Tag Archives: بطالة

السنة 2020… عدد الأجانب 20 مليون…

في كل سنة تقريبا يصدر جهاز جديد من الآيفون، ويتدافع الناس لشرائه ويرتفع سعر الجهاز بشكل كبير، ويصل أحيانا لضعف سعره الأصلي الذي يفترض أن لا يتجاوز 2700 ريال، وقد يصل الأمر إلى نشوء سوق سوداء لهذا الجهاز، ودخول المحسوبة والواسطات من خلال منافذ البيع، حيث يحتفظ الموظفون المسؤولون عن بيع الجهاز ببعض الأجهزة لبيعها لأصدقائهم، أو حتى شرائها وبيعها بسعر أعلى لعملاء آخرين. كل هذه الظواهر المصاحبة لإصدار جهاز الآيفون الجديد ناتجة عن عامل واحد، أن المعروض أقل من الطلب على السعر الأساسي للجهاز، فالغالبية العظمى ممن يرغب بشراء الجهاز بسعره الأصلي لا يجد الجهاز، فهل من العدل أن يتحكم بعض الأشخاص بآلية التوزيع والبيع ويمنحون الجهاز لمن يريدون؟ ويحرمون غيرهم؟ أو هل من العدل أن يشتري المسؤول عن بيع الجهاز، ثم يبيعه بسعر أعلى في السوق السوداء؟ الجواب لا. ماذا لو كان السعر الأساسي للجهاز 6000 ريال؟ لو كان السعر الأساسي بهذا الارتفاع لانخفض الطلب بشكل كبير، ولاختفت جميع الظواهر السلبية المصاحبة لإطلاق الجهاز ولاختفت السوق السوداء تماما، ولاستطاع أي شخص لديه 6000 ريال أن يشتري الجهاز بسهولة.

في كل سنة يتقدم أصحاب العمل لوزارة العمل بطلب ملايين التأشيرات، تتجاوز 2 مليون تأشيرة وقد تصل لـ 3 ملايين تأشيرة، ومن جهتها لا تستطيع وزارة العمل أن تلبي كامل هذه الطلبات، فتمنحهم ما معدله أقل من مليون تأشيرة سنويا. وهذا يعني أنها رفضت منح أكثر من 2 مليون تاشيرة. بعض التأشيرات التي تمنح هي استبدال لعامل وافد مغادر، ولذلك فإن صافي عدد العمالة التي تدخل سنويا يصل تقريبا لـ 500 ألف وافد، ولو تمت الموافقة على جميع الطلبات فهذا يعني أن عدد الداخلين الجدد من الوافدين قد يصل لأكثر من 2 مليون وافد سنويا، وبذلك سيصل عدد الأجانب بحلول عام 2020 لأكثر من 20 مليون أجنبي. فهل يعقل أن نسمح بوصول عدد الأجانب لهذا الرقم؟ وهو رقم ضخم له تبعات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية لا يمكن قبولها بالنسبة لكثيرين، وعلى رأسها زيادة الجرائم وتغير التوزيع الديموغرافي، واقتصاديا  يكفي أن نعرف أن حجم تحويلات الأجانب سنويا تجاوز 100 مليار ريال، ولو وصل عددهم لأكثر من 20 مليون وافد فسيتجاوز حجم التحويلات السنوية 200 مليار ريال، مع العلم أن مرتبات كل موظفي الحكومة لا تتجاوز 200 مليار ريال سنويا. فإن كنت لا تمانع أن يصل عدد الأجانب لهذا الرقم رغم كل ما يصاحبها من سلبيات فبقية المقال لا يعنيك. أما إذا كنت ترفض أن يصل عدد الأجانب لهذا الرقم فما هو الحل الأمثل لتقنينه وتحديد حجمه؟

