Monthly Archives: فبراير 2013

1000 مليار ريال… أين اختفت؟

بداية وددت أن أوضح أن المقال لا علاقة له بالفساد أو هدر المال العام، وإنما يتعلق بأحد أهم عناصر الاقتصاد في السعودية وهو سعر صرف العملة الذي يؤثر بشكل جوهري – وسلبي – على هيكل الاقتصاد وفرص نموه وعلى مستقبلنا جميعا، في المقال السابق أشرنا إلى أثر تخفيض سعر صرف الريال، وذكرنا أنه لو تم خفض سعر الصرف ليكون 7.5 ريال لكل دولار، فسترتفع عوائد الحكومة أكثر من 1000 مليار ريال، فبدل أن يكون الدخل حوالي 1000 مليار ريال كما هو الحال حاليا، ستصل إيرادات الحكومة لأكثر من 2000 مليار ريال. السؤال المطروح: أين اختفت الألف مليار تلك؟ فقد كان من الممكن أن تدخل هذه الأموال لخزائن الحكومة ولكنها عمليا انتقلت لعنصر اقتصادي آخر آخر. فما هو؟

الألف مليار التي استغنت عنها الحكومة من أجل رفع قيمة الريال ذهبت بشكل غير مباشر لدعم السلع المستوردة، فكل سلعة مستوردة انخفض سعرها – بالريال السعودي – خمسون بالمائة. فكأننا عندما نشتري أي سلعة مستوردة نحصل على دعم حكومي لتخفيض سعر هذه السلعة يخفض سعر السلعة إلى النصف، هذا الدعم للسلع المستوردة يكون على حساب السلع التي تنتج وطنيا، فكأن الحكومة تجبر المواطنين أو تحفزهم لشراء السلع المستوردة من خلال خفض سعرها بنسبة كبيرة وترك السلع المنتجة محليا لأن سعرها أعلى، وبالتالي تزداد صعوبة النمو في القطاع الصناعي لأن التنافس يصبح أصعب بكثير ومستحيلا في بعض الحالات، كما أن هذا الرفع لسعر العملي يفقد السلع المحلية قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، فتقل قدرتنا على تصدير منتجاتنا المحلية وبيعها في أسواق العالم.

بالإضافة لذلك، فإن أكبر مستفيد من هذا الدعم هم الأعلى دخلا، فمن ينفق سنويا مليون ريال لشراء السيارات الفاخرة أو المجوهرات، تدعمه الحكومة بما يوازي المبلغ الذي تم إنفاقه – أي مليون ريال، أما من ينفق 50 ألف ريال لشراء احتياجاته من السلع المستوردة فالدولة تدعمه بخمسين الف ريال فقط. لا أعتقد أنه من العدل أن يتم دعم الجميع بنفس المستوى لأن الأكثر ثراء لا يحتاج لهذا الدعم وقد ينفق أمواله في كماليات مستوردة ليس لها ضرورة حقيقية ولن تفيد الاقتصاد.

الألف مليار التي استغنت عنها الحكومة لدعم العملة ورفع قيمتها، قتلت قدرتنا على تنمية الصناعة المحلية، كما أنها تنفع الثري أكثر من الفقير أو متوسط الحال، هذا الخلل الهيكلي يمكن تفاديه بأقل الأضرار، لو أعادت الحكومة تخفيض سعر صرف العملة لتحفيز الإنتاج الصناعي المحلي، ودعمت رواتب الموظفين حتى تقلل من تأثير التضخم المتوقع لأسعار السلع المستوردة، رواتب موظفي الحكومة الإجمالية لا تتجاوز 260 مليار ريال، وإجمالي رواتب السعوديين في القطاع الخاص أقل من 60 مليار ريال، لو ضاعفت الدولة رواتب جميع موظفي الحكومة ودعمت رواتب موظفي القطاع الخاص فإن ذلك سيستهلك أقل من 330 مليار، بينما يتبقى للحكومة من الألف مليار أكثر من 670 مليار ريال يمكن استثمارها في القروض الصناعية واستثمارات البنية التحتية والتعليم التي ستمكننا من النمو بشكل أسرع وتضمن تحولنا من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج.

