Monthly Archives: يناير 2013

لماذا وكيف يتم تثبيت العملة أو ربطها بالدولار؟

في المقالين الماضيين تحدثنا عن كيفية خلق النقود وعلاقته بالتضخم في أسعار السلع والخدمات وعلاقته بالانتاجية، ثم في المقال الثاني قدمنا شرحا مبسطا عن آلية تحديد سعر صرف العملة مقابل بقية العملات والتي تشبه لحد ما آلية خلق النقود، حيث أنها ايضا تؤثر بشكل مباشر بتكلفة استيراد السلع والخدمات والقدرة على تصديرها، في هذا المقال سنلقي الضوء على آلية تثبيت العملات أو دعمها والتي عادة ما تكون من خلال ربطها بالدولار أو بسلة عملات.

الأصل في تحديد سعر صرف العملات هو ترك آليات السوق والعرض والطلب لتقوم بدورها الذاتي في تحديد سعر الصرف، والذي كما ذكرنا سابقا يتأثر بشكل كبير بميزان المدفوعات لكل دولة وعلى التوقعات الاقتصادية والنمو لكل دولة، ولكن في كثير من الأحيان تقوم الدول بالتدخل في تحديد صرف عملتها لأسباب مختلفة، كما أن بعض الدول تقوم بتثبت سعر الصرف أمام العملات الأخرى كالدولار ولا تترك أي هامش حركة لسعر صرف العملة.

أسباب تدخل الدول في سعر الصرف لا يخرج غالبا عن ثلاثة أسباب، الأول هو ضمان الاستقرار الاقتصادي والاستثماري وبالتالي جذب الاستثمار الأجنبي وتقليل التذبذب بالأسعار بالنسبة للمواطنين، السبب الثاني هو تقليل اسعار الواردات حتى يتمكن المواطنون من شراء السلع الأجنبية بسعر معقول، ولكن ذلك يؤثر سلبيا على قدرة المنتجين المحليين في منافسة السلع الأجنبية وبالتالي تفشل كثير من الصناعات المحلية في النمو بسبب هذا الرفع في سعر صرف العملة المحلية، أما السبب الثالث فهو تقليل تكلفة الصادرات، حتى تضمن الدولة أن صناعاتها قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية وبالتالي قادرة على الاستمرار في النمو الصناعي، ولكنها في المقابل، فإن ذلك يرفع من أسعار السلع المستوردة ويقلص من قدرة المستهلكين على شراء السلع الأجنبية.

آليات تثبيت سعر الصرف لا تختلف كثيرا عن آليات تثبيت أسعار السلع التي تعتمد على قوى العرض والطلب، فعندما تقوم الدولة بتثبيت العملة بأكثر من قيمتها الحقيقية – بغرض تقليل اسعار الواردات، فإنها تفعل ذلك من خلال ضمان سعر الشراء بسعر محدد، فكلما زاد المعروض من عملة هذه الدولة وتشكل ضغط سلبي عليها، تقوم الدولة بحملة شراء لعملتها أو تضمن لكل من يشتريها أن تقوم هي من جهتها بشراء العملة بالسعر الذي حددته، هذا السلوك مكلف جدا، فكلما تدخلت الدولة لشراء عملتها فإنها تستخدم احتياطياتها الأجنبية – كالدولار – لشراء عملتها، وكلما انخفض مخزونها من العملات الأجنبية فإن قدرتها تضعف على التدخل لتثبيت سعر عملتها. وهذا تقريبا ما يحدث في بعض الدول مثل مصر التي تضطر بشكل مستمر للتدخل حتى لا ينخفض سعر الصرف بشكل كبير، أما في الدول التي تقيّم عملتها بأقل من قيمتها الحقيقية، كالصين واليابان، فإنها تقوم بشكل مستمر بزيادة المعروض من عملتها وشراء العملات الأخرى – عادة تشتري الدولار – زيادة المعروض يقلل الطلب على العملة وبالتالي تنخفض العملة، تقوم اليابان والصين بذلك بشكل مستمر حتى تضمن أن أهم أسواقها – كالسوق الأمريكي – تستمر في الشراء من صادراتهما، ولذلك نجد أن اليابان والصين هما أكبر دولتين دائنتين لأمريكا ومجموع ما اقترضته أمريكا من تلك الدولتين يزيد على 2 ترليون دولار.

أما في السعودية فتثبيت العملة له وضع مختلف، فهو عمليا مقيّم بأقل من قيمته الحقيقة فيما لو ترك لقوى السوق تحديد سعره، ولكن في المقابل قوة العملة نابعة من قدرة الدولة في إنتاج النفط، وليست نابعة من القدرة الإنتاجية الحقيقية، وبالتالي فيمكننا القول أيضا أن سعره أعلى مما يجب، وسنتحدث بإسهاب في المقالات القادمة عن سعر صرف الريال وتأثيره على الاقتصاد السعودي والمواطن.

