Tag Archives: شركات

كيّفوا الأبقار وارفعوا الأسعار

cowفي بلد صحراوي شديد الحرارة، لا تستطيع غالبية الكائنات الحية العيش فيه – باستثناء الضبان والجمال والجرابيع – يتم إنشاء مصانع ضخمة للألبان، تجلب لها الأبقار من أقاصي الأرض، أبقار لا تعيش في حرارة تقل عن 25 درجة، وحتى تتمكن هذه الأبقار من البقاء والإنتاج يتم وضعها  في بيئة (مكيفة). وفي بلد جاف لا يكاد ينزل فيه المطر تستهلك هذه الأبقار كميات ضخمة من المياه. كما تستهلك هذه الأبقار كميات كبيرة من الأعلاف، وبما أن أرضنا قاحلة، فالأعلاف غالبيتها مستوردة. التكييف الذي يبرّد هذه الأبقار يستهلك كميات هائلة من الكهرباء، كهرباء يباع لهذه المصانع بأسعار مدعومة من الحكومة – أي أموال المواطنين. والمياه التي تستنزفها هذه الأبقار، تباع بأسعار مدعومة أيضا، وتسهم في زيادة المشكلة المائية التي تواجهها البلاد وتهدد مستقبلنا جميعا، كما تشتري هذه المصانع الأعلاف بدعم حكومي كبير – أي أموال المواطنين أيضا. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمر أي شركة ألبان بالعمل من دون الدعم والكرم الحكومي، باختصار، لولا الدعم الحكومي لما كُيّفت الأبقار.

رغم كل هذا الدعم الحكومي، ورغم أن بقاء هذه الشركات مرهون باستمرار هذا الدعم، ترفع هذه الشركات أسعار منتجاتها بلا حسيب ولا رقيب، وتختلق أعذارا مختلفة لرفع الأسعار، على رأس هذه الأعذار زيادة تكاليف اللقيم من أعلاف وغيرها من التكاليف المتعلقة بالإنتاج، هذا العذر قد يبدو للوهلة الأولى منطقيا، ولكن بنظرة سريعة على القوائم المالية المنشورة لأحد شركات الألبان التي رفعت سعرها – وهي المراعي – نجد أن صافي أرباح الشركة ارتفع خلال الثلاث سنوات الماضية أكثر من 40%! وبلغ أكثر من 1.2 مليار ريال في 2010 بعد أن كان حوالي 910 مليون ريال في عام 2008. أما تكاليف الإنتاج مقارنة بالمبيعات فانخفضت حوالي 1% ما بين عام 2008 و 2010، فبعد أن كانت التكاليف تمثل 60% من المبيعات في 2008 أصبحت تكلف 59% من إجمالي المبيعات. باختصار، لا يوجد أي أعذار حقيقية لرفع الأسعار.

نحن نؤمن بحرية السوق وعدم التدخل بالأسعار، ولكن يجب أن تختار الشركات، بين سوق حر تعتمد فيه الشركات على نفسها في تقليل التكاليف وزيادة الأرباح وتحديد السعر، وبين سوق مدعوم من الحكومة، ففي حالة الدعم، ليس من حق الشركات أن تتحكم بالأسعار بلا رقابة، وإن كان الدعم الحكومي وسيلة لزيادة أرباح الرأسماليين وكبار ملاك الشركات، فهو دعم لا نريده، ولا يفيد المواطن بشيء. وكان من الأولى استخدام هذا الدعم في مشاريع تنموية يستفيد منها الجميع. باختصار أوقفوا دعم التجار أو ثبتوا الأسعار.

مقالات متعلقة: شركات الألبان… والكذب المكشوف

(المقال منشور في جريدة اليوم)

نطاقات والسوق السوداء

في المقال السابق ذكرنا أن برنامج نطاقات مشروع يستحق الدعم، خاصة أنه سيواجَه بهجمة شرسة من بعض من ستتضرر مصالحهم ولا ينظرون للمصلحة العامة، وذكرنا أن البرنامج سيكون له دور إيجابي كبير على المدى القصير وسيمهد الأرضية لأي إصلاحات جذرية قادمة في سوق العمل تسهم علاج مشكلة البطالة على المدى الطويل، ولكن في نفس الوقت لايوجد مشروع خال من العيوب، والزمن كفيل بإظهار الأخطاء وتصحيحها، لذلك سنطرح في هذا المقال بعض الحلول التي قد تسهم تطوير البرنامج وجعله أكثر فعالية.

