Tag Archives: السعودية

شركة صدارة… نقلة نوعية في الطريق الصحيح

احتفلت شركة أرامكو قبل يومين بتأسيس شركة “صدارة” وهي مشروع مشترك في قطاع البتروكيماويات في بين “أرامكو” وشركة “داو” الأمريكية. ويحق لنا جميعا أيضا أن نحتفل بولادة هذه الشركة التي تمثل أهمية اقتصادية كبرى للوطن، حيث أن هذا الاستثمار الضخم الذي زاد حجمه عن 90 مليار ريال سيسهم في تقليل تصديرنا للنفط الخام والمنتجات البتروكيماوية وسنقوم بدلا من تصديره بالاستفادة منه محليا في سلسلة الإنتاج مما سيضاعف من القيمة الاقتصادية لانتاجنا النفطي وسيكون بمثابة الجسر بين انتاجنا من النفط والغاز الخام وبين الصناعات التحويلية التي ستمكننا من تصنيع المنتجات النهائية، كما ستفتح شركة “صدارة” الباب لتأسيس المئات من المصانع التي ستستخدم منتجات الشركة كلقيم لها في الإنتاج. هذا الإنتاج يتعطش له الوطن بشكل كبير حيث نقوم سنويا باستيراد أربعة أضعاف ما نصدره من المنتجات غير النفطية، وهو خلل كبير في الميزان التجاري ويجب إعطاء أولوية قصوى لسد هذا العجز، لأن التأخر بذلك سيصعب من علاج المشكلة ويجعله أكثر إيلاما على الاقتصاد المجتمع.

يتوقع أن يعمل في شركة “صدارة” أكثر من 4000 موظف، كما سيسهم في توظيف 17 ألف موظف بشكل غير مباشر، ورغم أن الرقم يبدو صغيرا نسبة لحجم الاستثمار، إلا أن هذا يعد أمرا إيجابيا وليس سلبيا، حيث يتوقع أن تزيد مبيعات الشركة على 35 مليار ريال، أي أن المبيعات لكل موظف تزيد على 9 ملايين ريال، أي أن الإنتاجية لكل موظف ستكون بالملايين، وهذا انعكاس للاستثمار الرأسمالي الضخم في التقنيات المتقدمة التي سيستخدمها المشروع، وهو الأمر الذي تعتمد عليه الاقتصادات المتقدمة لزيادة انتاجية مواطنيها وبالتالي انعكاس ذلك على حجم الاقتصاد بشكل عام. فانتاجية الموظف الكسول غير المتعلم الذي يستخدم التقنية أكبر من انتاجية الموظف المجتهد المتعلم الذي لا يستخدم التقنية أو يستخدم تقنية بدائية.

نتمنى أن يكون مشروع “صدارة” نموذجا لكل المشاريع التنموية في البلد، ويجب أن نستغل الفوائض المالية الضخمة لمشاريع شبيهة بهذا المشروع، والتركيز بشكل أساسي على الصناعة لأنها عصب التنمية الاقتصادية في أي دولة تريد أن تزيد من انتاجيتنا ومستوى دخلها القومي. ويمكننا أن نضع نصب أعيننا هدف محدد وهو زيادة التصنيع الداخلي إلى أن نقوم باستهلاك كل انتاجنا من مصانع البتروكيماويات للتصنيع المحلي، واستخدامه في صناعة منتجات نهائية.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

فتوى الشيخ يوسف الشبيلي بتحريم احتكار الأراضي

في حلقة ساعة حوار بخصوص غلاء الأراضي وحلول مونوبولي سألت الشيخ يوسف الشبيلي خلال مداخلته بالحلقة عن حكم احتكار الأراضي. التفاصيل:

سؤالي للشيخ: هل نستطيع القول أن من يشتري أراضي تزيد عن حاجته بغرض حبسها وبيعها لاحقا رغم معرفته بحاجة الناس لها. هل نقدر نقول أن هذا الشخص محتكر احتكار محرم.؟

الشيخ يوسف الشبيلي: نعم، أنا أرى أنه يجب أن نطبق شروط الاحتكار عند وصفنا لأرض أنها محتكرة أن تكون زائدة عن الحاجة أما الأراضي التي يحبسها الشخص لغرضه الشخصي، نعرف أنه أحيانا الشخص يشتري الأرض يريد أن يبني عليها ليس عنده سيولة ليبني ينتظر سنوات حتى يجمع هذا المال هذا لا يعد محتكرا. الاحتكار انما يكون في الشيء الزائد عن الحاجة اللي يملك أراضي كبيرة ويحبسها والناس يحتاجون إليها. ولذلك أيضا الأراضي التي تكون خارج النطاق العمراني والناس لا يحتاجون إليها لا تعتبر احتكارا.

