Tag Archives: اقتصاد

الريال والدولار… زواج كاثوليكي أم طلاق وشيك؟

دقت الأزمة السياسية-الاقتصادية في أمريكا والمتعلقة بسقف الدين الأمريكي ناقوس الخطر، وذلك بعد أن كتمت أنفاس العالم حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت قرار الكونجرس بالموافقة على رفع السقف، وأججت الأزمة عدم اليقين بمستقبل الدولار والاقتصاد الأمريكي، كما دفعت الكثيرين للتساؤل عن مصير الاقتصاد السعودي والريال والمستوى المعيشي للمواطن، ومدى التأثر المتوقع في حال تفاقم الأزمة الاقتصادية في أمريكا وانهيار الدولار وانخفاض قيمة السندات الأمريكية، من خلال هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على جوانب مختلفة تتعلق بتأثير أي أزمة محتملة على الاقتصاد والمواطن السعودي.

مستقبل الاقتصاد الأمريكي

قد تكون الأزمة المتعقلة بسقف الدين أزمة سياسية أكثر من كونها أزمة اقتصادية، وقد استغلها السياسيون في أمريكا لتمرير أجندات حزبية، ولكن السبب الحقيقي الذي يجعل كثيرا من المحللين الاقتصاديين يؤمنون بحتمية حدوث أزمة اقتصادية في أمريكا في المستقبل القريب هو الأسلوب الذي قام عليه اقتصادها خلال الثلاثين سنة الماضية، فقد كانت أمريكا تعيش بأكثر من قدرتها، وذلك من خلال الإنفاق المفرط من الناحية الإستهلاكية، ويتضح ذلك من خلال العجوزات في ميزانها التجاري وميزانية الحكومة، فقد وصل العجز التجاري – وهو الفارق بين ما تستورده وماتصدره أمريكا من منتجات وخدمات– أكثر من 500 مليار دولار في 2010. أما العجز الحكومي فقد تجاوز 1 ترليون (1000 مليار) دولار، ولسد هذه العجوزات فإن على أمريكا أن تقترض من العالم لتستمر في هذا الإنفاق والإستهلاك المفرط، ولكن مع التراكم المستمر للدين الأمريكي والذي تجاوز حتى الآن 14 ترليون (14 ألف مليار) دولار فإن القلق بدأ يزداد بين الدول المقرضة وخاصة الصين واليابان ودول الخليج، وإذا توقفت هذه الدول عن شراء السندات الحكومية الأمريكية فهذا يعني يقينا أن الدولار ستنهار قيمته وسترتفع الفوائد في أمريكا بشكل كبير وقد تعلن أمريكا عجزها عن سداد الديون.

الارتباط بين الاقتصاد السعودي والدولار

الاقتصاد السعودي مرتبط بالاقتصاد الأمريكي والدولار من جهتين رئيسيتين، الأولى: سعر صرف الريال المثبت أمام الدولار، والثانية: الإحتياطيات الضخمة المستثمرة في السندات الأمريكية. وهناك خلط كبير عند الحديث عن ربط الريال بالدولار، فغالبا ما يقصد بذلك سعر الريال أمام الدولار وليس ربطه من ناحية أن احتياطياتنا أغلبها مستثمرة في السندات الأمريكية، حيث أن العملات تستمد جزءا كبيرا من قوتها من حجم الاحتياطيات من العملات أو السندات الأجنبية، لذلك فإن أهمية احتياطياتنا المستثمرة في الدولار (السندات الحكومية الأمريكية) أهم بكثير من الناحية المالية والإقتصادية من قضية تثبيت سعر صرف الريال أمام الدولار، حيث أن سعر الصرف أمر قابل للتغيير بسهولة من الناحية النظرية، أما السندات فمن الصعب جدا أو من المستحيل التخلي عنها فجأة.