في الوقت الحالي، من يتحكم بحجم تدفق الأجانب سنويا هي قوانين الوزارة وضوابطها، وقرارات الموظفين العاملين فيها، فهل من المنطقي وهل من العدل أن تتولى وزارة كوزارة العمل توجيه الاقتصاد من خلال التحكم بمن يحصل ومن لا يحصل على أحد أهم عناصر الإنتاج وهو العنصر البشري؟ لا يمكن لوزارة مهما بلغت قدراتها أن تمتلك المعلومة الدقيقة والأفضل لتحديد من يستحق من أصحاب العمل أن يحصل على العمالة، ومن لا يستحق، وتحديد الأعداد المناسبة لكل منشأة ولكل قطاع، كما أن منح جهة واحدة السلطة للتحكم بعنصر إنتاجي مهم يفتح الباب على مصراعيه لتفشي الفساد والرشاوي والمحسوبية والسوق السوداء. هذه السلطة التي تملكها وزارة العمل أو من يعمل فيها تمكّنهم من تحديد مصير شركات ومؤسسات، وتحديد مستوى ربحيتها ومستوى قدرتها على التوسع. وبعض اصحاب الأعمال يحصل على هذه التأشيرات وهو لا يستطيع أن يجني أرباحا كافية منها فيقوم ببيعها لغيره ممن هو أحق بالحصول على هذه التاشيرات، ولا يمكن مهما بلغت درجة الرقابة أن يتم القضاء على هذه الظواهر، فحيث تكون هناك سلطة تتدخل في تحديد من يحصل على مورد محدود يزيد فيه الطلب على المعروض، سيكون هناك فساد وسوء إدارة وسوق سوداء، لا مفر من ذلك.

لا يمكن أن ننزع من وزارة العمل سلطة توجيه الاقتصاد إلا من خلال تقليل الطلب على الاستقدام، يجب يكون للشركات الأكثر ربحية وإنتاجية الأولوية في الحصول على العنصر البشري الوافد المحدود العدد، فإذا كان هدف الدولة أن لا يدخل سنويا أكثر من 500 ألف وافد، فيجب أن يذهب كل هؤلاء لأكثر القطاعات إنتاجية، وأن لا يكون هناك أي جهة وسيطة تحدد توزيع هذه العمالة. وحتى نتمكن من ترك قوى السوق تتحكم بتوجه العمالة فإن رفع تكلفتها هو الحل الوحيد، فكلما ارتفعت تكلفة الاستقدام فإن القطاعات الأقل ربحية وإنتاجية ستتوقف عن الاستقدام لأن استقدام العمالة لن يكون مجديا بالنسبة لهم. وستتركز عملية الاستقدام على القطاعات الاكثر نموا والأعلى عائدا على الاقتصاد الوطني. وحتى نحقق هذا الهدف يجب أن ترتفع تكلفة الاستقدام حتى يتساوي حجم الطلب على العمالة للحجم الذي تم تحديده من قبل الدولة لحجم تدفع العمالة – مثلا 500 الف وافد. عندها لن تحتاج المنشأة أن تمر بأي عقبات بيروقراطية عند الاستقدام، وسيستطيع كل من يتقدم بطلب استقدام أن يحصل على كل ما يطلبه من عمالة ما دام قادرا على تحمل التكاليف الجديدة.

لغز سوق العمل المحير

أحد العناصر الأساسية للتخطيط السليم هو امتلاك المعلومة الدقيقة التي تمكّن صاحب القرار من اتخاذ القرار وتجعله قادرا على التخطيط للمستقبل بشكل يناسب الاحتياجات. وتزداد أهمية المعلومة عندما يتعلق الأمر بالجوانب الاقتصادية والمتعقلة بعلاج البطالة وخلق الوظائف وزيادة دخل المواطنين ورفع مساهمتهم في الإنتاج وبناء الوطن، كما أن البيانات والمعلومات ضرورية للمهتمين والباحثين حتى يتمكنوا من اقتراح الأفكار أو تقويم الخطط أو مراقبة الأداء. رغم كل ما أشرنا له من أهمية بالغة للمعلومات الشاملة والدقيقة، نجد أن هناك شحّا كبيرا حتى على مستوى المعلومات الأساسية التي لا يمكن بناء أي خطة اقتصادية من دونها، وعلى رأس تلك المعلومات، المعلومات المتعلقة بسوق العمل، فرغم كل المبادرات التي أطلقت في الفترة الأخيرة إلى أن هناك غموضا كبيرا يشوب كثيرا من الجوانب المتعلقة بسوق العمل، ومن هذه المعلومات الضرورية هي حقيقة حجم القوى العاملة من السعوديين ومصادر دخلهم، حيث نجد تضاربا كبيرا في الأرقام وفجوات واضحة تحتاج لتوضيح.

