Monthly Archives: نوفمبر 2014

كيف تؤثر أسعار النفط على أسعار الأراضي؟

مع كل ارتفاع لأسعار النفط يبدأ تساؤل المواطنين عن مدى استفادتهم من هذه الطفرة، ويكاد يكون الرأي السائد بينهم أنهم لم يشعروا بأي أثر إيجابي لهذا الارتفاع، بل إن كثيرا منهم يعتقد أن هذه الارتفاعات كان لها أثر سلبي على المستوى المعيشي، حيث يترافق مع ارتفاع أسعار النفط ارتفاع في سعر السلع والخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع حاد في أسعار العقار وخاصة أسعار الأراضي.

قد تكون هناك زيادات طفيفة في مستويات الدخل للموظفين الحكوميين أو حتى موظفي القطاع الخاص مع كل طفرة نفطية، ولكن أثر هذه الزيادة يتوارى تماما أمام زيادات الأسعار الأخرى وخاصة أسعار العقار والأراضي. فمع كل طفرة نفطية تقفز أسعار الأراضي بشكل حاد، وفي الطفرة الأخيرة ارتفعت أسعار الأراضي خلال ثمان سنوات من ارتفاع أسعار النفط بنسبة تتجاوز 400%. فما هو تفسير هذه الزيادة في أسعار الأراضي مع كل طفرة نفطية؟

عندما ترتفع مداخيل الحكومة من النفط، ترتفع مستويات الإنفاق الحكومية، خاصة في المشاريع الاستثمارية الضخمة. ريع هذه المشاريع والتوسعات يستفيد منه بشكل أساسي ملاك الشركات في القطاع الخاص، خاصة قطاع المقاولات وبعض القطاعات الأخرى التي تستفيد من الإنفاق الحكومي. ينتقل جزء كبير من فوائض دخل النفط من الحكومة إلى التجار والمستثمرين. يبحث هؤلاء التجار عن قناة لاستثمار فوائضهم من الأرباح فلا يجدون أفضل من الأراضي كوعاء لحفظ ثرواتهم وتنميتها. فبدل أن يستفيد المواطن من الزيادة المحدودة لدخله في شراء الأراضي وبناء مسكنه، يزاحمه التجار الذين يبحثون عن قنوات لاستثمار أرباحهم المتزايدة مع كل زيادة في الإنفاق الحكومي، فترتفع أسعار الأراضي إلى مستويات جديدة تتجاوز قدرة المواطنين، ومع كل ارتفاع في أسعار الأراضي تزداد قناعة التجار بصواب خيارهم في حفظ ثرواتهم في تلك الأراضي فيستثمرون المزيد من فوائض أرباحهم في تلك الأراضي وترتفع الأسعار أكثر فأكثر. هذه الدوامة السلبية والضارة بالاقتصاد والمستهلك هي نتيجة مباشرة لوضع سوق العقار والأراضي بالتحديد، حيث أن الوضع القائم الذي يسمح باحتكار الأراضي بدون تكلفة حقيقية على من يملكها، هو الذي يدفع أسعارها للارتفاع مع كل طفرة جديدة في أسعار النفط ومستويات الإنفاق الحكومي.

الآن ومع النزول الحاد في أسعار النفط، سيتقلص الإنفاق الحكومي على المشاريع وستقل السيولة المتوفرة في أيدي التجار، وبالتالي سيضعف الطلب على الأراضي من قبل التجار، ونتيجة لذلك ستنخفض أسعار الأراضي. قد يستغرق ذلك سنة أو سنتين من لحظة تقليص الحكومة لإنفاقها مع افتراض استمرار مستويات أسعار النفط على مستواها الحالي القريب من 70 دولارا، وحتى لا تعاد الكرة من جديد مع الطفرة القادمة يجب إصلاح السوق من جذوره وسن قوانين تمنع الاحتكار، وعلى رأس تلك القوانين قانون فرض رسوم الأراضي.

ضربة غير متوقعة لأسعار العقار

كانت أسعار النفط هي العنصر الرئيسي في التأثير على أسعار العقار، سواء الأراضي أو الوحدات السكنية. حيث أن العلاقة تكاد تكون مباشرة بين ارتفاع سعر النفط أو انخفاضه وبين ارتفاع أسعار العقار وانخفاضها ، وقد سمح بذلك وجود بيئة تسمح باحتكار الأراضي وتحوّل الأراضي إلى وعاء استثماري لكثير من الفوائض المالية لرجال الأعمال والمستثمرين، وكانت النتيجة أننا وصلنا إلى وضع لا يمكن معه هبوط الأسعار إلا بانخفاض أسعار النفط أو بكسر الاحتكار من خلال أدوات مختلفة أهمها فرض الرسوم.

ولكن جاء ضيف جديد غير متوقع دفع بأسعار العقار للانخفاض، حيث أعلنت مؤسسة النقد في اللائحة التنفيذية لأنظمة التمويل العقاري أن الحد الأقصى لنسبة التمويل للمستهلك لا يمكن أن تتجاوز 70% من قيمة المسكن، هذا يعني أن على المقترض أن يوفر 30% من قيمة المسكن نقدا. وسيبدأ تطبيق القرار ابتداء من هذا الشهر. هذا القرار سيضعف القوة الشرائية للوحدات السكنية بشكل كبير. وسيضطر المطورون إلى تخفيض الأسعار. وقد بدأ الانخفاض فعلا حيث انخفضت أسعار كثير من الوحدات السكنية بنسب تصل إلى خمسة بالمائة، وقد يستمر الانخفاض ويصل إلى أكثر من 15% على المدى القريب. أما الأراضي فلن يطالها تأثير القرار إلا بعد فترة أطول.

