Monthly Archives: يناير 2014

اقتصاد المنشّطات

في مقال سابق سلطت الضّوء على مستوى النّموّ الحقيقيّ للنّاتج المحلّيّ للفرد في السعوديّة، وكانت الأرقام تشير إلى أنّ الثّلاثين سنة الماضية شهدت انخفاضا في النّاتج المحلّيّ للفرد، وخلال العشر سنوات الماضية لم تشهد أيّ تغيّر يذكر، رغم أنّ كثيرا من دول العالم النّامي والمتقدّم كانت تتسابق في رفع معدّلات نموّ النّاتج المحلّيّ للفرد. في هذا المقال، سأوضح أنّه على بالإضافة لضعف النمو الحقيقي او انخفاضه بالنسبة للناتج المحلي للفرد، فإن نوعيّة الإنتاج وكفاءته في انخفاض. وأحد المؤشرات المستخدمة لقياس جودة وكفاءة النمو الاقتصادي هو معدل استخدام الطاقة لكل ألف دولار ينتجه الاقتصاد. فكلما زاد التّقدّم الاقتصاديّ للدّول كلّما كان الاقتصاد قادرا على رفع إنتاجيّته وخفض استهلاك الطاقة في نفس الوقت.

في عام 1980، كانت السعودية تستهلك حوالي 610 ألف برميل نفط للاستخدام الداخلي، سواء لإنتاج الكهرباء أو كوقود لوسائل النقل أو غيرها من الاستخدامات الإنتاجية أو الاستهلاكية. تضاعف الاستهلاك الداخلي لإنتاج النفط حتى وصل ذروته عام 2011 (وهذه آخر سنة نشرت فيها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أرقام الاستهلاك الداخلي للسعودية). حيث تجاوز الاستهلاك 2,986 ألف برميل نفط (حوالي 3 ملايين برميل نفط). أي أنه خلال 30 سنة ارتفع الاستهلاك الداخلي للنفط بنسبة 390%. هذه الوتيرة من النمو تشكل تهديدا حقيقيا لقدرتنا على التّصدير في المستقبل. فلو استمر هذا المعدل في نمو الاستهلاك فقد يعني ذلك عجزنا على تصدير نفط كاف لتغطية مستويات الإنفاق الحكومي الذي تعتمد عليه حركة الاقتصاد. كما أنه سيعني صعوبة استمرارنا في استيراد ما نحتاجه من العالم من سيارات وأجهزة وغذاء أيضا.

زيادة الاستهلاك النفطي الداخلي مؤشر سلبي جدا، ولكن قد يجادل البعض في أن هذه الزيادة ضرورية لتنمية الإنتاجية الداخلية وبناء قاعدة صناعية تضمن انتقالنا من الاقتصاد الريعي للاقتصاد المنتج، ولكن الأرقام تقول غير ذلك. فكما أشرنا، فإن النّمو الحقيقي للفرد خلال ثلاثين سنة قد انخفض. وخلال العشر سنوات الأخيرة لا يوجد أي نمو يذكر، كما أن أرقام وكالة الطاقة العالمية المتعلقة بحجم الطاقة المستخدمة لكل 1000 دولار من الإنتاج الحقيقي للاقتصاد تشير أن كفاءة الإنتاج في انخفاض مستمر. ففي عام 1980 كانت كمية الطاقة المستخدمة لكل 1000 دولار يتم إنتاجه تساوي حوالي 93 كيلو من النفط، ووصل في عام 2010 إلى أكثر من 300 كيلو لكلّ 1000 دولار يتم إنتاجه في الاقتصاد، أي أن استهلاك الطاقة لكل 1000 دولار يتم إنتاجه ارتفع بنسبة 222% خلال 30 سنة. في حين أن هذه النسبة انخفضت في نفس الفترة في أمريكا وألمانيا بنسبة 45%، وفي الصين انخفضت بنسبة 77%. أما على مستوى العالم فقد انخفض استهلاك الطاقة لكل 1000 دولار بنسبة 24%.

 

سوء الوضع الاقتصادي لم يقتصر على ضعف النمو، ولكنه أيضا ترافق مع ضعف شديد في الكفاءة، فحتى لو أردنا المحافظة على الوضع الحالي من الاقتصاد فإنه علينا الاستمرار بزيادة معدل استهلاكنا من الطاقة، وحالنا الاقتصادي أشبه بلاعب رياضي مستواه أقل من المتوسط، ورغم ذلك فهو عاجز عن الاستمرار بنفس المستوى – فضلا عن تطوير مستواه – إلا من خلال استهلاك جرعات أكبر من المنشطات سنة بعد سنة. مستقبل هذا الرّياضي لا يبشّر بخير، وكذلك هو حال اقتصادنا.

نظام التأمين ضد التعطل عن العمل

أقر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي نظام التأمين ضد التعطل عن العمل، هذا النظام هو امتداد لإصلاحات سوق العمل، وهي خطوة إيجابية سترفع من جاذبية القطاع الخاص كما ستسهم في زيادة كفاءة المنشآت في هذا القطاع إذا ألحقت بقرار يزيد من مرونة الاستغناء عن الموظفين من المواطنين.

