Tag Archives: رأسمالية

شروط حافز… بين المنطق والعاطفة…

أثارت الشروط الجديدة لإعانة الباحثين عن العمل (حافز) غضب الكثيرين، حيث تسببت هذه الشروط في استبعاد أعداد كبيرة جدا من المتقدمين، وجاء في مقدمة هذه الشروط تحديد الشريحة العمرية المستحقة لحافز، حيث حددت بمن تتراوح أعمارهم بين 20-35 سنة، وهذا يعني أن أكثر من 4 مليون مواطن – وهم من تزيد أعمارهم على 35 سنة – لا تنطبق عليهم شروط حافز بسبب السن، كما كانت هناك عدة شروط أخرى لتحديد أحقية المتقدم لحافز، ورغم كل هذه الشروط فقد أعلن مدير عام صندوق الموارد البشرية إبراهيم آل معيقل أنه يتوقع وصول عدد المستحقين لحافز لمليون ونصف، وهذا يعني أن أكثر من 35% من الشباب بين 20-35 سنة هم عاطلين عن العمل، حيث يقدر إجمالي عددهم بأربعة ملايين.

وبالإضافة للشروط المعلنة للاستحقاق، فقد تم الإعلان أن المنضمين لحافز سيتم إلحقاهم بدورات تدريبية مع البدء بصرف الإعانة، وقد اعترض كثيرون على هذا الإجراء أيضا. وأعتقد أن الدورات التدريبية هي أفضل طريقة لمعرفة الجادين في البحث عن العمل، كما سيسهم التدريب في رفع جاذبية الباحث عن عمل بالنسبة للشركات، وأخيرا فإن التدريب لمستحقي حافز سيجنبنا أحد أكثر السلبيات المتوقعة خطورة بسبب البرنامج، ألا هو اعتماد المعونة كمصدر دخل والتكاسل عن الحصول على وظيفة حقيقية.

في الوقت الذي نتفهم فيه سخط البعض من الشروط الجديدة لحافز، ونتمنى لو أعلنت الشروط في وقت مبكر حتى لا يفاجأ غير المستحقين للمعونة بهذه الشروط، إلا أننا – وبعيدا عن العاطفة – نعتقد أن من حق المسؤولين في حافز أن يضعوا الضوابط التي تضمن وصول المعونة للباحثين عن عمل فعلا، خاصة أن ارقام المستحقين لحافز ستكون رقما مرجعيا لمعرفة العدد الحقيقي للعاطلين عن العمل، وبناء عليه يجب أن تبنى الخطط الاقتصادية والإصلاحات التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بنسب السعودية وحجم النمو المطلوب في القطاعات الاقتصادية الذي يضمن خلق عدد كاف من الوظائف للمواطنين.

أخيرا، فإن معونة حافز ليست هبة، وإنما مساعدة مؤقتة للباحثين عن عمل حتى إيجادهم لوظيفة، ومن حق المعترضين على هذه الشروط أن يطالبوا بهبة حكومية للجميع ليس لها علاقة بحافز وليس لها علاقة بالبحث عن العمل. ولا يمكننا أن نحمل القائمين على حافز مسؤولية تحسين المستوى المعيشي لجميع المواطنين، فمسؤوليتهم تقتصر على إعانة الباحثين عن العمل.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

قراءة في أرقام وزارة العمل

نشرت وزارة العمل إصدارها السنوي من الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة العمل لعام 2010، وهو تقرير يحوي أرقام وإحصاءات تفصيلية لسوق العمل في القطاع الخاص، ويمكن من خلاله قراءة أهم المتغيرات والمؤشرات كنسبة نمو السعودة والرواتب وغيرها من الأرقام المهمة اقتصاديا.