ربط سعر صرف الريال بالدولار

منذ أكثر من 25 سنة وسعر صرف الريال مثبت أمام الدولار بقيمة 3.75 ريال لكل دولار، والسبب المنطقي الوحيد لهذا التثبيت الطويل الذي لم يتم تغييره أبدا هو بحث المسؤولين في مؤسسة النقد عن الإستقرار وخوفهم من المخاطرة لتجنب تحمل مسؤولية أي عواقب سلبية للتغيير، فرغم كل المتغيرات في عوائد الحكومة من انخفاض أو ارتفاع ورغم كل الموجات الاقتصادية التي مرت على العالم وعلى المملكة، ورغم التغير المستمر في سعر صرف الدولار أمام عملات العالم الرئيسية كاليوريو والين، استمر الريال على سعر صرفه ولم يتغير طوال كل هذه السنوات. وبرزت في الصحافة والإعلام بشكل عام كثير من الإقتراحات والمطالبات لتغيير طريقة التسعير وجعلها مرتبطة بسلة عملات وليس فقط الدولار وذلك لتقليل التذبذب في أسعار السلع المستوردة من دول العالم غير أمريكا، كما ارتفعت أصوات تنادي برفع قيمة الريال أمام الدولار (مثلا 3 ريالات لكل دولار) وذلك لتخفيض أسعار السلع المستوردة والتي شهدت ارتفاعا بأسعارها خاصة في السبع سنوات الماضية. ومن الناحية النظرية فإن مؤسسة النقد قادرة تسعير الريال باليورو بدلا من الدولار، أو تسعيره بالين بدل الدولار ولن يؤثر ذلك تأثيرا حقيقيا على أرض الواقع ما دامت القيمة الشرائية للريال لم تتغير، كما أن المؤسسة قادرة على رفع سعر الريال أمام الدولار خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والفوائض الحكومية الكبيرة ووجود احتياطي ضخم من الدولار، وكل ما يتطلبه رفع قيمة الريال أمام الدولار هو قرار من مؤسسة النقد. ولكن يبقى السؤال: هل هذا في مصلحة الإقتصاد الوطني؟

الاحتياطيات المستثمرة في السندات الأمريكية

خلال السبع سنوات الماضية تراكم في خزانة الدولة مئات المليارات من الفوائض من عوائد النفط، وقامت مؤسسة النقد بتحويل غالبية هذه الفوائض في شراء السندات الأمريكية، وتشير تقارير المؤسسة أن المملكة تمتلك سندات بقيمة 1300 مليار ريال، والمؤسسة مستمرة في شراء سندات جديدة بشكل مستمر وبمعدل ما قيمته 20 مليار ريال شهريا، وهذا الرقم يمثل ضعف ما تصدره المملكة من نفط لأمريكا، حيث يتم تصدير حوالي 30 مليون برميل شهريا بقيمة 10 مليار ريال تقريبا، أي أننا عمليا نبيع كل نفطنا للولايات المتحدة الأمريكية مقابل سنداتهم ذات العوائد المنخفضة، حيث لا تزيد عوائد هذه السندات عن 3% وقد تقل عن 1% اذا كانت سندات قصيرة الأمد، وكان من الممكن مقايضة ما نبيعه من نفط لأمريكا بالتقنية الصناعية لتنمية الاقتصاد الوطني الذي نحتاجه بشكل ماس لخلق الوظائف وزيادة الإنتاجية والقدرة التصنيعية، ورغم أن كثيرا من دول العالم ذات الفوائض المرتفعة تستثمر في شراء السندات الأمريكية، إلا أن بعض هذه الدول ينوع في استخدام الفوائض، فبعض دول الخليج كالإمارات وقطر لديها صناديق سيادية تستثمر من خلالها في شركات ذات نمو جيد أو تقتنص الفرص الاستثمارية، خاصة وقت الأزمات، في المقابل نجد تخوفا شديد وتحفظا من مؤسساتنا المالية الحكومية في إطلاق أي صندوق سيادي حقيقي ينوع من استخدام الاحتياطيات الضخمة التي نمتلكها، حيث يسهم التنويع في زيادة العوائد وتوزيع المخاطر، كما أن الصناديق السيادية لها منافع سياسية كبيرة، فامتلاك حصص كبيرة في شركات مؤثرة في مختلف دول العالم يمثل قوة سياسية يمكن الإستفادة منها لخدمة مصالح الدولة، ولكن يبدو أن التعامل مع الاحتياطيات مشابه للتعامل مع تثبيت سعر صرف الريال، حيث يفضل المسؤولون الإبتعاد عن المخاطرة وتجنب تحمل مسؤولية الفشل وبالتالي لا يفكرون جديا في استثمار هذه الفوائض من خلال صناديق سيادية حقيقية.

آثار انخفاض قيمة الريال على الاقتصاد السعودي

في حال حدثت أزمة في الاقتصاد الأمريكي وانخفضت قيمة الدولار بشكل كبير أمام عملات العالم – 30% أو أكثر، ولم تغير مؤسسة النقد سعر صرف الريال أمام الدولار فإن ذلك سيكون له تأثيرات بعضها إيجابي وبعضها سلبي. فبمجرد انخفاض قيمة الدولار سترتفع أسعار السلع المستوردة من دول العالم – باستثناء أمريكا حيث لن يحدث تغير ملحوظ بحكم أنها تصدر سلعها بالدولار. كما سترتفع رواتب العمالة الوافدة بسبب تغير سعر الصرف، كل ذلك سيؤدي لتضخم يؤثر سلبا على المستوى المعيشي للمواطن الذي يعاني أصلا من ارتفاع التكاليف ولا يكاد دخله يكفيه لاحتياجياته الأساسية.

