Monthly Archives: سبتمبر 2012

السعودة الإنتقائية

في الوقت الذي تستمر فيه وزارة العمل في إطلاق الأنظمة والمبادرات التي تدفع القطاع الخاص لزيادة نسب السعودة، تتزايد الضغوط في الجهة المقابلة على الشركات والمؤسسات وتواجه كثير من هذه المنشآت مصاعب تؤثر على أدائها المالي وقدرتها على التوسع أو حتى قدرتها على الاستمرار. كل هذه الآثار السلبية هي أمر متوقع ولا مفر منه، فالقطاع الخاص أدمن خلال الثلاثين سنة الماضية على العمالة الرخيصة، ومن المستحيل إحلال المواطنين بنفس تكلفة الوافدين، وبالتالي فإن هوامش الربح ستتقلص وتؤثر بشكل مباشر على نشاط هذه الشركات والمؤسسات.

وفي الوقت الذي يجب أن نتعامل مع هذا الواقع الجديد في القطاع الخاص فإنه يجب في نفس الوقت أن نتجنب بكل الوسائل الممكنة أي ضرر يقع على القطاع الإنتاجي من القطاع الخاص. لأن القطاع المنتج هو طريقنا الوحيد لخلق الوظائف على المدى الطويل، وهو الدعامة الرئيسية للتحول لاقتصاد منتج ومستدام لا يعتمد على النفط.

فتوطين الوظائف في قطاع التجزئة على سبيل المثال، يسهم في توفير مزيد من الوظائف للمواطنين ولا يبطيء من عجلة النمو في القطاع الإنتاجي، لذلك لايوجد أي مبرر لفتح باب الاستقدام لهذا القطاع، ويفترض أن يتم سعودته بالكامل خلال السنوات القادمة. ويمكن أن تعامل قطاعات أخرى على نفس الأساس، مثل جزء كبير من قطاع الخدمات كالمطاعم والخدمات الفندقية والشقق المفروشة والترفيه.

أما القطاعات الإنتاجية كالصناعة ومقاولات البناء على سبيل المثال، فعلى وزارة العمل أن ترخي قبضتها عليها، وتفسح المجال لها للتوسع من دون أن تواجه عنق زجاجة يمنع ذلك ويتمثل غالبا في عدم توفر القوى العاملة، فالقطاعات الصناعة من أفضل مصادر خلق الوظائف، وعادة ما تخلق كل وظيفة صناعية أكثر من خمسة وظائف في القطاعات الأخرى، كما أنها تسهم في زيادة حجم الصادرات وتقليص حجم الواردات وبالتالي تقليص عجز الميزان التجاري (بعد استبعاد النفط)، وتقليص هذا العجز يجب أن يمثل هدف استراتيجي لضمان اقتصاد قابل للاستدامة. أما قطاع المقاولات الذي يعاني من نقص العمالة أو سوء الإدارة فهو ضروري في تنفيذ المشاريع الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية، وهي البنية التي سترفع من طاقة الاقتصاد الإنتاجية وتصب بالنهاية في خلق مزيد من الوظائف.

لذلك فعلى راسمي الاستراتيجيات في الاقتصاد أن يعملوا على تحديد القطاعات المنتجة وتمييزها عن القطاعات الأخرى، وسن قوانين تختص بكل قطاع بشكل منفصل، وأن ترسم الاستراتيجيات بناء على هذه التصانيف، ويتم منح القطاعات المنتجة عناية خاصة لضمان عدم تأثرها سلبيا باي تشريعات أو قوانين جديدة. فأكبر خطأ يمكن أن نرتكبه هو إعاقة نمو القطاعات التي ستخلق لنا الوظائف

الحد الأدنى للأجور

أصدر وزير العمل عادل فقيه قرارا جديدا ومهما يحدد بمقتضاه الحد الأدنى للأجور حتى يتم احتساب العامل السعودي في نسبة التوطين. وبموجب القرار فإن السعودي يتم احتسابه في نسبة التوطين كعامل واحد اذا كانت أجره يزيد على 3000 ريال، أما من كان أجره 1500 ريال فيحتسب كنصف عامل في نسبة التوطين.

وتجدر الإشارة أن القرار الجديد لا يعد قانونا للحد الأدنى للأجور، فقوانين الحد الأدنى للأجور بالعالم تفرض بقوة السلطة والقانون، ومن يخالفها من المنشآت تتمع معاقبته بالغرامة أو غيره من العقوبات. بالتالي فالقرار هو مجرد تعديل على برنامج نطاقات، والمنشأة تتضرر أو تعاقب بشكل غير مباشر من خلال تقليص قدرتها على الاستقدام، أما لو كانت المنشأة ليست بحاجة لاستقدام موظفين غير سعوديين فلن يكون هناك أي ضرر عليها.