سن العمل حسب المعايير العالمية هو 15 سنة وأكثر، ولكن بسبب اختلاف البنية الاجتماعية في السعودية سنفترض أن سن العمل هو 24 سنة أو أكثر، حيث يبلغ عدد السعوديين (الذكور) الذين تتراوح أعمارهم بين 24 سنة و64 سنة حوالي 4 ملايين مواطن وذلك حسب أرقام مصلحة الإحصاءات العامة. وهذا الرقم يمثل من الناحية النظرية عدد المواطنين الذين يحتاجون لمصدر دخل حتى يعيلوا أسرهم وينفقوا على أنفسهم، ويبلغ عدد السعوديين الذكور العاملين بالقطاع الخاص حوالي 670 ألفا وذلك حسب آخر احصائية منشورة لوزارة العمل عام 2010، أما السعوديين الذكور العاملين بالقطاع الحكومي المدني فهو 583 ألف مواطن، ويبلغ عددهم في القطاعات الحكومية الأخرى بين 300 ألف و 400 ألف مواطن، ويبلغ عدد الذكور المستفيدين من حافز حوالي 162 ألفا. هذا يعني أن مجموع السعوديين الذكور الذين يعملون بوظيفة رسمية تدر عليهم دخلا شهريا وعدد السعوديين الذكور الباحثين عن عمل يبلغ حوالي 1.8 مليون سعودي.

1.8 مليون سعودي فقط لديهم مصدر دخل ثابت في وظيفة أو يبحثون عن عمل، وحتى لو افترضنا أن نسبة الخطأ في هذه الأرقام 200 ألف سعودي بسبب عدم تحديث البيانات من قبل بعض الوزارات، فهذا يرفع الرقم لـ 2 مليون سعودي لديهم وظائف ويبحثون عن عمل. أي أن أكثر من 50% من السعوديين الذكور في سنة العمل ليس لديهم وظيفة ولا يبحثون عن وظيفة. ويبقى السؤال: ماهو مصدر دخل هؤلاء الـ 50%؟ فعددهم يزيد على 2 مليون، ولا يوجد أي بيانات أو إحصاءات توضح مصدر دخلهم. هل يعقل أن كل هؤلاء يملكون أعمالهم الخاصة؟ المعدل العالمي للعمل الحر يتراوح بين 5%-10% على أكثر تقدير. هل يعتمد كل هؤلاء على التستر كمصدر دخل وحيد؟ هل لديهم من ينفق عليهم وليس لديهم مصدر دخل؟ كل هذه الأسئلة طرحتها على أكثر من مسؤول ولم أجد إجابة عليها، لا أحد يعرف ماهو مصدر دخل 2 مليون سعودي. فهل هناك من يملك إجابة هذا اللغز المحير؟

شروط حافز… بين المنطق والعاطفة…

أثارت الشروط الجديدة لإعانة الباحثين عن العمل (حافز) غضب الكثيرين، حيث تسببت هذه الشروط في استبعاد أعداد كبيرة جدا من المتقدمين، وجاء في مقدمة هذه الشروط تحديد الشريحة العمرية المستحقة لحافز، حيث حددت بمن تتراوح أعمارهم بين 20-35 سنة، وهذا يعني أن أكثر من 4 مليون مواطن – وهم من تزيد أعمارهم على 35 سنة – لا تنطبق عليهم شروط حافز بسبب السن، كما كانت هناك عدة شروط أخرى لتحديد أحقية المتقدم لحافز، ورغم كل هذه الشروط فقد أعلن مدير عام صندوق الموارد البشرية إبراهيم آل معيقل أنه يتوقع وصول عدد المستحقين لحافز لمليون ونصف، وهذا يعني أن أكثر من 35% من الشباب بين 20-35 سنة هم عاطلين عن العمل، حيث يقدر إجمالي عددهم بأربعة ملايين.

