هيئة كبار العلماء وتأجيل رسوم الأراضي

فوجيء المواطنون يوم الثلاثاء بقرار هيئة كبار العلماء بإحالة قرار رسوم الأراضي البيضاء إلى المجلس الاقتصادي الأعلى. وبينما كان التفاؤل سائدا قبل يوم من تسرب القرار، ساد الإحباط الشديد غالبية المواطنين الذين ما زالوا يعانون من عجزهم عن امتلاك سكن ويعانون من الارتفاعات المستمرة لأسعار الإيجارات.

كنا نتمنى ونتوقع أن يوافق أعضاء الهيئة على قرار الرسوم لما فيه من فوائد اقتصادية واضحة لا تخطئها العين، وأهمها كسر احتكار الأراضي وجعل أسعارها في متناول المواطنين وفي متناول المطورين وفي متناول وزارات الدولة أيضا. فقد وصلت الأسعار لمستويات غير مقبولة ولا معقولة، ليس لأن الطلب أكثر من الأراضي المتوفرة في النطاقات العمرانية، ولكن لأن محتكري الأراضي ما زالوا يكنزون أموالهم في تلك الأراضي لسنوات طويلة، ويحرمون الاقتصاد من سلعة مهمة وحيوية تعتمد عليها قطاعات كثيرة ويحتاجها كل مواطن ومستثمر.

أما من يروجون لحلول أخرى غير كسر احتكار الأراضي، سواء كان هذا الترويج لمصالح شخصية أو جهلا بحقيقة الوضع وبآليات الاقتصاد. فهم يظلمون المجتمع ويظلمون وطنهم قبل ذلك. أزمة السكن مستمرة ما دام الاحتكار مستمرا، وهذا الاحتكار ليس له علاج إلا الرسوم.

إحالة القرار للمجلس الاقتصادي الأعلى لن يكون نهاية المطاف في حملة المطالبة بفرض الرسوم، ونتمنى أن تكون غاية الهيئة في تلك الإحالة هو التأكد من الجهات الاقتصادية المختصة بأن تلك الرسوم ستسهم فعلا في حل أزمة السكن، وأن الهيئة سيكون ردها بالموافقة الفورية إذا رأت جهات الاختصاص – وهذا هو المتوقع – فاعلية تلك الرسوم في تخفيض أسعار الأراضي.

وحتى لو رفضت الهيئة القرار، فإن للسلطات العليا الصلاحية في أن تفرضه للمصلحة العامة، فالهيئة في نهاية المطاف جهة استشارية وليست تشريعية، والقوانين يمكن أن تفرض من دون المرور على هيئة كبار العلماء

هل سنقود السيارة الكهربائية فعلا؟

خلال مؤتمر في النرويج، وجه أحد الحضور سؤالا لرئيس أرامكو خالد الفالح: ماذا سيحدث إذا قاد العالَمُ سيارات تعمل بالطاقة الكهربائية؟ فرد الفالح: سنقودها أيضا.

كتب البعض عن جواب الفالح من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ودار نقاش حول مغزى هذا الرد ومقصده. فكان رأي الكثيرين أن هذا الرد موفق، والسبب – حسب رأيهم – أن السيارات الكهربائية ستحتاج بطبيعة الحال إلى طاقة كهربائية، وأن هذه الطاقة الكهربائية يتم توليدها من خلال النفط، بالتالي لو تحول العالم لقيادة السيارات الكهربائية فإن ذلك لن يؤثر على حجم الطلب على النفط وبالتالي لن تتأثر أسعار النفط. دعونا نتحقق من صحة هذا التحليل.

لنتحقق أولا من الافتراض الرئيسي الذي يعتمد عليه تحليلهم وهو أنّ: “غالبية الطاقة الكهربائية يتم توليدها من خلال النفط”. بالعودة إلى بيانات الوكالة الدولية للطاقة، نجد أن أقل من 5% من الطاقة الكهربائية يتم توليدها من النفط، بينما يتم توليد بقية الطاقة الكهربائية من خلال مصادر أخرى كالفحم (41%) والغاز (22%) والمصادر الهيدروليكية (16%) والمحطات النووية (12%) وغيرها بنسب أقل. أي أن النفط يحتل مرتبة متأخرة جدا في توليد الطاقة الكهربائية، وغالبية الطاقة التي يتم توليدها باستخدام النفط تتم في دول نفطية أصلا كالسعودية ودول الخليج. أما الغاز، فنحن لا نصدر الغاز، ولا نكاد نجد ما يكفي للاستخدام الداخلي سواء لتوليد الطاقة الكهربائية محليا أو لاستخدامه في الصناعات البتروكيماوية.

