Monthly Archives: نوفمبر 2012

السنة 2020… عدد الأجانب 20 مليون…

في كل سنة تقريبا يصدر جهاز جديد من الآيفون، ويتدافع الناس لشرائه ويرتفع سعر الجهاز بشكل كبير، ويصل أحيانا لضعف سعره الأصلي الذي يفترض أن لا يتجاوز 2700 ريال، وقد يصل الأمر إلى نشوء سوق سوداء لهذا الجهاز، ودخول المحسوبة والواسطات من خلال منافذ البيع، حيث يحتفظ الموظفون المسؤولون عن بيع الجهاز ببعض الأجهزة لبيعها لأصدقائهم، أو حتى شرائها وبيعها بسعر أعلى لعملاء آخرين. كل هذه الظواهر المصاحبة لإصدار جهاز الآيفون الجديد ناتجة عن عامل واحد، أن المعروض أقل من الطلب على السعر الأساسي للجهاز، فالغالبية العظمى ممن يرغب بشراء الجهاز بسعره الأصلي لا يجد الجهاز، فهل من العدل أن يتحكم بعض الأشخاص بآلية التوزيع والبيع ويمنحون الجهاز لمن يريدون؟ ويحرمون غيرهم؟ أو هل من العدل أن يشتري المسؤول عن بيع الجهاز، ثم يبيعه بسعر أعلى في السوق السوداء؟ الجواب لا. ماذا لو كان السعر الأساسي للجهاز 6000 ريال؟ لو كان السعر الأساسي بهذا الارتفاع لانخفض الطلب بشكل كبير، ولاختفت جميع الظواهر السلبية المصاحبة لإطلاق الجهاز ولاختفت السوق السوداء تماما، ولاستطاع أي شخص لديه 6000 ريال أن يشتري الجهاز بسهولة.

في كل سنة يتقدم أصحاب العمل لوزارة العمل بطلب ملايين التأشيرات، تتجاوز 2 مليون تأشيرة وقد تصل لـ 3 ملايين تأشيرة، ومن جهتها لا تستطيع وزارة العمل أن تلبي كامل هذه الطلبات، فتمنحهم ما معدله أقل من مليون تأشيرة سنويا. وهذا يعني أنها رفضت منح أكثر من 2 مليون تاشيرة. بعض التأشيرات التي تمنح هي استبدال لعامل وافد مغادر، ولذلك فإن صافي عدد العمالة التي تدخل سنويا يصل تقريبا لـ 500 ألف وافد، ولو تمت الموافقة على جميع الطلبات فهذا يعني أن عدد الداخلين الجدد من الوافدين قد يصل لأكثر من 2 مليون وافد سنويا، وبذلك سيصل عدد الأجانب بحلول عام 2020 لأكثر من 20 مليون أجنبي. فهل يعقل أن نسمح بوصول عدد الأجانب لهذا الرقم؟ وهو رقم ضخم له تبعات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية لا يمكن قبولها بالنسبة لكثيرين، وعلى رأسها زيادة الجرائم وتغير التوزيع الديموغرافي، واقتصاديا  يكفي أن نعرف أن حجم تحويلات الأجانب سنويا تجاوز 100 مليار ريال، ولو وصل عددهم لأكثر من 20 مليون وافد فسيتجاوز حجم التحويلات السنوية 200 مليار ريال، مع العلم أن مرتبات كل موظفي الحكومة لا تتجاوز 200 مليار ريال سنويا. فإن كنت لا تمانع أن يصل عدد الأجانب لهذا الرقم رغم كل ما يصاحبها من سلبيات فبقية المقال لا يعنيك. أما إذا كنت ترفض أن يصل عدد الأجانب لهذا الرقم فما هو الحل الأمثل لتقنينه وتحديد حجمه؟

في الوقت الحالي، من يتحكم بحجم تدفق الأجانب سنويا هي قوانين الوزارة وضوابطها، وقرارات الموظفين العاملين فيها، فهل من المنطقي وهل من العدل أن تتولى وزارة كوزارة العمل توجيه الاقتصاد من خلال التحكم بمن يحصل ومن لا يحصل على أحد أهم عناصر الإنتاج وهو العنصر البشري؟ لا يمكن لوزارة مهما بلغت قدراتها أن تمتلك المعلومة الدقيقة والأفضل لتحديد من يستحق من أصحاب العمل أن يحصل على العمالة، ومن لا يستحق، وتحديد الأعداد المناسبة لكل منشأة ولكل قطاع، كما أن منح جهة واحدة السلطة للتحكم بعنصر إنتاجي مهم يفتح الباب على مصراعيه لتفشي الفساد والرشاوي والمحسوبية والسوق السوداء. هذه السلطة التي تملكها وزارة العمل أو من يعمل فيها تمكّنهم من تحديد مصير شركات ومؤسسات، وتحديد مستوى ربحيتها ومستوى قدرتها على التوسع. وبعض اصحاب الأعمال يحصل على هذه التأشيرات وهو لا يستطيع أن يجني أرباحا كافية منها فيقوم ببيعها لغيره ممن هو أحق بالحصول على هذه التاشيرات، ولا يمكن مهما بلغت درجة الرقابة أن يتم القضاء على هذه الظواهر، فحيث تكون هناك سلطة تتدخل في تحديد من يحصل على مورد محدود يزيد فيه الطلب على المعروض، سيكون هناك فساد وسوء إدارة وسوق سوداء، لا مفر من ذلك.