اذا تم خفض سعر العملة وتحويل فوائض الدخل للمواطنين فسيكون خيار الشراء للمواطن، بشراء المستورد أو المصنع محليا، ولن يكون هناك ميزة تنافسية للسلع المستوردة متمثلة بانخفاض سعرها بسبب سعر الصرف، كما أن المنتج المحلي سيكون قابلا للتصدير ومنافسة بقية المنتجات في العالم، كل هذا سيفتح الباب أمام عدد هائل من الصناعات المحلية التي ستصبح قادرة على التنافس الهيكل الجديد للاقتصاد.

مقالات متعلقة:

  1. كيف تُخلق النقود؟
  2. كيف يتم تحديد سعر صرف العملة؟
  3. لماذا وكيف يتم تثبيت سعر العملة أو ربطها بالدولار؟
  4. لماذا 3.75 ريال للدولار وليس أكثر أو أقل؟
  5. ماذا لو تم رفع سعر صرف الريال؟
  6. ماذا لو تم خفض سعر صرف الريال؟

ماذا لو تم خفض سعر صرف الريال؟

في المقال السابق تحدثنا عن تأثير رفع سعر صرف الريال على الاقتصاد وعلى المواطنين، وفي هذا المقال سيكون حديثنا عن تأثير خفض سعر صرف الريال، والتأثير بطبيعة الحال معاكس لتأثير رفع سعر الصرف في غالب الجوانب، في المقال الماضي عن تأثير رفع سعر الصرف افترضنا أن قيمة الريال ستكون 2.6 ريال لكل دولار، وفي هذا المقال سنفترض أن سعر الصرف سيكون 7.5 ريال لكل دولار، واذا احتسبناه من خلال صرف الدولار للريال، فإن سعر الصرف الحالي هو 0.27 دولار لكل ريال، وبعد الخفض سيكون 0.13 دولار لكل ريال. أي أن قيمة الريال ستنخفض بنسبة 50% أمام الدولار. من الناحية النظرية يمكن للحكومة أن تخفض سعر صرف الريال من خلال بعض الإجراءات التي تقوم بها مؤسسة النقد، أبسطها زيادة المعروض من النقود بشكل كبير.

تأثير خفض سعر الصرف الريال سيكون كبيرا على الاقتصاد، وله سلبيات كثيرة – ومؤلمة – على المدى القصير، ولكن في المقابل له تاثيرات إيجابية على المدى الطويل، أول تاثير سلبي لخفض سعر الصرف هو التضخم، كل أسعار السلع المستوردة سترتفع بنسبة 100%. فالسيارة التي كان سعرها 100 ألف ريال سيصبح سعرها 200 ألف ريال، كما أن تكلفة رواتب العمالة الوافدة سترتفع بنفس النسبة، لأن ما يهم العامل هو راتبه بالدولار وليس بالريال السعودي، وهذا يشمل بالطبع العمالة المنزلية كالخادمات والسائقين، أخيرا؛ فإن السياحة الخارجية سترتفع كلفتها على المواطنين بنفس نسبة خفض سعر العملة.

أما إيجابيات خفض سعر صرف الريال، فأهمها تحفيز النمو في القطاع الصناعي، لأن ارتفاع تكلفة السلع المستوردة يفتح الباب أمام الكثير من الصناعات المحلية التي كانت غير مجدية بالسابق بسبب انخفاض تكلفة السلع المستوردة، ويمثل النمو في القطاع الصناعي أهمية قصوى لتصحيح الوضع الاقتصادي وخلق الوظائف، فالنمو الصناعي وتحسين الميزان التجاري (غير النفطي) هو السبيل الوحيد للخروج من الاعتماد الحصري على النفط، حيث أننا نستورد حاليا ما قيمته 600 مليار من العالم ونصدر أقل من 200 مليار من السلع والخدمات غير النفطية، هذه الفجوة يتم تغطيتها من خلال عوائد النفط الذي لن يبقى لنا أمد الدهر، ثاني إيجابيات خفض سعر الصرف هو ارتفاع تكلفة العمالة الوافدة – التي قد يراها البعض كسلبية – حيث أن هذا الارتفاع سيقلص الفجوة بين رواتب المواطنين والوافدين، وبالتالي تقل جاذبية استقدام العمالة الوافدة ويزداد الاعتماد على المواطن في القطاع الخاص، أخيرا فإن خفض سعر الصرف سيرفع إيرادات الدولة – بالريال السعودي – فإذا كانت الإيرادات 1000 مليار ريال سعودي، فإن هذه الإيرادات سترتفع لحوالي 2000 مليار ريال سعودي، مما سيوفر للدولة المزيد من الأموال التي يمكن توجيهها في قطاعات أكثر إنتاجية أو في تحسين البنية التحتية والتعليم.