إذا كان النفط لا يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية إلا بنسب قليلة، فسيكون السؤال البديهي التالي: ما نسبة استهلاك وسائل النقل للنفط من إجمالي الاستهلاك العالمي؟ الجواب حسب أرقام وكالة الطاقة الدولية هو: 62.3%. أي أن حوالي ثلثي النفط الخام الذي يتم إنتاجه يوميا يتم استهلاكه في وسائل النقل وخاصة السيارات. باختصار: لو تغير وقود كل السيارات في العالم إلى الكهرباء فستنهار أسعار النفط وقد لا تتجاوز 20 دولارا للبرميل.

بالتأكيد لن يحدث ذلك في يوم وليلة، ولكن مع ارتفاع أسعار النفط مؤخرا، ازداد الاهتمام بالسيارات الكهربائية وبدأت بعض النجاحات الحقيقية في الظهور في صناعة هذه السيارات، أشهرها سيارة تسلا الأمريكية، التي أسسها أيلون مسك الذي أسس أيضا خدمة بي بال. واستطاعت هذه السيارة أن تحقق نجاحا كبيرا في أمريكا. نجاح شركة تسلا سيغري عشرات الشركات في العالم لمحاكاة تجربتهم مما يعني زيادة أكبر في إنتاج تلك السيارات وزيادة في انتشارها. وقد تمر علينا السنوات ونفاجأ بعدها أن العالم استغنى تماما عن استخدام النفط في وسائل النقل.

قد نكون قادرين على قيادة السيارات الكهربائية أو حتى السيارات النووية. ولكن السؤال المهم: هل سنتمكن من شرائها؟

تمرية من جديد

تحدثنا في المقال السابق عن الأسباب التي تجعل الدول المتقدمة لا تفتح أبوابها على مصراعيها للعمالة الرخيصة، وذكرنا أن أهم الأسباب تتركز على الضرر الكبير على متوسط مستويات الدخل للمواطنين بالإضافة لإضعاف نمو الإنتاجية في الاقتصاد. حيث أن وفرة العمالة الرخيصة تقضي على أي حافز لزيادة إنتاجية الموظفين من خلال الأتمتة أو من خلال التدريب. وفي نهاية المقال ذكرت أنني سأكتب في المقال القادم نموذجا حيا للأثر الإيجابي على الاقتصاد لإيقاف تدفق العمالة الرخيصة.

قبل حوالي سنة ونصف، كتبت مقالا عن تجربة لأحد الأصدقاء، وهو أحد الملّاك والمدراء لشركة تمرية المختصة في مجال حلويات التمور الفاخرة. روى هذا الصديق أن تضييق وزارة العمل على استقدام العمالة الرخيصة أجبرهم على البحث عن وسائل أخرى للاستمرار في النمو. فأصبح النمو من خلال زيادة العمالة الرخيصة خيارا غير مطروح. فقرر ملاك الشركة الاستثمار في شراء معدات لأتمتة جزء كبير من العمل اليدوي، مما يعني القدرة على زيادة الإنتاج دون زيادة كبيرة في اليد العاملة.

كلّفت المعدات حوالي 3 ملايين ريال، بالإضافة للتكاليف الأخرى المتعلقة بتجهيز المصنع، ليصل المجموع إلى حوالي 5 ملايين. هذه المعدات رفعت الإنتاجية عدة أضعاف. وسمحت للشركة بأن تزيد في الإنتاج بكمية كبيرة دون استقدام مزيد من العمالة. ولكن، النقطة الأهم هي أن الشركة أصبحت قادرة أن تبيع المنتج بسعر أقل، لأن تكلفة الإنتاج الإجمالية أصبحت أقل، وهذا ما حدث فعلا، حيث أن سعر المنتج تم تخفيضه بنسبة 10% بعد بدء تشغيل المصنع، لاحظوا المفارقة: ارتفاع تكلفة العمالة أدى بالنهاية إلى انخفاض السعر. كيف حدث ذلك؟ عندما ترتفع تكلفة اليد العاملة يبحث المستثمر عن وسائل أخرى لرفع الإنتاجية، وهنا يأتي دور الأتمتة. هكذا تنمو الدول المتقدمة وترفع من ناتجها القومي وتزيد من رفاهية مواطنيها، الاستثمار المستمر في مراكمة رأس المال المنتج والتدريب، وليس من خلال استقدام المزيد من العمالة الرخيصة.