في المقابل هناك بعض الإيجابيات المتوقعة من انخفاض القوة الشرائية للريال، حيث من المرجع أن ترتفع أسعار النفط بالدولار وبالتالي ترتفع العوائد الحكومية، كما أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة وانخفاض أسعار السلع الوطنية المصدرة للخارج سينشط الإنتاج الصناعي المحلي، وسيدفع بمزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، حيث أن كثيرا من الصناعات غير مجدية حاليا بسبب انخفاض تكاليف الاستيراد. هذا النمو الصناعي سيفتح المجال لخلق عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية ذات القيمة العالية ويسهم في تقليل أزمة البطالة التي نواجهها.

أما لو قررت مؤسسة النقد مواجهة انخفاض قيمة الدولار برفع سعر صرف الريال أمام الدولار (على سبيل المثال 3 ريالات لكل دولار). فإن أول آثاره هو انخفاض عوائد الدولة (بالريال السعودي) من مبيعات النفط وزيادة الضغط على خزينة الحكومة، كما أن رفع قيمة الريال سيؤدي لأضرار جسيمة على الصناعة المحلية، وذلك لأن أسعار السلع المستوردة ستنخفض مباشرة، وستزداد صعوبة التنافس مع هذه السلع أو الخدمات المستوردة من قبل المنتجين المحليين، كما سترتفع أسعار السلع الوطنية التي يتم تصديرها، ومن شأن ذلك أن يقضي على كثير من الصناعات المحلية ويقضي على أي أمل في زيادة حجم الإستثمار في المجالات الاقتصادية المنتجة. ويبقى الأثر الإيجابي الوحيد للمواطن وهو انخفاض تكلفة إستيراد السلع من أمريكا.

آثار انخفاض السندات الأمريكية على الإقتصاد السعودي

لو انخفضت قيمة السندات الأمريكية بسبب أزمة اقتصادية فهذا يعني أن القدرة الشرائية لكل الفوائض التي استثمرت في السندات الأمريكية ستنخفض بنفس المقدار، وذلك يعني أننا فوتنا الفرصة في استخدام فوائضنا لتستثمر بقنوات أكثر نفعا وأعلى عائدا، كاستثمارها في شراء التقنية أو شراء الشركات أو حتى لمجرد الإستهلاك، فلو كانت قيمة السندات التي نمتلكها حاليا – وتزيد قيمتها على 1300 مليار ريال – قادرة على شراء 8 ملايين سيارة لكزس من اليابان فإنها قد لا تشتري أكثر من 5 ملايين سيارة لو انخفضت قيمة السندات، ولو كنا قادرين بقيمة السندات الحالية أن نشتري كل أسهم شركة سوني وسامسونج ونستلة فإننا لو انخفضت قيمة السندات قد لا نستطيع شراء أكثر من شركة واحدة من هذه الشركات. لذلك فتأثير انخفاض قيمة السندات الأمريكية سيكون سلبيا على اقتصادنا ولا يوجد أي إيجابية هذا الإنخفاض على الإطلاق. وهذا برأيي هو أكبر ضرر سيتكبده الاقتصاد المحلي في حال واجه الاقتصاد الأمريكي أزمة اقتصادية تؤدي لانهيار عملته.

