أسبوع لفؤاد: مستقبل التدوين السعودي (1)

ضمن فعاليات أسبوع لفؤاد أنشر هذه التدوينة التي اخترتها من إرشيف مدونة فؤاد:

مدخل :
“حق الفرد في التعبير عن رأيه” هو حق إنساني يتمتع به بلايين البشر في عالم اليوم بنسب متفاوتة في درجات شفافية التطبيق. تطبيق هذا الحق على أرض الواقع ساهم في إثراء الحياة المدنية للعديد من الدول والمجتمعات. كما نتج عنه بعض السلبيات والشواذ التي لا يبرر بروزها سعي البعض لإلغاء أو تهميش هذا الحق الإنساني المهم. لن يكون محور كلامي هنا السعي لتأصيل هذا الحق الإنساني أو إبراز إيجابياته وذلك لعمق وطول هذا الموضوع الذي قتل بحثاً من قبل في الآف الكتب والدراسات والأبحاث العربية والعالمية. بالنسبة لي، فقد حسمت هذه القضية عندي. فقد تمحورت قراءاتي خلال الستة الشهور الماضية حول هذا الموضوع، وحول ما إذا كانت “الديموقراطية” متوافقة مع الإسلام أم لا؟، وحول مفاهيم “حقوق الإنسان” وتوافقها مع الشريعة. كلامي هنا ليس موجه لمن لا زال لديه إشكال عميق تجاه هذه المسائل. هذا الإشكال الذي هو نتيجة توهم وجود تعارض بين “حرية التعبير” كما نسعى إليها والشريعة الإسلامية. كلامي هنا موجه لمن حسم أمره تجاه هذه القضية، وأصبح يؤمن بحق الفرد في التعبير عن رأيه بدون خوف وإرهاب، وموجه كذلك لمن لازال منفتحاً على الحوار والنقاش البناء الذي نسعى إليه لنستطيع الخروج جميعاً بحلول جذرية تساهم في إصلاح المجتمع السعودي، وتساهم في نموه بشكل سليم ومنطقي.

إقتناعاً منهم بقدسية “حرية التعبير”، لم تتوانى الأمم والشعوب والجماعات والأفراد عن ابتكار وتطوير الأدوات المناسبة، والتي تسمح لهم من خلالها بالتعبير عن آرائهم بحرية. هذه الأدوات تجعل من الأفراد في وقت قياسي قوة ضغط فعالة ومؤثرة. لا تعتبر هذه الأدوات حكراً على شعب دون آخر، أو أمة دون أخرى، ولكن هي ملك لكل الشعوب لأنها نتيجة نضال المقهورين عبر العصور ضد قوى الظلم والطغيان. ولذلك يحق لكل فرد/جماعة/شعب الإختيار من بين هذه الأدوات ما يعتقد أنها مناسبة له ولمن يشاركه النضال في سبيل التعبير عن آرائهم. أرى بأن التدوين هو أحد أهم وأقوى هذه الوسائل التي يمكن أن نستفيد منها كمجتمع سعودي للتعبير عن آرائنا الفردية.

