1000 مليار ريال… أين اختفت؟

بداية وددت أن أوضح أن المقال لا علاقة له بالفساد أو هدر المال العام، وإنما يتعلق بأحد أهم عناصر الاقتصاد في السعودية وهو سعر صرف العملة الذي يؤثر بشكل جوهري – وسلبي – على هيكل الاقتصاد وفرص نموه وعلى مستقبلنا جميعا، في المقال السابق أشرنا إلى أثر تخفيض سعر صرف الريال، وذكرنا أنه لو تم خفض سعر الصرف ليكون 7.5 ريال لكل دولار، فسترتفع عوائد الحكومة أكثر من 1000 مليار ريال، فبدل أن يكون الدخل حوالي 1000 مليار ريال كما هو الحال حاليا، ستصل إيرادات الحكومة لأكثر من 2000 مليار ريال. السؤال المطروح: أين اختفت الألف مليار تلك؟ فقد كان من الممكن أن تدخل هذه الأموال لخزائن الحكومة ولكنها عمليا انتقلت لعنصر اقتصادي آخر آخر. فما هو؟

الألف مليار التي استغنت عنها الحكومة من أجل رفع قيمة الريال ذهبت بشكل غير مباشر لدعم السلع المستوردة، فكل سلعة مستوردة انخفض سعرها – بالريال السعودي – خمسون بالمائة. فكأننا عندما نشتري أي سلعة مستوردة نحصل على دعم حكومي لتخفيض سعر هذه السلعة يخفض سعر السلعة إلى النصف، هذا الدعم للسلع المستوردة يكون على حساب السلع التي تنتج وطنيا، فكأن الحكومة تجبر المواطنين أو تحفزهم لشراء السلع المستوردة من خلال خفض سعرها بنسبة كبيرة وترك السلع المنتجة محليا لأن سعرها أعلى، وبالتالي تزداد صعوبة النمو في القطاع الصناعي لأن التنافس يصبح أصعب بكثير ومستحيلا في بعض الحالات، كما أن هذا الرفع لسعر العملي يفقد السلع المحلية قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، فتقل قدرتنا على تصدير منتجاتنا المحلية وبيعها في أسواق العالم.

بالإضافة لذلك، فإن أكبر مستفيد من هذا الدعم هم الأعلى دخلا، فمن ينفق سنويا مليون ريال لشراء السيارات الفاخرة أو المجوهرات، تدعمه الحكومة بما يوازي المبلغ الذي تم إنفاقه – أي مليون ريال، أما من ينفق 50 ألف ريال لشراء احتياجاته من السلع المستوردة فالدولة تدعمه بخمسين الف ريال فقط. لا أعتقد أنه من العدل أن يتم دعم الجميع بنفس المستوى لأن الأكثر ثراء لا يحتاج لهذا الدعم وقد ينفق أمواله في كماليات مستوردة ليس لها ضرورة حقيقية ولن تفيد الاقتصاد.

الألف مليار التي استغنت عنها الحكومة لدعم العملة ورفع قيمتها، قتلت قدرتنا على تنمية الصناعة المحلية، كما أنها تنفع الثري أكثر من الفقير أو متوسط الحال، هذا الخلل الهيكلي يمكن تفاديه بأقل الأضرار، لو أعادت الحكومة تخفيض سعر صرف العملة لتحفيز الإنتاج الصناعي المحلي، ودعمت رواتب الموظفين حتى تقلل من تأثير التضخم المتوقع لأسعار السلع المستوردة، رواتب موظفي الحكومة الإجمالية لا تتجاوز 260 مليار ريال، وإجمالي رواتب السعوديين في القطاع الخاص أقل من 60 مليار ريال، لو ضاعفت الدولة رواتب جميع موظفي الحكومة ودعمت رواتب موظفي القطاع الخاص فإن ذلك سيستهلك أقل من 330 مليار، بينما يتبقى للحكومة من الألف مليار أكثر من 670 مليار ريال يمكن استثمارها في القروض الصناعية واستثمارات البنية التحتية والتعليم التي ستمكننا من النمو بشكل أسرع وتضمن تحولنا من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج.