الاحتكار الحاصل الآن تجد مخططات وقطع أراضي كبيرة المعروض منها لا يمثل إلا 2% أو 3% من الموجود. أليس هذا احتكارا؟ إذا لم يكن هذا احتكار فأي احتكار يكون في الشريعة؟

 

شاهد الفتوى من الدقيقة 18.

خرافة نقص القنوات الاستثمارية

بعد تزايد التغطية الإعلامية عن أزمة السكن واحتكار الأراضي وفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، سواء في الإعلام التقليدي أو الإعلام الجديد، بدأ بعض تجار الأراضي بالرد على على ما تتداوله هذه الوسائل الإعلامية، والتبرير لما يقومون به من تركيز لاستثماراتهم في تجارة الأراضي البيضاء بدل الاستثمار فيما ينفع الاقتصاد والمجتمع، وأحد التبريرات الرئيسية التي رددها هؤلاء التجار كثيرا هو غياب أو نقص القنوات الاستثمارية البديلة، مما دفعهم قسرا للتوجه لتجارة الأراضي، هذا التبرير غير صحيح وغير مقبول من جهتين، الأول هو أنه حتى لو صح الإدعاء بأن هناك نقص في القنوات الاستثمارية فإن الأراضي البيضاء يجب أن لا تكون ابتداء وعاء استثماريا. وذلك لإنه استثمار غير منتج بل هو استثمار ضار على الاقتصاد وليس له أي منافع اقتصادية أو اجتماعية على الإطلاق. الأمر الآخر هو أن الواقع يثبت عدم صحة الإدعاء بغياب أو نقص الفرص الاستثمارية. بل أن هناك حاجة ماسة ونقص شديد في كثير من المرافق والخدمات الحيوية التي يحتاجها المواطن والوطن، وبعضها استثمارات لا تحتاج خبرات أو تقنيات خاصة وعائدها شبه مضمون. فعلى سبيل المثال: يوجد نقص شديد في المدارس الأهلية، وغالبية المدارس لديها قوائم انتظار طويلة من الطلاب الراغبين في الدخول لها، مما دفع هذه المدارس لرفع الأسعار أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، فعوائد الإستثمار في المدارس الأهلية قد تزيد على 25% وقد تصل إلى 35%، نفس الأمر ينطبق على المستشفيات والمستوصفات، والفنادق والشقق المفروشة، فلا تكاد تجد شقة مفروشة في مواسم العطل وأسعارها ترتفع بشكل غير مسبوق، وهناك نقص شديد وارتفاع في أسعار الغرف الفندقية طوال أيام الأسبوع.

لذلك فإن إدعاء نقص القنوات الاستثمارية ادعاء يحتاج لدليل، بل أن الواقع يثبت بطلانه. والحقيقة هي أن ارتفاع عوائد تجارة الأراضي البيضاء التي لا تحتاج أي مجهود على الإطلاق هي التي جعلت المستثمر يصرف النظر عن أي استثمار آخر، وكلما ابتعدت السيولة عن الدخول بالاستثمارات النافعة واتجهت وتركزت في الأراضي كلما ارتفعت أسعار الأراضي أكثر وقلت جاذبية أي استثمار آخر وكأننا ندور بحلقة مفرغة، كما أن ارتفاع أسعار الأراضي يتسبب في زيادة التكلفة في عديد من الاستثمارات، التي قد تكون مجدية في حال توفر الأراضي الرخيصة ولكنها مع الوضع الحالي للأراضي اصبحت غير مجدية وغير جاذبة للاستثمار.

الحقيقة هي أن بعض تجار الأراضي أدمنوا على المال السهل، ولايوجد أي حافز حقيقي لأن يدخلوا بمعمعة الاستثمار الحقيقي الذي سيتطلب الجهد والوقت، والحقيقة الأخرى أن تجارة الأراضي وارتفاع أسعارها هي السبب الرئيسي في توقف المستثمرين عن التوجه للاستثمارات النافعة، وهذا الارتفاع في أسعار الأراضي هو يعمل على تحويل البيئة الاستثمارية في المملكة لأرض جدباء، وكسر احتكار الأراضي ووضع الأنظمة التي تحول دون تحوِّل الأراضي البيضاء لوعاء استثماري هو السبيل الوحيد لإعادة الإزدهار للقطاع الخاص المنتج وعندها فقط سنشاهد ربيع الاقتصاد السعودي.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

