Tag Archives: تضخم

ثلاثة أورام سرطانية تفتك بجسد الاقتصاد السعودي

يواجه الاقتصاد السعودي العديد من المشاكل، نشأ أغلبها بسبب عيوب اقتصادية هيكلية، أهمها منهج الاقتصاد الريعي الذي كان يدار به الاقتصاد في العقود الثلاثة الماضية، حيث باتت غالبية الأسر السعودية تعتمد على الدولة كمصدر رئيسي للدخل، كما أن غالبية القطاعات الاقتصادية في القطاع الخاص تعتمد على الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر لضمان بقائها واستمراريتها. أدى ذلك لتركز غالبية القوى العاملة من السعوديين في القطاعات الحكومية وفتح الباب على مصراعيه للقوى العاملة الوافدة والرخيصة لتشغيل بقية الاقتصادي، والذين تحولوا للمحرك الرئيسي لكل القطاعات الاقتصادية غير الحكومية، ووصلت نسبة العمالة الوافدة – وأغلبها عمالة رخيصة – من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص أكثر من 90%. الخلل الاقتصادي الثالث بعد انتهاج الاقتصاد الريعي وفتح الابواب على مصاريعها للعمالة الوافدة الرخيصة هو غياب القوانين والأنظمة التي تضمن عدم احتكار الأراضي، بل على العكس فقد كانت هناك بعض الأنظمة التي تسهل تحويل الأراضي البيضاء إلى أوعية استثمارية من دون أي إضافة انتاجية.

كل هذه الأخطاء والعيوب الاقتصادية لم تكن مؤثرة ولم تكن أعراضها بادية للمواطن العادي، فقلة عدد السكان قبل ثلاثين أو عشرين سنة كانت تسهل عملية توزيع ريع الدولة على المواطنين من خلال التوظيف الحكومي أو الدعم الحكومي لبعض القطاعات كالزراعة وغيرها مما يوفر للأسر دخلا مناسبا من دون إنتاجية حقيقية. وأدى ضعف النمو في الإنتاجية إلى جمود في مستويات دخل المواطنين، في المقابل استمرت دول العالم – حتى الدول النامية التي كانت فقيرة جدا – بالنمو واستمرت انتاجيتهم بالارتفاع يوما بعد يوم، وارتفعت نتيجة لذلك مستويات الدخول في كل العالم، ومعها ارتفعت أسعار السلع، ابتداء بالأغذية وانتهاء بالسيارات وغيرها من الضروريات، فبينما كانت الهند تصدر لنا كل انتاجها من الرز عالي الجودة، زادت أعداد الطبقة المتوسطة بالهند وارتفع استهلاكهم الداخلي لهذا الرز وبالتالي ارتفعت أسعار الأرز على المواطن السعودي، ويمكن القياس على ما يحدث في الأرز على غالبية السلع الأخرى. وبالإضافة للجمود في نمو الإنتاجية فإن الدولة قلصت بشدة من مستويات التوظيف الحكومي، وبنفس الوقت ازدادت أعداد الداخلين لسوق العمل من الشباب بشكل كبير، وأصبح القطاع الخاص هو الخيار الوحيد لهم، ولكن القطاع الخاص عاجز عن توظيف الأعداد الكبيرة من الشباب برواتب تتلاءم مع المستويات الاجتماعية السائدة، لأن القطاع الخاص أدمن العمالة الرخيصة، ولا يمكن أن يوقف إدمانه فجأة، فهذا الإدمان استمر لعقود طويلة وبنيت على أساسه كل دراسات الجدوى التي يعمل من خلالها القطاع الخاص، وبسبب ذلك بدأ شبح البطالة يطل برأسه ويبرز كأحد أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع وخاصة الجيل الجديد من الشباب الذين يدخلون سن العمل سنويا ويأملون في بدء حياتهم المستقلة وتكوين حياة عائلية مستقرة. وأخيرا فإن مشكلة الأراضي وشحها المصطنع الذي اعتقد أنه لم يخطر ببال أحد قبل ثلاثين سنة أنه سيتسبب بالكارثة التي نعيشها اليوم هي أحد أكثر الأخطاء إيلاما للمواطن السعودي، وهو ألم يستشعره المواطن بشكل يومي، فغالبية الأسر تعاني لامتلاك منزل، وتعاني لدفع الإيجار، وكل ذلك بسبب الارتفاع غير المبرر في أسعار الأراضي الناتج عن احتكار قلة قليلة لهذه الأراضي وغياب الأنظمة التي تقضي على الإحتكار.