وبالإضافة للشروط المعلنة للاستحقاق، فقد تم الإعلان أن المنضمين لحافز سيتم إلحقاهم بدورات تدريبية مع البدء بصرف الإعانة، وقد اعترض كثيرون على هذا الإجراء أيضا. وأعتقد أن الدورات التدريبية هي أفضل طريقة لمعرفة الجادين في البحث عن العمل، كما سيسهم التدريب في رفع جاذبية الباحث عن عمل بالنسبة للشركات، وأخيرا فإن التدريب لمستحقي حافز سيجنبنا أحد أكثر السلبيات المتوقعة خطورة بسبب البرنامج، ألا هو اعتماد المعونة كمصدر دخل والتكاسل عن الحصول على وظيفة حقيقية.

في الوقت الذي نتفهم فيه سخط البعض من الشروط الجديدة لحافز، ونتمنى لو أعلنت الشروط في وقت مبكر حتى لا يفاجأ غير المستحقين للمعونة بهذه الشروط، إلا أننا – وبعيدا عن العاطفة – نعتقد أن من حق المسؤولين في حافز أن يضعوا الضوابط التي تضمن وصول المعونة للباحثين عن عمل فعلا، خاصة أن ارقام المستحقين لحافز ستكون رقما مرجعيا لمعرفة العدد الحقيقي للعاطلين عن العمل، وبناء عليه يجب أن تبنى الخطط الاقتصادية والإصلاحات التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بنسب السعودية وحجم النمو المطلوب في القطاعات الاقتصادية الذي يضمن خلق عدد كاف من الوظائف للمواطنين.

أخيرا، فإن معونة حافز ليست هبة، وإنما مساعدة مؤقتة للباحثين عن عمل حتى إيجادهم لوظيفة، ومن حق المعترضين على هذه الشروط أن يطالبوا بهبة حكومية للجميع ليس لها علاقة بحافز وليس لها علاقة بالبحث عن العمل. ولا يمكننا أن نحمل القائمين على حافز مسؤولية تحسين المستوى المعيشي لجميع المواطنين، فمسؤوليتهم تقتصر على إعانة الباحثين عن العمل.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

قراءة في أرقام وزارة العمل

نشرت وزارة العمل إصدارها السنوي من الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة العمل لعام 2010، وهو تقرير يحوي أرقام وإحصاءات تفصيلية لسوق العمل في القطاع الخاص، ويمكن من خلاله قراءة أهم المتغيرات والمؤشرات كنسبة نمو السعودة والرواتب وغيرها من الأرقام المهمة اقتصاديا.

من أهم ما ورد في التقرير هو الزيادات في معدلات الرواتب للسعوديين والوافدين، بالإضافة لزيادة أعداد السعوديين والوافدين الذين انضموا للقطاع الخاص. ففي عام 2010 تم توظيف حوالي 43 ألف سعودي في القطاع الخاص، 36 ألف من الذكور و 7 آلاف من الإناث. وبذلك يكون النمو في أعداد السعوديين في القطاع الخاص مقارنة بعددهم في عام 2009 قريب من 6%، وهو رقم معقول ولكنه غير كافي لاستيعاب جميع الداخلين لسوق العمل في خلال العشر سنوات الماضية، حيث نحتاج نموا لا يقل عن 8% لتوظيف كل الداخلين لسوق العمل في العشر سنوات القادمة، وقد يساهم برنامج نطاقات الذي بدأ تطبيقه هذا العام في زيادة وتيرة التوظيف للسعوديين وتحقيق النمو المطلوب. كما يشير التقرير إلى أن عدد الذين تم توظيفهم من حملة البكالريوس في القطاع الخاص خلال عام 2010 لا يزيدوون عن 4500 سعودي وسعودية، وهو رقم متدني، وقد يدل على أن أغلب الوظائف التي تم توظيف السعوديين فيها هي وظائف متدنية المستوى والدخل. أما بالنسبة لغير السعوديين فتشير الإحصائيات إلى زيادة قدرها 53 ألف في أعداد غير السعوديين في القطاع الخاص، أي بزيادة تقل عن 1% مقارنة بعام 2009، وذلك مؤشر إيجابي يدل على تباطؤ وانخفاض كبير في حجم الاستقدام للعمالة غير السعودية.