استخدام نطاقات من أجل تمرير قانون يحفز رفع الأجور تعتبر حيلة ذكية من قبل وزارة العمل، فهي تجنبهم أحد أكبر العوائق التي كانت تمنع تحديد الإجور، فقد كان من الصعب فرض قانون يحدد الأجور للسعوديين فقط، وبنفس الوقت من غير المجدي اقتصاديا أن تحدد الأجور لكل العاملين بالقطاع الخاص من السعوديين وغير السعوديين، لأن معدل رواتب غير السعوديين لا يتجاوز 1200 ريال، ورفعه لثلاثة آلاف على سبيل المثال سيشكل تكلفة هائلة على القطاع الخاص ستعجز كثير من المنشآت على تحملها.

بالإضافة إلى تحفيز رفع الأجور للسعوديين فإن القرار الجديد سيكون له تأثير آخر، فالقرار من الناحية النظرية يرفع نسبة السعودة المطلوبة للمنشآت التي توظف السعوديين برواتب منخفضة، فمن كان يوظف 10 سعوديين يمثلون 10% من المنشأة براتب 1500 ريال، يجب عليه بعد القرار أن يوظف 20 سعوديا ليحصل على نفس النسبة السابقة وهي 10%. أو أن يقوم برفع أجورهم.

سيسهم القرار أيضا في تقليص نسبة السعودة الوهمية التي انتشرت مؤخرا، لأن كثيرا من الذين يتم توظيفهم يحصلون على أجور منخفضة جدا لا تتجاوز 1500 ريال، وما يدفع فعليا يكون عادة أقل من ذلك، كما سيسهم القرار في التحول إلى التركيز على الكيف وليس فقط الكم فيما يتعلق بتوطين الوظائف.

أعتقد أن القرار الذي سيرفع من جدوى وفعالية كل القرارات السابقة من قبل وزارة العمل هو البدء بتطبيق نظام مراقبة الأجور، والذي تخطط الوزارة لتنفيذه خلال الأشهر القادمة، تطبيق هذا النظام سيجعل التلاعب والتوظيف الوهمي والتستر والمتاجرة بالعمالة أصعب بكثير مما هي عليه الآن. وسيشكل القانون تحولا جذريا في سوق العمل.

كابوس استهلاك النفط

دقّ ناقوس الخطر من جديد بعد تقرير توقّع أن السعودية ستكون دولة مستوردة للنفط بعد أقل من 20 سنة، وبالتحديد في عام 2030. وذكر التقرير الذي نشرته سيتي جروب أن استمرار النمو في استهلاك الطاقة في السعودية سيزيد من استهلاكها لانتاجها من النفط، حيث يتم حاليا استهلاك ما يقرب من ربع إنتاج النفط داخل المملكة، ويتم تصدير الباقي للخارج. وانها ستستهلك كل إنتاجها النفطي في عام 2030.

خطورة هذا التنبؤ تكمن في أننا ما زلنا نعتمد بشكل شبه كامل على صادراتنا النفطية لتسيير الاقتصاد، فغالب ما نستهلكه من دواء وغذاء وملبس ووسائل نقل وأجهزة إلكترونية نستوردها من الخارج بأموال النفط، حيث لا تتجاوز صادراتنا غير النفطية 30% من إجمالي قيمة وارداتنا. وهذا يعني أن 70% مما نستورده نحصل عليه مقابل إعطاء العالم نفطنا. فمالذي سيحدث إن لم يتبقى لدينا نفط نصدره؟ الأمر الآخر أن المصدر الرئيسي للدخل الحكومي هو النفط. حيث يشكل دخل النفط أكثر من 86% من دخل الحكومة، فإذا لم نصدر النفط فما المصدر البديل لدخل الحكومة لكي تتمكن من الإنفاق على الصحة والتعليم وغيرها من المرافق الحيوية؟

البعض قد يتهم التقرير ونتائجه بالمبالغة، ولكن الحقيقة الأكيدة أنه ما دام نمو الاستهلاك داخليا في تصاعد مستمر فستأتي لحظة نستهلك بها كل ما ننتجه من نفط، سواء كان ذلك بعد 18 سنة أو 30 سنة، فمن شبه المستحيل أن نتجنب سيناريو استهلاك كل انتاجنا النفطي على المدى البعيد، أقصى ما يمكن فعله هو تأخير هذا السيناريو بكبح الاستهلاك، وما دام تجنب هذا السيناريو مستحيلا فعلينا أن نعمل من أجل تجنب العواقب السلبية لتوقفنا عن تصدير النفط، فبدل أن نعتمد على بيع النفط مقابل ما نستهلكه من العالم من سلع وخدمات يجب أن نبدأ استراتيجية واضحة المعالم وبأهداف واضحة ومحددة تقلل من الفجوة بين صادراتنا غير النفطية ووارداتنا، حيث تتجاوز قيمة وارداتنا أكثر من 662 مليار ريال بينما لا تزيد قيمة الصادارت غير النفطية عن 200 مليار ريال.

