Monthly Archives: أكتوبر 2011

المنشآت الكبيرة قبل الصغيرة والمتوسطة

ما زال التركيز مستمرا من قبل كثير من المسؤولين على المبادرات المتعلقة بتنشيط الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وذلك بهدف زيادة الفرص الوظيفية للمواطن وخلق بدائل عن الوظائف التقليدية والمساهمة في تقليل أزمة البطالة المتفشية بين الشباب السعودي. هذا الأهتمام كان مبنيا في الغالب على قناعات راسخة بأن كل اقتصادات العالم المتقدمة تعتمد بشكل أساسي على الأعمال الصغيرة والمتوسطة في تنمية اقتصاداتها وفي خلق الوظائف الجديدة. وستسمع في غالب الأحيان عن أرقام براقة بهذا الخصوص، كالقول أن الأعمال الصغيرة والمتوسطة تشكل أكثر من 60% من الاقتصاد الأمريكي، أو أن غالبية الوظائف التي خلقت في أوروبا كانت من خلال الأعمال الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الإحصائيات.

ولكن السؤال الذي يجب أن يسبق كل هذه الاحصائيات الجذابة، والتي قد تدفعنا لوضع كل ثقلنا خلف دفع الأعمال الصغيرة والمتوسطة محليا، هو: ما هو تعريف الأعمال الصغيرة والمتوسطة في أوروبا وأمريكا؟ في اوروبا عدد الموظفين حسب التعريف المعتمد للأتحاد الأوروبي في الأعمال الصغيرة والمتوسطة يصل لمائتين موظف في المنشأة. أما في أمريكا فيصل هذا الرقم لـ 1500 موظف في القطاعات الصناعية، وما معدله 500 موظف في أغلب القطاعات الأخرى. أو مبيعات تقل على 7 مليون دولار (26 مليون ريال).

إن منشأة يعمل فيها 1000 موظف هي منشأة كبيرة في العرف المحلي، بل حتى منشأة يعمل فيها 200 موظف هي كبيرة في نظر الغالبية العظمى من المتخصصين لدينا، فمائتين موظف لن تقل رواتبهم – لو افترضنا أن المعدل 3000 ريال – عن 7 ملايين ريال سنويا، ومبيعات هذه المنشأة لن تقل في الأوضاع الطبيعية عن 10-20 مليون ريال سنويا. فهل هذه منشأة صغيرة أو متوسطة بالعرف المحلي؟ لا أعتقد ذلك.

في مقابل كل ذلك نجد غالبية المبادرات تركز على دعم المنشآت الصغيرة، بل الصغيرة جدا. فمبادرات كصندوق المئوية وعبداللطيف جميل لا تمول أكثر من 400 ألف ريال، وهي تكفي لمنشأة صغيرة جدا قد لا يتجاوز عدد موظفيها خمسة – وعلى الأرجح غالبيتهم من الوافدين. وهذا الحجم من المنشآت سينافس في سوق متشبعة جدا بسبب مزاحمة العمالة الرخيصة لهذه القطاعات الصغيرة، وبالتالي فإن نسبة الفشل مرتفعة والإضافة الاقتصادية منخفضة أيضا. لذلك فإن التركيز يجب أن يكون منصبا على المنشآت الأكبر حجما – وخاصة في القطاع الصناعي، والتي لن يقل رأسمالها عن 5 ملايين ريال، فهذه المنشآت ستوفر فرصا وظيفية أكبر، كما أنها ستكون إضافة حقيقية للاقتصاد المنتج المستدام.