طريق الخروج من الأزمة

قد لا يتفق كل الاقتصاديين على مستقبل الدولار، فقد يقول بعضهم أن سقوط الدولار أمر مستحيل، وقد يقول آخرين – وهذا رأيي – أن سقوط الدولار أمر حتمي، ولكن أيا كان رأينا؛ هل من الحكمة أن نضع كل بيضنا في سلة واحدة؟ إن حدوث أي هزة في الاقتصاد الأمريكي تؤدي لانخفاض الدولار وانخفاض قيمة السندات سيكون لها أثر سلبي كبير على اقتصادنا المحلي، ولا يمكن أن نتجنب كل الآثار السلبية لهذه الصدمة، فمن المستحيل بيع كل السندات الأمريكية لأن ذلك بحد ذاته قد يتسبب في أزمة مالية تؤدي لانخفاض قيمة السندات، ولكننا على أقل تقدير قادرين على تخفيف أثرها للحد الأدنى، وأولى الخطوات الاحترازية لمواجهة أي أزمة محتملة هي التوقف عن شراء مزيد من السندات الحكومية الأمريكية، واستثمار كل فوائضنا في قنوات بديلة سواء كان ذلك عبر إنشاء صناديق سيادية للإستثمار في الشركات العالمية أو من خلال استيراد التقنية المتقدمة مرتفعة الثمن لتنشيط الإقتصاد المحلي المنتج. أما بالنسبة لسعر صرف الريال أمام الدولار في حال انخفض سعر الدولار بشكل كبير، فإن مؤسسة النقد قادرة على تغيير سعر الصرف بأي لحظة ورفع قيمة الريال لتجنب أي زيادة في التكاليف للسلع والخدمات المستوردة من أوروبا أو آسيا، ولكن ذلك سيؤثر سلبا على قدرة الصناعات المحلية على الإنتاج والتصدير، مما سيعيق التنمية في المجال الاقتصادي المنتج القادر على خلق الوظائف التي نحتاجها أمس الحاجة، حيث يدخل سنويا أكثر من 200 ألف مواطن لسوق العمل، ولن نستطيع أن نخلق ما يكفي من الوظائف إلا بنمو يزيد على 8% سنويا في القطاع الخاص، كما أن زيادة طاقتنا الإنتاجية ستسهم في سد الفجوة الكبيرة بين ما يستهلكه المواطن وما ينتجه، حيث يستهلك المواطن السعودي أكثر من 3 أضعاف ما ينتج، وهو وضع غير مستدام ويجب التعامل معه عاجلا غير آجل. لذلك قبل أن نطالب برفع قيمة الريال لتخفيض أسعار السلع المستوردة يجب أن نسأل أنفسنا: هل فكرنا بالمستقبل؟ فبدل أن نرفع قيمة الريال ونكرّس الاقتصاد الريعي، يمكننا الإستفادة من انخفاض الدولار وعدم تغيير سعر صرف الريال، وبذلك نكون قد خطونا أولى خطواتنا في التحول للإقتصاد المنتج الذي سيضمن للمواطنين ولأجيال المستقبل حياة كريمة ومستوى معيشي مرتفع قابل للإستدامة سواء بقي لنا النفط أو لم يبقى.

(المقال منشور بجريدة اليوم)

مقالات متعلقة:

  1. الدولار… الكارثة المؤجلة…
  2. سعادة المحافظ حمد السياري.. كفى عبثا بثروات الوطن
  3. الأزمة المالية الأمريكية.. إلى أين؟

كيف يفكر تاجر الأراضي؟

ما زالت أسعار الأراضي في ارتفاع مستمر وبنفس الوقت يظهر على هذه السوق نوع من الجمود، ويستغرب كثير من المحللين استمرار الارتفاعات بالرغم من عدم وجود حركة كبيرة للبيع والشراء، كما يختلف الناس في تحليلهم لآثار أي رسوم يمكن أن تسن في المستقبل على الأراضي البيضاء، وحتى نتمكن من تفسير هذه الظواهر والتنبؤ بنتائج أي قوانين مستقبلية يجب علينا أن نحلل سلوك تاجر الأراضي ونفهمه.

عندما يشتري تاجر الأراضي أرضا فإن هدفه الأول هو الإحتفاظ بها للأبد أو لأطول مدة ممكنة، ولا يبيعها إلا اذا احتاج النقد، فالأرض في نظره أفضل وسيلة لحفظ الثروات، خاصة أنها لا تأكل ولا تشرب ولو مرضت فهي لا تموت ولكنها دائما تكبر كما يردد دائما تجار الأراضي، لذلك فتاجر الأراضي يبيع من أراضيه بقدر ما يحتاج من نقد لتغطية مصاريفه الشخصية السنوية. فلو كان هذا التاجر يملك 100 ألف متر مربع من الأراضي البيضاء، ومعدل سعر المتر لأراضيه هو 700 ريال فهذا يعني أن القيمة الإجمالية لأراضيه هي 70 مليون ريال، ولو افترضنا أنه يحتاج لمصاريفه الشخصية السنوية 3 ملايين فإنه سيبيع من أراضيه حوالي 4300 متر مربع سنويا.

في أسواق السلع غير المشوهة وغير المحتكرة، عندما تزداد كمية الطلب تزداد كمية الشراء ويزداد السعر تبعا لذلك. ولكن المفارقة والحالة الإستثنائية التي تعيشها أسواق الأراضي في السعودية أنه كلما زاد الطلب زاد السعر وبنفس الوقت قلت كمية البيع، ولتوضيح السبب؛ لنرجع إلى مثال التاجر الذي يملك 100 ألف متر مربع، هذا التاجر يحتاج 3 ملايين ريال سنويا، فلو ارتفعت أسعار الأراضي وأصبح معدل المتر 900 ريال بدلا من 700 ريال، فإنه سيحتاج لبيع 3400 متر مربع فقط لتغطية نفس المبلغ الذي يحتاجه في الوقت الذي كان يحتاج لبيع 4300 متر عندما كان المعدل 700 ريال.