لا يمكن أن ننزع من وزارة العمل سلطة توجيه الاقتصاد إلا من خلال تقليل الطلب على الاستقدام، يجب يكون للشركات الأكثر ربحية وإنتاجية الأولوية في الحصول على العنصر البشري الوافد المحدود العدد، فإذا كان هدف الدولة أن لا يدخل سنويا أكثر من 500 ألف وافد، فيجب أن يذهب كل هؤلاء لأكثر القطاعات إنتاجية، وأن لا يكون هناك أي جهة وسيطة تحدد توزيع هذه العمالة. وحتى نتمكن من ترك قوى السوق تتحكم بتوجه العمالة فإن رفع تكلفتها هو الحل الوحيد، فكلما ارتفعت تكلفة الاستقدام فإن القطاعات الأقل ربحية وإنتاجية ستتوقف عن الاستقدام لأن استقدام العمالة لن يكون مجديا بالنسبة لهم. وستتركز عملية الاستقدام على القطاعات الاكثر نموا والأعلى عائدا على الاقتصاد الوطني. وحتى نحقق هذا الهدف يجب أن ترتفع تكلفة الاستقدام حتى يتساوي حجم الطلب على العمالة للحجم الذي تم تحديده من قبل الدولة لحجم تدفع العمالة – مثلا 500 الف وافد. عندها لن تحتاج المنشأة أن تمر بأي عقبات بيروقراطية عند الاستقدام، وسيستطيع كل من يتقدم بطلب استقدام أن يحصل على كل ما يطلبه من عمالة ما دام قادرا على تحمل التكاليف الجديدة.

رفع رسوم العمالة شرّ لا بد منه

ردود فعل عاصفة من قبل كثير من التجار وأصحاب الأعمال بعد قرار الوزير رفع تكلفة تجديد رخص العمل لتصل لمائتين ريال شهريا لكل عامل أجنبي. حيث توحدت جهود الغرف التجارية والشخصيات التجارية وبعض المواطنين من أصحاب الأعمال للوقوف في وجه القرار المفاجيء. البعض اعترض على القرار ككل والبعض اعترض على التوقيت، وحذر كثير منهم من الآثار الوخيمه له كارتفاع الأسعار على المستهلكين والإضرار بأصحاب الأعمال الصغيرة وغيرها. وخلال هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على تبعات هذا القرار وأهميته والجوانب السلبية والإيجابية له.

قبل الحديث عن إيجابيات القرار فإن من أكبر المآخذ على القرار هو الإعلان المفاجيء له، حيث لم يسبق تنفيذ القرار أي إعلانات او تغطية بقرب صدوره. فقرار من هذا النوع سيؤثر بشكل كبير على قطاعات تعتمد بشكل شبه كامل على اليد العاملة – مثل قطاع المقاولات والصيانة والتشغيل – وهذه المؤسسات والشركات قد تكون ملتزمة بعقود طويلة وستتأثر هوامشها وقد تتعرض لخسائر بسبب القرار، لذلك فمن حق الشركات المتضررة بشكل مباشر وواضح أن يتم تعويضها من قبل الدولة لتجاوز التأثير السلبي لهذه الفترة. السلبية الثانية للقرار هو عدم ربطه بنظام نطاقات، فقد كان من الأولى أن يتم إعفاء من يلتزم بنسب السعودة وتكون منشأته بالنطاق الأخضر من هذه الرسوم، ويمكن فرض مبالغ أعلى – 500 ريال على سبيل المثال – على العمالة للمنشآت الموجودة بالنطاقات الصفراء أو الحمراء.