في السعودية، ليس هناك أي شيء يشير إلى أن حق “التعبير عن الرأي” هو حق مكفول للمواطن للأسف الشديد. ذلك لسبب واضح وهو أننا الدولة الوحيدة التي يمكن أن أتذكرها لا تملك دستور مكتوب. الحكومة تقول لنا بأن دستورنا هو “الكتاب والسنة”. ولكن في عصر مثل عصرنا هذا لا يمكننا العيش والنمو كمجتمع بدون دستور مكتوب يوضح مسؤولية كل من الفرد، ،مؤسسات المجتمع، والحكومة. لأنه بدون دستور مكتوب، يصبح المرجع في تفسير الكتاب والسنة هي الحكومة والعلماء الرسميين فقط. وفي هذا مفارقة صارخة مع أصل الإسلام الذي أتى ليحرر البشرية من الطبقيات والمرجعيات واحتكار تفسير الدين وتطبيقه. لو بحثنا في السنة مثلاً عن الموقف من نقد عمل الحكومة لوجدنا ألف رأي ورأي. مثلاً هناك رأي فقهي معتبر يحث على ذلك، وهناك رأي فقهي معتبر آخر يحرم ذلك. ما لذي علينا كمواطنين أن نلتزم به؟ لا يوجد لدينا دستور مكتوب نعود إليه لنتخذ الموقف المناسب تجاه “حق التعبير عن الرأي”. ولذلك فإن بقاء المجتمع السعودي بدون دستور مكتوب ليس في مصلحة أحد، إلا تيار معين في الحكومة وجزء معين من التيار الإسلامي للأسف الشديد.
ولذلك، نجد أن أول خطوة في سبيل الإصلاح نتمنى من الحكومة اتخاذها هي السعي لتوثيق دستور سعودي متكامل يساهم في وضعه المواطنين ويحق لهم التصويت عليه. هذا الدستور الذي يوضح بشكل جلي العلاقة بين المواطن والحكومة ويفصل في أمرها. دستور يحمي الوطن والمواطن، ويوفر دعامة قوية للنمو والتطور، ويجيب على أسئلتنا المقلقة كمواطنين حول مستقبل وطننا.
ولكن، متى يحصل هذا؟ متى تقدم الحكومة السعودية على هذه الخطوة؟ كل الدلائل تشير إلى أن ذلك لن يحصل في القريب العاجل. فاعتقال الإصلاحيين العشرة في جدة وقبلهم العديد من المواطنين المطالبين بالدستور، يشير بشكل واضح أن أجنحة معينة في الحكومة تسعى لإفشال الخطوات الإصلاحية التي نشعر كمواطنين أن الملك عبد الله بن عبد العزيز ربما يرغب في تطبيقها. ليس هناك ما يشير في الأفق إلى حالة انفراج سياسي قريبة في السعودية. بل إن الأمور تزيد سوءاً يوماً بعد يوم للأسف.

كمواطنين سعوديين، لدينا خياران:
الخيار الأول- أن نبقى صامتين، ونتجاهل الوضع، ونواصل مشاهدة وطننا يتدهور يوماً بعد يوم متجهاً بشكل متسارع نحو المستقبل المخيف. البطالة متزايدة، الجرائم تتعاظم، الفقر يزيد، سوق الأسهم، المشاكل العائلية، سرقات المساهمات، السجن التعسفي، إرهاب وتفجيرات…
الخيار الثاني- أن نسعى وبشكل سلمي إلى التعبير عن آرائنا. نحن مواطنين وهذه بلدنا، ولنا الحق في رفع صوتنا، خاصةً وأننا نرى مستقبلنا كمجتمع يتجه نحو الهاوية.

وضع التدوين السعودي

التدوين هو أداة حديثه وفعاله من أدوات التعبير عن الرأي. وهو أحد إكتشافات الإنترنت المؤثرة. برز التدوين كأداة قوية وفعالة للتعبير عن الرأي للأفراد والمجموعات بشكل قوي في الدول الديموقراطية. وكان ذلك بسبب وجود العوامل المساعدة لتسريع تفعيل أثر التدوين. وأقصد بالعوامل هنا أمور مثل: ثقافة الشعوب، الديموقراطية، وجود الدساتير، حقوق الإنسان، خطوط الإتصال، وغيرها من العوامل. أما في الدول الغير ديموقراطية، فإن التدوين لازال يحاول جاهداً وبشكل مثير للإعجاب، أن يحقق ما حققه التدوين في الغرب من أثر إيجابي على الحياة اليومية للمواطنين. في مصر، هناك محاولات تستحق المساندة. وهناك كذلك تضحيات تثير الإعجاب. وفي إيران هناك مليون مدونة كما قال لي أحد الصحفيين. ويكفي أن نعرف أن للرئيس الإيراني مدونة شخصية لنعرف أن التدوين أصبح شيء واقع ومحرك أساسي في الحياة اليومية الإيرانية.