أبرز ملامح نظام التأمين ضد التعطل عن العمل هي صرف تعويض بواقع 60 في المائة من متوسط الأجور الشهرية للموظف ولمدة أقصاها ثلاثة أشهر، بعد ذلك ينخفض التعويض إلى 50 في المائة ولمدة أقصاها تسعة آلاف ريال. في المقابل سيتم رفع قيمة التأمين بنسبة 2%. يدفع الموظف 1% ويدفع صاحب العمل 1%.

هذه التكلفة الإضافية التي سيدفعها الموظف وصاحب العمل ستعود بالنفع – برأيي – للطرفين، كما أنها ستعود بالنفع على الاقتصاد ككل، فهذا النظام سيكون شبكة أمان للموظف، حيث ستحميه من التقلبات في القطاع الخاص ، فحتى لو اضطرت الشركة للاستغناء عن الموظف فسيكون للموظف فسحة من الوقت للبحث عن وظيفة جديدة من دون مواجهة معاناة مادية حادة. كما لن يكون أصحاب العمل الباحثين عن موظف في موقف قوة تجبر الموظف على الرضوخ والقبول بعرض عمل أو راتب أقل مما يستحق.

بالإضافة إلى الفائدة المباشرة للموظفين، يبدو أن هذا النظام سيمهّد الطريق لتعديلات القوانين تمنح القطاع الخاص مرونة أكبر إذا رغب بالاستغناء عن موظف سعودي، هذه المرونة ستقلل من تخوّف الشركات في توظيف سعوديون جدد، كما ستضمن أن الموظف إن لم يكن منتجا أو نافعا للمنشأة فإنها ستكون قادرة على الاستغناء عنه. وبالتالي سترتفع كفاءة الشركات في القطاع الخاص ويرتفع مستوى نموّها الذي سيخلق بدوره مزيدا من الوظائف

وزير الإسكات

نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، هذا هو حال وزارة الإسكان التي تفوقت على جميع الوزارات في الظهور الإعلامي والإعلان عن إطلاق المشاريع تلو الأخرى، وفشلت في تنفيذ أي منها. أكثر من ثلاث سنوات على إعلان مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية، ولم يتم تسليم أي وحدة سكنية لأي مواطن. بل إنّ الوزير في لقائه مع الإعلامي عبدالله المديفر قبل تسعة أشهر أعلن فعليا عن فشل مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية، واستبداله بمشروع أرض وقرض الذي لم يتم الانتهاء منه أيضا. وقبل ذلك أعلنت وزارة الإسكان عن إطلاق مشروع القرض المعجل خلال ثلاثة أشهر. مضى ما يقارب عن السنة، ولم يخرج هذا المشروع إلى النور بعد، أما آلية الاستحقاق، التي يفترض أن تكون الأسهل، وهي التي بدأ الوزير عمليا بالعمل عليها قبل أكثر من خمس سنوات عندما كان يرأس هيئة الإسكان، فهي لم يتم الانتهاء منها أيضا.

استراتيجية وزارة الإسكان خلال السنوات الماضية كانت في استخدام الإعلام لإيصال رسائل مخدرة للناس، حيث استبدلت عجزها عن الإنجاز الحقيقي بمحاولة تخدير الناس وإسكاتهم بالوعود، وفي كل لقاء إعلامي يخرج فيه الوزير، يشعر المواطنون أنهم قاب قوسين أو أدنى من امتلاك بيت الأحلام. فيصرح الوزير أنه سيتم تسليم الوحدات السكنية خلال أشهر. ولكنه لا يذكر كم عدد الوحدات السكنية التي سيسلمها، والتي لا تتجاوز بضعة آلاف في أحسن الأحوال وذلك بسبب الفشل الذريع في تنفيذ مشروع الـ 500 ألف وحدة سكنية. أما الأرض والقرض، فيعلن الوزير أيضا أنه سيبدأ بتسليمها قريبا للمواطنين. ولكنه لم يخبرنا عن إجمالي عدد الأراضي التي حصل عليها، خاصة بالمدن الرئيسية، وكم عدد الأراضي التي ستكون جاهزة للتسليم. ولا يكتفي الوزير بإعلان جزء من المعلومة، ولكنه أيضا يعمل على دغدغة مشاعر المواطنين من خلال الدخول بتفاصيل تلك الوحدات أو الأراضي وكأن المواطن سيستلمها الأسبوع القادم. فيصرح في أحد لقاءاته أن الوحدات لن تكون متشابهة فالمواطنون يحبون التمايز بالألوان والأشكال، كما يشرح بالتفصيل، كيف اهتموا بوضع الحدائق والشوارع الواسعة في المخططات التي تعمل عليها الوزارة. دور الوزير هو أن يكون وزيرا للإسكان، لحل أزمة السكن العالقة منذ سنوات، ولكنه تحول فعليا إلى وزير الإسكات.