من أهم ما ورد في التقرير هو الزيادات في معدلات الرواتب للسعوديين والوافدين، بالإضافة لزيادة أعداد السعوديين والوافدين الذين انضموا للقطاع الخاص. ففي عام 2010 تم توظيف حوالي 43 ألف سعودي في القطاع الخاص، 36 ألف من الذكور و 7 آلاف من الإناث. وبذلك يكون النمو في أعداد السعوديين في القطاع الخاص مقارنة بعددهم في عام 2009 قريب من 6%، وهو رقم معقول ولكنه غير كافي لاستيعاب جميع الداخلين لسوق العمل في خلال العشر سنوات الماضية، حيث نحتاج نموا لا يقل عن 8% لتوظيف كل الداخلين لسوق العمل في العشر سنوات القادمة، وقد يساهم برنامج نطاقات الذي بدأ تطبيقه هذا العام في زيادة وتيرة التوظيف للسعوديين وتحقيق النمو المطلوب. كما يشير التقرير إلى أن عدد الذين تم توظيفهم من حملة البكالريوس في القطاع الخاص خلال عام 2010 لا يزيدوون عن 4500 سعودي وسعودية، وهو رقم متدني، وقد يدل على أن أغلب الوظائف التي تم توظيف السعوديين فيها هي وظائف متدنية المستوى والدخل. أما بالنسبة لغير السعوديين فتشير الإحصائيات إلى زيادة قدرها 53 ألف في أعداد غير السعوديين في القطاع الخاص، أي بزيادة تقل عن 1% مقارنة بعام 2009، وذلك مؤشر إيجابي يدل على تباطؤ وانخفاض كبير في حجم الاستقدام للعمالة غير السعودية.

أما بالنسبة للمرتبات، فقد ارتفع معدل رواتب السعوديين بنسبة 10.8% من عام 2009 إلى عام 2010، حيث وصل معدل رواتب الذكور السعوديين في القطاع الخاص حوالي 3562 ريال شهريا مقارنة ب 3200 ريال في عام 2009، أما الإناث فقد وصل معدل رواتبهم ل 2448 شهريا مقارنة ب 2254 ريال في عام 2009، وهي زيادة إيجابية نتمنى أن تستمر، حتى يصل معدل رواتب القطاع الخاص لرواتب الوظائف الحكومية أو يزيد عليه كما هو الحال في غالبية دول العالم الناضجة اقتصادية، أما رواتب غير السعوديين فقد ارتفعت بنسبة 36% وزادت من 764 ريال شهريا في عام 2009 إلى 1040 ريال في 2010، وقد يكون ذلك نتيجة لتناقص قدرة الشركات على الإستقدام، وهذا يعد مؤشر إيجابي آخر لأنه يزيد من جاذبية توظيف المواطنين.

(هذا المقال منشور في جريدة اليوم)

نطاقات… الشفافية ضمان النجاح

بدأت وزارة العمل هذا الأسبوع تطبيق مرحلة جديدة من برنامج نطاقات، حيث بدأ منع الشركات الواقعة في النطاق الأحمر من إصدار وتجديد رخص العمل للعمالة الوافدة، ومع هذا المنع ستتضرر الكثير من الشركات الواقعة في النطاق الأحمر والتي فشلت في تحقيق نسب السعودة المطلوبة، وقد تعلن بعض هذه الشركات عدم قدرتها على الإستمرار بالعمل وتغلق أبوابها. بعض المتضررين لم يخالفوا القانون قط، وتعمل منشآتهم في عمل شريف ويقدمون خدمة حقيقية للمجتمع، والبعض الآخر – وهم الأغلب – يتاجرون بالتأشيرات أو يتسترون على المالك الحقيقي للمنشأة وعلى الأرجح لا يقدمون أي قيمة مضافة، في جميع الأحوال، تطبيق نطاقات سيكون له تكلفة اجتماعية واقتصادية، وهي تكلفة يجب على الجميع تحملها، لأن خطر البطالة والعمل على القضاء عليه أهم من أي شيء آخر، ولكن مقابل هذه التكلفة المرتفعة، يجب أن يكون هناك توعية وشفافية تبرز المنافع التي حصدها المجتمع من هذا البرنامج.