البطالة وارتفاع أسعار السلع المستمر لايمكن علاجهم إلا من خلال تغييرات هيكلية في الاقتصاد، تعيد تشكيل السياسات الاقتصادية وتحولنا لاقتصاد منتج قابل للاستدامة لا يعتمد على الطاقة ويستطيع أن ينتج بقدر ما يستهلك. هذه التغييرات ستحتاج لسنوات طويلة حتى تظهر آثارها، لن تقل عن خمس سنوات وقد تتجاوز العشر سنوات. وهي عملية معقدة تحتاج إلى أفضل العقول القادرة على قيادة دفة الاقتصاد وأخذه لبر الأمان. كما أن كل الحلول القادرة على علاج تلك المشكلتين ستتطلب تضحيات كبيرة من الجميع بدون استثناء وستكون فاتورة الإصلاح مؤلمة ومكلفة سياسيا. في المقابل نجد أن مشكلة الإسكان رغم أنها الأكثر إيلاما للمواطن في الوقت الحالي إلا أنها أسهل المشاكل حلا. فلب مشكلة الإسكان هو ارتفاع أسعار الأراضي، وسبب ارتفاع أسعار الأراضي هو احتكارها، وطريقة كسر احتكارها هو جعل تكلفة الاحتفاظ بهذه الأراضي غير المستفاد منها مرتفعا، وزيادة تكلفة الاحتفاظ ممكن من خلال سن الرسوم أو الزكاة على كل من يملك أراض بيضاء تزيد عن حاجته، وعلاج مشكلة الأراضي لن تكون له كلفة سياسية واجتماعية كبيرة كما هو الحال مع بقية الحلول. فالشريحة المتضررة صغيرة جدا، والضرر عليها لن يكون مؤثرا عليهم فغالبيتهم أثرياء، وما يمارسونه من احتكار للأراضي ممارسة غير منتجة بكل الأحوال وقد راكمت هذه الشريحة الصغيرة ثروات ضخمة من دون أن تضيف للاقتصاد شيئا بل أنها أضرت بالاقتصاد بشكل جسيم. كما أن ما يقومون به يشكل ظلما للمجتمع وهو ممارسات غير أخلاقية حتى لو كان القانون يسمح بها.

جذور أسباب الآلام الاقتصادية التي ذكرناها وهي ارتفاع أسعار السلع والبطالة وارتفاع السكن هي أشبه بالسرطانات التي تكونت بدايات أورامها منذ ثلاثين سنة، ولم يشعر بها أحد طوال هذه المدة، حتى تضخمت وكبرت وأصبحت تؤلم جسد الاقتصاد وتزداد إيلاما يوما بعد يوم، وكلما كبرت هذه السرطانات كلما تقلصت الطبقة المتوسطة وزاد الفقر وخُنق الاقتصاد، وإن كان علاج سرطان البطالة وارتفاع الأسعار معقدا، فإن استئصال ورم احتكار الأراضي الذي يتسبب بارتفاع أسعار السكن سهل جدا، ولا يحتاج لجراح ماهر، وستختفي آثار هذا السرطان بمجرد استئصاله وليس لاستئصاله أية أعراض جانبية سلبية، ولذلك فإننا نعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لهذا الورم، خاصة أن استئصاله سيمهد لعلاج بقية السرطانات، والتي ستكون أكثر تعقيدا وفترة علاجها ستكون مؤلمة بشدة لكل الجسد، وستتطلب أن يضحي أعضاء الجسد كلهم – بدون استثناء – خلال عملية العلاج، فلا يمكن لهذه العملية – عملية علاج البطالة وارتفاع الأسعار = أن تنجح من دون تضحيات، فإما التضحية وإلا فإن هذه السرطانات ستقتل جسد الاقتصاد، ولكن قبل أن ندخل في العلاج المؤلم، لنبدأ خطوتنا الأولى باستئصال الأسهل وهو سرطان احتكار الأراضي.