أما في السعودية، فرغماً أن هناك محاولات فردية مشكورة من قبل بعض المدونين. إلا أنه لا زال دون التأثير المأمول. فالأغلبية الساحقة من المدونات السعودية لازالت تتراوح بين التدوين الترفيهي والتدوين الإجتماعي الأليف. ليس للتدوين السعودي حتى اليوم أثر في الحياة اليومية للمجتمع السعودي. لو قسنا أثر موقع انترنت واحد مثل موقع الساحات لوجدنا أثره في الحياة اليومية السعودية يفوق بمراحل كل ما يطرح في جميع المدونات السعودية. هذه حقيقة مؤلمة ولابد من طرحها بشفافية. لسنا هنا ضد التدوين الشخصي. بل إننا نشجع عليه وبكل قوة. ولكن هذا ليس بمبرر لعدم قيام المدونين والمدونات السعوديين بالكتابة الجادة في الشؤون السياسية والإجتماعية. أصبح للإنترنت تأثير واضح في حياتنا كسعوديين، والتدوين يجب أن يكون كذلك.

أسباب ضعف التدوين الإجتماعي والسياسي السعودي :
على الرغم من وجود بعض المدونات السعودية المهتمة بالشأن السعودي العام، إلا أن عددها قليل جداً مقارنة مع عدد المدونات السعودية المتواجدة على شبكة الإنترنت. هذه المدونات تشكل الإستثناء حالياً، ورغماً عن كل شيء فإنهم يشكرون بشدة على جهودهم. لو حاولت حصر أسباب الضعف الحالية فإنني أجدها ربما لا تخرج عن العوامل التالية:

1- الخوف من الحكومة :
المدونين والمدونات السعوديين هم مواطنين في الأساس. ويجري عليهم ما يجري على المواطنين. وعلاقة المواطن بحكومته قائمة في جانب كبير على الخوف ووجوب الطاعة العمياء “لولي الأمر”. خوف المواطن من التعبير العلني عن رأيه يرجع لأن الحكومة السعودية تعتقل مواطنيها بناءً على آرائهم. وإن لم تعتقلهم، فإنها تقوم بالتضييق عليهم بعدة طرق منها فصلهم من وظائفهم أو حرمانهم من التقدم في مناصبهم الوظيفية بعد إستجوابهم وفتح سجلات خاصة بهم لمتابعتهم. والأمثلة هنا أكثر من أن تذكر. إن إعتقال الحكومة للإصلاحيين السعوديين ومحاكمة بعضهم وزج الآخرين في السجون لشهور طويلة بدون توجيه أي تهم أو محاكمات لهم هو أمر واقع رأيناه وعشناه ونعيشه كمواطنين سعوديين. هذه الأمثلة الثابتة، تشكل أكبر هاجس خوف لدى المدونين السعوديين لأنها تجعل المدون يسأل نفسه “إذا كان من هم أشهر مني وأعلم مني قد زج بهم في السجون وتعرضوا للظلم الفاضح ولم يجدوا من يدافع عنهم، فماهو مصيري إذاً؟ خاصةً وأنه لا أحد يعرفني وما سأكتب لن يغير شيئاً من الواقع؟ لماذا ألقي بنفسي للتهلكة والسجن وأغامر؟”

2- الخوف من نقد المجتمع :
كسعوديين نعرف أننا لا نجيد كثيراً ثقافة الحوار. ولذلك لأول مرة في تاريخنا يقام سلسلة مؤتمرات بإسم “مؤتمر الحوار الوطني”. وهناك عدة أسباب لضعف ثقافة الحوار في المجتمع السعودي، من بينها:
– عمق الهوة بين الأجيال: هناك تفاوت كبير في أعمار أفراد المجتمع. ويكفينا أن نعرف بأن نصف الشعب 50% هم أقل من خمسة عشر عاماً.
– تداخل الدين مع العادات: لفترة طويلة لم يكن يستطع الكثير تمييز الخط الفاصل بين العادات والدين. فقد أدخلت كثير من العادات في الدين ومزجت حتى أصبح من الصعوبة إنتقادها وذلك لأن إنتقادها يوحي بأن الشخص ينتقد ذات الدين.
– العنصرية الداخلية: رغماً أن القبلية والمناطقية ليست مضادة للدين والوطن بل يجب أن تكون داعمة له، إلا أنها في كثير من الأحيان تلعب دوراً سلبي في عملية النقد الذاتي. فعندما ينتقد فرداً ما ظواهر أو عادات معينة في المجتمع، يبادر الكثير بالنظر لأصل وفصل الناقد وخلفيته العائلية. وكثيراً ما تستخدم هذه النقطة كوسيلة لتهميش طرح الناقد وتضعيفها لأنه من أصل أو منطقة دون مستوى أصل ومنطقة الناقد. للأسف، نعم هناك عنصرية داخلية وإن كنا لا نسميها كذلك إلا أن ذلك إسمها. وهذه العنصرية تنطلق من الجميع إلى الجميع. فالجميع ليس بريء هنا إلا من رحم الله.

