Monthly Archives: يونيو 2014

مجلس الشورى وقانون زكاة الأراضي

استبشر المواطنون بقرار مجلس الشورى الأخير بالموافقة على مشروع نظام جديد للزكاة يشمل جباية الزكاة على الأراضي البيضاء. هذا القانون الذي طال انتظاره، هو مفتاح حل أزمة الإسكان من خلال كسر احتكار الأراضي البيضاء. فجميع المبادرات والمشاريع التي تم تنفيذها حتى الآن فشلت في تقليل الارتفاعات الحادة في أسعار الأراضي، والتي حرمت غالبية المواطنين من امتلاك مسكن، ليس لسبب اقتصادي هيكلي، ولكن لأن أقلية من الناس قررت أن تستخدم تك الأراضي كوسيلة لاكتناز وتنمية ثرواتهم.

ورغم أن القرار يعتبر مؤشرا إيجابيا على قرب صدور النظام إلى أنه ليس نهاية المطاف. فتنفيذ القانون مرهون بموافقة مجلس الوزراء. وتأثير القانون على أرض الواقع سيبدأ لحظة إعلانه من قبل مجلس الوزراء، وسيكون هناك انخفاضات حادة حتى قبل البدء بتنفيذ القانون، فصدور القانون بشكل رسمي كفيل بدفع كثير من ملاك الأراضي في التخلص من أراضيهم قبل أن تبدأ الجباية الفعلية للزكاة أو الرسوم.

كما أنه من المهم معرفة تفاصيل القانون، حتى لا تكون هناك ثغرات تسمح باستمرار احتكار الأراضي وتضمن نهاية لاستخدام الأراضي كوسيلة لاكتناز الثروة وتنميتها، وإنما تحويلها لسلعة يشتريها من يرغب في بنائها أو تطوريها سواء كان المستهلك النهائي أو مستثمر في المجال العقاري.

صدور القرار من مجلس الوزراء وضمان فعاليته، سيكون أحد أهم القرارات الاقتصادية في الثلاثة عقود الماضية، وسيؤدي لتحولات إيجابية كثيرة جدا، كما سيؤدي لارتفاع دخل الفرد الحقيقي من خلال انخفاض أسعار الإيجارات وأسعار التملك، بالإضافة إلى انخفاض محتمل في أسعار السلع والخدمات بسبب انخفاض أسعار إيجارات المحال التجارية.

العقار لن ينهار… إلا إذا.

تداول بعض الكتاب الاقتصاديين مؤخرا أنباء عن قرب انفجار فقاعة العقار، وأن أسعار الأراضي على وشك الانهيار، مطالبين المواطنين بمقاطعة شراء العقار والصبر حتى تنفجر الفقاعة وتصبح الأسعار في متناول الجميع. ليس من الواضح بالنسبة لي الأسس التي بنيت عليها تلك التوقعات. فارتفاع العقار وانخفاضه مرتبط بعاملين أساسيين، أسعار النفط وارتفاع مستوى الانفاق الحكومي. وكلا العاملين مرتبطين ببعضهما البعض أيضا. لا يوجد حاليا أي مؤشرات لانخفاض أسعار النفط ولا يوجد أي مؤشرات لتباطؤ الانفاق الحكومي على المدى المنظور.

لا يمكن مقارنة ما حدث من فقاعات عقارية بالعالم سواء في دبي او أمريكا او غيرها مع وضعنا في السعودية، فسبب تضخم الفقاعة وثم انفجارها في تلك الدول هو القروض البنكية المفرطة، والتي كانت تستخدم في شحن أسعار الوحدات السكنية من شقق ومنازل، الاختلاف بالسعودية أن الأزمة جوهرها احتكار مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء، جل هذه الأراضي تم امتلاكها من خلال المنح المجانية أو شراؤها – نقدا – بأسعار منخفضة قبل سنوات طويلة، ونسبة صغيرة جدا من تلك الأراضي هي التي يتداولها المضاربون وأغلبها على أطراف المدن وأغلب التداول نقدي وليس من خلال القروض البنكية. محتكرو الأراضي قادرون على الاحتفاظ بأراضهم لعقود أخرى، ولن يؤثر بهم أي تباطؤ محدود بالسوق أو انخفاض بسيط في الأسعار. فإذا كان ما يقصده الكتاب من انهيار متوقع هو انخفاض يتراوح بين 5-10% فهذا أمر ممكن وهو في نطاق التذبذب الطبيعي لأي سوق، أما إذا كانوا يقصدون عودة الأسعار لمستوياتها قبل عشر سنوات، أي انخفاض الأسعار أكثر من 70%، فهذا أمر غير متوقع إطلاقا في المدى المنظور، ولن يحدث إلا في حالة سن قوانين لحل المشكلة من جذورها وكسر الاحتكار، وأنجع وسيلة لذلك هو فرض الرسوم على الأراضي.

رغم ثقتي الكاملة بحسن نوايا تلك الأقلام التي أحسبها من الأقلام الوطنية التي تبحث عن مصلحة المواطنين، إلا أنني أعتقد أن توقعات انهيار أسعار العقار – بالإضافة لكونها غير صحيحة – فإن لها أثر عكسي، لأنها ستعمل كالمخدر المؤقت، ولا يختلف أثرها عما تفعله وزارة الإسكان من إعلانات تخديرية، دعوات المقاطعة لشراء الأراضي لن يكون لها أثر، لسبب بسيط، أن الشعب مقاطع من دون دعوات مقاطعة، فالغالبية العظمى من المواطنين غير قادرين على الشراء ابتداء، فنحن كمن يطالب الشعب بمقاطعة شراء سيارات البنتلي لأن أسعارها مرتفعة. تجار الأراضي يكفيهم القوة الشرائية لأغنى 5-10% من المواطنين لكي يمولوا احتياجاتهم السنوية الاستهلاكية والاستثمارية، وليسوا مضطرين لبيع المزيد من أملاكهم. وما دامت أسعار النفط مرتفعة، وما دام الانفاق الحكومي مرتفع، فالأسعار ستستمر في الارتفاع ولن تنفجر الفقاعة – إن جاز تسميتها بذلك – إلا بكسر الاحتكار من خلال فرض رسوم الأراضي.