حصة العامل في السعودية الأدنى في العالم

يتحدد أجر العامل في الاقتصادات الرأسمالية – وهي النظام السائد في العالم حاليا – من خلال قوى العرض والطلب، حيث يبحث مالك الشركة – مالك رأس المال – عن أرخص يد عاملة تملك المهارات المطلوبة لكي تتمكن الشركة من الإنتاج. يذهب جزء من عوائد الشركة إلى مالك الشركة، والجزء الآخر يذهب إلى القوى العاملة – الموظفين. يتم إنفاق جزء من الدخل الذي يحصل عليه مالك الشركة لحسابه الخاصّ، أمّا الجزء الآخر فيتم استثماره لزيادة حجم الإنتاج وذلك بهدف زيادة أرباح صاحب رأس المال وعوائده. توسع الشركة وزيادة إنتاجها يعني أن هناك وظائف جديدة سيتم خلقها، وبالتالي هناك عدد جديد من القوى العاملة سيتم توظيفها. هذا السيناريو، لا يتم في شركة واحدة، ولا يقوم به شخص رأسمالي واحد، وإنما يقوم به المئات من الرأسماليين بالتزامن، يجنون الأرباح في شركاتهم، وينفقون جزءا منها لرفاهيتهم الشخصية، ويستثمرون جزءا آخر. لذلك، فإن حجم الطلب الكلي على العمالة سيرتفع، وبنفس الوقت سينخفض المعروض من العمالة، وهذا يدفع أجور العمال للارتفاع.

ارتفاع أجور العمالة، وتقلص المعروض من اليد العاملة، يؤدي لتقلص الأرباح التي يحصل عليها الرأسمالي، ويصبح التوسع المعتمد على اليد العاملة غير مُجْدٍ، لأن ذلك سيؤدي لمزيد من الارتفاعات في الأجور ومزيد من الانخفاض في الأرباح. فما هو الحل؟ الحل هو رفع إنتاجية اليد العاملة من خلال الاستثمار في الأتمتة والمعدات أو التدريب والتعليم، أو زيادة إنتاجيته من خلال الإبداع والابتكار لتطوير تقنيات جديدة ترفع من إنتاجية تلك الشركات وتقلل اعتمادها على اليد العاملة.

الشركات التي تبادر بالابتكار وزيادة الإنتاجية من خلال تطوير التقنية، ترتفع إنتاجية موظفيها، وبالتالي ترتفع هوامش أرباحها، هذا الارتفاع يسمح لها بالتوسع من جديد وتوظيف موظفين جدد برواتب أعلى (لأنها أصبحت تربح أكثر وتنتج أكثر لكل موظف).

هذه العلاقة بين رأس المال والموظف تحفز النمو الاقتصادي وترفع الدخل الحقيقي للجميع. والقوة التفاوضية في هذه الحالة تكون متوزعة بين الطرفين، ولذلك فإننا نجد أن حصة العمال من الدخول في غالبية دول العالم شبه مستقرة على مدى عشرات السنين، حيث يذهب – كمعدل – حوالي 60% من الدخل الصافي للعاملين، وتذهب البقية – 40% – لأصحاب رأس المال. ولكن هذه المعادلة تكسر إذا كان هناك قوة تفاوضية أكبر لدى مالك رأس المال، كما هو الحال في السعودية.

في السعودية، باب الاستقدام كان شبه مفتوح على مدى الثلاثين سنة الماضية – وما زال نسبيا مفتوح مقارنة بدول العالم، بالتالي، لا يعاني مالك رأس المال من الشح الذي يعانه ملاك رأس المال في دول العالم الأخرى. فمعروض العمالة بالنسبة له هو: كل سكان العالم، بينما في الدول الأخرى، معروض هو العمالة هم المواطنين. هذا الخلل الجسيم سمح لمالك رأس المال أن يفرض الأجر الذي يريده بدل أن تكون القوة التفاوضية لدى الطرفين، وهو السبب الذي دفع حصة العامل في السعودية أن تكون أقل بكثير من المعدلات العالمية، حيث أن حصة العامل في السعودية – في القطاع الخاص – لا تتجاوز 25% مقارنة ب 60% في بقية دول العالم.

كما أن وفرة العمالة الرخيصة المستوردة قتلت أي حافز حقيقي لمالك رأس المال أن يرفع من انتاجيته منشأته من خلال الأتمتة أو من خلال تدريب الكوادر العاملة. هذا التشوه في العلاقة بين مالك رأس المال والعامل يضاف له الاحتكارات الواسعة في قطاعات مختلفة من الاقتصاد، حيث تمنع تلك الاحتكارات من دخول شركات أخرى قد ترفع الطلب على العمالة وتتنافس في رفع الإنتاجية

تعليقات فيس بوك

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>