يقوم برنامج نطاقات بشكل عام على تقليص العرض من العمالة الوافدة، وتصعيب الحصول عليها من خلال تصنيف الشركات بناء على نسبة السعودة وبناء على حجم وقطاع المنشأة، وذلك لدفع المنشآت لتوطين الوظائف. في أي سوق، عندما يتقلص العرض ولا يتقلص الطلب، فإن السعر أو التكلفة تزداد. واذا لم يجد هذا الإرتفاع قنوات قانونية للإرتفاع فإن سوقا سوداء ستخلق أو سيجد السعر وسيلة أخرى للإرتفاع، لأن قوى السوق دائما تغلب أي قوى قانونية أخرى. لذلك ففي حالة الإستقدام، وبما أن تكلفة الإستقدام لم ترتفع، وبما أن الطلب على العمالة الرخيصة أعلى يقينا من العرض، فإن الزيادة ستصب في أحد القنوات الثلاثة التالية: ارتفاع رواتب الموظفين غير السعوديين أو زيادة أسعار التأشيرات في السوق السوداء أو زيادة الرشاوي في الدوائر الحكومية لتجاوز الأنظمة.

ارتفاع الرواتب للعمالة الوافدة سيظهر جليا في النطاقات التي يستطيع الوافد الإنتقال منها من دون موافقة الكفيل، فالكفيل مجبر على دفع راتب أعلى للموظف حتى يتمكن من ضمان بقاءه. والشركات في النطاقات الأخرى ستحاول جذب هذا الموظف بعرض مرتب مغري له. هذه الزيادات في الرواتب سيتم تحويلها لا محالة لخارج المملكة، مما يزيد من كمية الثروات المسربة بسبب العمالة الوافدة والتي تجاوزت قيمتها 90 مليار ريال سنويا. بالإضافة لذلك فإن الشركات في النطاقات الصفراء والحمراء والتي تجني أرباحا كبيرة، ستستخدم المال لشراء التأشيرات أو لدفع الرشاوى كما هو حاصل الآن. وقد تستغل ذلك الشركات في النطاقات الخضراء والممتازة وتؤجر عمالتها للمنشآت في النطاقات الحمراء والصفراء.

أفضل علاج لهذه الظواهر السلبية التي تضر الإقتصاد المحلي بشكل مباشر، هو السماح للنطاقات الحمراء والصفراء بالإستقدام ولكن بتكلفة مرتفعة جدا، توازي هذه التكلفة قيمة تجارة التأشيرات في السوق السوداء، كما يتم منع الانتقال الحر للموظفين غير السعوديين في النطاق الأحمر واستبدال ذلك برفع تكلفة تجديد الإقامة. وبذلك نضمن عدم ارتفاع الرواتب ونضمن عدم نشوء سوق سوداء، وتذهب كل مداخيل السوق السوداء لصناديق حكومية تسهم في بدل البطالة والتدريب للعاطلين عن العمل.

هل يصلح نطاقات ما أفسده الدهر؟

أطلقت وزارة العمل هذا الأسبوع برنامج نطاقات الذي أثار موجة من ردود الفعل المتباينة ما بين مؤيد ومعارض. وما بين معارض للبرنامج لما سيلحقه من أضرار ومعارض للبرنامج لاعتقاده أنه حل غير كافي لما نواجهه من خلل في سوق العمل وتفش للبطالة. ابتداءا يجب أن نقول أن الخلل الموجود في سوق العمل والبطالة والضعف الإنتاجي الناتج من هذا الخلل هو أصعب معضلة اقتصادية تواجهها البلد. والخلل هذا نتيجة تراكمية لأكثر من ثلاثة عقود من العمالة الرخيصة المتدفقة على البلد والنمو الضعيف في القطاع الخاص الإنتاجي والاعتماد شبه المطلق على القطاع الحكومي في تحريك الاقتصاد وتوظيف المواطنين. هذا الخلل الهيكلي لا يحل فقط بتغييرات إجرائية او تنظيمية بل بتغيير اقتصادي شامل تشارك فيها كل القطاعات ويكون ضمن استراتيجية شاملة تقود البلد من اقتصاد ريعي إلى أقتصاد انتاجي حقيقي. لذلك فإن من يُسلط عليه الضوء كمسؤول عن اصلاح هذا السوق – وهو في هذه الحالة وزير العمل عادل فقيه – هو في وضع لا يحسد عليه. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح وزير العمل لوحده في إصلاح هيكل سوق العمل ومشكلة البطالة.