هل يقضي فيلم مونوبولي على المونوبولي؟

بعد ساعات قليلة من إطلاق فيلم مونوبولي أصبح الفيلم الحدث الأول بين السعوديين في كل الشبكات الإجتماعية على الإنترنت، وكان التفاعل استثنائيا ولم يسبق له مثيل، وانتقل الصخب على الإنترنت من الشبكات الإجتماعية إلى المنتديات والرسائل الإلكترونية والمواقع الإخبارية ثم تجاوز الإنترنت ابتداء برسائل البلاكبيري لتبدأ بعد أقل من 24 ساعة التغطية الإعلامية على القنوات التلفزيونية والصحف الورقية من خلال التقارير وعشرات مقالات الرأي. لقد تحول فيلم مونوبولي إلى ظاهرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وتجاوز عدد المشاهدين حتى لحظة كتابة المقال أكثر من مليون، وذلك في أقل من ثمانية أيام، والرقم مرشح بأن يتجاوز المليونين خلال الأسابيع المقبلة.

لماذا تحول فيلم مونوبولي إلى ظاهرة؟ رغم أني شاركت بأجزاء من الفيلم، إلا أن الفضل الكامل لنجاحه يعود للمخرج المبدع بدر الحمود وفريق العمل الذي شاركه في إنتاج الفيلم الذي استغرق أشهرا طويلة، في مقابل دقائق قليلة ومجهود محدود من قبلي للمشاركة بالفيلم، لذلك فيمكنني أن أكتب عن الفيلم بأريحية لأنني كنت مجرد ضيف عليه. بالإضافة للإبداع الفني والتمثيل المتقن الذي قلما نشاهده في الإنتاج العربي، فإن أحد أهم أسباب النجاح هو ملامسة الفيلم لهمّ رئيسي تعاني منه شريحة كبيرة من المجتمع وخاصة الشباب، فغلاء أسعار السكن سواء التملك أو الإيجار أصبح يضغط على المواطنين بشكل كبير غير قابل للإستمرار. ورغم المعاناة التي يشعر بها المواطنين إلا أن بعضهم قد يجهل الأسباب الحقيقية لهذه المعاناة، كما أن بعضهم قد يجهل كيف يمكن أن نخرج من هذه الأزمة بحلول قابلة للتطبيق ومضمونة النجاح. ورسالة فيلم مونوبولي هي تسليط الضوء على المشكلة وأسبابها وطريقة حلها بأسلوب مبسط وقالب كوميدي ووثائقي يمكنه الوصول لأكبر شريحة ممكنة من المشاهدين.

إن التفاعل الكبير جدا مع الفيلم هو مؤشر على عمق المشكلة واستفحالها، وبالتالي ضرورة البدء الفوري في معالجتها حتى لايزداد الوضع سوءا وتزداد معاناة المواطن، ونتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت لكل من بيده القرار لإصلاح الوضع. وبالختام، فكلمة مونوبولي هي كلمة إنجليزية وتعني احتكار، فهل يكون فيلم مونوبولي هو الخطوة الأولى في طريق القضاء على المونوبولي؟

 

(المقال منشور في جريدة اليوم)

سوق الأسهم… عدالة في التوزيع أم تركيز للثروات؟

عندما يتم الترخيص لبعض أنواع الشركات التي تستفيد من إمتياز خاص تمنحه الحكومة أو تستفيد من مورد طبيعي محدود، فإن الدولة تفرض على هذه الشركات طرح حصة من الشركة للإكتتاب العام من خلال سوق الأسهم، وهذا ينطبق على سبيل المثال على شركات البتروكيماويات والبنوك وشركات الإسمنت وشركات الإتصالات، وأحد المبررات الرئيسية في هذا الإشتراط – أي طرح حصة من الشركة في سوق الأسهم – هو ضمان استفادة أكبر شريحة ممكنة من المواطنين من الإستثمار هذه الشركات والإستفادة من الموارد أو الإمتيازات الممنوحة، أو بمعنى آخر زيادة توزيع الثروة بين أفراد المجتمع، هذا المبرر يبدو وللوهلة الأولى مبررا نبيلا ذو أهداف اجتماعية إيجابية، ولكن السؤال المطروح؛ هل بالفعل يسهم طرح هذه الشركات للإكتتاب في سوق الأسهم في توزيع الثروة بين المواطنين؟ هذا ما سنجيب عليه في هذا المقال.