3- الخوف من العائلة :
العائلة كانت و لازالت أساس بنيان المجتمع السعودي. والمواطن السعودي غالباً ما يكون متأثراً ومحكوماً بشكل كبير بآراء وتوجيهات العائلة (القبيلة، الوالدين، الإخوة الكبار). قليلة هي العوائل التي تدرب أبناءها وبناتها على إستقلالية الرأي وتتيح لهم التعبير عن آرائهم بحرية وبشكل علني وتدعمهم بغض النظر عن مدى موافقتهم على هذا الطرح. بل أنها غالباً ما تلعب دور “المثبط” الداخلي والقامع لأفرادها وذلك بطيب نيه، وسعياً لسلامة ذلك الفرد لأنه “لا يعرف مصلحته بعد” و “متهور” و غيرها من الأسباب الواهية. الأغلبية الساحقة من شباب المجتمع لازال يكترث كثيراً لتأثير نشر آرائه على عائلته. وذلك ينعكس أيضاً على عالم التدوين. وخاصةً بالنسبة للمدونين الذين يعلنون عن أسماءهم بشكل علني. فهؤلاء في موقع أصعب من المدونين المجهولين.

4- الخوف من بيئة العمل :
حتى الآن لم أرى مدونة لمدرس ينتقد فيها بشكل جدي بيئة التدريس ويكشف خبايا ما نجهله في هذا المجال المهم من حياتنا اليومية كمواطنين. ولم أرى موظف في شركة الإتصالات السعودية يدون حقائق حول هذه الشركة والتي اشتهرت بالنصب على المواطنين. أما أن أرى مدونة لموظف من أرامكوا يخبرنا ما يحصل خلف تلك الجدران المنيعة للشركة المسؤولة عن بيع نفطنا فهذا حلم لازلنا ننتظر حصوله. سبب غياب هذه المدونات من وجهة نظري هي ثقافة الإستبداد الراسخة في جهات الأعمال. حيث أن جرأة موظف لأن يدون عن حقائق بيئة عمله ستكلفه غالياً. فربما يخسر وظيفته أو ينسى فرصة ترقيته. وغالباً سيجد أن أصدقاء عمله يتحاشون الكلام معه وسيصح وحيداً لا يدعى لتجمعاتهم ولقاءاتهم. في هذه الحالة أرى بأن عدم ذكر المدون لإسمه مبرر مقبول نوعاً ما.

