Monthly Archives: أبريل 2012

مجزرة المانجروف

ما زالت الجرافات مستمرة في مذبحتها الجماعية لنباتات المانجروف وردم المنطقة البحرية الواقعة بين حي الشاطيء في الدمام الميناء. ورغم الأصوات الكثيرة التي طالبت بإيقاف عمليات الردم والتدمير البيئي لهذه المنطقة إلى أنه لا يوجد أي تجاوب من المسؤولين لإيقاف هذا المشروع الذي سيكون له تأثيرات سلبية لا حصر لها.

ففي الوقت الذي تولي الهيئات البيئية العالمية اهتماما خاصا لنبتة المانجروف المهددة بالإنقراض، نقوم نحن بلا أدنى مسؤولية بتدميرها والقضاء عليها عمدا. وفي دول مجاورة كالكويت يتم تدريس الأطفال عن أهمية هذه الشجرة وحثهم على زراعتها في السواحل لتحسين البيئة. فلهذه النبتة أهمية بالغة لأنها محور رئيسي للحياة الفطرة، فهي مأوى طبيعي للأسماك والكائنات البحرية ومنطقة مثالية لتكاثرها، حيث تأتي الأسماك الكبيرة للتزاوج وتترك بيضها على جذوعها لتفقس في مأمن، كما أنها تمثل المصدر الرئيسي لتوفير غذاء الروبيان. بالإضافة لذلك فهذه النبتة تعد مصنعا طبيعيا لإنتاج الأكسجين وترطيب الجو وعاملا مهما في مقاومة انجراف التربة من خلال عملها كمصدات للأمواج.

إشكالات ردم هذه المنطقة البحرية لا تقتصر على القضاء على نباتات المانجروف وتدمير البيئة البحرية، بل أنها ستتسبب في إزالة الواجهة البحرية التي تمثل امتداد لكورنيش الدمام والذي يمثل وجهة سياحية ومتنزها مهما لسكان المنطقة. والأهم من هذا كله أن كثيرا من القانونيين يشيرون لعدم شرعية امتلاك وتطوير هذه المساحات البحرية التي يفترض أن تكون ملكا مشاعا للجميع ولا تمنح لأفراد.

المنطقة التي سيتم ردمها مساحتها شاسعة جدا وقد تزيد على 10% من مساحة الدمام الاجمالية الحالية، ولا يوجد أي حاجة حقيقية لردم المنطقة والتوسع من تلك الجهة من المدينة، فنسبة الأراضي البيضاء غير المستغلة في الدمام حسب تصريح نائب الأمين تزيد على 60%. وهي تكفي الاحتياج السكاني لسنوات طويلة قادمة – بشرط أن يكسر الاحتكار بالطبع. كما أن الصحاري على مدى البصر في الجهة الأخرى من المدينة.

الأكثر إيلاما من كل هذا، أن كل هذا التدمير للبيئة والقضاء على المناطق السياحية ومخالفة القانون لن يكون له مردود حقيقي على المواطن العادي. فعلى الأرجح سيؤول حال هذا الحي الجديد لما آل عليه حي الشاطيء، حيث تزيد نسبة الأراضي غير البيضاء في حي الشاطيء على خمسين بالمئة من الحي، رغم أنه دفن منذ أكثر من عشرين سنة. وسيتبادل التجار شراء الأراضي فيما بينهم وستستمر معاناة المواطن. فحرمنا الأسماك من مأواها وسكنها، ولم نوفر للمواطن مكانا ليسكن فيها.

الهجرة لأمريكا… أرقام وحقائق

أمريكا هي الاقتصاد الأكبر في العالم، والأكثر ثراء ونموا في الثلاثين سنة الماضية، كما أنها تمثل للكثيرين نموذجا للانفتاح وتخالط الأجناس. ولذلك فهي من أكثر دول العالم جذبا لسكان العالم، وهي فعليا أكثر دولة غربية جذبا للمهاجرين. وهناك مئات الملايين – وخاصة من دول العالم الثالث – ممن يتمنون الهجرة لها ليكونوا جزءا من الحلم الأمريكي.