لماذا لا تفتح الدول المتقدمة أبواب الاستقدام على مصراعيها؟

في المقال السابق تحدثنا عن الأرقام الحقيقية لنسب العمالة الوافدة في الدول المتقدمة، وذلك في سياق الرد على مبالغات من يدّعي أن الدول المتقدمة تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة. حيث بيّنت الأرقام أن نسب العمالة الوافدة في غالبية الدول المتقدمة تتراوح بين 5 إلى 15% مقارنة بأكثر من 70% في السعودية.

وفي هذا المقال نتحدث عن السبب الذي يجعل تلك الدول تتحفظ على فتح أبواب الاستقدام بشكل كامل، رغم أن العمالة الوافدة ستقلل نظريا من تكاليف الخدمات. وسأركز على الجانب الاقتصادي وسأتجاهل الجوانب الاجتماعية والسياسية رغم أهميتها أيضا.

حتى تتضح الصورة، لنفترض أن أحد تلك الدول المتقدمة – على سبيل المثال أمريكا، والتي يوجد بها من العمالة الوافدة أقل من 14% – قررت فتح أبواب الهجرة إليها على مصراعيها وبدون تحفظ. ما الذي سيحدث؟

حصة الفرد من الناتج القومي في أمريكا حوالي 53 ألف دولار، وهي من أعلى الأرقام في العالم. في المقابل فإن معدل حصة الفرد في العالم لا تتجاوز 10 آلاف دولار. كما أن كثيرا من الدول ذات الكثافة السكانية كالهند وباكستان وإندونيسيا لا تتجاوز حصة الفرد فيها 5 آلاف دولار. أي أن حصة الأمريكي توازي عشرة أضعاف حصة الفرد في تلك الدول. النتيجة المباشرة لفتح أبواب الهجرة لأمريكا، أن أعدادا ضخمة جدا ستهاجر من دول العالم الأفقر إلى أمريكا، ومع كل زيادة في عدد المهاجرين سيزداد عدد سكان أمريكا وستنخفض حصة الفرد معها، لأن الزيادة في تدفق المهاجرين لن توازي الزيادة في حجم الناتج القومي لأمريكا. وستستمر الهجرة إلى أمريكا حتى تنخفض معدلات دخول العاملين في أمريكا لأرقام مقاربة للمعدل العالمي أو حتى مقاربة لمعدلات الدول الأفقر كالهند وإندونيسيا.

بالإضافة للضرر المباشر على مستوى دخول المواطنين في أمريكا، فإن مستوى الخدمات العامة سيتدهور بشكل مطرد، فبينما كانت تلك الخدمات موجهة لثلاثمائة مليون، فإنها الآن مضطرة لخدمة مليار أو أكثر. أما الضرر الاقتصادي الجوهري، فهو أن وفرة العمالة الرخيصة ستقتل أي حافز لرفع الإنتاجية، فعندما تتوفر اليد العاملة الرخيصة فلن يكون هناك دافع للاستثمار بالتقنيات والمعدات التي تقلل الحاجة لليد العاملة. وبالتالي سيتباطأ أو يتوقف نمو الإنتاجية للفرد ومعه يتوقف أو يتباطأ نمو الدخل للمواطنين. وفي المقال القادم سأستشهد بقصة محلية حقيقية تظهر بجلاء العلاقة بين صعوبة الحصول على اليد العاملة الرخيصة وزيادة الإنتاجية.