نحو تدوين سعودي جاد، فلنتجاوز حواجز الخوف :
ليس المطلوب أو ليس من الممكن أن يتحول جميع المدونين والمدونات السعوديين لتخصيص مدوناتهم لتناقش قضايا الشأن العام. ولكن الممكن والمطلوب أن تبرز مدونات سعودية مؤثرة، ذات صوت عالي، تعكس مايجري في حياتنا اليومية كمواطنين. هناك الكثير من القضايا الهامة والتي تمس حياة المواطنين ونجدها غائبة عن المدونات السعودية، رغماً عن أنه يتم مناقشتها بنوع من الجدية في مجالسنا ومنازلنا وفي المنتديات، وبشكل تافه في وسائل الإعلام المحلية. فلنأخذ قضايا بارزة مؤخراً مثل مشروع “مساكن”، “مشاكل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، “فضيحة سوداء اليمامة”، “سجن الإصلاحيين العشرة”، “ملف الإرهاب”، “غلاء المعيشة المطرد”، “الصراع الليبرالي الإسلامي”، “سوق الأسهم”، “مساهمات النصب والإحتيال”، وغيرها من كثير القضايا التي لم يكن للتدوين السعودي أي دور في طرحها بشكل جدي.
لنستطيع جميعاً كمدونين تجاوز حواجز الخوف هذه فإنني أقترح بعض الوسائل المساعدة:
1- تثقيف الذات حول حق التعبير عن الرأي :
إذا كنت تملك قلباً حي ولم تقرأ كتاب “طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد” للعلامة الإصلاحي الشيخ عبد الرحمن الكواكبي فإن ذلك سبباً آخر يبرر تأخرك عن الدخول لعالم التدوين السعودي الإجتماعي والسياسي الجاد. على كل مدون ومدونة سعوديين يعتقد أن لديه إشكاليه حول قضايا فكرية حساسة مثل “الحرية”، “الديموقراطية”، “النهضة”، “العلاقة مع الآخر” أن يقرأ هذا الكتاب الرائع. لم أجد كتاباً في حياتي يحيي القلوب، ويشحذ الهمم، ويغير من مجرى حياتك مثل هذا الكتاب -بعد كتاب الله عز وجل بالطبع-. وهناك العديد من الكتب الجيدة الأخرى التي ربما نتكلم حولها في المستقبل.
2- توفير الحماية الذاتية لمجتمعنا التدويني السعودي :
لابد أن نعلم علم اليقين بأن إقدام الحكومة على إعتقال مدون لأنه عبر عن رأيه هي فضيحة بكل المقاييس. لأن ذلك سيضع حكومتنا في صف واحد مع الحكومات التي فعلت نفس الشيء سواءً في الصين أو إيران أو كوبا أو غيرها. وآخر شيء تريده الحكومة أن يضاف لسجلها على المستوى العالمي أنها تقوم بإعتقال المدونيين السلميين. نعرف بأنه لا يمكننا منع الحكومة من إعتقالنا وتكميم أفواهنا، ولكننا يمكن أن نتعهد بالوقوف مع بعضنا البعض. نقف مع كل من يمر بهذه المحنة لا سمح الله. يمكننا الوقوف معه وذلك بالكتابة عنه، متابعة أخباره، الدفاع عن حقه في التعبير عن رأيه، مخاطبة وسائل الإعلام العربية والعالمية ومنظمات حقوق الإنسان حول قضيته، تصميم شعارات دعائية عن قضيته وتوزيعها على المدونات ومواقع الإنترنت، توقيع الوثائق المطالبة بالإفراج عنه. ولا أنسى هنا أن أقترح التواصل مع “مرصد المدونين” وغيره من الجهات المهتمة بمتابعة أخبار المدونين.
3- التعلم من تجارب المدونين الآخرين :
لنطلع على التجربة المصرية ونرى ماذا عملوا لأجل عبد المنعم؟ لنتعلم كيف أصبح وائل عباس على لسان الجميع؟ لنتعلم كيف أثر المدونين الكويتيين في الساحة الكويتية وعملهم من خلال حركة “نبيها خمسة”. ماذا عن مقاضاة وزير بحريني لمدون بحريني شهير ووقوف الجميع معه؟ ماذا عن مقاضاة مسؤول حكومي جزائري لمدون جزائري ووقف الجزائريين معه؟ ماذا عن التدوين التونسي والذي أصبح يضرب به المثل على المستوى العالمي لجودته وتأثيره؟

