Monthly Archives: فبراير 2014

هل يمكننا استنساخ النموذج الاقتصادي الإماراتي؟

 

استطاعت دولة الامارات خلال فترة وجيزة ان تبهر العالم بتقدمها، وأن تكون مضربا للمثل بين شعوب دول الجوار. وتحولت لأحد أهم الوجهات السياحية، ليس لسكّان دول الخليج فحسب، وإنما للسياح من كل أنحاء العالم. نما الاقتصاد الإماراتي لمستويات مرتفعة خلال العشرين سنة الماضية، حيث تجاوز الناتج المحلي للإمارات أكثر من 377 مليار دولار ( 1,413 مليار ريال) واحتلت المرتبة الثانية كأكبر اقتصاد بالعالم العربي بعد السعودية، رغم أن عدد مواطنيها لا يتجاوز المليون، مقارنة بعدد المواطنين في السعودية الّذي يقدّر بعشرين مليونا. وتجاوز عدد زوارها من كل أنحاء العالم أكثر من 9 ملايين. بالإضافة لوجود أحد أكبر وأنشط الموانئ بالعالم وهو ميناء جبل علي الذي يمثل حلقة وصل بين الشرق والغرب. كما بدأت مبادرات عدة للاستثمار في الطاقة النووية والصناعات المتقدمة وغيرها من المبادرات الطموحة، وما زال النمو والتطوير مستمرا، حيث يوجد حاليا ما قيمته أكثر من 350 مليار دولار من المشاريع تحت الإنشاء.

اقترن نمو الإمارات الاقتصادي والسياحي مع كفاءة إدارية عالية في الدوائر الحكومية، وبيئة عمل جاذبة للمشاريع والاستثمارات، وهو ما أدى لاستقطاب المليارات من رؤوس الأموال للاستثمار فيها.

كل هذه الإنجازات التي حققتها الإمارات دفعت الكثيرين للمقارنة بينها وبين السعودية، ودفعت الناس للتساؤل: لماذا لا تحذو بقية دول الخليج حذو الإمارات؟ وهل نموذجها قابل للاستنساخ؟   وهل هو قادر على إنقاذ السعودية وبقية دول الخليج من شبح الاعتماد شبه الكلي على إنتاج النفط، وقادر على نقل تلك الدول من نموذج الاقتصاد الريعي غير القابل للاستدامة إلى نموذج الاقتصاد المنتج؟

يبلغ عدد المواطنين في الإمارات حوالي 1 مليون، مقارنة بحوالي 20 مليون مواطن في السعودية، ويسكن في الإمارات أكثر من 8,2  مليون وافد أجنبي. أي أن كل مواطن إماراتي يقابله 8 من الوافدين الأجانب. ويشكل الوافدون الأجانب أكثر من 98% من عدد العاملين في القطاع الخاص. لذلك فالوافدون هم العمود الفقري للاقتصاد في الإمارات. وإذا أردنا استنساخ النموذج الإماراتي فالخطوة الأولى هي استنساخ نموذج حجم استقدام العمالة لعدد السكان. وبناء على ذلك سيكون عدد الوافدين الأجانب بالسعودية أكثر من 164 مليونا، وإجمالي عدد السكان 184 مليونا. وبعد استنساخ نموذج العمالة، سنستنسخ نموذج الميزانية الحكومية الإماراتية. الميزانية الحكومية في الإمارات تتجاوز 385 مليار ريال سنويا. ولذلك فيفترض أنه بعد استنساخ النموذج الاقتصادي الإماراتي مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق مع عدد السكان ستصل الميزانية في السعودية إلى أكثر من 7,7 ترليون ريال. المصدر الرئيسي لتمويل الميزانية الحكومية في الإمارات هو النفط. وبالتالي حتى نتمكن من تغطية الميزانية يجب أن نصدر أكثر من 56 مليون برميل يوميا، وهو أمر مستحيل، ولا يمكن أن تتجاوز صادراتنا للنفط أكثر من 10 ملايين برميل على المدى القصير و 13 مليون يوميا على المدى الطويل.

ولكن ماذا عن اقتصاد دبي؟ فهي تبدو أقل اعتمادا على النفط، وأكثر اعتمادا على ما تقدمه من خدمات. لا يختلف اثنان أن ما وصلت له دبي من تميز استثنائي هو إنجاز جبار، وهو ما جعل دبي مدينة عالمية يشار لها بالبنان في مدة تعتبر قصيرة نسبية، وجعلها مدينة جاذبة للسياح والاستثمارات العقارية والمالية. ولكن هل هذا النموذج قابل للاستنساخ في دولة عدد سكانها أكبر؟ عدد سكان دبي من المواطنين لا يتجاوز 300 ألف نسمة. أي أقل من 2% من عدد سكان السعودية من المواطنين. وتستقطب دبي سنويا حوالي 10 ملايين سائح. في المقابل يصل للسعودية سنويا حوالي 15 مليون سائح (أغلبهم حجاج ومعتمرين). أما أكثر دولة في العالم يزورها السياح فهي فرنسا، حيث يصلها حوالي 80 مليون سائح سنويا، ورغم هذا العدد الهائل فإن السياحة لا تمثل لفرنسا أكثر من 7% من ناتجها القومي. ويستحيل لفرنسا وهي أكبر دولة سياحية بالعالم أن تعتمد بشكل حصري على السياحة، والسبب أن عدد سكانها كبير نسبيا، نفس الشيء ينطبق على السعودية، حتى لو استطاعت جذب مزيد من السياح، فلا يمكنها أن تعتمد على السياحة، إلا لو كانت قادرة على جذب 200 أو 300 مليون سائح سنويا، وهذا أمر أقرب للمستحيل. لذلك فنموذج دبي – لو تجاهلنا العوائق الثقافية والاجتماعية – قد يكون قابلا للاستنساخ في أحد مدن المملكة متوسطة الكثافة السكانية، ولكن لا يمكن أن يكون نموذجا للدولة بأكملها.

