Monthly Archives: يونيو 2011

نطاقات والسوق السوداء

في المقال السابق ذكرنا أن برنامج نطاقات مشروع يستحق الدعم، خاصة أنه سيواجَه بهجمة شرسة من بعض من ستتضرر مصالحهم ولا ينظرون للمصلحة العامة، وذكرنا أن البرنامج سيكون له دور إيجابي كبير على المدى القصير وسيمهد الأرضية لأي إصلاحات جذرية قادمة في سوق العمل تسهم علاج مشكلة البطالة على المدى الطويل، ولكن في نفس الوقت لايوجد مشروع خال من العيوب، والزمن كفيل بإظهار الأخطاء وتصحيحها، لذلك سنطرح في هذا المقال بعض الحلول التي قد تسهم تطوير البرنامج وجعله أكثر فعالية.

يقوم برنامج نطاقات بشكل عام على تقليص العرض من العمالة الوافدة، وتصعيب الحصول عليها من خلال تصنيف الشركات بناء على نسبة السعودة وبناء على حجم وقطاع المنشأة، وذلك لدفع المنشآت لتوطين الوظائف. في أي سوق، عندما يتقلص العرض ولا يتقلص الطلب، فإن السعر أو التكلفة تزداد. واذا لم يجد هذا الإرتفاع قنوات قانونية للإرتفاع فإن سوقا سوداء ستخلق أو سيجد السعر وسيلة أخرى للإرتفاع، لأن قوى السوق دائما تغلب أي قوى قانونية أخرى. لذلك ففي حالة الإستقدام، وبما أن تكلفة الإستقدام لم ترتفع، وبما أن الطلب على العمالة الرخيصة أعلى يقينا من العرض، فإن الزيادة ستصب في أحد القنوات الثلاثة التالية: ارتفاع رواتب الموظفين غير السعوديين أو زيادة أسعار التأشيرات في السوق السوداء أو زيادة الرشاوي في الدوائر الحكومية لتجاوز الأنظمة.

ارتفاع الرواتب للعمالة الوافدة سيظهر جليا في النطاقات التي يستطيع الوافد الإنتقال منها من دون موافقة الكفيل، فالكفيل مجبر على دفع راتب أعلى للموظف حتى يتمكن من ضمان بقاءه. والشركات في النطاقات الأخرى ستحاول جذب هذا الموظف بعرض مرتب مغري له. هذه الزيادات في الرواتب سيتم تحويلها لا محالة لخارج المملكة، مما يزيد من كمية الثروات المسربة بسبب العمالة الوافدة والتي تجاوزت قيمتها 90 مليار ريال سنويا. بالإضافة لذلك فإن الشركات في النطاقات الصفراء والحمراء والتي تجني أرباحا كبيرة، ستستخدم المال لشراء التأشيرات أو لدفع الرشاوى كما هو حاصل الآن. وقد تستغل ذلك الشركات في النطاقات الخضراء والممتازة وتؤجر عمالتها للمنشآت في النطاقات الحمراء والصفراء.

أفضل علاج لهذه الظواهر السلبية التي تضر الإقتصاد المحلي بشكل مباشر، هو السماح للنطاقات الحمراء والصفراء بالإستقدام ولكن بتكلفة مرتفعة جدا، توازي هذه التكلفة قيمة تجارة التأشيرات في السوق السوداء، كما يتم منع الانتقال الحر للموظفين غير السعوديين في النطاق الأحمر واستبدال ذلك برفع تكلفة تجديد الإقامة. وبذلك نضمن عدم ارتفاع الرواتب ونضمن عدم نشوء سوق سوداء، وتذهب كل مداخيل السوق السوداء لصناديق حكومية تسهم في بدل البطالة والتدريب للعاطلين عن العمل.