اذا تم خفض سعر العملة وتحويل فوائض الدخل للمواطنين فسيكون خيار الشراء للمواطن، بشراء المستورد أو المصنع محليا، ولن يكون هناك ميزة تنافسية للسلع المستوردة متمثلة بانخفاض سعرها بسبب سعر الصرف، كما أن المنتج المحلي سيكون قابلا للتصدير ومنافسة بقية المنتجات في العالم، كل هذا سيفتح الباب أمام عدد هائل من الصناعات المحلية التي ستصبح قادرة على التنافس الهيكل الجديد للاقتصاد.

مقالات متعلقة:

  1. كيف تُخلق النقود؟
  2. كيف يتم تحديد سعر صرف العملة؟
  3. لماذا وكيف يتم تثبيت سعر العملة أو ربطها بالدولار؟
  4. لماذا 3.75 ريال للدولار وليس أكثر أو أقل؟
  5. ماذا لو تم رفع سعر صرف الريال؟
  6. ماذا لو تم خفض سعر صرف الريال؟

تعليقات فيس بوك

20 thoughts on “1000 مليار ريال… أين اختفت؟

  1. شاكر الغنيم

    ابو عبد العزيز

    فيه نقطه أتمنى توضيحها من ناحية أننا بالأغلبية دولة مستوردة أكثر من أنها مصدرة في المنتجات الآتي تخص المستهلك بشكل خاص. و الذي يعني أننا سندفع الضعف لهذه المنتجات

    فيه دول سبقتنا في خطى مماثلة ولكن النتائج كانت غير واضحة إلى سلبية على سبيل المثال مصر اذا ماني مخطئ. تركيا عملت العكس و عدلت سعر عملتها.

    شكرا

    Reply
  2. مهند العيسى

    اخوي عصام …. اسمح لي اختلف معك في الرأي ١٠٠٪

    هذا المقال لو اللي كتبه امريكي يتكلم عن الاقتصاد الامريكي الان كان صار مناسب!!!!!

    عام ٢٠١٣ سيشهد حرب عملات بين الدول الكبرى لهذا السبب… أما اسقاطه على وضع السعودية فهو سلبي وعكسي الا اذا كنت تقصد ان يتم إيقاف تصدير النفط الخام تماماً وتفعل صناعات متطورة من بتروكيماويات وغيرها ونتحول لدولة صناعية كبرى لا تصدر النفط. اذا وصلنا لهذا المستوى وقتها ناقش خفض العملة ان شاء الله :)

    Reply
  3. عصام الزامل Post author

    اخوي مهند…

    اذا كان هدفنا الاعتماد على النفط (للأبد). فكلامك صحيح.
    لكن اذا اردنا الانتقال من دولة ريعية لدولة منتجة.. فيجب البدء الآن ومن خلال تحفيز النمو الصناعي. والنمو الصناعي يتأثر مباشرة بسعر العملة

    Reply
  4. عصام الزامل Post author

    أخوي شاكر…

    مصر (تدعم عملتها) يعني رافعة السعر. وهذا دمر اقتصادها وصناعتها.

    تركيا في عام 2001 خفضت سعر صرف عملتها بشكل كبير. ونما الاقتصاد بشكل استثنائي مثل ما تشوف.

    Reply
  5. عبدالله القحطاني

    أستاذ عصام الله يسامحك كلام غير منطقي ولا ينم عن دراية فلسفة أكثر من حقيقة هناك عرض وطلب والمبلغ الي ذكرته إذا ما أستفادت منه الدولة يستفيد منه المستهلك بالتوفير معنى ذلك أن الفرق أستفاد منه المستهلك يا حبكم للبربرة والإثارة .

    Reply
  6. احمد وصل الله

    ليت بعض الاخوة يطرح رأيه بأدب حتى لو كان غير متخصص , وجهة نظر الكاتب اقتصادية بحتة وهي صحيحة الا انه تجاهل العامل السياسي اذي في حال دولتنا مكبل ومقيد لدرجة الشلل نحن حتى سقاتنا اتسليحية مع امريكا تتم من خلال المجاملات والأستغفال المكشوف

    Reply
  7. القرشي

    ياليتك يا اخ عصام ما ترد على الي رده وقح وفيه كلمات تدل على مستواه المنحط
    ياليت الي بيعلقون على الموضوع يناقشون الفكرة وليس طارح الفكرة