الشفافية هي الطريقة الأفضل للوقوف في وجه أي موجة متوقعة من الهجوم على برنامج نطاقات، والذي سيقوده المتضررون من تطبيق النظام، فمن خلال الشفافية والوضوح يمكن للمجتمع وصناع الرأي معرفة التأثير الإيجابي لنطاقات – إن وجد. وأحد نماذج هذه الشفافية المطلوب هو إصدار تقرير شهري ينشر بالصحف عن كل الأرقام المتعلقة ببرنامج نطاقات، على سبيل المثال: نشر جدول لجميع النطاقات والقطاعات تبين عدد التأشيرات التي تم إصدراها لكل نطاق وكل قطاع، وعدد التأشيرات التي تم الإستغناء عنها، بالإضافة لعدد السعوديين الذين تم توظيف في كل قطاع ونطاق، ونشر معدل رواتب من تم توظيفهم، ويمكن من خلال هذه الأرقام استخلاص الرقم الإجمالي لعدد السعوديين الذين تم توظيفهم بكل القطاع الخاص لهذا الشهر وعدد الوافدين الذين تم الإستغناء عنهم أو توظيفهم.

هذه الأرقام ستجعل الناس تلمس نجاح البرنامج بشكل مباشر، خاصة إذا تمكن البرنامج من توفير عدد كبير من الوظائف للسعوديين، كما ستسهم الشفافية في أن يطمئن أصحاب الأعمال المتضررة أن الجميع يتحمل نفس الضرر. هذا البرنامج – نطاقات – يعد أحد أهم المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية، ويجب العمل بكل السبل الممكنة لإنجاحه وضمان استمراره، وافضل هذه السبل هو الشفافية.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

ثلاثة أورام سرطانية تفتك بجسد الاقتصاد السعودي

يواجه الاقتصاد السعودي العديد من المشاكل، نشأ أغلبها بسبب عيوب اقتصادية هيكلية، أهمها منهج الاقتصاد الريعي الذي كان يدار به الاقتصاد في العقود الثلاثة الماضية، حيث باتت غالبية الأسر السعودية تعتمد على الدولة كمصدر رئيسي للدخل، كما أن غالبية القطاعات الاقتصادية في القطاع الخاص تعتمد على الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر لضمان بقائها واستمراريتها. أدى ذلك لتركز غالبية القوى العاملة من السعوديين في القطاعات الحكومية وفتح الباب على مصراعيه للقوى العاملة الوافدة والرخيصة لتشغيل بقية الاقتصادي، والذين تحولوا للمحرك الرئيسي لكل القطاعات الاقتصادية غير الحكومية، ووصلت نسبة العمالة الوافدة – وأغلبها عمالة رخيصة – من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص أكثر من 90%. الخلل الاقتصادي الثالث بعد انتهاج الاقتصاد الريعي وفتح الابواب على مصاريعها للعمالة الوافدة الرخيصة هو غياب القوانين والأنظمة التي تضمن عدم احتكار الأراضي، بل على العكس فقد كانت هناك بعض الأنظمة التي تسهل تحويل الأراضي البيضاء إلى أوعية استثمارية من دون أي إضافة انتاجية.

