Monthly Archives: أغسطس 2013

كيف يقاس حجم اقتصاد الدول؟

قوة الدول السياسية والعسكرية ومستوى رفاهية مواطنيها يرتبط بشكل مباشر بحجم اقتصاداتها، أمريكا تتربع على عرش أكبر الاقتصادات بالعالم، وتمتلك أكبر قوة عسكرية، ولها التأثير السياسي الأقوى في العالم، كما أن شعبها من أكثر شعوب العالم رفاهية. وتتسابق الدول في تنمية اقتصاداتها لتحسين مستوى معيشة مواطنيها ولزيادة تأثيرها العالمي. ولكن كيف يقاس حجم الاقتصاد في دولة معينة؟ وكيف يقاس مستوى إنتاجية الفرد ومستوى رفاهيته في دولة ما؟

أهم معيار اقتصادي لقياس حجم اقتصاد أي دولة هو "الناتج المحلي الإجمالي". والناتج المحلي الإجمالي هو إجمالي قيمة جميع السلع والخدمات النهائية التي ينتجها اقتصاد الدولة خلال فترة معينة. والمقصود بسلع وخدمات (نهائية) هي السلع والخدمات التي يتم استهلاكها فعلا وليس السلع او الخدمات التي تستخدم كوسيط في عملية إنتاج السلع. فلو اشترى مصنع سيارات حديدا بمئة مليون ريال ليصنع سيارات ستباع بالسوق بـ 400 مليون ريال. فإن الرقم الذي سيدخل الناتج المحلي هو الـ 400 مليون ريال، وليس الـ 100 مليون ريال التي تمثل قيمة الحديد الذي استخدم في صناعة السيارة.

الوسيلة الأشهر المستخدمة في حساب الناتج المحلي الإجمالي للوصول لإجمالي قيمة السلع والخدمات النهائية التي ينتجها الاقتصاد هي طريقة (المصروفات). بهذه الطريقة إجمالي الناتج المحلي يساوي الاستهلاك (استهلاك الافراد) زائد الإنفاق الحكومي زائد الاستثمارات زائد الصادرات بعد ذلك يتم خصم الواردات.

ومن خلال معرفة الناتج المحلي الإجمالي يمكن حساب الناتج المحلي للفرد. ولهذا فللرقم أهمية كبرى لأنه مؤشر مفيد لمعرفة مستوى الإنتاجية لمواطني تلك الدولة كما أنه مؤشر لمستوى رفاهية المواطنين. مع ملاحظة أن الناتج المحلي للفرد لن يعطي تصور حقيقي عن إنتاجية الفرد إذا كان اقتصاد الدولة ريعية. لأن غالبية دخل الدولة ناتج من سلعة لا ينتجها المواطنون وإنما يتم استخراجها وبيعها مباشرة من دون أن يكون للفرد دور مؤثر. كما أن الناتج المحلي للفرد يمكِّننا مع معرفة مستوى النمو الاقتصادي في دولة ما من خلال متابعة الرقم خلال ثلاثين سنة على سبيل المثال، خاصة إذا تم تصحيح الأرقام التاريخية لتعكس القوة الشرائية الحقيقية وتأخذ بالحسبان مستوى التضخم.

في المقالات القادمة، سأحاول تسليط الضوء على الناتج المحلي في السعودية، ومحاولة قياس الناتج المحلي للسعودية لو لم يكن النفط موجودا، كما سأقوم بتحليل مستوى النمو الحقيقي للناتج المحلي للفرد منذ بداية الثمانينات وحتى الآن. ومقارنتها بمستوى النمو والتنمية الاقتصادية في دول أخرى.

صفوة رأسمالنا البشري

لا يبني الأمم إلا عقول أبنائها، وما من دولة وصلت لمصاف الدول المتقدمة، إلا وكان أهم استثمار لها هو الاستثمار بالعقول والمعرفة. مشروع الملك عبدالله للابتعاث أحد أنجح المشاريع التعليمية – برأيي – والتي ستسهم في زيادة وتطوير رأسمال المال البشري. لأن كثيرا من جامعاتنا تحتاج سنوات طويلة حتى تواكب جامعات العالم في ناحية المستوى وجودة المخرجات. كما أن عدد المقاعد الدراسية في جامعاتنا للتخصصات المهمة مثل الهندسة والطب وغيرها لا تتناسب مع احتياجات اقتصاد يحاول النمو والتحول لاقتصاد منتج ومستدام ولا يعتمد على عوائد النفط.

ورغم أن برنامج الابتعاث يعتبر خطوة إيجابية جدا، إلا أن الاستفادة يمكن أن تكون أكبر إذا تم التركيز على الكيف أكثر من الكم، فبالإضافة إلى أن كثيرا من المبتعثين يفشلون في إكمال البعثية لسوء التحضير وسوء مخرجات التعليم العالي، فإن من يكمل البعثة قد يتخرج من جامعات متدنية المستوى. وقد تكون استفادته الرئيسية هي إتقان اللغة الإنجليزية وليس حمل المعرفة القادرة على إثراء الاقتصاد وبناء مستقبل البلد.

فحسب أحد الدراسات، فإن نسبة المبتعثين السعوديين الذين يدرسون في جامعات النخبة (كهارفارد، وأوكسفورد، وستانفورد) قليل جدا مقارنة ببقية الدول التي تبتعث بكثرة للخارج مثل الصين والهند. حيث لا تتجاوز نسبة السعوديين في جامعات النخبة 0.52%. أي أنه من بين كل 200 مبتعث هناك مبتعث واحد يدخل لأحد جامعات النخبة. مقارنة بأكثر من 2.7% للمبتعثين من الهند وأكثر من 5.31% للمبتعثين من الصين.

يجب على القائمين على برنامج الابتعاث ومسؤولي الحكومة أن يرسموا خطة استراتيجية لزيادة أعداد الخريجين من جامعات النخبة بالعالم. فهؤلاء سيشكلون نواة مهمة في رسم المستقبل وبنائه، ويجب أن يكون هناك محفزات جاذبة تغري مزيدا من الطلبة للعمل من أجل دخول أحد هذه الجامعات، ويمكن استخدام الحافز المادي المباشر، كدعم حكومي لمرتبات خريجي هذه الجامعات بعد عودتهم بنسبة 30% أو 50% أو حتى أكثر مع ضمان وظيفة بحد أدنى من الراتب في القطاع الحكومي لا يقل راتبها عن 25 ألف ريال مثلا في حال لم يجد وظيفة في القطاع الخاص. وبذلك سيعرف من يعمل جاهدا لدخول هذه الجامعات والتخرج منها أن هناك مردودا واضحا لمجهوده وسيقاتل كثير من الشباب في وقت مبكر من أجل الاستعداد والتحضير للحصول على قبول في هذه الجامعات والتخرج منها.