هدفت مؤسسة النقد من قرارها لحماية القطاع المالي من الانكشاف في حالة حدوث هبوط حاد في أسعار العقار، وهو قرار صائب برأيي، حتى لا نتعرض لما تعرضت له بعض الدول الغربية قبل سنوات. ولا أعتقد أن القرار سيكون له أثر سلبي على المستهلك، لأن أسعار الوحدات ستنخفض للتناسب مع مستويات القوة الشرائية الجديدة. أما المطورون فسيتأثرون بشكل سلبي دون شك. وكنا نتمنى أن يكون الضرر الأسرع والأكبر على محتكري الأراضي وليس على مطوري الوحدات السكنية. حيث أن المطورين يقدمون قيمة مضافة حقيقية على عكس محتكري الأراضي، الذين يجنون أرباحهم من دون أي منفعة حقيقية للاقتصاد أو  للمواطنين.

لماذا انخفضت أسعار النفط؟ وأين تتجه؟

خلال أقل من أربعة أشهر انخفضت أسعار النفط أكثر من 25%. فبعد أن كان سعر برميل النفط 115 دولار في شهر يونيو انخفض لأقل من 85 دولار في شهر أكتوبر. ذهبت التفسيرات لهذا الانخفاض في اتجاهين رئيسين، البعض أرجع هذا الانخفاض لأسباب اقتصادية بحتة والبعض الآخر فسر هذا الانخفاض بأنه متعمد، لأسباب سياسية بهدف إضعاف اقتصاد بعض الدول.

من الصعب جدا أن يثبت أي محلل بشكل قطعي وجود أسباب سياسية خلف الانخفاضات الأخيرة لأسعار النفط، في المقابل فهناك مؤشرات اقتصادية واضحة وكافية لتفسير انخفاض الأسعار، يأتي على رأسها تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي للفترة القادمة، فضعف النمو للاقتصاد العالمي سيعني انخفاض النمو في الطلب على النفط، حيث توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على النفط لهذه السنة بمعدل 700 ألف برميل يوميا، بانخفاض 200 ألف برميل عن توقعها السابق.

بالتوازي مع انخفاض الطلب، كانت هناك زيادات كبيرة في المعروض، حيث ارتفع معروض النفط لهذه السنة مقارنة بالسنة الماضية بحوالي 2 مليون برميل، جزء كبير من هذه الزيادة جاء من خارج منظمة أوبك وبالتحديد من أمريكا، حيث تجاوز انتاجها من النفط 8.8 مليون برميل في سبتمبر بزيادة 13% عن العام الماضي، وبأجمالي زيادة بأكثر من 50% للثلاث سنوات الماضية، والفضل بهذه الزيادة يعود لتزايد انتاج النفط الصخري. كما كانت هناك زيادات في الإنتاج حتى بين بعض دول أوبك، حيث ارتفع الإنتاج الليبي خلال هذه السنة من 200 ألف برميل إلى 900 ألف.

العوامل الاقتصادية السابقة كافية لتفسير الانخفاض في أسعار النفط، ولكن هل سيستمر هذا الانخفاض أم أن الأسعار وصلت لحدها الأدنى؟ من يعتقد أنها وصلت لحدها الأدنى يشير إلى ارتفاع تكلفة انتاج النفط الصخري، وأن مستويات أقل من الأسعار الحالية ستعني تباطؤ الاستثمار في حقول جديدة لهذا النفط عالي التكلفة. ولكن الحقائق بخصوص انتاج النفط الصخري تتغير بشكل متسارع وسنوي، فتقنيات الإنتاج تطورت بشكل ملحوظ خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث ارتفعت نسبة الإنتاج في بعض تلك الحقول بفضل التقنيات الجديدة بأكثر من 300%، كما أن التوسع في الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالنقل والتخزين رفعت من جدوى الاستثمار، وحسب دراسة لوكالة الطاقة الدولية فإن أقل من 4% من انتاج النفط الصخري في أمريكا يحتاج أسعارا فوق 80 دولار، وتشير تقديرات أخرى أن انتاج النفط الصخري في أمريكا لن يتأثر على المدى المتوسط ما دامت الأسعار فوق 70 دولار. وهذا الرقم مرشح للانخفاض مع تطور تقنيات الإنتاج. يبدو أن النفط الصخري في أمريكا مثل المارد الذي خرج من قمقمه وليس له نية أن يعود، وسيستمر تأثيره وضغطه على الأسعار خلال السنوات القادمة.

انخفاض الطلب بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي، وارتفاع المعروض بسبب عودة الإنتاج لبعض الدول وارتفاع الإنتاج في أمريكا، كلها عوامل كافية لخفض الأسعار، ولا يبدو أن التفسيرات السياسية قادرة على الصمود أمام كل تلك العوامل الاقتصادية. من الراجح أن نشهد استمرارا لانخفاض الأسعار، ولكن من المستبعد أن تنخفض الأسعار لأقل من 70 دولار في المدى القصير.