أما الجوانب السلبية التي ستواجه القطاع الخاص والمستهلكين ولا يمكن تجنبها مهما تم تعديل تفاصيل القرار، فهي الخسائر المتوقعة لأصحاب الأعمال الصغيرة، فهوامش الربح لكثير من هؤلاء محدودة، واعتمادهم بشكل أساسي هو على توفر العمالة الرخيصة، وللأسف فإن نسبة كبيرة من هذه الأعمال تقوم على التستر، وكثير من الأسر تعتمد في دخلها على ما تجنيه من هذه الأعمال، ولا يمكن أن نلوم الممارسين لهذه الأعمال بشكل كامل، فالمسؤولية تقع على الدولة والوزارات التي غضت الطرف عن هؤلاء لأكثر من ثلاثة عقود، حتى تفشت الظاهرة في كل أنحاء البلاد، هؤلاء سواء من كان يعمل بشكل قانوني أو غير قانوني، يجب أن تستعد الدولة للتعامل معهم ومساعدتهم في هذه المرحلة ووضع برنامج يمكنهم من تجاوز الأزمة التي قد يواجهونها.

الأثر السلبي الآخر الذي تم طرحه في الأيام الماضية هو التضخم المتوقع بسبب قرار الرفع، وقد كانت هناك مبالغات كثيرة بهذا الخصوص، فالتضخم الإجمالي للقطاع الخاص لا يمكن أن يتجاوز 2.5% كمعدل بسبب القرار فإجمالي ما سيتم تحصيله من القطاع الخاص لن يتجاوز 15 مليار ريال كأكبر تقدير وبعض التقديرات تشير إلى أنه لن يتجاوز 7 مليار ريال في مقابل حجم مبيعات للقطاع الخاص يتجاوز 600 مليار ريال، وهذا الإرتفاع في التضخم سيكون (لمرة واحدة فقط) وليس ارتفاع سنوي مستمر – كما أن له فائدة مباشرة وهي رفع نسب السعودية وتقليل الاعتماد على العمالة الرخيصة. في المقابل نحن نواجه تضخم سنوي يصل لخمسة في المائة ومصدره الرئيسي ارتفاع أسعار الإسكان – بسبب احتكار الأراضي – والتضخم المستورد للسلع الذي لا يمكننا السيطرة عليه، وهذا التضخم الذي نواجهه سنويا لا يسهم في حل البطالة بأي شكل من الأشكال بل يزيد من تفاقمها بشكل غير مباشرة. التضخم سيتركز على القطاعات التي تعتمد على اليد العاملة بشكل أساسي، أما أسعار السلع فتكلفة العمالة لا تؤثر عليها، ولن تتسبب الرسوم في ارتفاع أسعار السلع، كما أن التضخم سواء مع هذا القرار أو بدونه أمر لا مفر منه في رحلة التحول من الاعتماد على العمالة الرخيصة إلى العمالة الوطنية الأعلى تكلفة، ولو كان الاختيار بين أسعار رخيصة وبطالة مستشرية بين الشباب وأسعار أعلى مع القضاء على البطالة، فإن الخيار هو الأسعار الأعلى بلا شك.

أما الجوانب الإيجابية للقرار فتتمحور حول أهمية رفع تكلفة العمالة الأجنبية لإصلاح سوق العمل المشوه بشدة. أعداد الوافدين سنويا تتجاوز 1 مليون وافد، ولو سمح بالاستقدام من دون ضوابط فقد يصل الرقم لأكثر من ذلك بكثير، هذا يعني أن الوزارة غير قادرة على تبلية كل الطلب على العمالة الوافدة – وجلها عمالة رخيصة، كما أن عدم قدرة الوزارة على تلبية كل الاحتياج يفتح الباب رضينا أم أبينا لنشوء سوق سوداء ودخول الواسطات والمحسوبيات في اختيار من يستحق أن يستقدم ومن لا يستحق. لذلك فإن رفع التكلفة سيؤدي حتما لانخفاض الطلب على هذه العمالة، لأن صاحب المنشأة لن يستقدم هذه العمالة إلا اذا كان هناك جدوى اقتصادية حقيقية. وسيتركز استقدام العمالة على القطاعات الاكثر ربحية وإنتاجية بدل أن يكون لعوامل النفوذ والمحسوبة القول الفصل في توجيه العمالة.

كما أن قرار رفع تكلفة الأجنبية سيؤدي لانخفاض نشاطات التستر والمتاجرة بالعمالة، فمن يتاجر بالعمالة ويحصل على مبلغ ثابت ممن استقدمهم – يتراوح بين 300 و 400 ريال – ستتقلص حجم السوق الذي يستوعب هذه العمالة القادرة على دفع هذا المبلغ، لأن هناك مبلغ شهري اضافي وهو 200 ريال تمت اضافته على التكلفة. نفس الشيء ينطبق على التستر، فهوامش الربح ستتقلص كثيرا على العامل الاجنبي الذي يدفع مبلغا ثابتا لصاحب العمل المتستر، وبالتالي فإن كثيرا من هذا المحلات ستغلق أبوابها بسبب عدم جدوى الاستمرار لأن الهوامش في الأصل محدودة.