أما بالنسبة للمرتبات، فقد ارتفع معدل رواتب السعوديين بنسبة 10.8% من عام 2009 إلى عام 2010، حيث وصل معدل رواتب الذكور السعوديين في القطاع الخاص حوالي 3562 ريال شهريا مقارنة ب 3200 ريال في عام 2009، أما الإناث فقد وصل معدل رواتبهم ل 2448 شهريا مقارنة ب 2254 ريال في عام 2009، وهي زيادة إيجابية نتمنى أن تستمر، حتى يصل معدل رواتب القطاع الخاص لرواتب الوظائف الحكومية أو يزيد عليه كما هو الحال في غالبية دول العالم الناضجة اقتصادية، أما رواتب غير السعوديين فقد ارتفعت بنسبة 36% وزادت من 764 ريال شهريا في عام 2009 إلى 1040 ريال في 2010، وقد يكون ذلك نتيجة لتناقص قدرة الشركات على الإستقدام، وهذا يعد مؤشر إيجابي آخر لأنه يزيد من جاذبية توظيف المواطنين.

(هذا المقال منشور في جريدة اليوم)

نطاقات… الشفافية ضمان النجاح

بدأت وزارة العمل هذا الأسبوع تطبيق مرحلة جديدة من برنامج نطاقات، حيث بدأ منع الشركات الواقعة في النطاق الأحمر من إصدار وتجديد رخص العمل للعمالة الوافدة، ومع هذا المنع ستتضرر الكثير من الشركات الواقعة في النطاق الأحمر والتي فشلت في تحقيق نسب السعودة المطلوبة، وقد تعلن بعض هذه الشركات عدم قدرتها على الإستمرار بالعمل وتغلق أبوابها. بعض المتضررين لم يخالفوا القانون قط، وتعمل منشآتهم في عمل شريف ويقدمون خدمة حقيقية للمجتمع، والبعض الآخر – وهم الأغلب – يتاجرون بالتأشيرات أو يتسترون على المالك الحقيقي للمنشأة وعلى الأرجح لا يقدمون أي قيمة مضافة، في جميع الأحوال، تطبيق نطاقات سيكون له تكلفة اجتماعية واقتصادية، وهي تكلفة يجب على الجميع تحملها، لأن خطر البطالة والعمل على القضاء عليه أهم من أي شيء آخر، ولكن مقابل هذه التكلفة المرتفعة، يجب أن يكون هناك توعية وشفافية تبرز المنافع التي حصدها المجتمع من هذا البرنامج.

الشفافية هي الطريقة الأفضل للوقوف في وجه أي موجة متوقعة من الهجوم على برنامج نطاقات، والذي سيقوده المتضررون من تطبيق النظام، فمن خلال الشفافية والوضوح يمكن للمجتمع وصناع الرأي معرفة التأثير الإيجابي لنطاقات – إن وجد. وأحد نماذج هذه الشفافية المطلوب هو إصدار تقرير شهري ينشر بالصحف عن كل الأرقام المتعلقة ببرنامج نطاقات، على سبيل المثال: نشر جدول لجميع النطاقات والقطاعات تبين عدد التأشيرات التي تم إصدراها لكل نطاق وكل قطاع، وعدد التأشيرات التي تم الإستغناء عنها، بالإضافة لعدد السعوديين الذين تم توظيف في كل قطاع ونطاق، ونشر معدل رواتب من تم توظيفهم، ويمكن من خلال هذه الأرقام استخلاص الرقم الإجمالي لعدد السعوديين الذين تم توظيفهم بكل القطاع الخاص لهذا الشهر وعدد الوافدين الذين تم الإستغناء عنهم أو توظيفهم.