ما الذي يحدث إذا اختفت البطالة؟

بالنسبة لحكومة أي دولة، فإن أهم المؤشرات الاقتصادية بالنسبة لها هي نسبة البطالة ونسبة التضخم، بالإضافة لنسبة النمو في الناتج المحلي. تهدف أي حكومة لتقليل نسبة البطالة لأدنى حد ممكن، والسيطرة على التضخم بحيث لا يتجاوز مستوى معين (عادة 2%). كما تسعى الحكومة على رفع حجم النمو السنوي للاقتصاد. المعضلة التي تواجهها غالب الحكومات، أن انخفاض مستوى البطالة يؤدي عادة لارتفاع التضخم، والعكس صحيح. فارتفاع مستوى التضخم عادة ما يتصاحب مع انخفاض في معدلات البطالة.

عندما تنخفض مستويات البطالة لمعدلات منخفضة جدا، وتواجه الشركات صعوبات في التوظيف، تبدأ مستويات الرواتب بالارتفاع، لأن الشركات تتنافس للحصول على سلعة شحيحة ألا وهي الموظفين. هذا التنافس على التوظيف وارتفاع مستويات الرواتب، يرفع أسعار السلع والخدمات وبالتالي ترتفع مستويات التضخم. كيف تواجه حكومات العالم المتقدم هذه الظاهرة؟ هناك شح في اليد العاملة، ومستويات الرواتب في ارتفاع، والتضخم يرتفع. هل تقوم تلك الدول بفتح باب استقدام العمالة الرخيصة على مصراعيه لتسهيل أعمال الشركات؟ أم تقوم بإجراء آخر.

ما تقوم به حكومات الدول المتقدمة إذا واجهت هذه الحالة هو رفع مستوى الفائدة. رفع مستوى الفائدة يؤدي لإبطاء نمو الشركات، لأن تكلفة الاقتراض ترتفع، بالتالي لا تقوم الشركات بالاقتراض إلا إذا كانت العوائد مجدية بمعدلات الفائدة الجديدة. تباطؤ نمو الشركات يؤدي لتباطؤ التنافس على التوظيف، بالتالي يتوقف ارتفاع مستويات الرواتب ومعه يتوقف ارتفاع معدلات التضخم.

هل هذا يعني أن مستويات الرواتب ومستوى الدخل للمواطنين لن يرتفع؟ مستوى الدخل يرتفع بعد ذلك مع ارتفاع مستويات الإنتاجية، والإنتاجية ترتفع من خلال التدريب والتعليم بالإضافة إلى مراكمة رأس المال المنتج كالمعدات الصناعية التي تؤتمت الإنتاج وترفع إنتاجية العاملين.

مجلس الشورى وقانون زكاة الأراضي

استبشر المواطنون بقرار مجلس الشورى الأخير بالموافقة على مشروع نظام جديد للزكاة يشمل جباية الزكاة على الأراضي البيضاء. هذا القانون الذي طال انتظاره، هو مفتاح حل أزمة الإسكان من خلال كسر احتكار الأراضي البيضاء. فجميع المبادرات والمشاريع التي تم تنفيذها حتى الآن فشلت في تقليل الارتفاعات الحادة في أسعار الأراضي، والتي حرمت غالبية المواطنين من امتلاك مسكن، ليس لسبب اقتصادي هيكلي، ولكن لأن أقلية من الناس قررت أن تستخدم تك الأراضي كوسيلة لاكتناز وتنمية ثرواتهم.

ورغم أن القرار يعتبر مؤشرا إيجابيا على قرب صدور النظام إلى أنه ليس نهاية المطاف. فتنفيذ القانون مرهون بموافقة مجلس الوزراء. وتأثير القانون على أرض الواقع سيبدأ لحظة إعلانه من قبل مجلس الوزراء، وسيكون هناك انخفاضات حادة حتى قبل البدء بتنفيذ القانون، فصدور القانون بشكل رسمي كفيل بدفع كثير من ملاك الأراضي في التخلص من أراضيهم قبل أن تبدأ الجباية الفعلية للزكاة أو الرسوم.

كما أنه من المهم معرفة تفاصيل القانون، حتى لا تكون هناك ثغرات تسمح باستمرار احتكار الأراضي وتضمن نهاية لاستخدام الأراضي كوسيلة لاكتناز الثروة وتنميتها، وإنما تحويلها لسلعة يشتريها من يرغب في بنائها أو تطوريها سواء كان المستهلك النهائي أو مستثمر في المجال العقاري.