لذلك فإن ما يحدث حاليا هو أن تجار الأراضي لا يبيعون إلا لشريحة صغيرة جدا من المواطنين لديها دخل مرتفع جدا وقادرة على شراء الأراضي بالأسعار التي تغطي احتياجات التجار من المصاريف سنويا وبنفس الوقت تمكنهم من بيع الحد الأدنى من الأمتار. وهذا يعني أننا نعيش في دوامة مستمرة، وسنصل لمرحلة لا يشتري فيها الأراضي إلا الأثرياء وبأسعار فلكية، ويحرم الغالبية العظمى من المواطنين من إمتلاك أرض وسكن، وستستمر الإيجارات بالإرتفاع، وستستمر معاناة المواطن إلى أجل غير مسمى أو إلى أن يتم فرض الرسوم أو الزكاة على الأراضي البيضاء، وهذا ما سنفصل فيه بالمقال القادم.

مقالات ذات صلة: خرافة إرتفاع الأسعار بسبب رسوم الأراضي البيضاء

كيف نقضي على السعودة الوهمية؟

ما زالت الموجات الإرتدادية مستمرة لإطلاق برنامج نطاقات من قبل وزارة العمل، فحالة الإستنفار تعم الشركات والمؤسسات في محاولة لتعديل أوضاعها قبل نهاية المهلة التي منحتها وزارة العمل للشركات، والتي سيبدأ بعدها تطبيق العقوبات على منشآت النطاق الأحمر والأصفر. غالبية المؤشرات تدل على أن البرنامج سيكون له أثر أيجابي، وأنه سيمهد فعلا للإستراتيجيات القادمة للتعامل مع مشكلة البطالة بين السعوديين والتي بدأت تتفاقم بين الشباب والشابات. ولكن ما يزال المتابعون والحريصون على نجاح المشروع متخوفين مما قد يواجهه البرنامج من تلاعب أو محسوبية تؤدي بالمشروع للفشل، وعلى رأس هذه المخاوف هو التمييز في التعامل بين المنشآت، حيث ستؤدي المحسوبية إلى إفشال المشروع، بل وقد يؤدي ذلك إلى جعل الوضع أسوأ من قبل، فبعد أن كان هناك مؤسسات صغيرة مستفيدة من الوضع القائم من تستر ومتاجرة بالتأشيرات، سيكون المستفيد أفراد قليلون ممن يملك النفوذ والسلطة والقدرة على تجاوز الأنظمة، وفي نفس الوقت لن يتم إصلاح سوق العمل ولن تزداد نسبة التوطين. أما الخطر الثاني الذي يواجه برنامج نطاقات فهو السعودة الوهمية، وبما أن زيادة نسبة السعودة هي الهدف الأساسي لهذا المشروع، فإن فشل البرنامج في دفع المنشآت لتوظيف المواطنين في وظائف حقيقية ومنتجة، هو فشل لكامل المشروع، ولذلك فيجب أن تحرص الوزارة على سن الأنظمة ووسائل الرقابة التي تضمن صدقية توظيف السعوديين وتعاقب المخالفين من دون تهاون.

ولكن رغم أهمية الرقابة على المنشآت للتأكد من عدم وجود سعودة وهمية، إلا أن الوزارة تفتقد للموارد الكافية لمراقبة كل المنشآت، كما أن الزيارات الميدانية قليلة جدا وقد يعتريها الفساد وضعف الكفاءة، ولذلك فمن الأفضل خلق وسائل مبتكرة جديدة لردع المنشآت من السعودة الوهمية، فعلى سبيل المثال يمكن للوزارة أن تلزم المنشآت بتوفير كشوف للحسابات البنكية التي تحوي جميع تحويلات الرواتب للموظفين السعوديين. كما يجب فتح الباب لكي يقوم الموظفون السعوديون بالتبليغ عن أي منشأة توظفهم بشكل وهمي، ويتم تحفيز هذا الإجراء من خلال دفع كل الرواتب التي كان من المفترض دفعها من قبل المنشأة للموظف حسب ما هو مسجل بالتأمينات بالإضافة إلى مبلغ إضافي تحفيزي يؤخذ من الغرامة التي دفعتها المنشأة المخالفة، وبذلك يتم نقل عملية الرقابة من وزارة العمل إلى كل موظف سعودي يعمل بالقطاع الخاص. وبذلك لن تجرؤ أي شركة أو مؤسسة على مخالفة النظام وتوظيف السعوديين بشكل وهمي.