    Reply
  8. فواز الفواز

    شكراً أخ عصام
    هناك لغط واضح لدى البعض بين بعدين ذات علاقة ، الأول أن الريال مثل أي عملة أخرى (أداة نقدية لتغيير أنماط العلاقة الاقتصادية) والثاني أن الريال يعيش ما يسمى بالعملة الوسيطة (Nomraire) بمعنى أن الدولار يقوم بدور العملة الحقيقية ولأسباب اقتصادية حقيقية بعيدة عن التبسيط بالعواطف (تسعير النفط، الاستقرار، ميزان المدفوعات، مركزية الدولار… الخ) الخلط بين هذين البعدين يخلق لبس في الفهم لدى البعض حتى من بعض الاقتصاديين الشجعان.
    مايحاول الأخ عصام طرحة حسب فهمي هو أن لدى الحكومة آلية من خلال سعر الصرف لإعادة هيكلة الاقتصاد وخاصة منظومة الدعم والعلاقة بين المواطن وغير المواطن والعلاقة بين الاسثمار والاستهلاك.

    فواز الفواز

    Reply
  9. علي الحربي

    عزيزي الاستاذ عصام
    مقال جميل ورآئع ، أدعوك للإطلاع على خطة ماليزيا الاقتصاديه 2020
    والذي قد يزيدك حسره ، العالم يتطور وللإسف نحن إن تطورنا فتطورنا
    يكاد لا يذكر.
    ‘ أقصد التطور الإقتصادي ‘

    Reply
  10. ماجد الراضي

    تعتمد الدول على نوعين في اقتصاداتها:
    النوع الاول وهو ان تخفض سعر العمله لتحقق التنافسية خارجين ودعم السلع المستوردة وهذ النوع تفضله الدول المعتمده كليين على الصناعه العادية مثل الصين والهند ودول متوسطه اخرى.
    ام النوع الثانيه هو فرض ضرائب على المستورد ودعم الصناعات المحليه لخلق وظائف وزيادت الرواتب ورفع مستوى المعيش والحفاظ على العمله نوعا ما مرتفعه وتحقيق الرفاه الاجتماعي لكل المواطنين لانها تعتمد على الصناعات النوعيه او المواد الطبيعية مثل دول اوربا وامريكا وكندا واستراليا.
    برائي وكما تفضلة استاذ عصام النوع الثاني يناسبنا لاننا نعتمد على النفط وهو مالايحتاج الى تنافسيه لانه يباع ببورصه عالميه لان ماينتج في نيجيريا سعر ماينتج بالنروج وبهذه الحاله نستطيع العمل على دعم المنتج المحلي يابدعمه او فرض ضرائب على المستورد ورفع الدعم الكلي ورفع الرواتب لفرع مستوى الرفاهيه والعدل الاجتماعي والاكتفاء الذاتي صناعين في المنتجات المتوسطه.
    النوع الثاني لا يمكن تطبقه هنا لعوامل كثيره واهمها ان التجار لايحبو هذا النوع و تزاوج المال بالسلطه وغياب النقابات العماليه والمؤسسات المدنيه وخلو الساحه للغرفه التجاريه (نقابة التجار) والتحكم بالاقتصاد وال١٠٠٠ مليار تذهب لجيوبهم لان الدعم يتجه لمنتجاتهم ولافاهيتهم.

    Reply
  11. اروى

    , ليس صحيح ميه في الميه لان كثير من المواطنين السعوديين يعملون اعمال حره كالمزارع لن يستفيد سيرتفع كل شي عليه من عمله الى قضاء حاجيات اهله فيكون هو الضيحة انا اقول يدعمون السلع الزطنية ويدفعون لها مثل مايدفعون للسلع المستوردة حتى مايخسر العامل الوطني وايضا المواطن

    Reply
  12. Fawaz alfawaz

    أخت أروى. كلامك صحيح و لكنها تفاصيل ، اردنا فقط إيضاح المبدأين العام و الجوهر . و لكن الجزيئات قد تتراكم و تصبح سيل جارف يغير عمليا ما قد يكون صحيح نظريا و هذة حقيقة الاقتصاد الكلي .