 

مقالات متعلقة:

  1. كيف تُخلق النقود؟
  2. كيف يتم تحديد سعر صرف العملة؟

كيف يتم تحديد سعر صرف العملة؟

في المقال الماضي سلطنا الضوء على خلق النقود وكيفيته وعلاقته بالتضخم في أسعار السلع والخدمات وارتباط قدرة الحكومات على خلق النقود بحجم الاقتصاد والانتاج وليس باحتياطي الدولة من الذهب مثلا. وفي هذا المقال سنتكلم عن سعر صرف العملة مقابل العملات الأخرى وعلاقته بالتبادل التجاري بين الدول وعلاقته بإنتاجية الدول، خاصة الإنتاج الصناعي.

هناك تشابه كبير بين آليات خلق النقود وتأثيرها على التضخم وبين سعر الصرف والتبادل التجاري بين الدول، فسعر صرف العملة يتأثر بشكل مباشر على حجم الطلب العالمي على تلك العملة، وحجم الطلب على العملة يعتمد على حجم إنتاج الدولة وما تصدره للعالم، فعندما تنتج اليابان سيارة وتبيعها لأوروبا بمائة ألف يورو، فهي تعلم أنها تستطيع استخدام المائة ألف يورو في شراء منتجات أخرى من الدول الأوروبية توازي قيمتها قيمة السيارة التي باعتها، فعندما ترتفع طاقة الدولة الانتاجية وبالتالي قدرتها على تقديم منتجات ذات قيمة يرغب بشرائها العالم فإن ذلك يعني أنها قادرة على شراء المزيد من العالم أيضا وهذا ينعكس مباشرة على قيمة العملة أمام بقية العملات، فعلى إفتراض أن كمية النقود من عملة معينة ثابتة لم تتغير، ولكن قدرة الدولة الإنتاجية ارتفعت وبدأت بتصدير مزيد من السلع أو الخدمات فإن العالم سيكون أكثر رغبة بشراء هذه العملة، لأنها عملة يمكن تحويلها لمنتجات ذات قيمة، وبذلك يرتفع سعر صرف العملة، وبالمؤشرات الاقتصادية يمكن قراءة هذه الحالة من خلال ميزان الحساب الجاري أو الميزان التجاري الذي يقيس الفارق بين حجم الصادرات والواردات، فإذا كان حجم الصادرات أكبر فهذا يعني أن هناك فائضا تجاريا، أما إذا كان حجم الواردات أكبر من الصادرات فهذا يعني أن هناك عجزا تجاريا.

في الحالات الطبيعية فإن العجز التجاري المستمر سيؤدي إلى ضعف العملة وبالتالي انخفاض سعر صرفها أمام بقية العملات، لأن الاستمرار استيراد سلع وخدمات أكثر مما تصدره الدولة سيعني زيادة وفرة عملة تلك الدولة في دول العالم وبالتالي هذه الوفرة – بناء على قوانين العرض والطلب – ستؤدي لانخفاض قيمتها أما بقية العملات. والعكس صحيح، فعندما يكون هناك فائض تجاري مستمر فإن السوق يدفع بتلك العملة للارتفاع. فكما هو الحال مع طباعة النقود للاستخدام المحلي التي ترفع التضخم، فإن زيادة عرض النقود واستخدامه لاستيراد السلع سيضعف من العملة وبالتالي ترتفع أسعار الاستيراد. في المقالات القادمة سنتحدث عن تأثير ارتفاع العملة على الاقتصادات بشكل أكثر تفصيلا وكيف يتم تثبيت العملات وماهو تأثير هذه القرارات الاقتصادية.

مقالات متعلقة:

كيف تُخلق النقود؟

من الأسئلة الاقتصادية التي تراود بعضنا في صغره: كيف تُخلق النقود؟ ومن أين تأتي؟ وبما أنها مجرد أوراق لا قيمة حقيقية لذاتها وكلفة طباعتها منخفضة، فلماذا لا تقوم الدولة بطباعة عدد لا نهائي من النقود وتوزعه على الناس، وكانت الإجابات تختلف وتختلف دقتها وصحتها، ولكن غالبيتها كانت إجابات خاطئة، فبعضهم كان يقول أن هناك جهة دولية تراقب طباعة النقود لكل دولة، ولا تسمح هذه الجهة الرقابية أن تقوم الدولة بطباعة ما تريد من نقود، وهذه الإجابة بكل تأكيد غير صحيحة، والإجابة الأخرى وهي أكثر منطقية تقول أن كل دولة تطبع من النقود بمقدار ما تملك من ذهب، فكل ورقة نقدية يقابلها كمية من الذهب تمتلكه الدولة، وهذه الإجابة غير صحيحة أيضا، فغالبية دول العالم ومن ضمنها السعودية ليس لديها من الذهب ما يكفي لتغطية قيمة النقود المتداولة من عملتها في السوق وقد تم فصل ارتباط العملات بالذهب لأغلب الدول منذ أكثر من 40 سنة. إذن على أي أساس يتم طباعة النقود وخلقها؟

