Monthly Archives: يونيو 2013

لماذا عادت أمريكا للصناعة؟ (2/2)

"القتال من أجل الصناعة الأمريكية هو القتال من أجل مستقبل أمريكا" هكذا أعلنها الرئيس أوباما في أحد خطاباته بعد الأزمة المالية الأخيرة. استوعب صناع القرار في أمريكا بعد حوالي عقدين من الاحتفاء بالاقتصاد الجديد – الذي يشمل في غالبه على قطاعات غير صناعية – أن الصناعة يجب أن تستمر ركنا أساسيا في أي اقتصاد يبحث عن النمو المستدام وخلق الوظائف المناسبة لكل شرائح المجتمع. تآكل القطاع الخاص الصناعي في أمريكا أدى إلى فقدان الملايين من الأمريكيين لوظائفهم، وأكثر المتضررين هم من كان من الطبقة المتوسطة ممن لا يحملون مؤهلات علمية عالية، حيث أن الصناعة، وعلى عكس كثير من القطاعات الأخرى، قادرة على توفير وظائف بمرتبات عالية حتى لو كان الموظف لا يحمل مؤهلا عاليا، وتشير الأرقام أن معدلات الرواتب في القطاع الصناعي تزيد عن معدلات الرواتب في القطاعات الخدمة بأكثر من 15%. "الصناعة كان ينظر لها دائما أنها ركن ضروري لأي اقتصاد قوي. فهي تخلق ملايين الوظائف عالية الدخل لأولئك الذين يحملون فقط شهادة الثانوية، والذين يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع. لا يوجد قطاع آخر يسهم في رفع إنتاجية الدولة بشكل عام كما تسهم الصناعة، حسب رأي الاقتصاديين" النيويورك تايمز – 2009.

لا يوجد دولة بالعالم أقدر من أمريكا على أن تنمي قطاعاتها الخدمية وقطاعاتها المعتمدة على الابتكار أو البرمجيات أو الترفيه أو السياحة، فلدى أمريكا أفضل جامعات العالم وأفضل مراكز الأبحاث، وفيها وادي السيليكون منبع غالبية شركات الإنترنت والتقنية التي يعتمد عليها أغلب سكان الأرض، وهوليوود أكبر منطقة لإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية، بالإضافة لأكبر شركات الاستشارات الإدارية والمحاسبة، ورغم ذلك، لم يستطيع الاقتصاد الأمريكي أن يحافظ على زخمه وقوته بمجرد أن بدأت الصناعة بالتآكل والاضمحلال، مع العلم أن التآكل لم يكن بالحجم الذي يتصوره البعض، فالانخفاض في الإنتاج الصناعي وتباطؤ نمو القطاع الصناعي كان صغيرا، ورغم ذلك كان التأثير كبيرا وآثاره السلبية اتضحت بشكل سريع على حيوية الاقتصادية وعلى معدلات البطالة. "الهدف هو إيقاف تباطؤ الصناعة. لقد كانت الركن الذي بنيت على أساسه الطبقة المتوسطة، من الصعب أن أجد طريقة أخرى لبناء تلك الطبقة من دون إعادة إحياء النمو الصناعي" ثي ليي -رئيس سياسات اتحاد العمال للمنظمات الصناعية الأمريكية.

إذا كانت أمريكا عاجزة عن التخلي عن الصناعة، ولا يمكن لاقتصادها أن يستمر بالنمو والحفاظ على المستوى المعيشي لمواطنيها من دون صناعة، فما بالك بالدول الأخرى، خاصة تلك الدول التي ليس فيها أي أفضلية علمية أو بحثية. الصناعة هي قلب الاقتصاد والقطاعات الأخرى شرايينه، لا قيمة لأي شريان من دون قلب.

مقالات متعلقة:

  1. لماذا عادت أمريكا للصناعة؟ (1\2)

لماذا عادت أمريكا للصناعة؟ (1\2)

في منتصف التسعينات ساد رأي عام بين المحللين وصناع القرار في أمريكا أن المستقبل هو للاقتصاد الجديد، وأن الصناعة (الصناعات التحويلية) في طريقها للأفول. الاقتصاد الجديد هو كل القطاعات التي تندرج تحتها البرمجيات، الإنترنت، الترفيه، الخدمات المالية، وغيرها من الخدمات المتقدمة. كان الزخم شديدا تجاه تلك القطاعات الجديدة، قمة الاندفاع تجاه الاقتصاد الجديد – كما يسمونه – تمثل في فقاعة الإنترنت في سوق الأسهم الأمريكية (فقاعة الدوت كوم) التي كانت بين عام 1997 و2000 ووصلت ذروتها في مارس 2000، وبعدها انفجرت تلك الفقاعة في 2000-2001.