هذه الاستراتيجية ستحتاج إلى وقت طويل لتنفيذها وحتى لا يسبقنا الزمن وتتآكل قدرتنا التصديرية قبل أن نتمكن من الانعتاق من اعتمادنا على تصدير النفط لاستيراد احتياجاتنا فيجب أن يتوازى العمل على الاستراتيجة مع قوانين وتشريعات تدفع إلى ترشيد استهلاك الطاقة غير الإنتاجي، حيث سيبيطيء ذلك تسارع الاستهلاك ويعطينا فسحة من الزمن لتصحيح هيكل الاقتصاد.

الرهن العقاري… الهروب إلى الأمام

في الوقت الذي كنا ننتظر فيه قرارات جذرية لإيقاف ارتفاعات أسعار الأراضي، كفرض الرسوم أو الزكاة على الأراضي البيضاء، أقرّ مجلس الوزراء قبل شهرين نظام الرهن العقاري. والذي يهدف حسب مصدري القانون إلى توفير التمويل اللازم للمستثمرين في مجال التطوير العقاري بالإضافة إلى توفير التمويل للمستهلك النهائي الراغب في تملك مسكن خاص. وبالتالي زيادة المعروض من المساكن من خلال زيادة الاستثمار فيها وزيادة نسبة التملك للمواطنين من خلال توفير السيولة اللازمة لشرائها. ولكن هل هذا ما سيحصل فعلا؟

باختصار، ستؤدي أنظمة الرهن العقاري إلى تقليل المخاطرة على البنوك أو شركات التمويل عند تمويل العقارات، سواء كان ذلك موجها للمستثمرين أو المستهلك النهائي. انخفاض المخاطرة على الممولين سيخفّض من نسبة الفائدة على القرض، فبينما كانت بعض البنوك تقرض المواطن مليون ريال وتستردها مليونين بعد عشرين سنة. قد تنخفض الفائدة بسبب أنظمة الرهن العقاري، وبالتالي يُقرض الممول المواطن مليونا ويستعيدها مليونا ونصف بعد عشرين سنة، أو أن المقترض يمكنه اقتراض مبلغ أكبر، فبما أنه كان قادرا على تسديد مليوني ريال خلال عشرين سنة من أجل قرض حجمه مليون ريال، فهو الآن قادر على تسديد المليونين من أجل قرض قيمته مليون وثلاثمئة ألف ريال.

هذا يعني أن السيولة بيد المستثمر في تطوير المساكن والسيولة بيد المستهلك ستزداد، وفي ظل سوق يغلب عليه شح الأراضي المصطنع بسبب الاحتكار، فإن ارتفاع السيولة لن يؤدي لارتفاع نسبة التملك، ولكنه سيؤدي لارتفاع أسعار الأراضي. وما دام الفكر السائد بين ملّاك الأراضي هو بيع أقل قدر ممكن الأراضي بأعلى سعر ممكن، وبما إنه هناك عمليا حالة احتكار لهذه الأراضي فإن تجارها هم المتحكمين في السعر وليس المشتري، لذلك فإن توفر السيولة سيعني أنهم قادرين على بيع مساحات اقل، والحصول على نفس المبلغ الذي يهدفون له، مما يعني فعليا انخفاض في معروض الأراضي وهو عكس ما يهدف إليه مشرعوا نظام الرهن. وهذا الارتفاع سيشمل المستهلك النهائي وسيشمل أيضا المطورين، لأنه لا يمكن للمستثمر تطوير أي مساكن من دون شراء أرض.

لا شك أن أنظمة الرهن العقاري لها أهمية كبيرة ويشكل ركنا أساسيا في اقتصادات الدول المتقدمة، ووسيلة فعالة لتحريك السيولة وتحريرها من العقارات وزيادة نسبة التملك بين المواطنين، ولكن في ظل وجود خلل هيكلي في سوق العقار وهو الاحتكار صريح للأراضي البيضاء، فإن سن نظام الرهن العقاري قبل تحرير الأراضي من الاحتكار لن يكون له أي أثر إيجابي، بل قد تكون آثاره السلبية أكثر من الإيجابية، لذلك فإن سن هذا النظام هو شبيه بأغلب الأنظمة والقرارات المتعلقة بحل أزمة الإسكان والتي صدرت خلال السنتين الماضيتين، والتي كانت بالإضافة للرهن العقاري هروب للأمام بدل مواجهة جوهر مشكلة الإسكان المتمثل باحتكار الأرأضي.