هذه الأرقام ستجعل الناس تلمس نجاح البرنامج بشكل مباشر، خاصة إذا تمكن البرنامج من توفير عدد كبير من الوظائف للسعوديين، كما ستسهم الشفافية في أن يطمئن أصحاب الأعمال المتضررة أن الجميع يتحمل نفس الضرر. هذا البرنامج – نطاقات – يعد أحد أهم المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية، ويجب العمل بكل السبل الممكنة لإنجاحه وضمان استمراره، وافضل هذه السبل هو الشفافية.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

ثلاثة أورام سرطانية تفتك بجسد الاقتصاد السعودي

يواجه الاقتصاد السعودي العديد من المشاكل، نشأ أغلبها بسبب عيوب اقتصادية هيكلية، أهمها منهج الاقتصاد الريعي الذي كان يدار به الاقتصاد في العقود الثلاثة الماضية، حيث باتت غالبية الأسر السعودية تعتمد على الدولة كمصدر رئيسي للدخل، كما أن غالبية القطاعات الاقتصادية في القطاع الخاص تعتمد على الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر لضمان بقائها واستمراريتها. أدى ذلك لتركز غالبية القوى العاملة من السعوديين في القطاعات الحكومية وفتح الباب على مصراعيه للقوى العاملة الوافدة والرخيصة لتشغيل بقية الاقتصادي، والذين تحولوا للمحرك الرئيسي لكل القطاعات الاقتصادية غير الحكومية، ووصلت نسبة العمالة الوافدة – وأغلبها عمالة رخيصة – من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص أكثر من 90%. الخلل الاقتصادي الثالث بعد انتهاج الاقتصاد الريعي وفتح الابواب على مصاريعها للعمالة الوافدة الرخيصة هو غياب القوانين والأنظمة التي تضمن عدم احتكار الأراضي، بل على العكس فقد كانت هناك بعض الأنظمة التي تسهل تحويل الأراضي البيضاء إلى أوعية استثمارية من دون أي إضافة انتاجية.

كل هذه الأخطاء والعيوب الاقتصادية لم تكن مؤثرة ولم تكن أعراضها بادية للمواطن العادي، فقلة عدد السكان قبل ثلاثين أو عشرين سنة كانت تسهل عملية توزيع ريع الدولة على المواطنين من خلال التوظيف الحكومي أو الدعم الحكومي لبعض القطاعات كالزراعة وغيرها مما يوفر للأسر دخلا مناسبا من دون إنتاجية حقيقية. وأدى ضعف النمو في الإنتاجية إلى جمود في مستويات دخل المواطنين، في المقابل استمرت دول العالم – حتى الدول النامية التي كانت فقيرة جدا – بالنمو واستمرت انتاجيتهم بالارتفاع يوما بعد يوم، وارتفعت نتيجة لذلك مستويات الدخول في كل العالم، ومعها ارتفعت أسعار السلع، ابتداء بالأغذية وانتهاء بالسيارات وغيرها من الضروريات، فبينما كانت الهند تصدر لنا كل انتاجها من الرز عالي الجودة، زادت أعداد الطبقة المتوسطة بالهند وارتفع استهلاكهم الداخلي لهذا الرز وبالتالي ارتفعت أسعار الأرز على المواطن السعودي، ويمكن القياس على ما يحدث في الأرز على غالبية السلع الأخرى. وبالإضافة للجمود في نمو الإنتاجية فإن الدولة قلصت بشدة من مستويات التوظيف الحكومي، وبنفس الوقت ازدادت أعداد الداخلين لسوق العمل من الشباب بشكل كبير، وأصبح القطاع الخاص هو الخيار الوحيد لهم، ولكن القطاع الخاص عاجز عن توظيف الأعداد الكبيرة من الشباب برواتب تتلاءم مع المستويات الاجتماعية السائدة، لأن القطاع الخاص أدمن العمالة الرخيصة، ولا يمكن أن يوقف إدمانه فجأة، فهذا الإدمان استمر لعقود طويلة وبنيت على أساسه كل دراسات الجدوى التي يعمل من خلالها القطاع الخاص، وبسبب ذلك بدأ شبح البطالة يطل برأسه ويبرز كأحد أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع وخاصة الجيل الجديد من الشباب الذين يدخلون سن العمل سنويا ويأملون في بدء حياتهم المستقلة وتكوين حياة عائلية مستقرة. وأخيرا فإن مشكلة الأراضي وشحها المصطنع الذي اعتقد أنه لم يخطر ببال أحد قبل ثلاثين سنة أنه سيتسبب بالكارثة التي نعيشها اليوم هي أحد أكثر الأخطاء إيلاما للمواطن السعودي، وهو ألم يستشعره المواطن بشكل يومي، فغالبية الأسر تعاني لامتلاك منزل، وتعاني لدفع الإيجار، وكل ذلك بسبب الارتفاع غير المبرر في أسعار الأراضي الناتج عن احتكار قلة قليلة لهذه الأراضي وغياب الأنظمة التي تقضي على الإحتكار.