ترافق هذا الزخم مع تزايد انتقال صناعات كثيرة للدول النامية خاصة الدول  الآسيوية وعلى رأسها الصين، وكان كثير من الاقتصاديين يجادلون بأن تلك مرحلة حتمية، ينتقل فيها الاقتصاد من القطاعات التي تتطلب يد عاملة رخيصة إلى قطاعات أخرى ذات قيمة مضافة أكبر. ولكن ما لم يتنبه له كثيرون أن تلك المصانع كانت توظف شريحة كبيرة من أصحاب المؤهلات المتدنية (أقل من جامعية)، وكانت تلك الوظائف توفر لهم مستوى معيشي مناسب جدا، يجعلهم في مصاف الطبقة المتوسطة. الأمر الآخر أن القطاعات غير الصناعية بطبيعتها أقل قابلية للتصدير، فالخدمات تشكل أقل من ثلث الصادرات الأمريكية رغم أن نسبة الصناعة من إجمالي الاقتصاد لا تتجاوز 20%. بالتالي فقد أدى تآكل القطاع الصناعي لارتفاع العجز التجاري وهو الذي بدوره أدى لارتفاع عجز ميزان الحساب الجاري، أي أن أمريكا تستهلك من العالم أكثر مما تعطي أو تنتج. هذا العجز في ميزان الحساب الجاري يجب تغطيته من خلال بيع سندات أمريكية أو أصول أمريكية، فالذي يحدث فعليا أن أمريكا تبيع جزءا من نفسها بشكل مستمر من أجل أن تستورد وتستهلك من العالم، وسنة بعد سنة تتراكم الديون على أمريكا حتى وصلت لأرقام قياسية غير مسبوقة وتجاوزت في السنوات الأخيرة 16 ترليون دولار (60 ألف مليار ريال). لم تتوقف سلبيات انتقال المصانع للخارج عند هذا الحد، الذي حدث أنه حتى القطاعات الأكثر تقدمات كالأبحاث والتطوير والتصميم بدأت بالانتقال للخارج، حيث تبين أن هذه القطاعات تنمو وتزدهر بمجرد نشوء الصناعات، لذلك فقد بدأت كثير من وظائف الخدمات الهندسية وغيرها من الخدمات المتعلقة بالانتقال للخارج.

هذا التآكل في القطاع الصناعي لم يكن قابلا للاستدامة، وبدأت بوادر الأزمة تلوح خلال العقد الماضي حتى وصلت ذروتها عند الأزمة المالية العالمية في 2007-2008. فتحت تلك الأزمة الباب لصناع القرار في أمريكا لإعادة توجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، وبدأت عملية الإصلاح وإعادة أحياء القطاعات الصناعية ودعمها.

الصناعة في سويسرا وسنغافورة

في المقال الماضي قمنا بمقارنة الإنتاج الصناعي في الاقتصادات المتقدمة ذات الكثافة السكانية، وتبين أن كل تلك الدول بلا استثناء لديها قطاع صناعي ضخم، وكان معدل إنتاجهم الصناعي السنوي للفرد حوالي 20 ألف ريال، مقارنة بأقل من 5600 ريال في السعودية. وفي هذا المقال سأسلط الضوء على دول صغيرة ومتقدمة اقتصاديا، وبنفس الوقت عرف عنها أنها لا تعتمد على الصناعة، وهذه الدول هي سويسرا وسنغافورة.

هناك انطباع سائد أن سويسرا التي لا يزيد عدد سكانه على 8 مليون تعتمد في اقتصادها على الخدمات البنكية، وأن ذلك هو سبب ثراؤها وتقدمها الاقتصادي، نفس الأمر ينطبق على سنغافورة التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين، ويعتقد كثيرون أن اقتصادها يعتمد على الخدمات اللوجستية وعلى الخدمات المالية والسياحة. كلا الانطباعيين يثبت خطؤهما بمجرد تفحّص الأرقام الصناعية لتلك الدولتين.