لغز سوق العمل المحير

أحد العناصر الأساسية للتخطيط السليم هو امتلاك المعلومة الدقيقة التي تمكّن صاحب القرار من اتخاذ القرار وتجعله قادرا على التخطيط للمستقبل بشكل يناسب الاحتياجات. وتزداد أهمية المعلومة عندما يتعلق الأمر بالجوانب الاقتصادية والمتعقلة بعلاج البطالة وخلق الوظائف وزيادة دخل المواطنين ورفع مساهمتهم في الإنتاج وبناء الوطن، كما أن البيانات والمعلومات ضرورية للمهتمين والباحثين حتى يتمكنوا من اقتراح الأفكار أو تقويم الخطط أو مراقبة الأداء. رغم كل ما أشرنا له من أهمية بالغة للمعلومات الشاملة والدقيقة، نجد أن هناك شحّا كبيرا حتى على مستوى المعلومات الأساسية التي لا يمكن بناء أي خطة اقتصادية من دونها، وعلى رأس تلك المعلومات، المعلومات المتعلقة بسوق العمل، فرغم كل المبادرات التي أطلقت في الفترة الأخيرة إلى أن هناك غموضا كبيرا يشوب كثيرا من الجوانب المتعلقة بسوق العمل، ومن هذه المعلومات الضرورية هي حقيقة حجم القوى العاملة من السعوديين ومصادر دخلهم، حيث نجد تضاربا كبيرا في الأرقام وفجوات واضحة تحتاج لتوضيح.

سن العمل حسب المعايير العالمية هو 15 سنة وأكثر، ولكن بسبب اختلاف البنية الاجتماعية في السعودية سنفترض أن سن العمل هو 24 سنة أو أكثر، حيث يبلغ عدد السعوديين (الذكور) الذين تتراوح أعمارهم بين 24 سنة و64 سنة حوالي 4 ملايين مواطن وذلك حسب أرقام مصلحة الإحصاءات العامة. وهذا الرقم يمثل من الناحية النظرية عدد المواطنين الذين يحتاجون لمصدر دخل حتى يعيلوا أسرهم وينفقوا على أنفسهم، ويبلغ عدد السعوديين الذكور العاملين بالقطاع الخاص حوالي 670 ألفا وذلك حسب آخر احصائية منشورة لوزارة العمل عام 2010، أما السعوديين الذكور العاملين بالقطاع الحكومي المدني فهو 583 ألف مواطن، ويبلغ عددهم في القطاعات الحكومية الأخرى بين 300 ألف و 400 ألف مواطن، ويبلغ عدد الذكور المستفيدين من حافز حوالي 162 ألفا. هذا يعني أن مجموع السعوديين الذكور الذين يعملون بوظيفة رسمية تدر عليهم دخلا شهريا وعدد السعوديين الذكور الباحثين عن عمل يبلغ حوالي 1.8 مليون سعودي.

1.8 مليون سعودي فقط لديهم مصدر دخل ثابت في وظيفة أو يبحثون عن عمل، وحتى لو افترضنا أن نسبة الخطأ في هذه الأرقام 200 ألف سعودي بسبب عدم تحديث البيانات من قبل بعض الوزارات، فهذا يرفع الرقم لـ 2 مليون سعودي لديهم وظائف ويبحثون عن عمل. أي أن أكثر من 50% من السعوديين الذكور في سنة العمل ليس لديهم وظيفة ولا يبحثون عن وظيفة. ويبقى السؤال: ماهو مصدر دخل هؤلاء الـ 50%؟ فعددهم يزيد على 2 مليون، ولا يوجد أي بيانات أو إحصاءات توضح مصدر دخلهم. هل يعقل أن كل هؤلاء يملكون أعمالهم الخاصة؟ المعدل العالمي للعمل الحر يتراوح بين 5%-10% على أكثر تقدير. هل يعتمد كل هؤلاء على التستر كمصدر دخل وحيد؟ هل لديهم من ينفق عليهم وليس لديهم مصدر دخل؟ كل هذه الأسئلة طرحتها على أكثر من مسؤول ولم أجد إجابة عليها، لا أحد يعرف ماهو مصدر دخل 2 مليون سعودي. فهل هناك من يملك إجابة هذا اللغز المحير؟