البطالة وارتفاع أسعار السلع المستمر لايمكن علاجهم إلا من خلال تغييرات هيكلية في الاقتصاد، تعيد تشكيل السياسات الاقتصادية وتحولنا لاقتصاد منتج قابل للاستدامة لا يعتمد على الطاقة ويستطيع أن ينتج بقدر ما يستهلك. هذه التغييرات ستحتاج لسنوات طويلة حتى تظهر آثارها، لن تقل عن خمس سنوات وقد تتجاوز العشر سنوات. وهي عملية معقدة تحتاج إلى أفضل العقول القادرة على قيادة دفة الاقتصاد وأخذه لبر الأمان. كما أن كل الحلول القادرة على علاج تلك المشكلتين ستتطلب تضحيات كبيرة من الجميع بدون استثناء وستكون فاتورة الإصلاح مؤلمة ومكلفة سياسيا. في المقابل نجد أن مشكلة الإسكان رغم أنها الأكثر إيلاما للمواطن في الوقت الحالي إلا أنها أسهل المشاكل حلا. فلب مشكلة الإسكان هو ارتفاع أسعار الأراضي، وسبب ارتفاع أسعار الأراضي هو احتكارها، وطريقة كسر احتكارها هو جعل تكلفة الاحتفاظ بهذه الأراضي غير المستفاد منها مرتفعا، وزيادة تكلفة الاحتفاظ ممكن من خلال سن الرسوم أو الزكاة على كل من يملك أراض بيضاء تزيد عن حاجته، وعلاج مشكلة الأراضي لن تكون له كلفة سياسية واجتماعية كبيرة كما هو الحال مع بقية الحلول. فالشريحة المتضررة صغيرة جدا، والضرر عليها لن يكون مؤثرا عليهم فغالبيتهم أثرياء، وما يمارسونه من احتكار للأراضي ممارسة غير منتجة بكل الأحوال وقد راكمت هذه الشريحة الصغيرة ثروات ضخمة من دون أن تضيف للاقتصاد شيئا بل أنها أضرت بالاقتصاد بشكل جسيم. كما أن ما يقومون به يشكل ظلما للمجتمع وهو ممارسات غير أخلاقية حتى لو كان القانون يسمح بها.

جذور أسباب الآلام الاقتصادية التي ذكرناها وهي ارتفاع أسعار السلع والبطالة وارتفاع السكن هي أشبه بالسرطانات التي تكونت بدايات أورامها منذ ثلاثين سنة، ولم يشعر بها أحد طوال هذه المدة، حتى تضخمت وكبرت وأصبحت تؤلم جسد الاقتصاد وتزداد إيلاما يوما بعد يوم، وكلما كبرت هذه السرطانات كلما تقلصت الطبقة المتوسطة وزاد الفقر وخُنق الاقتصاد، وإن كان علاج سرطان البطالة وارتفاع الأسعار معقدا، فإن استئصال ورم احتكار الأراضي الذي يتسبب بارتفاع أسعار السكن سهل جدا، ولا يحتاج لجراح ماهر، وستختفي آثار هذا السرطان بمجرد استئصاله وليس لاستئصاله أية أعراض جانبية سلبية، ولذلك فإننا نعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لهذا الورم، خاصة أن استئصاله سيمهد لعلاج بقية السرطانات، والتي ستكون أكثر تعقيدا وفترة علاجها ستكون مؤلمة بشدة لكل الجسد، وستتطلب أن يضحي أعضاء الجسد كلهم – بدون استثناء – خلال عملية العلاج، فلا يمكن لهذه العملية – عملية علاج البطالة وارتفاع الأسعار = أن تنجح من دون تضحيات، فإما التضحية وإلا فإن هذه السرطانات ستقتل جسد الاقتصاد، ولكن قبل أن ندخل في العلاج المؤلم، لنبدأ خطوتنا الأولى باستئصال الأسهل وهو سرطان احتكار الأراضي.