بالرجوع لأرباح الأسهم في عام 2010 لكل الشركات السعودية المدرجة في سوق الأسهم والتي حققت ارباحا قياسية في العام الماضي، وبعد طرح جميع الحصص الحكومية والحصص الكبيرة للمساهمين والمعلنة في تداول، يمكننا حساب معدل العائد لكل مواطن ولكل أسرة سعودية، هذا على إفتراض الحالة المثالية، أي أن جميع الأسهم (موزعة بالتساوي) بين المواطنين وهو أمر غير حاصل فعليا بالإضافة إلى أن التوزيعات للأرباح للسهم لا تساوي بالضرورة أرباح الشركة الفعلية للسهم، أي أن ما سنصل إليه من نتيجة هو أفضل حالة ممكنة ولكن الواقع أسوأ بكثير. إجمالي أرباح جميع الشركات لعام 2010 كان حوالي 78 مليار ريال، أما حصة التملك الحكومي بالإضافة لحصة تملك كبار الملاك من هذه الأرباح فتزيد على 62%. أي أن ما يتبقى من أرباح هو حوالي 29 مليار ريال فقط، وبتقسيم هذا الرقم على عدد الأسر بالسعودية وهو حوالي 3.5 مليون فإن كل أسرة ستحصل على حوالي 690 ريال شهريا! اما لو قسمناه على عدد المواطنين وهو عشرين مليون فإن كل مواطن سيحصل على أقل من 125 ريال شهريا!

125 ريال لا تكفي لدفع نصف فاتورة الجوال، والواقع أن المستفيد الأكبر من سوق الأسهم هم الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة الميسورة – وهي أغنى من الطبقة المتوسطة، ونسبة هذه الطبقتين لا تتجاوز 15% من إجمالي الأسر السعودية، بينما تعجز بقية الأسر عن الدخول بهذا السوق لأنها غير قادرة على التوفير أصلا، وبالكاد يكفي دخلها لاحتياجاتها الأساسية، بل أنها قد تقترض من البنوك لسد متطلباتها.

أسواق الأسهم هي أدواة مالية فعالة لتمويل الشركات وتسهيل تبادل الحصص، ولكنها ليست وسيلة لتوزيع الثروة، لأن الغالبية العظمى من المجتمع لا يستفيدون من هذه السوق، وبالتالي فإن طرح أي شركة في سوق الأسهم لا يزيد من توزيع الثروة وبالتالي لا يبرر منح امتيازات أو احتكارات خاصة لبعض المستثمرين للإستفادة من مورد او رخصة، وإن كان الهدف توزيع الثروة فيجب البحث عن سبل أخرى لضمان عدم تركز الثروات في يد القلة، من خلال رفع تكلفة هذه الإمتيازات أو فتح السوق على مصراعيه في التنافس ليستفيد المستهلك النهائي – المواطن – من أسعار أقل ومزايا أفضل.

(المقال منشور بجريدة اليوم)

خرافة إرتفاع الأسعار بسبب رسوم الأراضي البيضاء

بعد الموافقة الأخيرة لمجلس الشورى على دراسة فرض رسوم على الأراضي البيضاء ارتفعت الأصوات المعترضة من جديد وخاصة من قبل تجار الأراضي وبعض الكتاب المهتمين بهذا المجال، واستمر هؤلاء بترديد الحجة القديمة الجديدة، وهي أن الرسوم التي ستفرض على الأراضي سيتحملها المستهلك النهائي وليس التاجر. البعض انطلت عليهم هذه الحجة، وسأحاول من خلال هذا المقال أن أوضح أن هذا الإدعاء أقرب للخرافة، ولا يمكن من الناحية المنطقية والاقتصادية وبناء على وضع سوق الأراضي الحالي أن ترتفع الأسعار بعد سن الرسوم.