دور النقود الأساسي هو أن تكون وسيلة سهلة لتبادل السلع والخدمات، وحتى يقبل الناس استخدامها للبيع والشراء فيجب أن تكون هناك ثقة بين الناس في قدرة هذه النقود على الشراء، وثقة بأن قيمة هذه النقود مستقرة نسبيا، حتى يتمكن المتداولون من استخدامها واعتبارها وعاء لحفظ القيمة، يستخدمها حاملها عند الحاجة، ولذلك فإن الحكومات، أو البنوك المركزية بالتحديد، تعمل من أجل استقرار قيمة عملاتها من خلال ضخ سيولة تتناسب مع حجم الاقتصاد وحجم النمو، فأي زيادة في ضخ النقد، والذي يتم من خلال وسائل فنية متعددة ليست محل الشرح في هذا المقال، ستؤدي إلى التضخم وفقدان النقد لقدرته الشرائية، واذا تجاوز ضخ السيولة المعدل المناسب قد يخرج الأمر عن السيطرة فتتناقص قيمة العملة بنسب ضخمة، كما حدث في زيمبابوي حيث وصل التضخم فيها أكثر من ستة آلاف مليار مليار (رقم 6 وبجانبه 21 صفر)، وتمت طباعة أوراق نقدية قيمة الواحدة منها 100 مليار، ما فعلته زيمبابوي هو تحقيق لما يفكر فيه كثير من الأطفال، قاموا بطباعة عدد لا نهائي من العملة، ووزعوه على المواطنين، ولكن فقدت العملة قيمتها بشكل كامل تقريبا، وفي عام 2009 تم التوقف عن استخدام عملتهم وبدأوا باستخدام عملات دول أخرى.

ولذلك فإن العملة يجب أن تخلق بشكل يتناسب مع حجم ما تنتجه الدولة من سلع وخدمات والذي يمكن معرفته بشكل تقريبي من خلال الناتج القومي للاقتصاد، وكلما ارتفعت الانتاجية ونما الناتج القومي كلما استطاع الاقتصاد استيعاب كميّات أكبر من النقود المتداولة من دون أن ترفع هذه الكميات من نسب التضخم بشكل كبير، في المقال القادم سأستكمل الحديث عن العملة والتبادل التجاري بين الدول.

الميزانية والسؤال الغائب

أعلنت وزارة المالية الميزانية الجديدة للعام المالي 1434\1435 بالاضافة للنتائج المالية للعام الحالي، وكما هو متوقع فقد ساهمت عوائد النفط إلى ارتفاع كبير إيرادات الدولة والتي وصلت لأكثر من 1,239 مليار ريال. وركزت ميزانية العام الجديد على الإنفاق في مجالات البنية التحتية والخدمات الحكومية كالتعليم والصحة والنقل.

الإنفاق الاستثماري في هذه القطاعات يمثل أهمية كبرى للمواطنين في ظل التزايد السكاني وتدني مستوى الخدمات في بعض هذه القطاعات، وأغلبها ضروري لا يحتمل التأخير، ولكن كل هذه المشاريع والاستثمارات ستشكل عبئا إضافيا في المستقبل على ميزانية الحكومة لأن تشغيلها لن يكون مجانيا، ومع كل مستشفى جديد وكل مدرسة جديدة فإن هناك موظفون ومصاريف تشغيلية ضخمة، وإذا كانت أسعار النفط الآن تسمح لنا بهذا الإنفاق الضخم، فهل ستستمر هذه الأسعار في العقد أو العقدين القادمين؟ خاصة مع تزايد إنتاج النفط في أمريكا الشمالية والذي يتنبأ كثير من المحللين أنه سيؤثر سلبا على أسعار النفط في العالم خلال الخمس سنوات القادمة.

المؤشرات الحقيقية التي ستبعث على التفاؤل ليس حجم الدخل من النفط، وليس حجم الإنفاق الحكومية على المشاريع، بل ما سيجعلنا نطمئن أن المستقبل الاقتصادي مستقر هو النمو في القاعدة الإنتاجية، فما زالت صادراتنا غير النفطية أقل بكثير من وارداتنا، والفجوة الحالية بين الصادرات والواردات يتم ردمها من خلال عوائد النفط التي لا يمكن ضمان استقرار أسعارها، كما أن الاستهلاك المحلي المتزايد يعمل على تآكل قدرتنا على تصدير النفط. وحسب الأرقام الواردة في بيان وزارة المالية الأخير فقد بلغت صادرات السلع غير النفطية 183 مليار ريال بزيادة 4%. أما الواردات فوصلت لـ 480 مليار ريال بزيادة 7%. وهذا يعني أن النمو في استهلاكنا للسلع المستوردة أكثر من النمو في انتاجنا للسلع المصدرة، والاستمرار على هذه الوتيرة من نمو الواردات السريع مقابل نمو أبطأ للصادرات سيزيد من الفجوة وسيكون من الصعب المحافظة على مستوى الرفاهية الحالي على المدى الطويل.

السياسة الاقتصادية يجب أن تتمحور على رفع القاعدة الإنتاجية وتنويع الاقتصاد، وبناء اقتصاد متين ومستدام لا يعتمد على أسعار النفط أو حجم تصديرنا له، أما المشاريع التنموية الوقتية فرغم أهميتها إلا أننا لا نريد أن نكون كمن يبني قصورا وسيعجز عن دفع فواتير الكهرباء لها في المستقبل.