(المقال منشور بموقع المقال)

المنشآت الكبيرة قبل الصغيرة والمتوسطة

ما زال التركيز مستمرا من قبل كثير من المسؤولين على المبادرات المتعلقة بتنشيط الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وذلك بهدف زيادة الفرص الوظيفية للمواطن وخلق بدائل عن الوظائف التقليدية والمساهمة في تقليل أزمة البطالة المتفشية بين الشباب السعودي. هذا الأهتمام كان مبنيا في الغالب على قناعات راسخة بأن كل اقتصادات العالم المتقدمة تعتمد بشكل أساسي على الأعمال الصغيرة والمتوسطة في تنمية اقتصاداتها وفي خلق الوظائف الجديدة. وستسمع في غالب الأحيان عن أرقام براقة بهذا الخصوص، كالقول أن الأعمال الصغيرة والمتوسطة تشكل أكثر من 60% من الاقتصاد الأمريكي، أو أن غالبية الوظائف التي خلقت في أوروبا كانت من خلال الأعمال الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الإحصائيات.

ولكن السؤال الذي يجب أن يسبق كل هذه الاحصائيات الجذابة، والتي قد تدفعنا لوضع كل ثقلنا خلف دفع الأعمال الصغيرة والمتوسطة محليا، هو: ما هو تعريف الأعمال الصغيرة والمتوسطة في أوروبا وأمريكا؟ في اوروبا عدد الموظفين حسب التعريف المعتمد للأتحاد الأوروبي في الأعمال الصغيرة والمتوسطة يصل لمائتين موظف في المنشأة. أما في أمريكا فيصل هذا الرقم لـ 1500 موظف في القطاعات الصناعية، وما معدله 500 موظف في أغلب القطاعات الأخرى. أو مبيعات تقل على 7 مليون دولار (26 مليون ريال).

إن منشأة يعمل فيها 1000 موظف هي منشأة كبيرة في العرف المحلي، بل حتى منشأة يعمل فيها 200 موظف هي كبيرة في نظر الغالبية العظمى من المتخصصين لدينا، فمائتين موظف لن تقل رواتبهم – لو افترضنا أن المعدل 3000 ريال – عن 7 ملايين ريال سنويا، ومبيعات هذه المنشأة لن تقل في الأوضاع الطبيعية عن 10-20 مليون ريال سنويا. فهل هذه منشأة صغيرة أو متوسطة بالعرف المحلي؟ لا أعتقد ذلك.

في مقابل كل ذلك نجد غالبية المبادرات تركز على دعم المنشآت الصغيرة، بل الصغيرة جدا. فمبادرات كصندوق المئوية وعبداللطيف جميل لا تمول أكثر من 400 ألف ريال، وهي تكفي لمنشأة صغيرة جدا قد لا يتجاوز عدد موظفيها خمسة – وعلى الأرجح غالبيتهم من الوافدين. وهذا الحجم من المنشآت سينافس في سوق متشبعة جدا بسبب مزاحمة العمالة الرخيصة لهذه القطاعات الصغيرة، وبالتالي فإن نسبة الفشل مرتفعة والإضافة الاقتصادية منخفضة أيضا. لذلك فإن التركيز يجب أن يكون منصبا على المنشآت الأكبر حجما – وخاصة في القطاع الصناعي، والتي لن يقل رأسمالها عن 5 ملايين ريال، فهذه المنشآت ستوفر فرصا وظيفية أكبر، كما أنها ستكون إضافة حقيقية للاقتصاد المنتج المستدام.

(المقال منشور بجريدة اليوم)