في سويسرا يتجاوز حجم الإنتاج الصناعي الإجمالي سنويا 350 مليار ريال، أما ناتج الفرد الصناعي السنوي فيصل لأكثر من 45 ألف ريال، مقارنة بأقل من 5600 ريال في السعودية. أما في سنغافورة فيصل إجمالي الإنتاج الصناعي سنويا لأكثر من 165 مليار ريال، وناتج الفرد الصناعي السنوي حوالي 32 ألف ريال سعودي.

من جديد تثبت الأرقام أنه لا يمكن بناء اقتصاد متقدم ومنتج من دون وجود قاعدة صناعية قوية، وأنه لا أساس لأغلب ما يروج بخصوص إمكانية النمو اقتصاديا بالاعتماد فقط على الخدمات أو غيرها من القطاعات الاقتصادية غير الصناعية.

لماذا لا يمكن بناء اقتصاد متقدم وقوي من دون صناعة؟ لأننا من خلال الصناعة يمكننا إنتاج سلع قابلة للتداول والتصدير، وتلك السلع يمكن مقايضتها مع سلع أخرى يتم شراؤها من العالم، أغلب القطاعات غير الصناعية – بطبيعتها – لا ينتج عنها سلع قابلة للتداول. ولذلك فمهما كانت تلك القطاعات غير الصناعية كبيرة، فإنه لا يمكن الاستفادة منها لاستيراد سلع من بقية دول العالم. هذا لا يعني بالطبع أن القطاعات غير الصناعية غير مهمة، بل هي ضرورية وحيوية أيضا، بل أن القطاع الصناعي لن يكون قادرا على النمو والعمل بكفاءة من دون وجود قطاع خدمي يرفد نموه، ولكن يبقى الأساس أن رفاهية المواطن وقدرة الدول على المنافسة الاقتصادية العالمية يجب أن تبدأ من خلال تنمية قطاعها الصناعي وبقية القطاعات تنمو تباعا.

الصناعة هي الحل

لا يختلف اثنان أن اقتصادنا يعتمد حاليا على مصدر دخل رئيسي واحد وهو النفط، ولا يختلف أحد ايضا أن هناك خطورة شديدة في الاعتماد على النفط، لأن النفط سلعة ناضبة، وسيأتي وقت لن يكون النفط كافيا للمحافظة على نمو الاقتصاد أو المحافظة على المستوى المعيشي للمواطن، ولذلك فإن غالبية الاقتصاديين والمختصين يطالبون دائما بالبدء بتنويع حقيقي للاقتصاد، حتى نتمكن من الانعتاق من اعتمادنا شبه الكلي على النفط، وحتى المسؤولين في الدولة يشيرون أيضا لأهمية تنويع الاقتصاد ويتحدثون باستمرار عن خطط ذلك التنويع. لكن رغم اتفاق الغالبية على أهمية تنويع الاقتصاد، وأهمية إيجاد بدائل لهذا الاقتصاد، إلا أن هناك اختلافا في الاستراتيجية التي يجب اتباعها حتى يمكن بناء اقتصاد مستدام متين لا يعتمد على سلعة واحدة وهي النفط.

بعض المنادين بتنويع الاقتصاد يشيرون إلى أهمية القطاع الخدمي في تسريع النمو الاقتصادي، وأنه البديل الأمثل والأنسب لاقتصادنا، وبعضهم ينادون بما يسمى اقتصاد المعرفة، وهو مصطلح فضفاض، لا يتفق اثنان على تعريف واحد له، وللأسف، فإن اقتصاد المعرفة أصبح المصطلح السائد على ألسنة المسؤولين، رغم أنه لا يعبر عن شيء واضح الملامح. وأخيرا، وهو الرأي الذي أتفق معه، هناك من يعتقد أن الصناعة هي السبيل الوحيد للتحول الحقيقي لاقتصاد منتج مستدام لا يعتمد على النفط.