كل هذه الأخطاء والعيوب الاقتصادية لم تكن مؤثرة ولم تكن أعراضها بادية للمواطن العادي، فقلة عدد السكان قبل ثلاثين أو عشرين سنة كانت تسهل عملية توزيع ريع الدولة على المواطنين من خلال التوظيف الحكومي أو الدعم الحكومي لبعض القطاعات كالزراعة وغيرها مما يوفر للأسر دخلا مناسبا من دون إنتاجية حقيقية. وأدى ضعف النمو في الإنتاجية إلى جمود في مستويات دخل المواطنين، في المقابل استمرت دول العالم – حتى الدول النامية التي كانت فقيرة جدا – بالنمو واستمرت انتاجيتهم بالارتفاع يوما بعد يوم، وارتفعت نتيجة لذلك مستويات الدخول في كل العالم، ومعها ارتفعت أسعار السلع، ابتداء بالأغذية وانتهاء بالسيارات وغيرها من الضروريات، فبينما كانت الهند تصدر لنا كل انتاجها من الرز عالي الجودة، زادت أعداد الطبقة المتوسطة بالهند وارتفع استهلاكهم الداخلي لهذا الرز وبالتالي ارتفعت أسعار الأرز على المواطن السعودي، ويمكن القياس على ما يحدث في الأرز على غالبية السلع الأخرى. وبالإضافة للجمود في نمو الإنتاجية فإن الدولة قلصت بشدة من مستويات التوظيف الحكومي، وبنفس الوقت ازدادت أعداد الداخلين لسوق العمل من الشباب بشكل كبير، وأصبح القطاع الخاص هو الخيار الوحيد لهم، ولكن القطاع الخاص عاجز عن توظيف الأعداد الكبيرة من الشباب برواتب تتلاءم مع المستويات الاجتماعية السائدة، لأن القطاع الخاص أدمن العمالة الرخيصة، ولا يمكن أن يوقف إدمانه فجأة، فهذا الإدمان استمر لعقود طويلة وبنيت على أساسه كل دراسات الجدوى التي يعمل من خلالها القطاع الخاص، وبسبب ذلك بدأ شبح البطالة يطل برأسه ويبرز كأحد أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع وخاصة الجيل الجديد من الشباب الذين يدخلون سن العمل سنويا ويأملون في بدء حياتهم المستقلة وتكوين حياة عائلية مستقرة. وأخيرا فإن مشكلة الأراضي وشحها المصطنع الذي اعتقد أنه لم يخطر ببال أحد قبل ثلاثين سنة أنه سيتسبب بالكارثة التي نعيشها اليوم هي أحد أكثر الأخطاء إيلاما للمواطن السعودي، وهو ألم يستشعره المواطن بشكل يومي، فغالبية الأسر تعاني لامتلاك منزل، وتعاني لدفع الإيجار، وكل ذلك بسبب الارتفاع غير المبرر في أسعار الأراضي الناتج عن احتكار قلة قليلة لهذه الأراضي وغياب الأنظمة التي تقضي على الإحتكار.

البطالة وارتفاع أسعار السلع المستمر لايمكن علاجهم إلا من خلال تغييرات هيكلية في الاقتصاد، تعيد تشكيل السياسات الاقتصادية وتحولنا لاقتصاد منتج قابل للاستدامة لا يعتمد على الطاقة ويستطيع أن ينتج بقدر ما يستهلك. هذه التغييرات ستحتاج لسنوات طويلة حتى تظهر آثارها، لن تقل عن خمس سنوات وقد تتجاوز العشر سنوات. وهي عملية معقدة تحتاج إلى أفضل العقول القادرة على قيادة دفة الاقتصاد وأخذه لبر الأمان. كما أن كل الحلول القادرة على علاج تلك المشكلتين ستتطلب تضحيات كبيرة من الجميع بدون استثناء وستكون فاتورة الإصلاح مؤلمة ومكلفة سياسيا. في المقابل نجد أن مشكلة الإسكان رغم أنها الأكثر إيلاما للمواطن في الوقت الحالي إلا أنها أسهل المشاكل حلا. فلب مشكلة الإسكان هو ارتفاع أسعار الأراضي، وسبب ارتفاع أسعار الأراضي هو احتكارها، وطريقة كسر احتكارها هو جعل تكلفة الاحتفاظ بهذه الأراضي غير المستفاد منها مرتفعا، وزيادة تكلفة الاحتفاظ ممكن من خلال سن الرسوم أو الزكاة على كل من يملك أراض بيضاء تزيد عن حاجته، وعلاج مشكلة الأراضي لن تكون له كلفة سياسية واجتماعية كبيرة كما هو الحال مع بقية الحلول. فالشريحة المتضررة صغيرة جدا، والضرر عليها لن يكون مؤثرا عليهم فغالبيتهم أثرياء، وما يمارسونه من احتكار للأراضي ممارسة غير منتجة بكل الأحوال وقد راكمت هذه الشريحة الصغيرة ثروات ضخمة من دون أن تضيف للاقتصاد شيئا بل أنها أضرت بالاقتصاد بشكل جسيم. كما أن ما يقومون به يشكل ظلما للمجتمع وهو ممارسات غير أخلاقية حتى لو كان القانون يسمح بها.