ولكن رغم حجم وصعوبة المهمة الملقاة على عاتق وزير العمل، فإنه قادر على تهيئة الأرضية ولو مبدئيا للحلول الشاملة التي يفترض أن تأتي في وقت لاحق كرفع رسوم الاستقدام بشكل كبير والبدء باستراتيجية تنمية حقيقية للقطاع الخاص الإنتاجي. ويفترض من برنامج نطاقات رغم بعض سلبياته وبعض ثغراته أن يقوم بدور هذه الأرضية الممهدة. ولذلك فإن علينا جميعا أن نعمل على إنجاح هذا البرنامج ومساندته بكل الوسائل، خاصة أنه سيواجه حملة شرسة – وقد بدأت الحملة فعلا – من قبل كثير من الجهات المستفيدة من الوضع القائم، وستعمل هذه الجهات على تعطيل البرنامج ومحاربته إعلاميا، ولو لم يجد البرنامج مساندة شعبية فقد تنجح هذه الجهات في مساعيها ونعود للنقطة صفر في رحلة إصلاح سوق العمل والقضاء على البطالة.

بالإضافة لذلك فإن نجاح البرنامج واستمراره مرهون بالشفافية وتطبيق النظام على الكل من دون محاباة أو تفضيل، فهذا النوع من الأنظمة إن لم يطبق بشكل كامل فضرره أكبر بكثير من عدم تطبيقه اطلاقا، والطريقة الأفضل للتطبيق العادل هو مشاركة البيانات إعلاميا وبشكل تفصيلي، كالإعلان شهريا عن عدد التأشيرات الصادرة لكل نطاق، وأعداد العمالة التي تم ترحيلها لكل نطاق، بالإضافة لأعداد السعوديين الذين تم توظيفهم في كل نطاق، ولو استشعر المجتمع التأثير الإيجابي الواضح للبرنامج فلن تستطيع أي قوى أن توقف تطبيق النظام أو تعطله أو حتى تحاربه.

توطين الوظائف هو الأصل وليس الإستثناء

قامت أحد الشركات الإستشارية المتخصصة في القوى البشرية بدراسة عن الموظف المحلي والبحث عن أسباب تفضيل رجل الأعمال للموظف الأجنبي على المواطن. فخلصت إلى استنتاجات أن رجل الأعمال يعتقد أن المواطن عيوبه كثيرة، كعدم الالتزام بالوقت أو الوظيفة، وافتقاده للمهارات الفنية وعدم قدرته على التحدث بلغة أجنبية، وضعفه بالقراءة والكتابة وعدم مرونته بالعمل أو انضباطه بالتصرفات. المفاجأة أن الشركة التي قامت بالدراسة هي شركة بريطانية، وكانت الدراسة تخص الموظف البريطاني، ورجال الأعمال الذين سئلوا هم رجال أعمال بريطانيون. هذه القصة أوردها الدكتور عبدالرحمن الزامل – رئيس مجموعة الزامل الصناعية – في أحد المناسبات مؤخرا.

النتائج التي استخلصتها الدراسة، ورأي رجال الأعمال البريطانيين شبيه جدا بما يقوله كثير من رجال الأعمال بالسعودية، ففي لقائه بالغرفة التجارية، أشار صالح كامل رئيس مجالس الغرف التجارية أكثر من مرة خلال حديثه، أن أكبر عقبة تواجههم لسعودة الوظائف هي عدم رغبة الموظف السعودي بالدوام الطويل، وتفضيله للوظائف المريحة التي تضمن قربه من أسرته ولا تحمل مشقة كبيرة، وكان ردي خلال نفس اللقاء على هذا الإعتقاد السائد بين رجال الأعمال أن النماذج التي تثبت خطأ هذه المقولة لا تعد ولا تحصى، فموظفوا شركة أرامكو – على سبيل المثال – يكابدون مشقة شديدة، وبعض من يعمل في أماكن بعيدة تزيد مدة دوامه عن 12 ساعة يوميا، في مناخ حار جدا وسط الصحراء، وقد يغيب عن أهله أسابيع أو أشهر طويلة، ورغم ذلك فإنه لا يشتكي، بل لو فتحت وظيفة شاغرة في نفس الموقع، لتقدم عليها عشرات الألوف من المواطنين، فمالذي يفسر ذلك؟ السبب بكل بساطة، أن من يعمل في أرامكو يحصل على مردود مالي ومعنوي ممتاز، يوازي حجم المشقة، ولن يتوانى الموظف هناك ببذل كل ما بوسعه لرد هذا التقدير، وهذا ينطبق على قطاعات أخرى كثيرة كسابك والبنوك وغيرها. في المقابل نجد أن غالبية القطاعات الخاصة الأخرى لا يزيد معدل رواتبها عن 3200 ريال، وهو راتب بالكاد يكفي لشخص واحد، فما بالك بمن يطمح بالزواج وإعالة أسرة وفتح بيت، فكيف نتوقع من شخص أن يبذل من جهده في وظيفة بيئتها الادارية سيئة، وعائدها المادي قليل ولا مستقبل لها.

