكاة على كل الأراضي البيضاء.

إن ارتفاع أسعار السلع والخدمات هي ليست ربح إضافي لتجار هذه السلع والخدمات، بل هي ضريبة يدفعها كل المواطنين لتجار الأراضي. ومادام الاحتكار مستمرا بلا علاج، فستستمر هذه الضريبة بالارتفاع يوما بعد يوم. لذلك الأولى من كل الجهات التي ترغب بحماية المواطنين من هذه الارتفاعات الجنونية بالأسعار أن تركز على جذر المشكلة وأن تترك الأعراض. فمعركتنا في محاربة ارتفاع الأسعار هي معركة ضد تجار الأراضي ولا أحد غيرهم.

أثرياء نحبهم… وأثرياء نكرههم…

يرتبط الثراء في كثير من المجتمعات الإنسانية بصور نمطية سيئة، وقد يكون الأثرياء عرضة لأوصاف كالجشع والإستغلال وانعدام الإنسانية وغيرها من الصفات السلبية، وارتبط الثراء الفاحش في أذهان الناس بظواهر اقتصادية كالطبقية والفقر، وظهرت على إثر ذلك بعض الأيدولوجيات والحركات السياسية التي حاربت الثراء والأثرياء واعتبرتهم أعداءا للشعب وفي بعض الأحيان صادرت كل ثرواتهم، وسعت بعض هذه الأيدولوجيات لمجتمع مطلق المساواة كما هو الحال في الشيوعية، أو شبه متساو كما هو الحال في بعض الأنظمة الإشتراكية.

ولكن الحقيقة أن الأثرياء ليسوا سواء، فبعض الأثرياء هم فعلا أعداء للمجتمعات، وثرواتهم يكدّسونها على حساب الشعوب، وهم سبب مباشر لإفقار المجتمعات وتخلّفها وإفسادها، ولكن في الجهة المقابلة، هناك أثرياء أثْروا المجتمع، وحسنوا من حياة الناس وجعلوها أفضل، وثراؤهم هو بمثابة مكافأة من المجتمع نظير ما قدموه.

يمكننا التمييز بين النوعين من خلال معرفة وسيلة إثرائهم، فكل ثري جمع ثروته من خلال جعل حياة الناس أفضل، سواءا بجعلها أسهل وأكثر رفاهية، أو أكثر متعة، أو أكثر إنتاجية، فهو ثري يستحق محبة الناس والشعوب ويستحق كل ما كسبه، وكل ثري حصل على ثروته من خلال إستغلال حاجة الناس أو إستغلال منصبه أو راكم ثروته من خلال الإحتكار أو الفساد والإحتيال أو تجارة الممنوعات، فهو ثري لا يستحق الإحترام ولا المحبة ولا التقدير، بل حق للشعوب أن تكرهه وتمقته. ولإيضاح الصورة أكثر، سنضرب أمثلة ببعض أثرياء العالم، فبيل جيتس الذي يملك أكثر من 50 مليار دولار، تشير التقديرات أن القيمة المضافة على إقتصاد العالم للمنتجات التي أطلقها تزيد على 3000 مليار دولار. وذلك من خلال تحسين إنتاجية الأعمال وتسهيلها، أي أنه مقابل كل 60 دولار أثرى به المجتمع، حصل بيل جيتس على دولار واحد، وهو بلا شك يستحق ذلك. وينطبق ذلك أيضا على هنري فورد، وهو أول من بدأ بصناعة السيارات بكميات كبيرة لتصبح في متناول عامة الناس، فهذا الشخص مكّن الطبقة الوسطى من شراء السيارات وتحسين حياتهم بشكل كبير، وبالتالي فهو يستحق مكافأة المجتمع له ويستحق أن يكون ثريا. وكل من بنى مصنعا ووظف المئات من المواطنين، وأنتج سلعة، أو حتى افتتح مطعما يستمتع الناس بالأكل لديه، فهو أثرى المجتمع واستحق الثراء.

في المقابل هناك أمثلة واضحة لوسائل إثراء تضر بالمجتمعات والاقتصاد بشكل مباشر، فمن يراكم الثروة من خلال البنوك الربوية واستغلال حاجة الناس، فهو يزيد ثروته بطريقة لا تضيف للاقتصاد أي قيمة، ذلك لأن مخاطرته في هذه الوسيلة تقترب من الصفر، وثروته تستمر بالازدياد من دون مجهود أو مخاطرة، أو من يحتكر الأراضي الواسعة من دون أن يستثمرها أو يدفع زكاتها انتظارا لارتفاع سعرها، حتى لو كان ذلك على حساب الناس، وحتى لو أدى لزيادة معاناتهم في إيجاد أرض رخيصة لبناء مساكنهم، وحتى لو تسبب ذلك في إرتفاع الإيجارات والسلع وغالبية الخدمات، كل ما سبق أمثلة لوسائل إثراء تستنزف موارد الاقتصاد والمجتمع من دون إضافة أي قيمة، بالإضافة إلى النماذج الأخرى للثراء غير المشروع كالفساد والرشاوي واستغلال المنصب. فهؤلاء جميعا، عكس الأثرياء الذين نحبهم، بدل أن يكسبوا قليلا مقابل الكثير الذي يقدمونه، فإنهم يأخذون كثيرا ولا يقدمون شيئا أبدا.