(المقال منشور في جريدة اليوم)

وانتصر المستهلكون… على من لا يراعي…

خلال فترة قياسية لا تتجاوز الأسبوع، إستطاع المجتمع أن يوحد صفوفه في مواجهة رفع الأسعار لسلعة إستهلاكية ضرورية وهي الحليب واللبن، فبعد أقل من يوم من إطلاق حملة المقاطعة لمنتجات شركة المراعي بسبب رفعها غير المبرر للأسعار انتشرت أصداء الحملة في جميع وسائل الت واصل من شبكات إجتماعية أو بلاك بيري أو رسائل للجوال، وتبادل الناس صور ثلاجاتهم وسفرة الطعام وهي تتزين بمنتجات بديلة، وبعد أيام من الحملة انتشرت صور أرفف المراعي في الأسواق ومنتجاتها متراكمة من دون أن يشتريها أحد في مؤشر لا لبس فيه لنجاح المقاطعة، بل أن صدى المقاطعة وصل للدول المجاورة التي تضامن مواطنوها مع الحملة وقاطعوا منتجات شركة المراعي. وقد وصل إنخفاض المبيعات للبن والحليب لشركة المراعي حسب أحد الأصدقاء الذين يملكون سلسلة من السوبرماركتات في المنطقة الشرقية أكثر من 40%، وهو انخفاض حاد جدا يستحيل لشركة المراعي أن تتحمله لفترة طويلة، خاصة أن نصف مبيعات منتجاتها هي من الألبان، كما أنها قد تخسر عملائها للأبد إذا وجدوا بدائل بنفس الجودة واعتادوا عليها. q00g

في نفس يوم صدور قرار إعادة الأسعار للألبان خرج المدير التنفيذي لشركة المراعي وذكر أن مبيعات شركة المراعي (لم تتأثر). وأن عدم رفع السعر سيؤدي لأضرار في استثمارات القطاع وقد يؤدي لنقص في توفير السلع، أما التأثر بالمبيعات فالجميع شاهد بنفسه تأثير المبيعات ولا نحتاج تأكيد أي جهة، أما تضرر الإستثمارات، فكما أشرنا بالمقال السابق زادت أرباح شركة المراعي على 1200 مليون ريال! أما النقص في معروض السلع، فإن حدث هذا النقص كما يقول المدير التنفيذي للشركة، فحله بسيط، وهو إيقاف التصدير، حيث تصدر الشركة الألبان للبحرين والكويت وقطر والإمارات، فالمستهلك المحلي أولى بالاستفادة من منتج مدعوم من قبل الدولة ويستنزف الموارد الطبيعية بشكل كبيرة.

إن النجاح الكبير لهذه الحملة يمثل رسالة واضحة لكل التجار بأن يراعوا المستهلك قبل أن يفكروا بمضاعفة أرباحهم من دون مبرر إستغلالا لقوتهم في السوق أو احتكارهم لسلعة معينة. كما أن نجاحها زرع الثقة في نفوس المستهلكين بأن لديهم القدرة على حماية أنفسهم من جشع بعض التجار من دون إنتظار تحرك جمعيات حماية المستهلك أو غيرهم.

مقالات متعلقة:

(المقال منشور في جريدة اليوم)

كيّفوا الأبقار وارفعوا الأسعار

cowفي بلد صحراوي شديد الحرارة، لا تستطيع غالبية الكائنات الحية العيش فيه – باستثناء الضبان والجمال والجرابيع – يتم إنشاء مصانع ضخمة للألبان، تجلب لها الأبقار من أقاصي الأرض، أبقار لا تعيش في حرارة تقل عن 25 درجة، وحتى تتمكن هذه الأبقار من البقاء والإنتاج يتم وضعها  في بيئة (مكيفة). وفي بلد جاف لا يكاد ينزل فيه المطر تستهلك هذه الأبقار كميات ضخمة من المياه. كما تستهلك هذه الأبقار كميات كبيرة من الأعلاف، وبما أن أرضنا قاحلة، فالأعلاف غالبيتها مستوردة. التكييف الذي يبرّد هذه الأبقار يستهلك كميات هائلة من الكهرباء، كهرباء يباع لهذه المصانع بأسعار مدعومة من الحكومة – أي أموال المواطنين. والمياه التي تستنزفها هذه الأبقار، تباع بأسعار مدعومة أيضا، وتسهم في زيادة المشكلة المائية التي تواجهها البلاد وتهدد مستقبلنا جميعا، كما تشتري هذه المصانع الأعلاف بدعم حكومي كبير – أي أموال المواطنين أيضا. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمر أي شركة ألبان بالعمل من دون الدعم والكرم الحكومي، باختصار، لولا الدعم الحكومي لما كُيّفت الأبقار.