جذور أسباب الآلام الاقتصادية التي ذكرناها وهي ارتفاع أسعار السلع والبطالة وارتفاع السكن هي أشبه بالسرطانات التي تكونت بدايات أورامها منذ ثلاثين سنة، ولم يشعر بها أحد طوال هذه المدة، حتى تضخمت وكبرت وأصبحت تؤلم جسد الاقتصاد وتزداد إيلاما يوما بعد يوم، وكلما كبرت هذه السرطانات كلما تقلصت الطبقة المتوسطة وزاد الفقر وخُنق الاقتصاد، وإن كان علاج سرطان البطالة وارتفاع الأسعار معقدا، فإن استئصال ورم احتكار الأراضي الذي يتسبب بارتفاع أسعار السكن سهل جدا، ولا يحتاج لجراح ماهر، وستختفي آثار هذا السرطان بمجرد استئصاله وليس لاستئصاله أية أعراض جانبية سلبية، ولذلك فإننا نعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لهذا الورم، خاصة أن استئصاله سيمهد لعلاج بقية السرطانات، والتي ستكون أكثر تعقيدا وفترة علاجها ستكون مؤلمة بشدة لكل الجسد، وستتطلب أن يضحي أعضاء الجسد كلهم – بدون استثناء – خلال عملية العلاج، فلا يمكن لهذه العملية – عملية علاج البطالة وارتفاع الأسعار = أن تنجح من دون تضحيات، فإما التضحية وإلا فإن هذه السرطانات ستقتل جسد الاقتصاد، ولكن قبل أن ندخل في العلاج المؤلم، لنبدأ خطوتنا الأولى باستئصال الأسهل وهو سرطان احتكار الأراضي.

(المقال منشور بموقع المقال)

المنشآت الكبيرة قبل الصغيرة والمتوسطة

ما زال التركيز مستمرا من قبل كثير من المسؤولين على المبادرات المتعلقة بتنشيط الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وذلك بهدف زيادة الفرص الوظيفية للمواطن وخلق بدائل عن الوظائف التقليدية والمساهمة في تقليل أزمة البطالة المتفشية بين الشباب السعودي. هذا الأهتمام كان مبنيا في الغالب على قناعات راسخة بأن كل اقتصادات العالم المتقدمة تعتمد بشكل أساسي على الأعمال الصغيرة والمتوسطة في تنمية اقتصاداتها وفي خلق الوظائف الجديدة. وستسمع في غالب الأحيان عن أرقام براقة بهذا الخصوص، كالقول أن الأعمال الصغيرة والمتوسطة تشكل أكثر من 60% من الاقتصاد الأمريكي، أو أن غالبية الوظائف التي خلقت في أوروبا كانت من خلال الأعمال الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الإحصائيات.

ولكن السؤال الذي يجب أن يسبق كل هذه الاحصائيات الجذابة، والتي قد تدفعنا لوضع كل ثقلنا خلف دفع الأعمال الصغيرة والمتوسطة محليا، هو: ما هو تعريف الأعمال الصغيرة والمتوسطة في أوروبا وأمريكا؟ في اوروبا عدد الموظفين حسب التعريف المعتمد للأتحاد الأوروبي في الأعمال الصغيرة والمتوسطة يصل لمائتين موظف في المنشأة. أما في أمريكا فيصل هذا الرقم لـ 1500 موظف في القطاعات الصناعية، وما معدله 500 موظف في أغلب القطاعات الأخرى. أو مبيعات تقل على 7 مليون دولار (26 مليون ريال).