هناك من يكره كل الأثرياء، كالشيوعيين مثلا أو غيرهم، وهؤلاء لا يعرفون الأثرياء الذين نحبّهم، وهناك من يحب كل الأثرياء، كالرأسماليين الذين ينادون بسوق حر لا يضبطه ضابط، وهؤلاء لا يعرفون الأثرياء الذين نكرههم. إن إيماننا بالقدر وتقسيم الأرزاق لا يعني سكوتنا عن تكديس الثروات ظلما على حساب الفقراء، ولكننا أيضا لا ندعو لشيوعية أو اشتراكية، فالعدالة لا تقتضي أن لا يكون هناك أثرياء، بل أن هذا هو الظلم بعينه، ولكن العدالة تقتضي أن يكون الثراء مرتبطا بشكل مباشر بمقدار إثراء الفرد للمجتمع، لأن الكل رابح في هذه الحالة. ومن نعم الله لنا أن من علينا بدين الوسطية، دين الإسلام، دين يحث على العمل والإبداع والإنتاج والتربح، ولكنه أيضا دين يحارب الاحتكار والمراباة والفساد وكل كسب غير مشروع.

توطين الوظائف هو الأصل وليس الإستثناء

قامت أحد الشركات الإستشارية المتخصصة في القوى البشرية بدراسة عن الموظف المحلي والبحث عن أسباب تفضيل رجل الأعمال للموظف الأجنبي على المواطن. فخلصت إلى استنتاجات أن رجل الأعمال يعتقد أن المواطن عيوبه كثيرة، كعدم الالتزام بالوقت أو الوظيفة، وافتقاده للمهارات الفنية وعدم قدرته على التحدث بلغة أجنبية، وضعفه بالقراءة والكتابة وعدم مرونته بالعمل أو انضباطه بالتصرفات. المفاجأة أن الشركة التي قامت بالدراسة هي شركة بريطانية، وكانت الدراسة تخص الموظف البريطاني، ورجال الأعمال الذين سئلوا هم رجال أعمال بريطانيون. هذه القصة أوردها الدكتور عبدالرحمن الزامل – رئيس مجموعة الزامل الصناعية – في أحد المناسبات مؤخرا.

النتائج التي استخلصتها الدراسة، ورأي رجال الأعمال البريطانيين شبيه جدا بما يقوله كثير من رجال الأعمال بالسعودية، ففي لقائه بالغرفة التجارية، أشار صالح كامل رئيس مجالس الغرف التجارية أكثر من مرة خلال حديثه، أن أكبر عقبة تواجههم لسعودة الوظائف هي عدم رغبة الموظف السعودي بالدوام الطويل، وتفضيله للوظائف المريحة التي تضمن قربه من أسرته ولا تحمل مشقة كبيرة، وكان ردي خلال نفس اللقاء على هذا الإعتقاد السائد بين رجال الأعمال أن النماذج التي تثبت خطأ هذه المقولة لا تعد ولا تحصى، فموظفوا شركة أرامكو – على سبيل المثال – يكابدون مشقة شديدة، وبعض من يعمل في أماكن بعيدة تزيد مدة دوامه عن 12 ساعة يوميا، في مناخ حار جدا وسط الصحراء، وقد يغيب عن أهله أسابيع أو أشهر طويلة، ورغم ذلك فإنه لا يشتكي، بل لو فتحت وظيفة شاغرة في نفس الموقع، لتقدم عليها عشرات الألوف من المواطنين، فمالذي يفسر ذلك؟ السبب بكل بساطة، أن من يعمل في أرامكو يحصل على مردود مالي ومعنوي ممتاز، يوازي حجم المشقة، ولن يتوانى الموظف هناك ببذل كل ما بوسعه لرد هذا التقدير، وهذا ينطبق على قطاعات أخرى كثيرة كسابك والبنوك وغيرها. في المقابل نجد أن غالبية القطاعات الخاصة الأخرى لا يزيد معدل رواتبها عن 3200 ريال، وهو راتب بالكاد يكفي لشخص واحد، فما بالك بمن يطمح بالزواج وإعالة أسرة وفتح بيت، فكيف نتوقع من شخص أن يبذل من جهده في وظيفة بيئتها الادارية سيئة، وعائدها المادي قليل ولا مستقبل لها.

العامل الأجنبي في كل دول العالم هو المفضل بالنسبة لرجل الأعمال، لأنه دائما ما يكون أقل تكلفة، وأكثر حرصا على التركيز على العمل وبذل الجهد، لأنه موجود لفترة مؤقتة قبل العودة لبلاده، ولذلك فإن كل دول العالم المتقدم تضع عقبات شديدة في وجه الاستقدام المفرط، وذلك تفاديا لدخول أعداد كبيرة من العمالة الرخيصة التي تنافس المواطن في وظائفه وفي أعماله الحرة وتتسبب في إنخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع معدلات البطالة، ويعلم رجال الأعمال في دول العالم المتقدم أن استقدام الموظف الأجنبي هو الإستثناء وليس الأصل، أما في السعودية، فيعتقد بعض رجال الأعمال أن استقدام غير السعوديين هو الأصل وتوظيف السعودي هو الإستثناء، وهذا مفهوم خاطيء تماما يجب أن نعمل جميعا على تصحيحه.

إن توطين الوظائف لمواجهة البطالة، لم يعد مجرد حل لمشكلة إجتماعية، بل أنه أصبح مسألة أمن قومي، والتأخر بعلاجه يهدد الأمن والسلم المحلي، ونحن أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الوقوف مع المواطن والدولة للمساهمة في نزع فتيل قنبلة البطالة، وإما الإستمرار في السباحة عكس التيار والبحث عن المصالح الضيقة بعيدا عن مصلحة الوطن الشاملة.