أما أهم إيجابيات القرار فهو تقليص الفجوة بين العامل السعودي والأجنبي، فبالإضافة للمبالغ التي يدفعها صندوق التنمية البشرية للمنشآت لتقليل تكلفة توظيف المواطن، فإن رفع تكلفة رخص العمالة ستكون عاملا جديدا لزيادة جاذبية توظيف المواطنين.

ختاما أتمنى أن لا يتم التراجع عن هذا القرار بسبب الضغوطات، فالإصلاحات الاقتصادية بطبيعتها مؤلمة في كثير من الأحيان، وسوق العمل والبطالة – التي تعتبر أحد أخطر المشاكل التي نواجهها، لا يمكن أن تحل من دون بعض المعاناة على المدى القصير، هذه المعاناة ستطال الجميع، حكومة وأصحاب أعمال ومواطنين، فهوامش أرباح أصحاب الأعمال ستتقلص، والأسعار قد ترتفع على المستهليكن، ولكن هذه المعاناة شر لا بد حتى نتجنب الأسوأ في المستقبل، فالآثار السلبية الحالية لقرارات كهذا من السهل التعامل معها مع وجودة وفرة مالية بسبب ارتفاع مداخيل النفط، ولكن التعامل مع نفس المشاكل في المستقبل سيكون أصعب بكثير وقد يؤدي تأجيل القرارات إلى مشاكل غير قابلة للحل بعد خمس أو عشر سنوات، مشاكل قد تشكل تهديدا حقيقيا على استقرار الوطن وعندها سيخسر الجميع.

حملات المقاطعة وحرية السوق

ازدادت في الفترة الماضية أعداد حملات المقاطعة لسلع الشركات التي تقوم برفع أسعار منتجاتها، وساهم في تزايد هذه الحملات وسائل التواصل الجديد عبر الإنترنت أو الجوالات الذكية، التي سهلت كثيرا إيصال رسائل هذه الحملات لعدد كبير جدا وفي وقت وجيز. وفي ظل هذه الزيادة بحملات المقاطعة تفاوتت الآراء ما بين مؤيد ومعارض لهذه الحملات وما بين مشكك ومؤكد لفائدتها وحجم تأثيرها على واقع السوق.

في الواقع أن الحملات الشعبية لمقاطعة أي شركة ترفع أسعارها لها عدة فوائد وكلها تصب في صالح المستهلك والسوق، لأن هذه الحملات تسهم في رفع وعي المستهلك وتضيف تكلفة إعلامية مؤثرة على الشركات التي تقوم برفع الأسعار، وتسهم أيضا في توعية المستهلك عن التنوع الموجود في السوق والبدائل المتوفرة.

أما من الناحية الاقتصادية المباشرة، فمن المعروف أن أي رفع في سعر أي سلعة يؤدي عادة لانخفاض حجم الطلب، نسبة الانخفاض تعتمد على مرونة الطلب، فإذا كانت المرونة عالية فإن حجم الطلب سينخفض بشدة عند رفع السعر، أما اذا كانت المرونة منخفضة – كما هو الحال في الأدوية مثلا – فإن الطلب لن يتأثر كثيرا. كما أن المرونة تكون منخفضة عندما لا تتوفر بدائل لسلعة معينة ارتفع سعرها، أو أن البدائل شحيحة لا تكفي لتغطية الطلب، لذلك فإن أحد أهم أدوار حملات المقاطعة هو إضافة عامل جديدة يسهم في رفع (مرونة الطلب). فعلى سبيل المثال: لو ارتفعت سلعة معينة بنسبة 10% وانخفض الطلب عليها 4%، فإن حملات المقاطعة قد ترفع هذه النسبة إلى 7% أو 8%. هذه النسبة الإضافية من انخفاض الطلب ترفع (تكلفة قرار رفع السعر)، وبالتالي فإن كل الشركات ستفكر مليا قبل رفع سعرها، ولن تقوم بهذه الخطوة إلا إذا كانت مضطرة فعلا لاسباب اقتصادية حقيقية وليس لمجرد استغلال تزايد الدخل لدى المستهلك.

الجانب المهم الآخر هو أن حملات المقاطعة لن تكون ذات جدوى لو كانت الشركة تملك حصة متسيدة بشكل كبير للسوق، وهذا خطر محدق في بعض قطاعات السلع الاستهلاكية، لأن البديل في هذه الحالة لن يكون كافيا لتغطية الطلب، لذلك فإن حملات المقاطعة تسهم في توزيع الحصص السوقية بين أكثر من شركة مما يضمن استمرار التنافسية في السوق وتجنبنا تسيد شركة واحدة للسوق يمسح لها بالتحكم بالسعر ويضطر المستهلك للرضوخ لأي رفع للأسعار، لذلك فحتى لو استمرت بعض الشركات في رفع السعر رغم حملات المقطاعة فإن لذلك تأثير إيجابي لزيادة الحصة السوقية للشركات الأخرى.