معاً، كيف نجعل من التدوين السعودي تاريخاً يكتب بماء الذهب؟

عيش هم الشعب
رغماً أن التدوين هو عمل فردي ويعبر عن ذاتك كفرد. إلا أن ذلك لا يعني أن تكون بعيداً عن هم المواطنين. لا يهم إذا كنت تعيش في وضع مالي رائع، فأغلب الشعب 80٪ مديونين للبنوك وغيرها بسبب الأسهم والمساهمات الوهمية. لا يهم إذا كنت تذهب لمدرسة خاصة أو أبنائك يدرسون في مدرسة خاصة رائعة، فأغلب الشعب يدرس أطفالهم في مدارس حكومية تعاني من مشاكل حقيقية في المناهج، المباني، المدرسي، بيئة المدرسة. لا يهم إذا كنت تذهب للعلاج في مستشفى خاص أو لديك تأمين صحي، فأغلب المستشفيات الحكومية غير صالحة للإستخدام البشري، والمواطنين يشحذون منح العلاج على أبواب الحكومة. لا يهم إذا كنت في وظيفة ممتازة فنسب البطالة بين الشباب مرعبة والمستقبل أسوأ. لا يهم إذا كانت المرأة في عائلتك تعيش في وضع جيد، فالمطلقة في بلادنا في حال صعب، وكذلك العانس والأرملة والفتاة الشريفة التي تبحث عن لقمة عيش لتعين بها نفسها وعائلتها. إذا لم تكن قد دخلت السجن فذلك لا يمنعك عن أن تعبر عن قلقك مما يجري خلف السجون في بلادنا. إذا كنت لا تعيش أي من هذه المشاكل، فلا تكن أنانياً وكن لسان غيرك.

كن يقظاً
تابع الأخبار، كبر إذنيك، أحضر للمجالس واللقاءات العامة. اسمع، ناقش، ثم عد لمدونتك وعبر عن رأيك وأنقل ما سمعته. اجعل من مدونتك بديلاً عن غثاء المنتديات ونفاق الإعلام السعودي.

كن حكيماً
أحد أهم الدروس التي تعلمتها من تجربتي التدويني السابقة أن لا أنجر خلف مشاعري. كن حاداً عندما ترى ذلك، وكن لطيفاً عندما يؤدي ذلك رسالتك بشكل أفضل. صرح بالأسماء إذا كان ذلك سيثير ويخدم القضية، وأخفها عندما لا يكون لإظهارها نفعاً. ليس المطلوب أن تكون كل تدويناتك بنفس الحدة أو الصراحة أو الحماس. ولكن المطلوب أن تكون حكيماً وليس ضعيفاً.

كن مقبولاً
حاول أن تكون واضحاً، صريحاً، مختصراً. وقليل من السخرية اللاذعة ستجعل من موضوعك مادة تحكى وتنقل.

تحرك واطلق حملتك
للأسف الشديد أننا كسعوديين لسنا جيدين في “العمل الجماعي” وانعكس ذلك كثيراً على الإنترنت. لذلك فإن الحل هو ليس في الحلول الجماعية ولكن في التنسيق البسيط والعمل السريع. هل ترى مثلي بأن البنوك السعودية هي مجموعة من العصابات والمافيا واللصوص؟ أكتب تدوينه عن ذلك، صمم بانرات إعلانية نستطيع وضعها في مدوناتنا، أكتب وثيقة إحتجاج واطلب منا التوقيع عليها. ماذا عن تخلف وزارة التعليم؟ ماذا عن مقابر الصحة “المستشفيات الحكومية”؟ ماذا عن “يوم التضامن مع شباب البطالة”؟ ماذا عن الإصلاحيين المسجونين بلا محاكمات؟. التدوين السعودي لا ينقصه الأفكار الخلاقة ولكن ينقصه الإرادة والقيادة. هذه فرصتك لتتقدم الصفوف وتقودنا جميعاً للترويج لهمك من خلال الكتابة عن حملتك في مدوناتنا ووضع الإعلانات ذات العلاقة.

كن مبدعاً
الإبداع هو العامل الرئيسي في نجاح مدونتك. كلما كنت مبدعاً في طرحك، كلما كسبت جمهوراً أكثر. الإبداع يختصر الكثير والكثير من الجهد والعمل. هل تذكر كوكب بلوتو الذي تم طرده من المجموعة الشمسية؟ ماذا لو نشر أحد المدونين خبر ساخر بأن قاض سعودي ما قام بتطبيق منحة أرض عليه بالكامل لصالح أحد الشخصيات المشهورة بسرقة أراضي الشعب بإسم “المنح الملكية”؟. ماذا لو قام هذا المدون بتصميم صورة كأنها إعلان في صحيفة عكاظ حول ملكية الكوكب وإن كان لأحد من المواطنين الإعتراض على هذا التملك ويملك أوراق تثبت زعمه أن يتقدم للمحكمة في تاريخ معين. سينتشر هذا الإعلان الساخر كإنتشار النار في الهشيم.