ورغم كل هذه الخصائص الجاذبة للهجرة لأمريكا إلا أنه وعكس الانطباع السائد فإن العدد الفعلي للمهاجرين لأمريكا لا يوازي عدد الراغبين بالهجرة لها، فنسبة عدد المهاجرين لا تتجاوز 13% من إجمالي عدد السكان الذي يزيد على 300 مليون. وخلال أكثر من 37 سنة لم يتجاوز عدد الوافدين الجدد لأمريكا 30 مليونا. فماهو سبب محدودية الهجرة لأمريكا رغم أن هناك مئات الملايين من الراغبين بالهجرة لها. ولماذا لم يتجاوز عدد المهاجرين لها 200 مليون على سبيل المثال بدلا من 30 مليون فقط، هذه المحدودية عائدة للقوانين الصارمة والاشتراطات التي تمنع الهجرة المفرطة، فالقانون الأمريكي يمنع أن يتجاوز عدد المهاجرين لأمريكا 700 الف سنويا، لأنهم يعلمون أن فتح الباب على مصراعيه للهجرة، سيتسبب في تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. فلا يمكن للشركات الأمريكية أن تستقدم الأجانب لمجرد أنهم أقل تكلفة من المواطن، كما لا يمكنهم استقدام أجنبي لأنهم يعتقدون أن المواطن كسول! في المقابل – عند الحديث عن وضع الاستقدام والتوظيف في السعودية – نجد من يجادل أن التوظيف مبني على الكفاءة وليس من العدل ولا من الحصافة الاقتصادية إجبار الشركات على توظيف المواطنين. وواقع الحال محليا يقول أن الباب شبه مفتوح على مصراعيه فيما يخص االاستقدام، ففي العام الماضي – وحسب ما أعلنته وزارة العمل – تم استقدام أكثر من 1.8 مليون وافد، 1.1 مليون للعمل في القطاع الخاص، والبقية كعمالة منزلية، أي أن عدد الوافدين للسعودية في سنة واحدة يوازي أكثر من ضعف العدد المسموح بدخوله في الولايات المتحدة، رغم أن عدد سكان أمريكا يمثل عشرة أضعاف عدد السكان في السعودية، كما أن حجم الاقتصاد الأمريكي أكبر من الاقتصاد السعودين بثلاثين ضعفا.

هذه الأرقام والاحصائيات يجب أن تستخدم كدلالة على أن منع الاستقدام والاعتماد على المواطنين هو الأصل، حتى في أكثر دول العالم انفتاحا وتحررها وقوة اقتصادية. فلا يوجد دولة مفتوحة الحدود لكل من أراد الهجرة لها والعمل فيها، حتى لو كان مؤهلا. ويجب أن يتم بناء كل استراتيجياتنا المحلية بناء على هذا الأساس، أن الأصل هو المواطن والاستثناء هو الاستقدام.

هل تركت أمريكا الصناعة؟

في كثير من الحوارات عن الشكل الأمثل للاقتصاد والاستراتيجيات المطلوب استخدامها للنهضة بالاقتصاد المحلي، يدور النقاش عن الصناعة والخدمات وفي بعض الأحيان عن ما يسمى "الاقتصاد المعرفي"، وكل طرف يعتقد أن أحد هذه الاتجاهات هي الأمثل والأفضل حتى ننهض باقتصادنا ونضمن استمراريتها ودوامه مع التزايد السكاني المضطرد وحتمية نضوب النفط أو عدم قدرتنا على تصديره بسبب الاستهلاك الداخلي في المستقبل القريب أو البعيد.

أحد الحجج التي يستخدمها مناصروا سياسة النمو الاقتصادي في مجال الخدمات و"الاقتصاد المعرفي" هي أن الاقتصادات المتقدمة تركت الصناعة واتجهت لقطاع الخدمي والمعرفي. ومن خلال قراءة واقع الأرقام في دولة مثل الولايات المتحدة يمكننا أن نستنتج أن هذه الحجة غير صحيحة، فحجم الإنتاج الصناعي في أمريكا يتجاوز 2 ترليون دولار (أي أكثر من 7 آلاف مليار ريال سعودي). وهذا الإنتاج الصناعي لأمريكا يمثل حوالي 20% من الإنتاج الصناعي العالمي. فكيف يمكن القول أن أمريكا تركت الصناعة؟

أما عند الحديث عن الصادرات الصناعية في أمريكا فتصل قيمتها لأكثر من 1.3 ترليون دولار. مقارنة بصادرات الخدمات التي لا تتجاوز 600 مليار دولار. أي أن الخدمات تشكل ما يقارب 30%، أما الصناعة فنسبتها حوالي 70% من الصادرات الأمريكية.

الجانب الآخر من حجة الداعين لدعم الخدمات هو حجم التوظيف، حيث يعتقد مؤيدوا القطاع الخدمي أن الوظائف تخلق بشكل أكبر في هذا القطاع. وهذه النقطة قد تبدو ظاهريا صحيحة، ولكنها في الواقع لا تعكس كامل الحقيقة. وذلك لأن الصناعة حتى لو كان عدد موظفيها أقل فإنها تؤدي لخلق العديد من الوظائف في قطاعات أخرى. وحتى نوضح ذلك بالأرقام، تشير أحد الدراسات الاقتصادية الأمريكية، أن كل وظيفة في قطاع صناعة السيارات في أمريكا تخلق أكثر من عشر وظائف في الإقتصاد بالمجمل. ويصل عدد الوظائف المرتبطة بصناعة السيارات بأمريكا لأكثر من 8 ملايين وظيفة. في المقابل، نجد أن إجمالي عدد موظفي أكبر اربع شركات تقنية وهي آبل ومايكروسوفت وجووجل وفيس بوك – التي قد تصنف كخدمات أو اقتصاد معرفي – لا يتجاوز 190 الف موظف.

باختصار، لا يمكن لأي اقتصاد حقيقي – خاصة في الدول الكبرى وذات الكثافة السكانية – أن لا تكون الصناعة هي العنصر الجوهري في اقتصاده. وحول هذه الصناعة يتم نسج بقية القطاعات. فلو قررت أمريكا أن تترك الصناعة وتتفرغ للخدمات أو "الاقتصاد المعرفي" فإن اقتصادها – حتما – سينهار، ولن يكون لعملتها أي قيمة.