صدور القرار من مجلس الوزراء وضمان فعاليته، سيكون أحد أهم القرارات الاقتصادية في الثلاثة عقود الماضية، وسيؤدي لتحولات إيجابية كثيرة جدا، كما سيؤدي لارتفاع دخل الفرد الحقيقي من خلال انخفاض أسعار الإيجارات وأسعار التملك، بالإضافة إلى انخفاض محتمل في أسعار السلع والخدمات بسبب انخفاض أسعار إيجارات المحال التجارية.

العقار لن ينهار… إلا إذا.

تداول بعض الكتاب الاقتصاديين مؤخرا أنباء عن قرب انفجار فقاعة العقار، وأن أسعار الأراضي على وشك الانهيار، مطالبين المواطنين بمقاطعة شراء العقار والصبر حتى تنفجر الفقاعة وتصبح الأسعار في متناول الجميع. ليس من الواضح بالنسبة لي الأسس التي بنيت عليها تلك التوقعات. فارتفاع العقار وانخفاضه مرتبط بعاملين أساسيين، أسعار النفط وارتفاع مستوى الانفاق الحكومي. وكلا العاملين مرتبطين ببعضهما البعض أيضا. لا يوجد حاليا أي مؤشرات لانخفاض أسعار النفط ولا يوجد أي مؤشرات لتباطؤ الانفاق الحكومي على المدى المنظور.

لا يمكن مقارنة ما حدث من فقاعات عقارية بالعالم سواء في دبي او أمريكا او غيرها مع وضعنا في السعودية، فسبب تضخم الفقاعة وثم انفجارها في تلك الدول هو القروض البنكية المفرطة، والتي كانت تستخدم في شحن أسعار الوحدات السكنية من شقق ومنازل، الاختلاف بالسعودية أن الأزمة جوهرها احتكار مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء، جل هذه الأراضي تم امتلاكها من خلال المنح المجانية أو شراؤها – نقدا – بأسعار منخفضة قبل سنوات طويلة، ونسبة صغيرة جدا من تلك الأراضي هي التي يتداولها المضاربون وأغلبها على أطراف المدن وأغلب التداول نقدي وليس من خلال القروض البنكية. محتكرو الأراضي قادرون على الاحتفاظ بأراضهم لعقود أخرى، ولن يؤثر بهم أي تباطؤ محدود بالسوق أو انخفاض بسيط في الأسعار. فإذا كان ما يقصده الكتاب من انهيار متوقع هو انخفاض يتراوح بين 5-10% فهذا أمر ممكن وهو في نطاق التذبذب الطبيعي لأي سوق، أما إذا كانوا يقصدون عودة الأسعار لمستوياتها قبل عشر سنوات، أي انخفاض الأسعار أكثر من 70%، فهذا أمر غير متوقع إطلاقا في المدى المنظور، ولن يحدث إلا في حالة سن قوانين لحل المشكلة من جذورها وكسر الاحتكار، وأنجع وسيلة لذلك هو فرض الرسوم على الأراضي.

رغم ثقتي الكاملة بحسن نوايا تلك الأقلام التي أحسبها من الأقلام الوطنية التي تبحث عن مصلحة المواطنين، إلا أنني أعتقد أن توقعات انهيار أسعار العقار – بالإضافة لكونها غير صحيحة – فإن لها أثر عكسي، لأنها ستعمل كالمخدر المؤقت، ولا يختلف أثرها عما تفعله وزارة الإسكان من إعلانات تخديرية، دعوات المقاطعة لشراء الأراضي لن يكون لها أثر، لسبب بسيط، أن الشعب مقاطع من دون دعوات مقاطعة، فالغالبية العظمى من المواطنين غير قادرين على الشراء ابتداء، فنحن كمن يطالب الشعب بمقاطعة شراء سيارات البنتلي لأن أسعارها مرتفعة. تجار الأراضي يكفيهم القوة الشرائية لأغنى 5-10% من المواطنين لكي يمولوا احتياجاتهم السنوية الاستهلاكية والاستثمارية، وليسوا مضطرين لبيع المزيد من أملاكهم. وما دامت أسعار النفط مرتفعة، وما دام الانفاق الحكومي مرتفع، فالأسعار ستستمر في الارتفاع ولن تنفجر الفقاعة – إن جاز تسميتها بذلك – إلا بكسر الاحتكار من خلال فرض رسوم الأراضي.