تجاوز الخلافات
همك هو الإصلاح. تجاوز المدونات التي تسعى لهدم جهودك. لا ترد وإن فعلت فاجعل ردك مختصر وسريع. محاولة جرك لمعارك جانبية ستنهك جهدك وعقلك. لا تقع في ذلك الفخ.

كن واثقاً
نحن معك. نحن خلفك. نحن في صفك. الله معنا بإذن الله. الوطن معنا ومعك.

كن مستمتعاً
العمر رحلة قصيرة. والوطن هو مستقبلنا ومستقبل أبناءنا. سجل شيء مشرف في حياتك يمكن أن تفتخر به يوماً من الأيام مع عائلتك. إستمتع برحلتك التدوينيه هذه. كن مرتاحاً ولا تجعل أعصابك مشدودة. لو كان عددنا عشرون مدون ومدونة فقط فإنه من الصعوبة الشديدة نتعرض لأي أذى لأنها ستكون وصمة عار .

سؤال وجواب

س- لماذا يجب أن نتحرك الآن؟
ج- لأن وضع المجتمع السعودي لا يحتمل التأخير:
– إقتصادياً: على الرغم من دخل النفط الخيالي خلال الأعوام الماضية إلا أن وضع المواطن من سيء لأسوأ ولم نرى أي عائد إيجابي على حياتنا. أرقام البطالة في تزايد ملحوظ. سوق الأسهم سرق مدخرات الشعب. مساهمات الأراضي الوهمية ومساهمات “سوا” يشير إلى مؤامرة على هذا الشعب لإفقاره حتى لا يتطلع لأي حقوق سياسية.
– سياسياً: لازال الشعب بعيداً جداً عن أن يتدخل في مناقشة أموره السياسية. كل ما علينا هو الثقة في الحكومة وتقديم الطاعة العمياء لها. إن كان هذا الأمر كان مقبولاً في عصر آبائنا، فهو لم يعد مقبولاً هذه الأيام. من حقنا أن نتكلم في السياسة التي تدير بها الحكومة أمور حياتنا.
– أمنياً: كلمة “بلد الأمن والأمان” أصبحت نكتة يتندر بها المواطنين. السرقات منتشرة بشكل عجيب كما يعرف كل الناس. الإرهاب والتفجيرات واقع مر ونتيجة لضياع الشباب.
– إجتماعياً: التفكك الأسري، المخدرات، الحشيش، حالات الإنتحار، كلها في إزدياد مضطرد وما عليك سوى الإطلاع على بعض الإحصاءات والحقائق المنشورة بالغلط في بعض الصحف أو سؤال من تعرف يعمل في مراكز الشرطة، المباحث، مكافحة المخدرات، الهيئة.. قوى نصف المجتمع (المرأة) لازالت معطلة تحت ذرائع لم تعد مقبولة.
– حقوقياً: الالاف من المواطنين في السجون كما صرح وزير الداخلية وبدون محاكمات حتى الآن.

إذا كانت كل هذه الأسباب غير كافية لنا لأن نتحرك ونرفع أصواتنا لإصلاح وطننا، فمتى إذاً؟

س- ماهو مستقبل المجتمع السعودي؟
ج- كل ما تحتاجه لتعرف أين نتجه كمجتمع سعودي هو أن تفعل التالي:
1- أنظر لما يحصل في بلادنا بنظرة متجردة من العواطف. ستجد أن الحقائق على الأرض مروعة.
2- اقرأ شيئاً من التاريخ عن ما حصل لغيرنا من الدول ممن عاش في مرحلة مثل مرحلتنا هذه، وماذا حصل لهم عندما لم يتحركوا للمطالبة بالإصلاحات.