في مقال سابق بعنوان (كيف يفكر تاجر الأراضي) أوضحنا أن تاجر الأراضي يهدف دائما إلى الإحتفاظ بأراضيه لأطول مدة ممكنة، ولا يبيعها إلا اذا احتاج النقد بشكل ماس، ولذلك فهو يحاول دائما بيع أقل مساحة ممكنة من الأراضي للحصول على المبلغ الذي يحتاج لاستخدامه، ولذلك فإنه لو تم فرض رسوم على الأراضي (مثلا 2% سنويا على قيمة الأرض السوقية)، فإن تاجر الأراضي سيحتاج النقد وبشكل سنوي لدفع هذه الرسوم، وللحصول على النقد فإن عليه أن يبيع جزءا من أراضيه البيضاء، وبالتالي فلو كان التاجر يملك أراض بيضاء بقيمة 100 مليون ريال، وكان يبيع منها سنويا ما قيمته 3 مليون ريال لتغطية احتياجاته الشخصية، فإنه الآن يحتاج 2 مليون إضافية لدفع رسوم الأراضي، أي أن قيمة الأراضي التي يجب أن يبيعها يجب أن تزيد قيمتها على 5 مليون. ولو كان تاجر الأراضي قبل فرض رسوم الأراضي يبيع 3000 متر مربع للحصول على الثلاثة ملايين ريال (أي 1000 ريال لكل متر مربع)، فهل هو قادر الآن أن يبيع نفس المساحة (3000 متر مربع) للحصول على خمسة ملايين (أي أن سعر المتر يصبح 1670 ريال)؟ الجواب بكل تأكيد: لا. ولو كان قادرا على بيع المتر المربع بـ 1670ريال لفعل ذلك قبل فرض الرسوم. فتاجر الأراضي بدهيا لن يبيع إلا بأعلى سعر يستطيع المشتري دفعه، لذلك فإن الحل الوحيد لتاجر الأراضي للحصول على الخمسة ملايين التي يحتاجها بعد فرض الرسوم هو بيع مزيد من الأراضي، وهذا يعني – يقينا – أن المعروض من الأراضي البيضاء سيزداد، وبالتالي فإن أسعار الأراضي ستنخفض مباشرة.

أنا متأكد تماما أن تجار الأراضي يعلمون هذه الحقيقة وأنهم لن يستطيعوا بيع الأراضي بسعر أكثر لو تم فرض الرسوم، ولكن كل ما يرددونه هو محاولة يائسة لتخويف الناس من هذا القانون المرتقب، ولو كانوا فعلا مقتنعين بأن الأسعار سترتفع، فلماذا الإعتراض، فهم لم يراعوا احتياج المواطن على أية حال واحتكروا الأراضي لسنوات طويلة، فهل بدأوا الآن فقط بالإهتمام بمصلحة المواطن؟

الريال والدولار… زواج كاثوليكي أم طلاق وشيك؟

دقت الأزمة السياسية-الاقتصادية في أمريكا والمتعلقة بسقف الدين الأمريكي ناقوس الخطر، وذلك بعد أن كتمت أنفاس العالم حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت قرار الكونجرس بالموافقة على رفع السقف، وأججت الأزمة عدم اليقين بمستقبل الدولار والاقتصاد الأمريكي، كما دفعت الكثيرين للتساؤل عن مصير الاقتصاد السعودي والريال والمستوى المعيشي للمواطن، ومدى التأثر المتوقع في حال تفاقم الأزمة الاقتصادية في أمريكا وانهيار الدولار وانخفاض قيمة السندات الأمريكية، من خلال هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على جوانب مختلفة تتعلق بتأثير أي أزمة محتملة على الاقتصاد والمواطن السعودي.

مستقبل الاقتصاد الأمريكي

قد تكون الأزمة المتعقلة بسقف الدين أزمة سياسية أكثر من كونها أزمة اقتصادية، وقد استغلها السياسيون في أمريكا لتمرير أجندات حزبية، ولكن السبب الحقيقي الذي يجعل كثيرا من المحللين الاقتصاديين يؤمنون بحتمية حدوث أزمة اقتصادية في أمريكا في المستقبل القريب هو الأسلوب الذي قام عليه اقتصادها خلال الثلاثين سنة الماضية، فقد كانت أمريكا تعيش بأكثر من قدرتها، وذلك من خلال الإنفاق المفرط من الناحية الإستهلاكية، ويتضح ذلك من خلال العجوزات في ميزانها التجاري وميزانية الحكومة، فقد وصل العجز التجاري – وهو الفارق بين ما تستورده وماتصدره أمريكا من منتجات وخدمات– أكثر من 500 مليار دولار في 2010. أما العجز الحكومي فقد تجاوز 1 ترليون (1000 مليار) دولار، ولسد هذه العجوزات فإن على أمريكا أن تقترض من العالم لتستمر في هذا الإنفاق والإستهلاك المفرط، ولكن مع التراكم المستمر للدين الأمريكي والذي تجاوز حتى الآن 14 ترليون (14 ألف مليار) دولار فإن القلق بدأ يزداد بين الدول المقرضة وخاصة الصين واليابان ودول الخليج، وإذا توقفت هذه الدول عن شراء السندات الحكومية الأمريكية فهذا يعني يقينا أن الدولار ستنهار قيمته وسترتفع الفوائد في أمريكا بشكل كبير وقد تعلن أمريكا عجزها عن سداد الديون.