كثير من دول العالم – كالصين واليابان – تعمل على الحفاظ على مستويات منخفضة لسعر عملتها أمام الدولار حتى تضمن أن قدرتها على تصدير منتجاتها لأمريكا وللعالم ستستمر، وهناك حديث متكرر هذه الأيام عن حرب العملات، وغالب دول العالم يتأثر سعر صرف عملتها بميزانها التجاري (الفرق بين التصدير والاستيراد)، وبالتالي تنخفض عملتهم اذا انخفض انتاجهم الصناعي وترتفع اذا ارتفع، أما في السعودية، فإن النفط يدفع سعر العملة للأعلى مما يؤثر سلبا على فرص النمو في القطاع الصناعي، ويؤثر بالتالي على فرص خلق الوظائف وبناء اقتصاد متنوع، فهل يكون خفض سعر صرف الريال هو الخطوة الأولى في طريق إصلاح الاقتصاد؟

مقالات متعلقة:

  1. كيف تُخلق النقود؟
  2. كيف يتم تحديد سعر صرف العملة؟
  3. لماذا وكيف يتم تثبيت سعر العملة أو ربطها بالدولار؟
  4. لماذا 3.75 ريال للدولار وليس أكثر أو أقل؟
  5. ماذا لو تم رفع سعر صرف الريال؟

ماذا لو تم رفع سعر صرف الريال؟

في المقالات الأربعة السابقة تحدثنا عن خلق النقود وعلاقته بسعر صرف العملات وعن الريال وعلاقته بالدولار، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على سلبيات وإيجابيات رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، من الناحية النظرية فإن الريال مقيّم بأقل من قيمته الحقيقية، فبعد ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة أصبح من الممكن أن يتم إعادة تقييم سعر صرف الريال أمام الدولار ورفعه بشكل كبير، وللوصول لأعلى قيمة ممكنة للريال أمام الدولار يمكننا استخدام الميزانية الحكومية التي تعتمد على دخل النفط وتشكل هذه الميزانية القاعدة الأساسية للحركة الاقتصادية في السعودية، فبسعر صرف 3.75 للريال أمام الدولار كانت إيرادات النفط لسنة 2012 حوالي 1,100 مليار ريال وكان معدل سعر النفط حوالي 100 دولار، بينما كان الفائض حوالي 380 مليار ريال، لو تم إعادة تقييم سعر صرف الريال بحيث يكون الفائض صفرا، فإن سعر صرف الريال أمام الدولار سيكون حوالي 2.6 ريال لكل دولار، أي حوالي 0.38 ريال لكل دولار مقارنة بحوالي 0.26 ريال لكل دولار حاليا. أي أن سعر صرف الريال سيرتفع حوالي 44%.

فمالذي سيحدث للاقتصاد لو تم تسعير الريال بهذه القيمة المرتفعة؟ وكيف سيتأثر المواطن والقطاع الخاص والحكومة، أول النتائج الإيجابية لرفع سعر صرف العملة هو انخفاض أسعار السلع المستوردة، وهو التأثير البديهي الذي يتم نقاشه في الصحف ووسائل الإعلام، والذي دفع بعض الاقتصاديين للمطالبة برفع سعر الصرف لتخفيف تأثير تضخم أسعار السلع، واذا تم تقييم الريال بـ 2.6 ريال لكل دولار فإن كل سلعة مستوردة نشتريها الآن سينخفض سعرها بنسبة 44%، سيارة الكامري التي تباع بـ 100 الف ريال سيكون سعرها 66 ألف ريال وهكذا في بقية السلع، التأثير الإيجابي الآخر – وقد ينظر له بشكل سلبي من جهة أخرى – هو انخفاض تكلفة العمالة الوافدة، فالعمالة الوافدة يهمها ما تحصل عليه من راتب بعد تقييمه بالدولار، لأنه على الأرجح سيقوم بتحول جلّ راتبه لبلده الأصلي، فالوافد الذي كان يرفض القدوم للعمل في السعودية باقل من 2000 ريال، قد يقبل القدوم بأقل من 1200 ريال، نفس الشيء ينطبق على العمالة المنزلية، مما يعني إنخفاض تكاليف السلع والعمالة المنزلية على الأسر السعودية، وأخيرا فإن تكلفة السياحة الخارجية ستنخفض بنفس النسبة – 44% – وقد يعني ذلك أن عددا أكبر من الأسر يمكنها السفر للخارج للسياحة كما يمكن زيادة الإنفاق وإطالة مدة السفر.