رغم كل هذا الدعم الحكومي، ورغم أن بقاء هذه الشركات مرهون باستمرار هذا الدعم، ترفع هذه الشركات أسعار منتجاتها بلا حسيب ولا رقيب، وتختلق أعذارا مختلفة لرفع الأسعار، على رأس هذه الأعذار زيادة تكاليف اللقيم من أعلاف وغيرها من التكاليف المتعلقة بالإنتاج، هذا العذر قد يبدو للوهلة الأولى منطقيا، ولكن بنظرة سريعة على القوائم المالية المنشورة لأحد شركات الألبان التي رفعت سعرها – وهي المراعي – نجد أن صافي أرباح الشركة ارتفع خلال الثلاث سنوات الماضية أكثر من 40%! وبلغ أكثر من 1.2 مليار ريال في 2010 بعد أن كان حوالي 910 مليون ريال في عام 2008. أما تكاليف الإنتاج مقارنة بالمبيعات فانخفضت حوالي 1% ما بين عام 2008 و 2010، فبعد أن كانت التكاليف تمثل 60% من المبيعات في 2008 أصبحت تكلف 59% من إجمالي المبيعات. باختصار، لا يوجد أي أعذار حقيقية لرفع الأسعار.

نحن نؤمن بحرية السوق وعدم التدخل بالأسعار، ولكن يجب أن تختار الشركات، بين سوق حر تعتمد فيه الشركات على نفسها في تقليل التكاليف وزيادة الأرباح وتحديد السعر، وبين سوق مدعوم من الحكومة، ففي حالة الدعم، ليس من حق الشركات أن تتحكم بالأسعار بلا رقابة، وإن كان الدعم الحكومي وسيلة لزيادة أرباح الرأسماليين وكبار ملاك الشركات، فهو دعم لا نريده، ولا يفيد المواطن بشيء. وكان من الأولى استخدام هذا الدعم في مشاريع تنموية يستفيد منها الجميع. باختصار أوقفوا دعم التجار أو ثبتوا الأسعار.

مقالات متعلقة: شركات الألبان… والكذب المكشوف

(المقال منشور في جريدة اليوم)

نطاقات والسوق السوداء

في المقال السابق ذكرنا أن برنامج نطاقات مشروع يستحق الدعم، خاصة أنه سيواجَه بهجمة شرسة من بعض من ستتضرر مصالحهم ولا ينظرون للمصلحة العامة، وذكرنا أن البرنامج سيكون له دور إيجابي كبير على المدى القصير وسيمهد الأرضية لأي إصلاحات جذرية قادمة في سوق العمل تسهم علاج مشكلة البطالة على المدى الطويل، ولكن في نفس الوقت لايوجد مشروع خال من العيوب، والزمن كفيل بإظهار الأخطاء وتصحيحها، لذلك سنطرح في هذا المقال بعض الحلول التي قد تسهم تطوير البرنامج وجعله أكثر فعالية.

يقوم برنامج نطاقات بشكل عام على تقليص العرض من العمالة الوافدة، وتصعيب الحصول عليها من خلال تصنيف الشركات بناء على نسبة السعودة وبناء على حجم وقطاع المنشأة، وذلك لدفع المنشآت لتوطين الوظائف. في أي سوق، عندما يتقلص العرض ولا يتقلص الطلب، فإن السعر أو التكلفة تزداد. واذا لم يجد هذا الإرتفاع قنوات قانونية للإرتفاع فإن سوقا سوداء ستخلق أو سيجد السعر وسيلة أخرى للإرتفاع، لأن قوى السوق دائما تغلب أي قوى قانونية أخرى. لذلك ففي حالة الإستقدام، وبما أن تكلفة الإستقدام لم ترتفع، وبما أن الطلب على العمالة الرخيصة أعلى يقينا من العرض، فإن الزيادة ستصب في أحد القنوات الثلاثة التالية: ارتفاع رواتب الموظفين غير السعوديين أو زيادة أسعار التأشيرات في السوق السوداء أو زيادة الرشاوي في الدوائر الحكومية لتجاوز الأنظمة.

ارتفاع الرواتب للعمالة الوافدة سيظهر جليا في النطاقات التي يستطيع الوافد الإنتقال منها من دون موافقة الكفيل، فالكفيل مجبر على دفع راتب أعلى للموظف حتى يتمكن من ضمان بقاءه. والشركات في النطاقات الأخرى ستحاول جذب هذا الموظف بعرض مرتب مغري له. هذه الزيادات في الرواتب سيتم تحويلها لا محالة لخارج المملكة، مما يزيد من كمية الثروات المسربة بسبب العمالة الوافدة والتي تجاوزت قيمتها 90 مليار ريال سنويا. بالإضافة لذلك فإن الشركات في النطاقات الصفراء والحمراء والتي تجني أرباحا كبيرة، ستستخدم المال لشراء التأشيرات أو لدفع الرشاوى كما هو حاصل الآن. وقد تستغل ذلك الشركات في النطاقات الخضراء والممتازة وتؤجر عمالتها للمنشآت في النطاقات الحمراء والصفراء.