(المقال منشور بجريدة اليوم)

استراتيجية وزارة الإسكان الجديدة.. هل تحل الأزمة؟

أعلنت وزارة الإسكان يوم أمس عن الخطوط العريضة لاستراتيجيتها الوطنية للإسكان والتي سيتم إعلان تفاصيلها بعد العيد. وقد كانت أبرز النقاط التي ذكرت بمسودة الاستراتيجية هو التركيز على زيادة عرض الأراضي المناسبة للتطوير، وزيادة القدرة الإنفاقية للمواطن لتملك مسكن، ومعالجة قضية الاحتفاظ بالأراضي البيضاء، وإنشاء نظام لمراقبة الأراضي والإيجارات للمحافظة على الأسعار والمساعدة على تشجيع سوق الإيجار، وزيادة كثافة الوحدات السكنية، وفرض ضرائب على أرباح المتاجرة بالأراضي لتقليل المضاربة عليها.

وفي تفاصيل بعض النقاط تذكر الاستراتيجية بخصوص زيادة عرض الأراضي المناسبة للتطوير عن تشريعات تجبر مالكي الأراضي على تطوير الأرض ضمن إطار زمني معين وإلا سوف يواجهون غرامات أو نزع ملكية أراضيهم، وهذه لغة غير مسبوقة، وهو تطور جوهري في علاج أزمة شح الأراضي المصطنع الناتج عن الاحتكار. ورغم عدم وجود تفاصيل لآلية تطبيق هذا الأمر إلا أن مجرد وجوده بالاستراتيجية يدل أن هناك تشخيصا صحيحا لسبب الأزمة. فلا يمكن علاج أزمة السكن من دون سن أنظمة تقضي على الاحتكار والقضاء على الشح المصطنع للأراضي. كما تشير الاستراتيجية بشكل مباشر لعلاج قضية الاحتفاظ بالأراضي البيضاء وذلك باسترداد أراضي المنح غير المستفاد منها لزيادة مخزون الأراضي المتاحة المخدومة واسترداد أراضي المنح غير المستفاد منها وذلك لتقليل الآثار السلبية للاحتفاظ بالأراضي.

تبدو الاستراتيجية بشكل عام طموحة وشاملة، وتدل على أن هناك استشعارا حقيقيا بعمق الأزمة، والحاجة لحلول جذرية تعيد سوق الإسكان لوضعه الطبيعي وتقتلع كل مظاهر الاحتكار التي تسببت بأضرار جسيمة للمواطنين، وذلك رغم وجود غموض وعدم وضوح في آلية تطبيق كثير من النقاط، وهذا الغموض قد يهدد نجاح تنفيذ الاستراتيجية ويسهل من التحايل، لذلك سننتظر إعلان تفاصيل الإستراتيجية على أمل أن يتم إيضاح كل التفاصيل ونخطو الخطوة الأولى في طريق حل أزمة السكن وحل مشكلة احتكار الأراضي.

شركة صدارة… نقلة نوعية في الطريق الصحيح

احتفلت شركة أرامكو قبل يومين بتأسيس شركة “صدارة” وهي مشروع مشترك في قطاع البتروكيماويات في بين “أرامكو” وشركة “داو” الأمريكية. ويحق لنا جميعا أيضا أن نحتفل بولادة هذه الشركة التي تمثل أهمية اقتصادية كبرى للوطن، حيث أن هذا الاستثمار الضخم الذي زاد حجمه عن 90 مليار ريال سيسهم في تقليل تصديرنا للنفط الخام والمنتجات البتروكيماوية وسنقوم بدلا من تصديره بالاستفادة منه محليا في سلسلة الإنتاج مما سيضاعف من القيمة الاقتصادية لانتاجنا النفطي وسيكون بمثابة الجسر بين انتاجنا من النفط والغاز الخام وبين الصناعات التحويلية التي ستمكننا من تصنيع المنتجات النهائية، كما ستفتح شركة “صدارة” الباب لتأسيس المئات من المصانع التي ستستخدم منتجات الشركة كلقيم لها في الإنتاج. هذا الإنتاج يتعطش له الوطن بشكل كبير حيث نقوم سنويا باستيراد أربعة أضعاف ما نصدره من المنتجات غير النفطية، وهو خلل كبير في الميزان التجاري ويجب إعطاء أولوية قصوى لسد هذا العجز، لأن التأخر بذلك سيصعب من علاج المشكلة ويجعله أكثر إيلاما على الاقتصاد المجتمع.