أما بالنسبة للجوانب السلبية لرفع سعر صرف الريال، فإن أبرز السلبيات هي صعوبة منافسة المنتج المحلي مع المنتج المستورد، لأن انخفاض أسعار السلع المستوردة بنسبة 44% قد يعني خسارة كثير – إن لم يكن غالب – من المصانع المحلية، لأن الانخفاض في أسعار السلع المستوردة قد يكون أكبر من الهوامش الربحية التي تمكّن الصناعات المحلية من البقاء، وهذا يعني أن قطاعا كبيرا من الصناعة سيغلق أبوابه، ومعها يخسر الآلاف وظائفهم، كما أن صناعات وطنية كثيرة كان يمكن أن تنشأ، لن تكون ذات جدوى وسيستحيل إقامتها، وهذا يتناقض مع أهم استراتيجية يجب أن نعمل عليها وهي تنويع الاقتصاد، خاصة من خلال تنمية القطاع المنتج والصناعي بالتحديد، السلبية الأخرى هي انخفاض رواتب العمالة الوافدة، ورغم أنها قد تبدو أمرا إيجابيا إلا أنها ستكون ذات تأثير مدمّر على فرص المواطنين الوظيفية وستزداد صعوبة توطين الوظائف بشكل كبير، لأن الفجوة بين راتب الموظف الوافد وبين الموظف السعودي ستزداد وستقلّ جاذبية توظيف المواطنين وسنعود للدوامة السابقة التي دفعت القطاع الخاص للإدمان على العمالة الرخيصة والابتعاد عن الاستثمارات التي ترفع انتاجية الموظف – بسبب انخفاض تكلفته، والتي أدت بالنهاية للتشوهات التي نعيشها اليوم في القطاع الخاص. أخيرا فإن رفع سعر الصرف سيؤدي مباشرة لانخفاض إيرادات الدولة بنفس نسبة ارتفاع سعر الصرف، فلو تغيّر سعر الصرف لـ 2.6 ريال كما ذكرنا سابقا، فإن إيرادات الحكومة ستنخفض بنسبة 44%، وبناء على آخر ميزانية، سيعني ذلك أنه لن يكون هناك فوائض مالية للحكومة يمكن إدخارها واستخدامها لاحقا في حالة تعرض أسعار النفط لأي هبوط حاد.

رفع سعر صرف العملة قد يبدو للوهلة الأولى وسيلة مثالية لتوزيع الثروة ورفع المستوى المعيشي للفقراء والأسر في الطبقة المتوسطة، ولكنه في الواقع ليس كذلك، فأكبر مستفيد من رفع سعر العملة هم الأكثر ثراء، فمن يملك مئات الملايين كان قبل رفع سعر العملة يشتري اليخت بعشرين مليون ريال، وبعد الرفع سيشتريه بثلاثة عشر مليون ريال، هذا الانخفاض بالتكلفة كان سيذهب كإيرادات حكومية، استغنت عنها الحكومة لترفع سعر الصرف واستفاد منه شخص يريد شراء يخت للترفيه، كما أن رفع سعر الصرف سيعيق النمو الاقتصادي وسيؤثر ذلك على خلق الفرص الوظيفية للمواطنين وبالتالي قد يرفع من نسب البطالة، وأكبر متضرر من ذلك الطبقات الأقل دخلا، رغم كل ذلك فإننا نجد للأسف كثيرا من الاقتصاديين يطالبون برفع سعر صرف العملة من أجل جني فوائد قصيرة المدى كانخفاض أسعار السلع المستوردة، ويتجاهلون الآثار المدمرة لهذا التعديل على المدى الطويل، وأهمها عدم إمكانية بناء اقتصادي منتج وصناعي يضمن نموا اقتصاديا مستداما، في المقال القادم سيكون الحديث عن إيجابيات وسلبيات خفض سعر صرف الريال مقابل الدولار.