الارتباط بين الاقتصاد السعودي والدولار

الاقتصاد السعودي مرتبط بالاقتصاد الأمريكي والدولار من جهتين رئيسيتين، الأولى: سعر صرف الريال المثبت أمام الدولار، والثانية: الإحتياطيات الضخمة المستثمرة في السندات الأمريكية. وهناك خلط كبير عند الحديث عن ربط الريال بالدولار، فغالبا ما يقصد بذلك سعر الريال أمام الدولار وليس ربطه من ناحية أن احتياطياتنا أغلبها مستثمرة في السندات الأمريكية، حيث أن العملات تستمد جزءا كبيرا من قوتها من حجم الاحتياطيات من العملات أو السندات الأجنبية، لذلك فإن أهمية احتياطياتنا المستثمرة في الدولار (السندات الحكومية الأمريكية) أهم بكثير من الناحية المالية والإقتصادية من قضية تثبيت سعر صرف الريال أمام الدولار، حيث أن سعر الصرف أمر قابل للتغيير بسهولة من الناحية النظرية، أما السندات فمن الصعب جدا أو من المستحيل التخلي عنها فجأة.

ربط سعر صرف الريال بالدولار

منذ أكثر من 25 سنة وسعر صرف الريال مثبت أمام الدولار بقيمة 3.75 ريال لكل دولار، والسبب المنطقي الوحيد لهذا التثبيت الطويل الذي لم يتم تغييره أبدا هو بحث المسؤولين في مؤسسة النقد عن الإستقرار وخوفهم من المخاطرة لتجنب تحمل مسؤولية أي عواقب سلبية للتغيير، فرغم كل المتغيرات في عوائد الحكومة من انخفاض أو ارتفاع ورغم كل الموجات الاقتصادية التي مرت على العالم وعلى المملكة، ورغم التغير المستمر في سعر صرف الدولار أمام عملات العالم الرئيسية كاليوريو والين، استمر الريال على سعر صرفه ولم يتغير طوال كل هذه السنوات. وبرزت في الصحافة والإعلام بشكل عام كثير من الإقتراحات والمطالبات لتغيير طريقة التسعير وجعلها مرتبطة بسلة عملات وليس فقط الدولار وذلك لتقليل التذبذب في أسعار السلع المستوردة من دول العالم غير أمريكا، كما ارتفعت أصوات تنادي برفع قيمة الريال أمام الدولار (مثلا 3 ريالات لكل دولار) وذلك لتخفيض أسعار السلع المستوردة والتي شهدت ارتفاعا بأسعارها خاصة في السبع سنوات الماضية. ومن الناحية النظرية فإن مؤسسة النقد قادرة تسعير الريال باليورو بدلا من الدولار، أو تسعيره بالين بدل الدولار ولن يؤثر ذلك تأثيرا حقيقيا على أرض الواقع ما دامت القيمة الشرائية للريال لم تتغير، كما أن المؤسسة قادرة على رفع سعر الريال أمام الدولار خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والفوائض الحكومية الكبيرة ووجود احتياطي ضخم من الدولار، وكل ما يتطلبه رفع قيمة الريال أمام الدولار هو قرار من مؤسسة النقد. ولكن يبقى السؤال: هل هذا في مصلحة الإقتصاد الوطني؟