يتوقع أن يعمل في شركة “صدارة” أكثر من 4000 موظف، كما سيسهم في توظيف 17 ألف موظف بشكل غير مباشر، ورغم أن الرقم يبدو صغيرا نسبة لحجم الاستثمار، إلا أن هذا يعد أمرا إيجابيا وليس سلبيا، حيث يتوقع أن تزيد مبيعات الشركة على 35 مليار ريال، أي أن المبيعات لكل موظف تزيد على 9 ملايين ريال، أي أن الإنتاجية لكل موظف ستكون بالملايين، وهذا انعكاس للاستثمار الرأسمالي الضخم في التقنيات المتقدمة التي سيستخدمها المشروع، وهو الأمر الذي تعتمد عليه الاقتصادات المتقدمة لزيادة انتاجية مواطنيها وبالتالي انعكاس ذلك على حجم الاقتصاد بشكل عام. فانتاجية الموظف الكسول غير المتعلم الذي يستخدم التقنية أكبر من انتاجية الموظف المجتهد المتعلم الذي لا يستخدم التقنية أو يستخدم تقنية بدائية.

نتمنى أن يكون مشروع “صدارة” نموذجا لكل المشاريع التنموية في البلد، ويجب أن نستغل الفوائض المالية الضخمة لمشاريع شبيهة بهذا المشروع، والتركيز بشكل أساسي على الصناعة لأنها عصب التنمية الاقتصادية في أي دولة تريد أن تزيد من انتاجيتنا ومستوى دخلها القومي. ويمكننا أن نضع نصب أعيننا هدف محدد وهو زيادة التصنيع الداخلي إلى أن نقوم باستهلاك كل انتاجنا من مصانع البتروكيماويات للتصنيع المحلي، واستخدامه في صناعة منتجات نهائية.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

فتوى الشيخ يوسف الشبيلي بتحريم احتكار الأراضي

في حلقة ساعة حوار بخصوص غلاء الأراضي وحلول مونوبولي سألت الشيخ يوسف الشبيلي خلال مداخلته بالحلقة عن حكم احتكار الأراضي. التفاصيل:

سؤالي للشيخ: هل نستطيع القول أن من يشتري أراضي تزيد عن حاجته بغرض حبسها وبيعها لاحقا رغم معرفته بحاجة الناس لها. هل نقدر نقول أن هذا الشخص محتكر احتكار محرم.؟

الشيخ يوسف الشبيلي: نعم، أنا أرى أنه يجب أن نطبق شروط الاحتكار عند وصفنا لأرض أنها محتكرة أن تكون زائدة عن الحاجة أما الأراضي التي يحبسها الشخص لغرضه الشخصي، نعرف أنه أحيانا الشخص يشتري الأرض يريد أن يبني عليها ليس عنده سيولة ليبني ينتظر سنوات حتى يجمع هذا المال هذا لا يعد محتكرا. الاحتكار انما يكون في الشيء الزائد عن الحاجة اللي يملك أراضي كبيرة ويحبسها والناس يحتاجون إليها. ولذلك أيضا الأراضي التي تكون خارج النطاق العمراني والناس لا يحتاجون إليها لا تعتبر احتكارا.

الاحتكار الحاصل الآن تجد مخططات وقطع أراضي كبيرة المعروض منها لا يمثل إلا 2% أو 3% من الموجود. أليس هذا احتكارا؟ إذا لم يكن هذا احتكار فأي احتكار يكون في الشريعة؟

 

شاهد الفتوى من الدقيقة 18.