العامل الأجنبي في كل دول العالم هو المفضل بالنسبة لرجل الأعمال، لأنه دائما ما يكون أقل تكلفة، وأكثر حرصا على التركيز على العمل وبذل الجهد، لأنه موجود لفترة مؤقتة قبل العودة لبلاده، ولذلك فإن كل دول العالم المتقدم تضع عقبات شديدة في وجه الاستقدام المفرط، وذلك تفاديا لدخول أعداد كبيرة من العمالة الرخيصة التي تنافس المواطن في وظائفه وفي أعماله الحرة وتتسبب في إنخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع معدلات البطالة، ويعلم رجال الأعمال في دول العالم المتقدم أن استقدام الموظف الأجنبي هو الإستثناء وليس الأصل، أما في السعودية، فيعتقد بعض رجال الأعمال أن استقدام غير السعوديين هو الأصل وتوظيف السعودي هو الإستثناء، وهذا مفهوم خاطيء تماما يجب أن نعمل جميعا على تصحيحه.

إن توطين الوظائف لمواجهة البطالة، لم يعد مجرد حل لمشكلة إجتماعية، بل أنه أصبح مسألة أمن قومي، والتأخر بعلاجه يهدد الأمن والسلم المحلي، ونحن أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الوقوف مع المواطن والدولة للمساهمة في نزع فتيل قنبلة البطالة، وإما الإستمرار في السباحة عكس التيار والبحث عن المصالح الضيقة بعيدا عن مصلحة الوطن الشاملة.

خرافة السعودي الكسول

عذر يردده القطاع الخاص بشكل دائم – مبررا عجزه عن استقطاب الشباب السعودي في منشآته وعجزه عن رفع نسب السعودة – السعودي كسول، غير منضبط، لا يحترم العمل، وغير منتج. وتستمر الأعذار: الشاب السعودي يفتقد لثقافة العمل، وغير مؤهل، ومخرجات تعليمه لا تناسب سوق العمل، وتستمر الإسطوانة بلا نهاية…

ما حقيقة هذه الإدعاءات؟ إن كان ما يقوله القطاع الخاص صحيحا، فكيف نفسر أداء الشباب السعودي في بعض القطاعات الأخرى؟ كأرامكو وسابك والبنوك. وهي قطاعات لا يشكك أحد بتميز السعودي فيها وانضباطه وتفوقه. فهل يحمل موظفو هذه القطاعات جينات مختلفة عن بقية السعوديين؟ بالتأكيد لا. فما التفسير إذن؟
Continue reading

شركة المراعي تحقق أرباحا قياسية (رغم معاناتها المزعومة)

كما كان متوقعا في مقال (شركات الألبان والكذب المكشوف)، فقد حققت شركة المراعي أرباحا قياسية تاريخية بلغت أكثر من 667 مليون ريال بزيادة قدرها 202 مليون ريال عن العام الذي يسبقه!

وتأتي هذه الزيادة الفلكية رغم إدعائات الشركة بأنها تواجه ضغطا ماليا بسبب زيادة تكاليف الإنتاج وهو مسوغها لزيادة أسعار الألبان.

شركات الألبان… والكذب المكشوف

بررت شركات الألبان زيادة الأسعار على منتجاتها بزيادة تكاليف الإنتاج457602763_0f0149bf3e_m والمدخلات. من حق أي شركة تعمل ضمن سوق مفتوح وحر ان تضمن بقائها من خلال المحافظة على هوامش الربح. ولكن كما أن السوق المفتوح يمنح مرونة كبيرة للشركات للتحرك والنمو والمنافسة فإن هناك أخلاقيات وضوابط تحكم هذا السوق وتضمن فيه حقوق المستهلكين، وذلك من خلال مكافحة الإحتكار واتفاقيات تثبيت أو رفع الأسعار بين الشركات. ورغم أننا لا نستطيع الجزم يقينا بأن شركات الألبان اتفقت على رفع الأسعار (التحقيق مازال جاريا في هذا الأمر من قبل وزارة التجارة)، إلا أننا نستطيع أن نجزم أن جميع المسوغات التي سيقت لتبرير الزيادة الأخيرة في الأسعار هي تبريرات كاذبة، فالسبب الرئيسي للزيادة كما تدعي شركات الألبان هو ارتفاع تكاليف (المدخلات)، أي إرتفاع تكاليف الإنتاج، مما يجعلنا نشعر أنهم على شفير الإفلاس أو أنهم يبيعون منتجاتهم بخسارة. وبما أن الإدعاء واضح ومحدد، فإن التأكد من صدقيته سهل ومتيسر، فبالرجوع للبيانات المالية المنشورة للعموم والخاصة بشركة المراعي كمثال يمكننا معرفة حقيقة هذا الإدعاء. وقد قمت بإختيار المراعي كونها أكبر منتج للألبان ولإمكانية الوصول لقوائمها المالية حيث أنها شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودي.

Continue reading