الاحتياطيات المستثمرة في السندات الأمريكية

خلال السبع سنوات الماضية تراكم في خزانة الدولة مئات المليارات من الفوائض من عوائد النفط، وقامت مؤسسة النقد بتحويل غالبية هذه الفوائض في شراء السندات الأمريكية، وتشير تقارير المؤسسة أن المملكة تمتلك سندات بقيمة 1300 مليار ريال، والمؤسسة مستمرة في شراء سندات جديدة بشكل مستمر وبمعدل ما قيمته 20 مليار ريال شهريا، وهذا الرقم يمثل ضعف ما تصدره المملكة من نفط لأمريكا، حيث يتم تصدير حوالي 30 مليون برميل شهريا بقيمة 10 مليار ريال تقريبا، أي أننا عمليا نبيع كل نفطنا للولايات المتحدة الأمريكية مقابل سنداتهم ذات العوائد المنخفضة، حيث لا تزيد عوائد هذه السندات عن 3% وقد تقل عن 1% اذا كانت سندات قصيرة الأمد، وكان من الممكن مقايضة ما نبيعه من نفط لأمريكا بالتقنية الصناعية لتنمية الاقتصاد الوطني الذي نحتاجه بشكل ماس لخلق الوظائف وزيادة الإنتاجية والقدرة التصنيعية، ورغم أن كثيرا من دول العالم ذات الفوائض المرتفعة تستثمر في شراء السندات الأمريكية، إلا أن بعض هذه الدول ينوع في استخدام الفوائض، فبعض دول الخليج كالإمارات وقطر لديها صناديق سيادية تستثمر من خلالها في شركات ذات نمو جيد أو تقتنص الفرص الاستثمارية، خاصة وقت الأزمات، في المقابل نجد تخوفا شديد وتحفظا من مؤسساتنا المالية الحكومية في إطلاق أي صندوق سيادي حقيقي ينوع من استخدام الاحتياطيات الضخمة التي نمتلكها، حيث يسهم التنويع في زيادة العوائد وتوزيع المخاطر، كما أن الصناديق السيادية لها منافع سياسية كبيرة، فامتلاك حصص كبيرة في شركات مؤثرة في مختلف دول العالم يمثل قوة سياسية يمكن الإستفادة منها لخدمة مصالح الدولة، ولكن يبدو أن التعامل مع الاحتياطيات مشابه للتعامل مع تثبيت سعر صرف الريال، حيث يفضل المسؤولون الإبتعاد عن المخاطرة وتجنب تحمل مسؤولية الفشل وبالتالي لا يفكرون جديا في استثمار هذه الفوائض من خلال صناديق سيادية حقيقية.

آثار انخفاض قيمة الريال على الاقتصاد السعودي

في حال حدثت أزمة في الاقتصاد الأمريكي وانخفضت قيمة الدولار بشكل كبير أمام عملات العالم – 30% أو أكثر، ولم تغير مؤسسة النقد سعر صرف الريال أمام الدولار فإن ذلك سيكون له تأثيرات بعضها إيجابي وبعضها سلبي. فبمجرد انخفاض قيمة الدولار سترتفع أسعار السلع المستوردة من دول العالم – باستثناء أمريكا حيث لن يحدث تغير ملحوظ بحكم أنها تصدر سلعها بالدولار. كما سترتفع رواتب العمالة الوافدة بسبب تغير سعر الصرف، كل ذلك سيؤدي لتضخم يؤثر سلبا على المستوى المعيشي للمواطن الذي يعاني أصلا من ارتفاع التكاليف ولا يكاد دخله يكفيه لاحتياجياته الأساسية.

في المقابل هناك بعض الإيجابيات المتوقعة من انخفاض القوة الشرائية للريال، حيث من المرجع أن ترتفع أسعار النفط بالدولار وبالتالي ترتفع العوائد الحكومية، كما أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة وانخفاض أسعار السلع الوطنية المصدرة للخارج سينشط الإنتاج الصناعي المحلي، وسيدفع بمزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، حيث أن كثيرا من الصناعات غير مجدية حاليا بسبب انخفاض تكاليف الاستيراد. هذا النمو الصناعي سيفتح المجال لخلق عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية ذات القيمة العالية ويسهم في تقليل أزمة البطالة التي نواجهها.

أما لو قررت مؤسسة النقد مواجهة انخفاض قيمة الدولار برفع سعر صرف الريال أمام الدولار (على سبيل المثال 3 ريالات لكل دولار). فإن أول آثاره هو انخفاض عوائد الدولة (بالريال السعودي) من مبيعات النفط وزيادة الضغط على خزينة الحكومة، كما أن رفع قيمة الريال سيؤدي لأضرار جسيمة على الصناعة المحلية، وذلك لأن أسعار السلع المستوردة ستنخفض مباشرة، وستزداد صعوبة التنافس مع هذه السلع أو الخدمات المستوردة من قبل المنتجين المحليين، كما سترتفع أسعار السلع الوطنية التي يتم تصديرها، ومن شأن ذلك أن يقضي على كثير من الصناعات المحلية ويقضي على أي أمل في زيادة حجم الإستثمار في المجالات الاقتصادية المنتجة. ويبقى الأثر الإيجابي الوحيد للمواطن وهو انخفاض تكلفة إستيراد السلع من أمريكا.