الصناعة هي جوهر النمو الاقتصادي، ولا يوجد أي اقتصاد متقدم بدولة كبيرة نسبيا لا تشكل الصناعة عنصريا رئيسيا فيه. ولتوضيح الصورة، فقد قمت بحساب الناتج الصناعي للفرد – حسب الأرقام المنشورة في البنك الدولي – في جميع الدول التي يقترب عدد سكانها من عدد سكان السعودية أو يزيد، وبنفس الوقت يقترب فيها دخل الفرد من الناتج القومي لدخل الفرد بالسعودية أو يزيد، وقارنته بالناتج الصناعي للفرد في السعودية. وتتضمن قائمة تلك الدول: اليابان، ألمانيا، أمريكا، كوريا الجنوبية، هولندا، إيطاليا، كندا، استراليا، فرنسا، إسبانيا، والمملكة المتحدة. أعلى دولة في الإنتاج الصناعي هي أمريكا، بإنتاج يتجاوز 6.6 ترليون ريال، وأقل دولة كانت استراليا التي كان إنتجاها الصناعي حوالي 369 مليار ريال سعودي، أما السعودية فلم يتجاوز إنتاجها الصناعي 164 مليار ريال سعودي. لكن الرقم الأهم ليس حجم الإنتاج، وإنما حجم الإنتاج للفرد، حيث تصدرت اليابان حجم الإنتاج للفرد بحوالي 31 ألف ريال سنويا للفرد، والأقل كان المملكة المتحدة بحوالي 14 ألف ريال سنويا للفرد. أما السعودية فلم يتجاوز الإنتاج الصناعي السنوي للفرد 5600 ريال. أما معدل الإنتاج الصناعي للفرد سنويا في تلك القائمة فبلغ حوالي 20 ألف ريال.

الرقم المنخفض للسعودية الذي لم يتجاوز 5600 ريال مقارنة بمتذيلة الدول وهي المملكة المتحدة بحوالي 14 الف ريال، لم يأخذ بالاعتبار أن أغلب الإنتاج الصناعي في السعودية هو انتاج البتروكيماويات، التي تعتمد على الغاز الرخيص، والتي قد تشكل أكثر من 50% من الإنتاج الصناعي، أي لو استثنينا انتاج البتروكيماويات فإن انتاج الفرد الصناعي لن يتجاوز 3000 ريال للفرد.

المعدلات المرتفعة للإنتاج الصناعي للفرد في الدول المتقدمة اقتصاديا، تدل بشكل واضح أن كل المزاعم بأنه يمكن تنويع الاقتصاد وبناء اقتصاد منتج من دون التوجه للصناعة، هي مزاعم ليس لها ما يثبتها، فكل دول العالم، حتى التي نعتقد أنها تخلت عن الصناعة، ما زالت تعتمد بشكل كبير على الإنتاج الصناعي، ومن دون ذلك الإنتاج لن تستطيع تلك الدول المحافظة على المستوى المعيشي لمواطنيها ولا على متانة اقتصادها.

إن كنا نريد أن نضع استراتيجية واضحة الملامح، بعيدة عن الخطط الفضفاضة – كالاقتصاد المعرفي، فأفضل مؤشر هو مستوى النمو الصناعي ومدى قربنا من مستويات الإنتاج العالمية، فليكن هدفنا أن يصل انتاج الفرد لأكثر من 20 الف سنويا خلال عشرين سنة من الآن، وبذلك نضمن أن الأجيال القادمة يمكنها أن تحافظ على نفس المستوى المعيشي، سواء بقي النفط أو نفد.

مدينة الملك عبدالله الاقتصادية

قمت في يوم الأثنين الماضي بزيارة لمدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، وذلك بدعوة من بعض الأصدقاء الذين يعملون مع المدينة، قبل وصولي للمدينة كنت أحمل نفس الانطباع السائد لدى الكثيرين بأن المدينة مشروع فشل في أن يحقق أهدافه، وأن كل ما قيل قبل وعند إطلاق المشروع هو مجرد سراب وأحلام لا يمكن أن تتحقق.

قبل أن أبدأ بسرد مشاهداتي في الرحلة، أريد أن أذكّر القراء بفكرة المدينة. مدينة الملك عبدالله الاقتصادية هي مشروع مملوك بالكامل للقطاع الخاص هدفه بناء مدينة كاملة – مساحتها أكبر من إجمالي مساحة مدينة الدمام والخبر والظهران – تدار بعقلية الشركات الباحثة عن الربحية، ويكون لهذه المدينة قوانين وتشريعات استثمارية خاصة تختلف عن القوانين والتشريعات الموجودة في بقية البلاد، والتي قد يشوبها الكثير من البيروقراطية، بحيث تكون تشريعات المدينة أكثر مرونة وسهولة. ومن خلال تلك التشريعات الخاصة تكون المدينة قادرة على جذب الاستثمارات – خاصة الاستثمارات الصناعية من الشركات الأجنبية، وبعد جذب تلك الاستثمارات ستُخلق الوظائف، ويبدأ توافد السكان الذين يحتاجون لتملك المساكن أو الأراضي التي تقوم المدينة أيضا ببيعها لهؤلاء السكان الجدد، وأخيرا فإن انتقال السكان للمدينة والإقامة بها سينشط الحركة التجارية وتقام على إثر ذلك المتاجر والمطاعم والسوبرماركتات وغيرها من الخدمات التي يحتاجها السكان. وكملخص لذلك، فالمساهمين في المدينة والشركة المشغلة لها تربح من خلال تأجير الأراضي الصناعية والتجارية وبيع الأراضي السكنية ومن خلال الرسوم السنوية على الخدمات.