أفضل علاج لهذه الظواهر السلبية التي تضر الإقتصاد المحلي بشكل مباشر، هو السماح للنطاقات الحمراء والصفراء بالإستقدام ولكن بتكلفة مرتفعة جدا، توازي هذه التكلفة قيمة تجارة التأشيرات في السوق السوداء، كما يتم منع الانتقال الحر للموظفين غير السعوديين في النطاق الأحمر واستبدال ذلك برفع تكلفة تجديد الإقامة. وبذلك نضمن عدم ارتفاع الرواتب ونضمن عدم نشوء سوق سوداء، وتذهب كل مداخيل السوق السوداء لصناديق حكومية تسهم في بدل البطالة والتدريب للعاطلين عن العمل.

هل يصلح نطاقات ما أفسده الدهر؟

أطلقت وزارة العمل هذا الأسبوع برنامج نطاقات الذي أثار موجة من ردود الفعل المتباينة ما بين مؤيد ومعارض. وما بين معارض للبرنامج لما سيلحقه من أضرار ومعارض للبرنامج لاعتقاده أنه حل غير كافي لما نواجهه من خلل في سوق العمل وتفش للبطالة. ابتداءا يجب أن نقول أن الخلل الموجود في سوق العمل والبطالة والضعف الإنتاجي الناتج من هذا الخلل هو أصعب معضلة اقتصادية تواجهها البلد. والخلل هذا نتيجة تراكمية لأكثر من ثلاثة عقود من العمالة الرخيصة المتدفقة على البلد والنمو الضعيف في القطاع الخاص الإنتاجي والاعتماد شبه المطلق على القطاع الحكومي في تحريك الاقتصاد وتوظيف المواطنين. هذا الخلل الهيكلي لا يحل فقط بتغييرات إجرائية او تنظيمية بل بتغيير اقتصادي شامل تشارك فيها كل القطاعات ويكون ضمن استراتيجية شاملة تقود البلد من اقتصاد ريعي إلى أقتصاد انتاجي حقيقي. لذلك فإن من يُسلط عليه الضوء كمسؤول عن اصلاح هذا السوق – وهو في هذه الحالة وزير العمل عادل فقيه – هو في وضع لا يحسد عليه. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح وزير العمل لوحده في إصلاح هيكل سوق العمل ومشكلة البطالة.

ولكن رغم حجم وصعوبة المهمة الملقاة على عاتق وزير العمل، فإنه قادر على تهيئة الأرضية ولو مبدئيا للحلول الشاملة التي يفترض أن تأتي في وقت لاحق كرفع رسوم الاستقدام بشكل كبير والبدء باستراتيجية تنمية حقيقية للقطاع الخاص الإنتاجي. ويفترض من برنامج نطاقات رغم بعض سلبياته وبعض ثغراته أن يقوم بدور هذه الأرضية الممهدة. ولذلك فإن علينا جميعا أن نعمل على إنجاح هذا البرنامج ومساندته بكل الوسائل، خاصة أنه سيواجه حملة شرسة – وقد بدأت الحملة فعلا – من قبل كثير من الجهات المستفيدة من الوضع القائم، وستعمل هذه الجهات على تعطيل البرنامج ومحاربته إعلاميا، ولو لم يجد البرنامج مساندة شعبية فقد تنجح هذه الجهات في مساعيها ونعود للنقطة صفر في رحلة إصلاح سوق العمل والقضاء على البطالة.

بالإضافة لذلك فإن نجاح البرنامج واستمراره مرهون بالشفافية وتطبيق النظام على الكل من دون محاباة أو تفضيل، فهذا النوع من الأنظمة إن لم يطبق بشكل كامل فضرره أكبر بكثير من عدم تطبيقه اطلاقا، والطريقة الأفضل للتطبيق العادل هو مشاركة البيانات إعلاميا وبشكل تفصيلي، كالإعلان شهريا عن عدد التأشيرات الصادرة لكل نطاق، وأعداد العمالة التي تم ترحيلها لكل نطاق، بالإضافة لأعداد السعوديين الذين تم توظيفهم في كل نطاق، ولو استشعر المجتمع التأثير الإيجابي الواضح للبرنامج فلن تستطيع أي قوى أن توقف تطبيق النظام أو تعطله أو حتى تحاربه.