(المقال منشور بموقع المقال)

وانتصر المستهلكون… على من لا يراعي…

خلال فترة قياسية لا تتجاوز الأسبوع، إستطاع المجتمع أن يوحد صفوفه في مواجهة رفع الأسعار لسلعة إستهلاكية ضرورية وهي الحليب واللبن، فبعد أقل من يوم من إطلاق حملة المقاطعة لمنتجات شركة المراعي بسبب رفعها غير المبرر للأسعار انتشرت أصداء الحملة في جميع وسائل الت واصل من شبكات إجتماعية أو بلاك بيري أو رسائل للجوال، وتبادل الناس صور ثلاجاتهم وسفرة الطعام وهي تتزين بمنتجات بديلة، وبعد أيام من الحملة انتشرت صور أرفف المراعي في الأسواق ومنتجاتها متراكمة من دون أن يشتريها أحد في مؤشر لا لبس فيه لنجاح المقاطعة، بل أن صدى المقاطعة وصل للدول المجاورة التي تضامن مواطنوها مع الحملة وقاطعوا منتجات شركة المراعي. وقد وصل إنخفاض المبيعات للبن والحليب لشركة المراعي حسب أحد الأصدقاء الذين يملكون سلسلة من السوبرماركتات في المنطقة الشرقية أكثر من 40%، وهو انخفاض حاد جدا يستحيل لشركة المراعي أن تتحمله لفترة طويلة، خاصة أن نصف مبيعات منتجاتها هي من الألبان، كما أنها قد تخسر عملائها للأبد إذا وجدوا بدائل بنفس الجودة واعتادوا عليها. q00g

في نفس يوم صدور قرار إعادة الأسعار للألبان خرج المدير التنفيذي لشركة المراعي وذكر أن مبيعات شركة المراعي (لم تتأثر). وأن عدم رفع السعر سيؤدي لأضرار في استثمارات القطاع وقد يؤدي لنقص في توفير السلع، أما التأثر بالمبيعات فالجميع شاهد بنفسه تأثير المبيعات ولا نحتاج تأكيد أي جهة، أما تضرر الإستثمارات، فكما أشرنا بالمقال السابق زادت أرباح شركة المراعي على 1200 مليون ريال! أما النقص في معروض السلع، فإن حدث هذا النقص كما يقول المدير التنفيذي للشركة، فحله بسيط، وهو إيقاف التصدير، حيث تصدر الشركة الألبان للبحرين والكويت وقطر والإمارات، فالمستهلك المحلي أولى بالاستفادة من منتج مدعوم من قبل الدولة ويستنزف الموارد الطبيعية بشكل كبيرة.

إن النجاح الكبير لهذه الحملة يمثل رسالة واضحة لكل التجار بأن يراعوا المستهلك قبل أن يفكروا بمضاعفة أرباحهم من دون مبرر إستغلالا لقوتهم في السوق أو احتكارهم لسلعة معينة. كما أن نجاحها زرع الثقة في نفوس المستهلكين بأن لديهم القدرة على حماية أنفسهم من جشع بعض التجار من دون إنتظار تحرك جمعيات حماية المستهلك أو غيرهم.

مقالات متعلقة:

(المقال منشور في جريدة اليوم)

كيّفوا الأبقار وارفعوا الأسعار

cowفي بلد صحراوي شديد الحرارة، لا تستطيع غالبية الكائنات الحية العيش فيه – باستثناء الضبان والجمال والجرابيع – يتم إنشاء مصانع ضخمة للألبان، تجلب لها الأبقار من أقاصي الأرض، أبقار لا تعيش في حرارة تقل عن 25 درجة، وحتى تتمكن هذه الأبقار من البقاء والإنتاج يتم وضعها  في بيئة (مكيفة). وفي بلد جاف لا يكاد ينزل فيه المطر تستهلك هذه الأبقار كميات ضخمة من المياه. كما تستهلك هذه الأبقار كميات كبيرة من الأعلاف، وبما أن أرضنا قاحلة، فالأعلاف غالبيتها مستوردة. التكييف الذي يبرّد هذه الأبقار يستهلك كميات هائلة من الكهرباء، كهرباء يباع لهذه المصانع بأسعار مدعومة من الحكومة – أي أموال المواطنين. والمياه التي تستنزفها هذه الأبقار، تباع بأسعار مدعومة أيضا، وتسهم في زيادة المشكلة المائية التي تواجهها البلاد وتهدد مستقبلنا جميعا، كما تشتري هذه المصانع الأعلاف بدعم حكومي كبير – أي أموال المواطنين أيضا. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمر أي شركة ألبان بالعمل من دون الدعم والكرم الحكومي، باختصار، لولا الدعم الحكومي لما كُيّفت الأبقار.