إن منشأة يعمل فيها 1000 موظف هي منشأة كبيرة في العرف المحلي، بل حتى منشأة يعمل فيها 200 موظف هي كبيرة في نظر الغالبية العظمى من المتخصصين لدينا، فمائتين موظف لن تقل رواتبهم – لو افترضنا أن المعدل 3000 ريال – عن 7 ملايين ريال سنويا، ومبيعات هذه المنشأة لن تقل في الأوضاع الطبيعية عن 10-20 مليون ريال سنويا. فهل هذه منشأة صغيرة أو متوسطة بالعرف المحلي؟ لا أعتقد ذلك.

في مقابل كل ذلك نجد غالبية المبادرات تركز على دعم المنشآت الصغيرة، بل الصغيرة جدا. فمبادرات كصندوق المئوية وعبداللطيف جميل لا تمول أكثر من 400 ألف ريال، وهي تكفي لمنشأة صغيرة جدا قد لا يتجاوز عدد موظفيها خمسة – وعلى الأرجح غالبيتهم من الوافدين. وهذا الحجم من المنشآت سينافس في سوق متشبعة جدا بسبب مزاحمة العمالة الرخيصة لهذه القطاعات الصغيرة، وبالتالي فإن نسبة الفشل مرتفعة والإضافة الاقتصادية منخفضة أيضا. لذلك فإن التركيز يجب أن يكون منصبا على المنشآت الأكبر حجما – وخاصة في القطاع الصناعي، والتي لن يقل رأسمالها عن 5 ملايين ريال، فهذه المنشآت ستوفر فرصا وظيفية أكبر، كما أنها ستكون إضافة حقيقية للاقتصاد المنتج المستدام.

(المقال منشور بجريدة اليوم)

شركة صدارة… نقلة نوعية في الطريق الصحيح

احتفلت شركة أرامكو قبل يومين بتأسيس شركة “صدارة” وهي مشروع مشترك في قطاع البتروكيماويات في بين “أرامكو” وشركة “داو” الأمريكية. ويحق لنا جميعا أيضا أن نحتفل بولادة هذه الشركة التي تمثل أهمية اقتصادية كبرى للوطن، حيث أن هذا الاستثمار الضخم الذي زاد حجمه عن 90 مليار ريال سيسهم في تقليل تصديرنا للنفط الخام والمنتجات البتروكيماوية وسنقوم بدلا من تصديره بالاستفادة منه محليا في سلسلة الإنتاج مما سيضاعف من القيمة الاقتصادية لانتاجنا النفطي وسيكون بمثابة الجسر بين انتاجنا من النفط والغاز الخام وبين الصناعات التحويلية التي ستمكننا من تصنيع المنتجات النهائية، كما ستفتح شركة “صدارة” الباب لتأسيس المئات من المصانع التي ستستخدم منتجات الشركة كلقيم لها في الإنتاج. هذا الإنتاج يتعطش له الوطن بشكل كبير حيث نقوم سنويا باستيراد أربعة أضعاف ما نصدره من المنتجات غير النفطية، وهو خلل كبير في الميزان التجاري ويجب إعطاء أولوية قصوى لسد هذا العجز، لأن التأخر بذلك سيصعب من علاج المشكلة ويجعله أكثر إيلاما على الاقتصاد المجتمع.

يتوقع أن يعمل في شركة “صدارة” أكثر من 4000 موظف، كما سيسهم في توظيف 17 ألف موظف بشكل غير مباشر، ورغم أن الرقم يبدو صغيرا نسبة لحجم الاستثمار، إلا أن هذا يعد أمرا إيجابيا وليس سلبيا، حيث يتوقع أن تزيد مبيعات الشركة على 35 مليار ريال، أي أن المبيعات لكل موظف تزيد على 9 ملايين ريال، أي أن الإنتاجية لكل موظف ستكون بالملايين، وهذا انعكاس للاستثمار الرأسمالي الضخم في التقنيات المتقدمة التي سيستخدمها المشروع، وهو الأمر الذي تعتمد عليه الاقتصادات المتقدمة لزيادة انتاجية مواطنيها وبالتالي انعكاس ذلك على حجم الاقتصاد بشكل عام. فانتاجية الموظف الكسول غير المتعلم الذي يستخدم التقنية أكبر من انتاجية الموظف المجتهد المتعلم الذي لا يستخدم التقنية أو يستخدم تقنية بدائية.