خرافة نقص القنوات الاستثمارية

بعد تزايد التغطية الإعلامية عن أزمة السكن واحتكار الأراضي وفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، سواء في الإعلام التقليدي أو الإعلام الجديد، بدأ بعض تجار الأراضي بالرد على على ما تتداوله هذه الوسائل الإعلامية، والتبرير لما يقومون به من تركيز لاستثماراتهم في تجارة الأراضي البيضاء بدل الاستثمار فيما ينفع الاقتصاد والمجتمع، وأحد التبريرات الرئيسية التي رددها هؤلاء التجار كثيرا هو غياب أو نقص القنوات الاستثمارية البديلة، مما دفعهم قسرا للتوجه لتجارة الأراضي، هذا التبرير غير صحيح وغير مقبول من جهتين، الأول هو أنه حتى لو صح الإدعاء بأن هناك نقص في القنوات الاستثمارية فإن الأراضي البيضاء يجب أن لا تكون ابتداء وعاء استثماريا. وذلك لإنه استثمار غير منتج بل هو استثمار ضار على الاقتصاد وليس له أي منافع اقتصادية أو اجتماعية على الإطلاق. الأمر الآخر هو أن الواقع يثبت عدم صحة الإدعاء بغياب أو نقص الفرص الاستثمارية. بل أن هناك حاجة ماسة ونقص شديد في كثير من المرافق والخدمات الحيوية التي يحتاجها المواطن والوطن، وبعضها استثمارات لا تحتاج خبرات أو تقنيات خاصة وعائدها شبه مضمون. فعلى سبيل المثال: يوجد نقص شديد في المدارس الأهلية، وغالبية المدارس لديها قوائم انتظار طويلة من الطلاب الراغبين في الدخول لها، مما دفع هذه المدارس لرفع الأسعار أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، فعوائد الإستثمار في المدارس الأهلية قد تزيد على 25% وقد تصل إلى 35%، نفس الأمر ينطبق على المستشفيات والمستوصفات، والفنادق والشقق المفروشة، فلا تكاد تجد شقة مفروشة في مواسم العطل وأسعارها ترتفع بشكل غير مسبوق، وهناك نقص شديد وارتفاع في أسعار الغرف الفندقية طوال أيام الأسبوع.

لذلك فإن إدعاء نقص القنوات الاستثمارية ادعاء يحتاج لدليل، بل أن الواقع يثبت بطلانه. والحقيقة هي أن ارتفاع عوائد تجارة الأراضي البيضاء التي لا تحتاج أي مجهود على الإطلاق هي التي جعلت المستثمر يصرف النظر عن أي استثمار آخر، وكلما ابتعدت السيولة عن الدخول بالاستثمارات النافعة واتجهت وتركزت في الأراضي كلما ارتفعت أسعار الأراضي أكثر وقلت جاذبية أي استثمار آخر وكأننا ندور بحلقة مفرغة، كما أن ارتفاع أسعار الأراضي يتسبب في زيادة التكلفة في عديد من الاستثمارات، التي قد تكون مجدية في حال توفر الأراضي الرخيصة ولكنها مع الوضع الحالي للأراضي اصبحت غير مجدية وغير جاذبة للاستثمار.

الحقيقة هي أن بعض تجار الأراضي أدمنوا على المال السهل، ولايوجد أي حافز حقيقي لأن يدخلوا بمعمعة الاستثمار الحقيقي الذي سيتطلب الجهد والوقت، والحقيقة الأخرى أن تجارة الأراضي وارتفاع أسعارها هي السبب الرئيسي في توقف المستثمرين عن التوجه للاستثمارات النافعة، وهذا الارتفاع في أسعار الأراضي هو يعمل على تحويل البيئة الاستثمارية في المملكة لأرض جدباء، وكسر احتكار الأراضي ووضع الأنظمة التي تحول دون تحوِّل الأراضي البيضاء لوعاء استثماري هو السبيل الوحيد لإعادة الإزدهار للقطاع الخاص المنتج وعندها فقط سنشاهد ربيع الاقتصاد السعودي.

(المقال منشور في جريدة اليوم)