الخلاصة، أنه يستحيل على السعودية أن تستنسخ النموذج الاقتصادي الإماراتي، فهو عكس ما يروج له، ما زال يعتمد بشكل أساسي على تصدير النفط والطاقة الرخيصة، وهي دولة ريعية لا تختلف كثيرا عن بقية دول الخليج– ومن ضمنها قطر الدولة الخليجية الأغنى – إلا أنها استطاعت أن تصنع بعض المعالم السياحية الجاذبة والظاهرة للعيان، ولكنها لم تستطع بناء اقتصاد منتج مستدام يمكن استنساخه في السعودية.

حصة العامل في السعودية الأدنى في العالم

يتحدد أجر العامل في الاقتصادات الرأسمالية – وهي النظام السائد في العالم حاليا – من خلال قوى العرض والطلب، حيث يبحث مالك الشركة – مالك رأس المال – عن أرخص يد عاملة تملك المهارات المطلوبة لكي تتمكن الشركة من الإنتاج. يذهب جزء من عوائد الشركة إلى مالك الشركة، والجزء الآخر يذهب إلى القوى العاملة – الموظفين. يتم إنفاق جزء من الدخل الذي يحصل عليه مالك الشركة لحسابه الخاصّ، أمّا الجزء الآخر فيتم استثماره لزيادة حجم الإنتاج وذلك بهدف زيادة أرباح صاحب رأس المال وعوائده. توسع الشركة وزيادة إنتاجها يعني أن هناك وظائف جديدة سيتم خلقها، وبالتالي هناك عدد جديد من القوى العاملة سيتم توظيفها. هذا السيناريو، لا يتم في شركة واحدة، ولا يقوم به شخص رأسمالي واحد، وإنما يقوم به المئات من الرأسماليين بالتزامن، يجنون الأرباح في شركاتهم، وينفقون جزءا منها لرفاهيتهم الشخصية، ويستثمرون جزءا آخر. لذلك، فإن حجم الطلب الكلي على العمالة سيرتفع، وبنفس الوقت سينخفض المعروض من العمالة، وهذا يدفع أجور العمال للارتفاع.

ارتفاع أجور العمالة، وتقلص المعروض من اليد العاملة، يؤدي لتقلص الأرباح التي يحصل عليها الرأسمالي، ويصبح التوسع المعتمد على اليد العاملة غير مُجْدٍ، لأن ذلك سيؤدي لمزيد من الارتفاعات في الأجور ومزيد من الانخفاض في الأرباح. فما هو الحل؟ الحل هو رفع إنتاجية اليد العاملة من خلال الاستثمار في الأتمتة والمعدات أو التدريب والتعليم، أو زيادة إنتاجيته من خلال الإبداع والابتكار لتطوير تقنيات جديدة ترفع من إنتاجية تلك الشركات وتقلل اعتمادها على اليد العاملة.

الشركات التي تبادر بالابتكار وزيادة الإنتاجية من خلال تطوير التقنية، ترتفع إنتاجية موظفيها، وبالتالي ترتفع هوامش أرباحها، هذا الارتفاع يسمح لها بالتوسع من جديد وتوظيف موظفين جدد برواتب أعلى (لأنها أصبحت تربح أكثر وتنتج أكثر لكل موظف).

هذه العلاقة بين رأس المال والموظف تحفز النمو الاقتصادي وترفع الدخل الحقيقي للجميع. والقوة التفاوضية في هذه الحالة تكون متوزعة بين الطرفين، ولذلك فإننا نجد أن حصة العمال من الدخول في غالبية دول العالم شبه مستقرة على مدى عشرات السنين، حيث يذهب – كمعدل – حوالي 60% من الدخل الصافي للعاملين، وتذهب البقية – 40% – لأصحاب رأس المال. ولكن هذه المعادلة تكسر إذا كان هناك قوة تفاوضية أكبر لدى مالك رأس المال، كما هو الحال في السعودية.

في السعودية، باب الاستقدام كان شبه مفتوح على مدى الثلاثين سنة الماضية – وما زال نسبيا مفتوح مقارنة بدول العالم، بالتالي، لا يعاني مالك رأس المال من الشح الذي يعانه ملاك رأس المال في دول العالم الأخرى. فمعروض العمالة بالنسبة له هو: كل سكان العالم، بينما في الدول الأخرى، معروض هو العمالة هم المواطنين. هذا الخلل الجسيم سمح لمالك رأس المال أن يفرض الأجر الذي يريده بدل أن تكون القوة التفاوضية لدى الطرفين، وهو السبب الذي دفع حصة العامل في السعودية أن تكون أقل بكثير من المعدلات العالمية، حيث أن حصة العامل في السعودية – في القطاع الخاص – لا تتجاوز 25% مقارنة ب 60% في بقية دول العالم.

كما أن وفرة العمالة الرخيصة المستوردة قتلت أي حافز حقيقي لمالك رأس المال أن يرفع من انتاجيته منشأته من خلال الأتمتة أو من خلال تدريب الكوادر العاملة. هذا التشوه في العلاقة بين مالك رأس المال والعامل يضاف له الاحتكارات الواسعة في قطاعات مختلفة من الاقتصاد، حيث تمنع تلك الاحتكارات من دخول شركات أخرى قد ترفع الطلب على العمالة وتتنافس في رفع الإنتاجية