    Reply
  13. ابو هلال

    اخ عصام هذا الكلام سليم لو ان لدينا صناعة بديلة وتنافسيه تحل محل المستورد ونسبه المستورد قليلة اما السعودية جل حاجياتها مستوردة لو قمت بعملية ترجيح سوف تجد انك خسرات المليارات بعملية تغيير الصرف

    Reply
  14. تركي العتيبي

    الاخ عصام الدول التي تخفض عملاتها هي الدول التي لديها صناعات كبيره وشامله وذات جودة يمكنها منافسة صناعات الدول الصناعية الكبرى اما دولة ناميه مثل السعوديه ليس لديها صناعات تحويليه وكل صناعاتها تجميع في تجميع ولو طبقوا نظريتك فلن يستفيد منها الا التاجر على حساب المستهلك الذي تسحقه هذه الخطه وتجعله يتكفف الناس وان كانت ذاكرتك قويه فقد كانت امريكا تضغط على حليفتها اليابان لكي ترفع قيمة عملتها حتى ارتفعت من ٢٢٠ ين للدولار حتى وصلت حالياً الى٧٠ ين للدولار فهل عندك في السعوديه صناعه تضاهي الصناعة اليابانيه التي استمرت حتى بعد رفع قيمة الين مقابل الدولار الجواب لا وستضل صناعتكم في مخازنها وهذا سيدمر اقتصاد البلد اما الان فان الدول الغربيه يضغطون على الصين لرفع قيمة عملتها لان صناعاتها اجتاحت اسواق العالم والصين تقاوم هذا الاجراء فهل لديك صناعه الصين وايدي عامله مثل اليد العامله الصينيه ونحن نعتمد على الايدي العامله الاجنبية الرخيصه وغير مؤهله
    والافضل ان تدعوا الى فك ارتباط الريال بالدولار وربطه بسلة عملات حتى تستقر الاسعار كمافعلت الكويت التي ربطت دينارها بالدولار ابان حرب الخليج عرفاناً بجميل امريكا عليها ثم اضطرت الى فك ارتباطه بالدولار واعادة ربطه بسلة عملات كالسابق فهل تعتقد من وجهة نظرك ان الاقتصاديين الكويتيين على
    مختصر القول من وجهة نظري لايستفيد من تخفيض العمله الا الدول الصناعية الكبرى القادره على المنافسه كامريكا التي دمرت اقتصاديات حلفائها في اوربا بتخفيض عملتها والصين واليابان ودول اوربا الصناعيه فاسمح لي بان اقتراحك لايخدم الا المصنعين الفاشلين في بلادنا فهي كلمة حق أُريد بها باطل

    Reply
  15. عصام الزامل Post author

    شكرا اخوي تركي.

    عدم وجود (صناعة) محلية هو بالضبط المشكلة التي يجب علاجها لتفادي إعتمادنا المطلق على النفط.

    وتخفيض العملة هو أحد الوسائل الرئيسية لتحفيز النمو الصناعي.

    Reply
  16. mansor

    السلام عليكم
    فكرة رائعة لا كن في دولة لها منتجات أم نحن فاتوقع إنها سيئة

    Reply
  17. إبراهيم

    أتفق تماماً مع الأخ تركي ..

    رفع العملة بينفعنا أكثر من وجهة نظري .. لأننا بعيدين كل البعد عن الدول الصناعية ..

    رفع سعر العملة .. بيخفض أسعار السلع .. وبيخفض أسعار السياحة الخارجية بشكل أكبر .. وهذا من وجهة نظري سيزيد من رفاهية المواطن بشكل كبير , وسيكون توزيع عادل للثروة ..

    وأفضل حل لتجاوز السلبيات هو أمرين:
    قوانين صارمة للحد من العمالة الرخيصة , وتحديد عدد محدد لها لكل منشأة , واشتراط أن تكون متدربة .. إضافة إلى إلغاء الاستيراد من الدول التي كثرت مشاكل عمالتها كبنقلادش وغيرها.
    الأمر الآخر , دعم الصناعة المحلية دعم لا محدود لتشجيعها والنهوض بها , وفي حال انتعشت الصناعة المحلية , وأصبحنا دول مصنعة , حينها نفكر في خفض سعر العملة كاليابان والصين!

    Reply
  18. ميم

    لو حدث وخفض سعر الريال فإن البلد فعلا ذاهب بسرعة هائلة للهاوية التي هو ذاهب اليها علي اية حال ولكن ببطء

    Reply

اترك رداً على عصام الزامل إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>