آثار انخفاض السندات الأمريكية على الإقتصاد السعودي

لو انخفضت قيمة السندات الأمريكية بسبب أزمة اقتصادية فهذا يعني أن القدرة الشرائية لكل الفوائض التي استثمرت في السندات الأمريكية ستنخفض بنفس المقدار، وذلك يعني أننا فوتنا الفرصة في استخدام فوائضنا لتستثمر بقنوات أكثر نفعا وأعلى عائدا، كاستثمارها في شراء التقنية أو شراء الشركات أو حتى لمجرد الإستهلاك، فلو كانت قيمة السندات التي نمتلكها حاليا – وتزيد قيمتها على 1300 مليار ريال – قادرة على شراء 8 ملايين سيارة لكزس من اليابان فإنها قد لا تشتري أكثر من 5 ملايين سيارة لو انخفضت قيمة السندات، ولو كنا قادرين بقيمة السندات الحالية أن نشتري كل أسهم شركة سوني وسامسونج ونستلة فإننا لو انخفضت قيمة السندات قد لا نستطيع شراء أكثر من شركة واحدة من هذه الشركات. لذلك فتأثير انخفاض قيمة السندات الأمريكية سيكون سلبيا على اقتصادنا ولا يوجد أي إيجابية هذا الإنخفاض على الإطلاق. وهذا برأيي هو أكبر ضرر سيتكبده الاقتصاد المحلي في حال واجه الاقتصاد الأمريكي أزمة اقتصادية تؤدي لانهيار عملته.

طريق الخروج من الأزمة

قد لا يتفق كل الاقتصاديين على مستقبل الدولار، فقد يقول بعضهم أن سقوط الدولار أمر مستحيل، وقد يقول آخرين – وهذا رأيي – أن سقوط الدولار أمر حتمي، ولكن أيا كان رأينا؛ هل من الحكمة أن نضع كل بيضنا في سلة واحدة؟ إن حدوث أي هزة في الاقتصاد الأمريكي تؤدي لانخفاض الدولار وانخفاض قيمة السندات سيكون لها أثر سلبي كبير على اقتصادنا المحلي، ولا يمكن أن نتجنب كل الآثار السلبية لهذه الصدمة، فمن المستحيل بيع كل السندات الأمريكية لأن ذلك بحد ذاته قد يتسبب في أزمة مالية تؤدي لانخفاض قيمة السندات، ولكننا على أقل تقدير قادرين على تخفيف أثرها للحد الأدنى، وأولى الخطوات الاحترازية لمواجهة أي أزمة محتملة هي التوقف عن شراء مزيد من السندات الحكومية الأمريكية، واستثمار كل فوائضنا في قنوات بديلة سواء كان ذلك عبر إنشاء صناديق سيادية للإستثمار في الشركات العالمية أو من خلال استيراد التقنية المتقدمة مرتفعة الثمن لتنشيط الإقتصاد المحلي المنتج. أما بالنسبة لسعر صرف الريال أمام الدولار في حال انخفض سعر الدولار بشكل كبير، فإن مؤسسة النقد قادرة على تغيير سعر الصرف بأي لحظة ورفع قيمة الريال لتجنب أي زيادة في التكاليف للسلع والخدمات المستوردة من أوروبا أو آسيا، ولكن ذلك سيؤثر سلبا على قدرة الصناعات المحلية على الإنتاج والتصدير، مما سيعيق التنمية في المجال الاقتصادي المنتج القادر على خلق الوظائف التي نحتاجها أمس الحاجة، حيث يدخل سنويا أكثر من 200 ألف مواطن لسوق العمل، ولن نستطيع أن نخلق ما يكفي من الوظائف إلا بنمو يزيد على 8% سنويا في القطاع الخاص، كما أن زيادة طاقتنا الإنتاجية ستسهم في سد الفجوة الكبيرة بين ما يستهلكه المواطن وما ينتجه، حيث يستهلك المواطن السعودي أكثر من 3 أضعاف ما ينتج، وهو وضع غير مستدام ويجب التعامل معه عاجلا غير آجل. لذلك قبل أن نطالب برفع قيمة الريال لتخفيض أسعار السلع المستوردة يجب أن نسأل أنفسنا: هل فكرنا بالمستقبل؟ فبدل أن نرفع قيمة الريال ونكرّس الاقتصاد الريعي، يمكننا الإستفادة من انخفاض الدولار وعدم تغيير سعر صرف الريال، وبذلك نكون قد خطونا أولى خطواتنا في التحول للإقتصاد المنتج الذي سيضمن للمواطنين ولأجيال المستقبل حياة كريمة ومستوى معيشي مرتفع قابل للإستدامة سواء بقي لنا النفط أو لم يبقى.

(المقال منشور بجريدة اليوم)

مقالات متعلقة:

  1. الدولار… الكارثة المؤجلة…
  2. سعادة المحافظ حمد السياري.. كفى عبثا بثروات الوطن
  3. الأزمة المالية الأمريكية.. إلى أين؟