نتمنى أن يكون مشروع “صدارة” نموذجا لكل المشاريع التنموية في البلد، ويجب أن نستغل الفوائض المالية الضخمة لمشاريع شبيهة بهذا المشروع، والتركيز بشكل أساسي على الصناعة لأنها عصب التنمية الاقتصادية في أي دولة تريد أن تزيد من انتاجيتنا ومستوى دخلها القومي. ويمكننا أن نضع نصب أعيننا هدف محدد وهو زيادة التصنيع الداخلي إلى أن نقوم باستهلاك كل انتاجنا من مصانع البتروكيماويات للتصنيع المحلي، واستخدامه في صناعة منتجات نهائية.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

هل يقضي فيلم مونوبولي على المونوبولي؟

بعد ساعات قليلة من إطلاق فيلم مونوبولي أصبح الفيلم الحدث الأول بين السعوديين في كل الشبكات الإجتماعية على الإنترنت، وكان التفاعل استثنائيا ولم يسبق له مثيل، وانتقل الصخب على الإنترنت من الشبكات الإجتماعية إلى المنتديات والرسائل الإلكترونية والمواقع الإخبارية ثم تجاوز الإنترنت ابتداء برسائل البلاكبيري لتبدأ بعد أقل من 24 ساعة التغطية الإعلامية على القنوات التلفزيونية والصحف الورقية من خلال التقارير وعشرات مقالات الرأي. لقد تحول فيلم مونوبولي إلى ظاهرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وتجاوز عدد المشاهدين حتى لحظة كتابة المقال أكثر من مليون، وذلك في أقل من ثمانية أيام، والرقم مرشح بأن يتجاوز المليونين خلال الأسابيع المقبلة.

لماذا تحول فيلم مونوبولي إلى ظاهرة؟ رغم أني شاركت بأجزاء من الفيلم، إلا أن الفضل الكامل لنجاحه يعود للمخرج المبدع بدر الحمود وفريق العمل الذي شاركه في إنتاج الفيلم الذي استغرق أشهرا طويلة، في مقابل دقائق قليلة ومجهود محدود من قبلي للمشاركة بالفيلم، لذلك فيمكنني أن أكتب عن الفيلم بأريحية لأنني كنت مجرد ضيف عليه. بالإضافة للإبداع الفني والتمثيل المتقن الذي قلما نشاهده في الإنتاج العربي، فإن أحد أهم أسباب النجاح هو ملامسة الفيلم لهمّ رئيسي تعاني منه شريحة كبيرة من المجتمع وخاصة الشباب، فغلاء أسعار السكن سواء التملك أو الإيجار أصبح يضغط على المواطنين بشكل كبير غير قابل للإستمرار. ورغم المعاناة التي يشعر بها المواطنين إلا أن بعضهم قد يجهل الأسباب الحقيقية لهذه المعاناة، كما أن بعضهم قد يجهل كيف يمكن أن نخرج من هذه الأزمة بحلول قابلة للتطبيق ومضمونة النجاح. ورسالة فيلم مونوبولي هي تسليط الضوء على المشكلة وأسبابها وطريقة حلها بأسلوب مبسط وقالب كوميدي ووثائقي يمكنه الوصول لأكبر شريحة ممكنة من المشاهدين.

إن التفاعل الكبير جدا مع الفيلم هو مؤشر على عمق المشكلة واستفحالها، وبالتالي ضرورة البدء الفوري في معالجتها حتى لايزداد الوضع سوءا وتزداد معاناة المواطن، ونتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت لكل من بيده القرار لإصلاح الوضع. وبالختام، فكلمة مونوبولي هي كلمة إنجليزية وتعني احتكار، فهل يكون فيلم مونوبولي هو الخطوة الأولى في طريق القضاء على المونوبولي؟

 

(المقال منشور في جريدة اليوم)