رغم كل هذا الدعم الحكومي، ورغم أن بقاء هذه الشركات مرهون باستمرار هذا الدعم، ترفع هذه الشركات أسعار منتجاتها بلا حسيب ولا رقيب، وتختلق أعذارا مختلفة لرفع الأسعار، على رأس هذه الأعذار زيادة تكاليف اللقيم من أعلاف وغيرها من التكاليف المتعلقة بالإنتاج، هذا العذر قد يبدو للوهلة الأولى منطقيا، ولكن بنظرة سريعة على القوائم المالية المنشورة لأحد شركات الألبان التي رفعت سعرها – وهي المراعي – نجد أن صافي أرباح الشركة ارتفع خلال الثلاث سنوات الماضية أكثر من 40%! وبلغ أكثر من 1.2 مليار ريال في 2010 بعد أن كان حوالي 910 مليون ريال في عام 2008. أما تكاليف الإنتاج مقارنة بالمبيعات فانخفضت حوالي 1% ما بين عام 2008 و 2010، فبعد أن كانت التكاليف تمثل 60% من المبيعات في 2008 أصبحت تكلف 59% من إجمالي المبيعات. باختصار، لا يوجد أي أعذار حقيقية لرفع الأسعار.

نحن نؤمن بحرية السوق وعدم التدخل بالأسعار، ولكن يجب أن تختار الشركات، بين سوق حر تعتمد فيه الشركات على نفسها في تقليل التكاليف وزيادة الأرباح وتحديد السعر، وبين سوق مدعوم من الحكومة، ففي حالة الدعم، ليس من حق الشركات أن تتحكم بالأسعار بلا رقابة، وإن كان الدعم الحكومي وسيلة لزيادة أرباح الرأسماليين وكبار ملاك الشركات، فهو دعم لا نريده، ولا يفيد المواطن بشيء. وكان من الأولى استخدام هذا الدعم في مشاريع تنموية يستفيد منها الجميع. باختصار أوقفوا دعم التجار أو ثبتوا الأسعار.

مقالات متعلقة: شركات الألبان… والكذب المكشوف

(المقال منشور في جريدة اليوم)

توقعات إقتصادية للسنوات الخمس القادمة

السنوات الخمس القادمة ستكون حافلة بتغييرات ثورية كثيرة، فنحن أمام مفترق طرق أسبابه اقتصادية وتقنية وسياسية. وسنحاول من خلال سلسلة من المقالات استشراف المستقبل بناءا على المعطيات الحاضرة والماضية التي تساعد على التنبوء بما سيحدث. وسنبدأ في هذا المقال باستشراف المستقبل الإقتصادي.
Continue reading

شركة المراعي تحقق أرباحا قياسية (رغم معاناتها المزعومة)

كما كان متوقعا في مقال (شركات الألبان والكذب المكشوف)، فقد حققت شركة المراعي أرباحا قياسية تاريخية بلغت أكثر من 667 مليون ريال بزيادة قدرها 202 مليون ريال عن العام الذي يسبقه!

وتأتي هذه الزيادة الفلكية رغم إدعائات الشركة بأنها تواجه ضغطا ماليا بسبب زيادة تكاليف الإنتاج وهو مسوغها لزيادة أسعار الألبان.

شركات الألبان… والكذب المكشوف

بررت شركات الألبان زيادة الأسعار على منتجاتها بزيادة تكاليف الإنتاج457602763_0f0149bf3e_m والمدخلات. من حق أي شركة تعمل ضمن سوق مفتوح وحر ان تضمن بقائها من خلال المحافظة على هوامش الربح. ولكن كما أن السوق المفتوح يمنح مرونة كبيرة للشركات للتحرك والنمو والمنافسة فإن هناك أخلاقيات وضوابط تحكم هذا السوق وتضمن فيه حقوق المستهلكين، وذلك من خلال مكافحة الإحتكار واتفاقيات تثبيت أو رفع الأسعار بين الشركات. ورغم أننا لا نستطيع الجزم يقينا بأن شركات الألبان اتفقت على رفع الأسعار (التحقيق مازال جاريا في هذا الأمر من قبل وزارة التجارة)، إلا أننا نستطيع أن نجزم أن جميع المسوغات التي سيقت لتبرير الزيادة الأخيرة في الأسعار هي تبريرات كاذبة، فالسبب الرئيسي للزيادة كما تدعي شركات الألبان هو ارتفاع تكاليف (المدخلات)، أي إرتفاع تكاليف الإنتاج، مما يجعلنا نشعر أنهم على شفير الإفلاس أو أنهم يبيعون منتجاتهم بخسارة. وبما أن الإدعاء واضح ومحدد، فإن التأكد من صدقيته سهل ومتيسر، فبالرجوع للبيانات المالية المنشورة للعموم والخاصة بشركة المراعي كمثال يمكننا معرفة حقيقة هذا الإدعاء. وقد قمت بإختيار المراعي كونها أكبر منتج للألبان ولإمكانية الوصول لقوائمها المالية حيث أنها شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودي.

Continue reading