ما رأيته في المدينة وما سمعته من المسؤولين من عقود تم توقيعها فاق توقعاتي وخالف انطباعي المسبق بأن هذا المشروع لن يكتب له النجاح، وأهم ما لفت نظري هو توقيع أكثر من 50 شركة لبناء مصانع لهم في المدينة، أبرزها شركة مارس أحد أكبر منتجي الشوكولاتة بالعالم وشركة فايزر أكبر شركة أدوية بالعالم وغيرهم من الشركات العالمية البارزة، توقيع تلك الشركات لبناء المصانع قد يكون القوة الدافعة لتحريك العجلة والبدء بإحياء المدينة من خلال خلق الوظائف وجذب السكان. كما أن قرب تشغيل الميناء البحري – والذي يتوقع أن يبدأ العمل قبل نهاية هذه السنة – سيرفع من النشاط التجاري وقد يجذب المزيد من المصانع للمدينة، الميناء سيتسع عند افتتاحه لحوالي 1.3 مليون حاوية وستصل سعته خلال ثلاث سنوات لحوالي 4 مليون حاوية، ويتوقع أن تصل سعته لأكثر من 20 مليون حاوية في عام 2025، مقارنة بسعة ميناء جدة الذي يسع لـ 4 ملايين حاوية وميناء جبل علي بدبي بسعة 13 مليون حاوية.

كما لفت نظري أيضا طريقة بيع الأراضي والوحدات السكنية، حيث لا يسمح بامتلاك أكثر من أرضين لبطاقة الأحوال الواحدة، وهناك مهلة محددة لمن يشتري الأرض يجب عليه خلالها البناء عليها واذا تجاوز المهلة يتم فرض رسوم على الأرض، هذه الإجراءات ستسهم بمنع أي فرصة لمن يرغب بالمضاربة بالأراضي أو احتكارها، وستضمن المدينة نموا صحيا للأحياء السكنية يحرك عجلتها الاقتصادية ويضمن عدم ارتفاع أسعار الأراضي لمستويات تتجاوز قدرات المستفيد النهائي.

عند سؤالي المسؤولين في المدينة عن سبب التحرك المفاجيء مؤخرا للنشاط الاستثماري، كان الرد أن صدور تنظيم المدن الاقتصادية هو الذي مكن المستثمرين من البدء بتوقيع العقود، وأنه لم يكن ممكنا البدء بتوقيع العقود مع المستثمرين من دون ذلك التنظيم الذي لم يصدر إلا في عام 2010.

النموذج الذي تقوم عليه المدينة مثير للاهتمام، ونجاحه سيفتح الباب أمام استنساخه في أماكن أخرى أو حتى استنتساخ التشريعات المستخدمة فيه على جميع الشركات العاملة في السعودية، قد تكون المبالغة التي سبقت المشروع سببا في رفع سقف التوقعات من قبل الناس، مما أفقد الناس الثقة في فرص نجاح المدينة، كما أن دخول الشركة لسوق الأسهم زاد الضغط عليها، حيث أن الجميع أصبح يترقب حركة التطور في هذا المشروع، فمدينة بهذا الحجم – يمكنها أن تسع أكثر من مليون ساكن – لا يمكنها أن تنمو بوقت قصير، وقد يستغرق الوصول لأول مليون أكثر من 15 سنة. ومما شاهدته أعتقد أن الفرصة ما زالت مواتية لنجاح المشروع، وأتمنى شخصيا نجاحه، خاصة أنه يعتمد على بناء مدينة منتجة، لا تعتمد على الدعم الحكومي المباشر أو غير المباشر، ولا تعتمد على الغاز الرخيص الذي يضمن نجاح أي مشروع، لذلك فإن نجاح المدينة سيعني إضافة قيمة حقيقية للاقتصاد السعودي.