هل يصلح نطاقات ما أفسده الدهر؟

أطلقت وزارة العمل هذا الأسبوع برنامج نطاقات الذي أثار موجة من ردود الفعل المتباينة ما بين مؤيد ومعارض. وما بين معارض للبرنامج لما سيلحقه من أضرار ومعارض للبرنامج لاعتقاده أنه حل غير كافي لما نواجهه من خلل في سوق العمل وتفش للبطالة. ابتداءا يجب أن نقول أن الخلل الموجود في سوق العمل والبطالة والضعف الإنتاجي الناتج من هذا الخلل هو أصعب معضلة اقتصادية تواجهها البلد. والخلل هذا نتيجة تراكمية لأكثر من ثلاثة عقود من العمالة الرخيصة المتدفقة على البلد والنمو الضعيف في القطاع الخاص الإنتاجي والاعتماد شبه المطلق على القطاع الحكومي في تحريك الاقتصاد وتوظيف المواطنين. هذا الخلل الهيكلي لا يحل فقط بتغييرات إجرائية او تنظيمية بل بتغيير اقتصادي شامل تشارك فيها كل القطاعات ويكون ضمن استراتيجية شاملة تقود البلد من اقتصاد ريعي إلى أقتصاد انتاجي حقيقي. لذلك فإن من يُسلط عليه الضوء كمسؤول عن اصلاح هذا السوق – وهو في هذه الحالة وزير العمل عادل فقيه – هو في وضع لا يحسد عليه. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح وزير العمل لوحده في إصلاح هيكل سوق العمل ومشكلة البطالة.

ولكن رغم حجم وصعوبة المهمة الملقاة على عاتق وزير العمل، فإنه قادر على تهيئة الأرضية ولو مبدئيا للحلول الشاملة التي يفترض أن تأتي في وقت لاحق كرفع رسوم الاستقدام بشكل كبير والبدء باستراتيجية تنمية حقيقية للقطاع الخاص الإنتاجي. ويفترض من برنامج نطاقات رغم بعض سلبياته وبعض ثغراته أن يقوم بدور هذه الأرضية الممهدة. ولذلك فإن علينا جميعا أن نعمل على إنجاح هذا البرنامج ومساندته بكل الوسائل، خاصة أنه سيواجه حملة شرسة – وقد بدأت الحملة فعلا – من قبل كثير من الجهات المستفيدة من الوضع القائم، وستعمل هذه الجهات على تعطيل البرنامج ومحاربته إعلاميا، ولو لم يجد البرنامج مساندة شعبية فقد تنجح هذه الجهات في مساعيها ونعود للنقطة صفر في رحلة إصلاح سوق العمل والقضاء على البطالة.

بالإضافة لذلك فإن نجاح البرنامج واستمراره مرهون بالشفافية وتطبيق النظام على الكل من دون محاباة أو تفضيل، فهذا النوع من الأنظمة إن لم يطبق بشكل كامل فضرره أكبر بكثير من عدم تطبيقه اطلاقا، والطريقة الأفضل للتطبيق العادل هو مشاركة البيانات إعلاميا وبشكل تفصيلي، كالإعلان شهريا عن عدد التأشيرات الصادرة لكل نطاق، وأعداد العمالة التي تم ترحيلها لكل نطاق، بالإضافة لأعداد السعوديين الذين تم توظيفهم في كل نطاق، ولو استشعر المجتمع التأثير الإيجابي الواضح للبرنامج فلن تستطيع أي قوى أن توقف تطبيق النظام أو تعطله أو حتى تحاربه.

البطالة والأوامر الملكية الأخيرة

صدرت يوم السبت الماضي مجموعة من الأوامر الملكية المتعلقة بسوق العمل، وقد شملت هذه الأوامر مجالات متعددة وقطاعات مختلفة، ولكن غالبية القرارات تركزت على حل مشكلة آنية لشرائح من الباحثين عن العمل أو أصحاب الشهادات المهنية الذين ما زالوا ينتظرون وظيفتهم، كما تركزت على خلق مجالات جديدة لتوظيف النساء سواءا من خلال زيادة عدد الوظائف التعليمية للنساء أو من خلال تأنيث محلات المستلزمات النسائية أو البدء بتأنيث بعض خطوط الإنتاج في المصانع.