 

مقالات متعلقة:

    1. كيف تُخلق النقود؟
    2. كيف يتم تحديد سعر صرف العملة؟
    3. لماذا وكيف يتم تثبيت سعر العملة أو ربطها بالدولار؟
    4. لماذا 3.75 ريال للدولار وليس أكثر أو أقل؟
    5. ماذا لو تم رفع سعر صرف الريال؟
    6. ماذا لو تم خفض سعر صرف الريال؟
    7. 1000 مليار ريال… أين اختفت؟
    8. المرض السعودي

لماذا 3.75 ريال للدولار وليس أكثر أو أقل؟

كتبت في الثلاثة مقالات الماضية عن آلية خلق النقود في الاقتصاد ثم مقالا عن آلية تحديد سعر صرف العملات في الأسواق العالمية وأخيرا مقالا عن كيفية تثبيت العملات وربطها بالدولار كما هو حاصل مع الريال السعودي. وفي هذا المقال سأتحدث عن سعر صرف الريال السعودي مقابل الدولار، وهل هو سعر صرف عادل يناسب حجم الاقتصاد أو سعر صرف مجحف يجب تعديله أو تغييره وعن أسباب تثبيته بهذه القيمة كل هذه المدة.

سعر صرف الريال أمام الدولار تم تثبيته عام 1986 ميلادي، أي منذ أكثر من 27 سنة، وتم تحديد سعر الصرف بما يساوي 3.75 ريالات للدولار، طوال هذه المدة لم يتغير سعر الصرف إطلاقا، رغم أن الاقتصاد السعودي مر بمراحل متعددة خلال تلك الفترة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك تبرير علمي مبني على أسس اقتصادية لتفسير الاستمرار كل هذه المدة على سعر صرف واحد، فهل هناك سبب علمي لعدم جعل سعر الصرف 3.50 ريال لكل دولار مثلا؟ أو 4 ريال لكل دولار؟ لا أعتقد. حسب ما يبدو لي أن سبب التثبيت هو بدافع البحث عن الاستقرار بعيدا عن أي احتياجات أخرى قد يتطلبها الاقتصاد لتحفيز التنمية او التحكم بالتضخم المستورد أو غيرها من العوامل الاقتصادية.

من الناحية النظرية فسعر صرف الريال مقيّم بأقل من قيمته الحقيقية، فلو تم تعويم سعر الصرف في الوقت الحالي فسيرتفع سعر الصرف ومن الممكن أن يصل 3 ريالات لكل دولار أو حتى 2.5 ريال لكل دولار، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط وحجم الاحتياطيات الضخمة التي تمتلكها الحكومة على شكل سندات خزانة أمريكية أو غيرها من الأوراق المالية، هذه الاحتياطيات تسمح من الناحية النظرية أن يكون سعر الصرف أعلى بكثير من السعر الحالي، ولكن هذه القوة أو الارتفاع في سعر الصرف سيكون مستمدا من حجم انتاجنا للنفط وسعر النفط، وليس نتيجة لطاقتنا الانتاجية الاقتصادية الحقيقية، وهذا يحتم على صانعي السياسة النقدية والمسؤولين عن قيادة الاقتصاد إلى إتخاذ وسائل استثنائية عند التعامل مع سعر صرف العملة، فرغم أن الأصل أنه يجب ترك الأسواق العالمية لتقوم بمهمة تحديد سعر الصرف، إلا أن الوضع في السعودية يتطلب تدخلا حكوميا مدروسا تحدده الاستراتيجيات الاقتصادية التي تضمن نمو مستداما وتحولا للاقتصاد المنتج بدلا من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على دخل النفط. لذلك يبقى السؤال الأهم: هل من الأفضل رفع سعر صرف الريال؟ أو خفض سعر صرفه؟ في المقال القادم سنتحدث عن إيجابيات وسلبيات رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار.

مقالات متعلقة:

  1. كيف تُخلق النقود؟
  2. كيف يتم تحديد سعر صرف العملة؟
  3. لماذا وكيف يتم تثبيت سعر العملة أو ربطها بالدولار؟