Monthly Archives: ديسمبر 2014

ميزانية 2015

تم الإعلان عن ميزانية 2015 التي كان يترقبها الكثيرون، حيث أن انخفاض أسعار النفط زاد من أهمية إعلان ميزانية هذه السنة، وذلك لارتباط حجم الميزانية بالنشاط الاقتصادي بشكل عام وعلى رأسه النشاط الاقتصادي بالقطاع الخاص.

جاءت ميزانية 2015 ضمن التوقعات، حيث كانت النفقات المقدرة 860 مليار ريال، أما الإيرادات المتوقعة فكانت 715 مليار ريال. أي أن سعر النفط المتوقع والذي تم تقدير الإيرادات بناء عليه يتراوح بين 65-75 دولارا، وهو أعلى من أسعار النفط الحالية. رغم أن العادة جرت على أن الميزانية تكون بناء على سعر نفط متحفظ جدا. وقد يوحي ذلك بأنه هناك قناعة راسخة لدى وزارة المالية بأن أسعار النفط سترتفع خلال السنة القادمة. وكانت تقديرات عجز الميزانية حوالي 145 مليارا. وبذلك يكون سعر النفط المطلوب حتى نتجنب أي عجز هو حوالي 85-90 دولارا.

المفاجأة لم تكن في أرقام ميزانية 2015 وإنما في أرقام ميزانية 2014 الفعلية. حيث أعلنت المالية عن إنفاق أكثر من 1100 مليار ريال خلال 2014، وهو رقم ضخم جدا وغير مسبوق. وأدى هذا الإنفاق الهائل إلى إعلان عجز في ميزانية 2014 بلغ حوالي 50 مليار ريال.

العلاقة بين أرقام 2015 وأرقام 2014 تشكل أهمية كبيرة على الاقتصاد، حيث أن المصروفات المتوقعة لعام 2015 ستكون أقل بحوالي 240 مليار ريال – أي بانخفاض نسبته أكثر من 20% مقارنة بعام 2014، بالنسبة إلى اقتصاد مثل الاقتصاد السعودي، يعتمد بشكل شبه كامل على الإنفاق الحكومي، فإن هذا الانخفاض سيكون له أثر سلبي واضح على الناتج المحلي وعلى القطاع الخاص، لذلك لا أعتقد أن وزارة المالية ستلتزم بأرقام الإنفاق المعلنة لعام 2015، وأرجح أنها ستنفق رقما قريبا من حجم إنفاق عام 2014. ولكن هذا يعني – في حال استمرت أسعار النفط على مستوياتها الحالية – أن العجز سيكون ضخما جدا. وسيتجاوز 400 مليار ريال، وسيتم استهلاك هذا المبلغ من الاحتياطيات الحكومية، وهي الاحتياطيات التي قدر صندوق النقد الدولي أنها ستصبح تساوي صفرا إذا انخفض سعر النفط 25 دولارا فقط واستمر مستوى الإنفاق الحكومي دون تخفيض.

هل انتهى عصر النفط الغالي؟

بينما كنا نستمتع طيلة السنوات الماضية بأسعار النفط الّتي تجاوزت الـ100 دولار ونردد في تقاريرنا ومن خلال إعلامنا أن النفط الصخري ما هو إلا فورة عابرة لن تغير موازين سوق النفط العالمي، كانت الشركات الأمريكية حينها تعمل ليلا نهارا على تطوير تقنيات التنقيب في النفط الصخري. وانخفضت كلفة إنتاج البرميل في بعض الحقول من أكثر من 90 دولارا إلى أقل من 50 دولارا، وارتفع إنتاج بعض الحقول بنسبة 300% بسبب تطوير تقنيات التنقيب واستخراج النفط.

قد تكون الخصائص الفيزيائية والجيولوجية لمكامن النفط الصخري ثابتة، ولكن المتغير هو قدرة الإنسان على تحسين وسائل الإنتاج. عندما كنا نقلل من قدرة النفط الصخري على تغيير موازين السوق، تناسينا أن المعايير التي كنا نستخدمها قبل ثلاث أو أربع سنوات قد تتغير، وهذا ما حدث فعلا.

من المؤسف أن يكون رهاننا دائما على أن العالم سيستمر في الاعتماد على نفطنا، وأن يكون رهاننا أن أسعار النفط ستبقى مرتفعة، وأن دخلنا من النفط سيكون كافيا لتلبية احتياجاتنا وتلبية متطلبات الاستثمار في البنية التحتية.

عندما نتحدث عن كساد أو انهيار اقتصادي في دولة متقدمة فنحن نتحدث عن زيادة إضافية في البطالة قد لا تتجاوز 5%، ونتحدث على الأرجح عن تباطؤ اقتصادي وليس انكماش، وإن كان هناك انكماش فهو لا يزيد عادة عن 5%. أما في حالتنا، فإن هبوط أسعار النفط، مصدر دخلنا الوحيد تقريبا، قد يؤدي إلى انكماش ناتجنا المحلي بنسب تتجاوز 20 أو حتى 30 بالمائة. أما البطالة، فإن توقف الإنفاق الحكومي يعني تباطؤا حادا في القطاع الخاص، مما يعني أن قدرة الاقتصاد على خلق وظائف عالية الجودة ستكون شبه معدومة. كما أن الحكومة لن تستطيع توظيف المزيد من المواطنين في القطاع الحكومي، ليس فقط لأن التوظيف بدون حاجة حقيقية هو قرار غير صحيح اقتصاديا، ولكن أيضا لأن الدولة لن تكون قادرة على تحمل أعباء إضافية على ميزانياتها. فرواتب الموظفين في القطاع الحكومي تستهلك حاليا أكثر من 300 مليار ريال سنويا. لذلك فلن يتمكن الاقتصاد من امتصاص السيل الجارف من الشباب الذين سيدخلون سوق العمل خلال العشر سنوات القادمة، والذي سيتجاوز 3 ملايين مواطن حسب التقديرات الحكومية.

لا يمكن الجزم باتجاهات أسعار النفط في السنوات القادمة، أقصى ما يمكن للمحللين الاقتصاديين طرحه هو احتمالات، وتبقى جميعها واردة. ولكن إلى متى نبقى رهائن لتلك الاحتمالات؟ أمريكا مستمرة في إنتاج نفطها الصخري، ونموها تجاوز 1 مليون برميل سنويا، وحسب تقديرات بعض المختصين، ستتوقف أمريكا عن استيراد النفط نهائيا في عام 2019 وتبدأ بالتصدير. قد يبطئ الهبوط الحالي للأسعار هذا النمو، ولكنه على الأرجح لن يوقفه. وحسب تقارير صحفية، تهدف أوبك من خلال قرارها الأخير في إبطاء نمو إنتاج النفط الأمريكي إلى نصف مليون بدل 1 مليون.

قد يعود سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار، وقد يستمر بالانخفاض ليصل إلى أقل من 40 دولارا. يفترض ألا يكون سعر النفط المستقبلي هو همنا، وألا تكون غاية أمانينا أن يعود سعر النفط لمستوياته المرتفعة السابقة. ولكن يفترض أن نبدأ بإصلاحات اقتصادية حقيقية وأن نعمل على إزالة تشوهاته، لنبدأ بعد ذلك بالتحرك فعليا باتجاه بناء اقتصاد منتج لا يعتمد على النفط، ولا يجعلنا نتابع أسعاره ليلا نهارا.