هذه القرارات تدل على أن هناك استشعارا لمدى تفاقم أزمة البطالة، ويبدو أن قرار بدل البطالة الأخيرة كشف عن حقيقة حجم هذه الظاهرة مما استوجب قرارات فورية تقلل من حجمها، ولكننا ما زلنا بحاجة لقرارت استراتيجية تسهم في حل مشكلة البطالة على المدى الطويل وليس على المدى القصير فقط، فهذه القرارات حسب أكثر التقديرات تفاؤلا ستخلق ما يقرب من الـ 100 ألف وظيفة، في المقابل نجد أن المسجلين رسميا كعاطلين لدى مكتب العمل يصل عددهم 500 ألف، أما الرقم الذي سيخرج بعد تدقيق المسجلين ببرنامج بدل العطالة فأتوقع أن يزيد على 2 مليون عاطل (سجل حتى الآن أكثر من ثلاثة ونصف المليون مواطن في البرنامج). أما أعداد الداخلين لسن العمل سنويا من الشباب والشابات فعددهم يزيد على 400 ألف، لو افترضنا أن نصفهم سيبحثون عن وظيفة فهذا يعني أن علينا خلق أكثر من 200 ألف وظيفة سنويا بالإضافة لتوظيف جميع العاطلين الحاليين.

الملاحظ أيضا في القرارات الأخيرة، أنها تركزت على الوظائف الحكومية، ولا يمكننا كاقتصاد أن نستمر في الإعتماد على توظيف المواطنين في الوظائف الحكومية، فهذه الاستراتيجية غير قابلة للاستدامة، ودور القطاع العام أن يكون خادما لضمان حركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وأن لا يكون هو الاقتصاد بحد ذاته. لذلك أتمنى أن يكون هناك خطوات لاحقة للبدء باستراتيجية وطنية تنقل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد منتج وقادر على خلق عدد كبير من الوظائف التي تضيف للاقتصاد بدل أن تستنزفه.

الملاحظة الأخرى بخصوص القرارت أنها تركزت على حل مشكلة البطالة بين النساء، ورغم أن من حق المرأة أن تعمل وتكون عنصرا منتجا في الاقتصاد، إلا أنني أتمنى أن لا يجرفنا الحماس لحل البطالة بين النساء وينسينا البطالة المستفحلة بين الشباب، فبعيدا عن العواطف والمثاليات فإن بطالة الرجل أكثر خطورة من بطالة المرأة، وهذا عائد للطبيعة الإجتماعية لدينا، فالأسرة هي المكون الرئيسي في المجتمع، والرجل هو العائل الرئيسي في هذه الأسرة، فعدم قدرته على إيجاد مصدر دخل أخطر بكثير من عدم قدرة المرأة على إيجاد دخل لتكون مصدرا ثانيا للدخل في الأسرة، أما الحالات الاستثنائية للنساء اللائي يفتقدن العائل كالأرملة أو المطلقة أو غيرها، فأعتقد أنه يجب أن تكون لهم الأولوية في الوظائف النسائية، وأعداد هذه الوظائف تكفي لتغطية كل الحالات الاستثنائية هذه وتزيد.

أخيرا فإن النجاح في مواجهة البطالة واستئصالها يتطلب خطة استراتيجية جديدة بروح مختلفة وعقلية منفتحة، تعمل فيها كل قطاعات الوطن بشكل متزامن، ويضحي فيها البعض – كرجال الأعمال، خطة تكون أقرب لإعادة هيكلة الإقتصاد، وأن ترتكز أهداف هذه الاستراتيجية على الوصول إلى نمو اقتصادي سريع خاصة في القطاع الخاص، وتعليم وتدريب وتأهيل المواطن حتى يكون العنصر الأساسي في عملية البناء والإنتاج.