س- ماهو موقفنا من أعمال العنف في السعودية؟
ج- يجب أن يكون موقفنا كمدونين سعوديين حازماً من أعمال العنف التي حصلت وتحصل في بلادنا. ويجب أن نسمي ما يحصل بإسمه الحقيقي وهو “الإرهاب”. ويجب أن نعلن شجبنا ورفضنا التام والغير مشروط لهذه الأعمال. يجب أن لانسمح لأحد بأن يزايد علينا تجاه وفائنا وحبنا لمجتمعنا ومقدراته. هذا الشجب والموقف الحازم من هذه الأعمال لا يمنعنا من محاولة قراءته وتفسيره والبحث فيه بشكل آخر غير ما تريدنا الحكومة والإعلام السعودي أن نقتنع به. من وجهة نظري الشخصية، أن الجميع يتحمل المسؤولية. ممكن أن نختلف في توزيع نسبة المسؤولية بين كل الأطراف (المجتمع، الحكومة، التيار الديني، الإعلام،المناهج،…) ولكن لا يمكننا أن نكون جميعاً متحدين على تحليل واحد لمسببات الإرهاب وطريقة مواجهته. يجب أن لا ننسى بأن الالاف من هؤلاء الشباب الذين وقعوا في هذا التطرف هم أبناءنا وأقاربنا وجيراننا. لا يمكن ولا يحق لنا أن نتخلى عنهم وننساهم في السجون ونتركهم فريسة للضياع والمزيد من التطرف. هم جزء من المجتمع وهم ضحيته.

س- لماذا نعول على التدوين كثيراً؟
ج- خذ عندك هذه الحقائق:
1- نصف المجتمع السعودي 50% لم يبلغ خمسة عشر سنةً.
2- إستخدام الإنترنت حالياً يبلغ 13% من السكان وفي إزدياد مضطرد.
3- خطوط الإتصال السريعة في إزدياد مطرد.
4- تكلفة الإتصال بالإنترنت في إنخفاض مستمر.
5- الإعلام السعودي ليس إعلام حر. ما ينشر في الإعلام لا يمثل واقع المجتمع السعودي. ولا يمكن للمواطن نشره ارآه الحقيقة في الإعلام السعودي.
6- الوضع الإقتصادي للمواطنين من سيء إلى أسوأ.
7- المنتديات ستصبح قريباً موضة قديمة.
8- الجيل الجديد من الشباب والشابات السعوديين هم أكثر إنفتاحاً، أكثر جرأة، أكثر إزعاجاً ومطالبة لتلبية رغباتهم.
9- ليس هناك بدائل أخرى. فليس هناك تجمعات عامة مسموح بها لمناقشة قضايا المجتمع الحقيقية.
10- نحن مثل باقي المجتمعات وسيؤثر التدوين في مجتمعنا مثلما أثر في مجتمعات الغير.

كل المؤشرات تشير إلى أنه سيكون هناك إستخدام أقوى للإنترنت للجيل الجديد من السعوديين. وسيكون التدوين هو الوسيلة المفضلة للسعوديين للتعبير بحرية عن آرائهم. كل الذي يحتاجونه هم بعض القيادات التدوينيه ليتأثروا بها وتحركهم.

س- هل المدونين السعوديين هم من سينقذ المجتمع؟
ج- ليست القضية تضخيم لهذه الفئة من المجتمع. ولكن المدون والمدونة السعوديين لديهم من المؤهلات ما يجعل المراهنة عليهم هو رهان ناجح. مثلاً:
1- المدونين السعوديين اختاروا أن يستخدموا الإنترنت بشكل إيجابي.
2- المدونين السعوديين يشغلهم حالهم وحال مجتمعهم. ويهتمون بما يجري فيه. ولا يكتفون بالإهتمام ولكنهم يخصصون جزأً معيناً من وقتهم اليومي لكتابة وتوثيق أفكارهم ومشاعرهم.
3- المدونين السعوديين هم منفتحين بالفطرة. فهم يشاركون مواطنيهم بأفكارهم وإهتماماتهم وحلولهم. هم ينشرون ما يؤمنون به على العالم كله.
4- المدونين السعوديين يؤمنون بالحوار. فهم يزورون مدونات بعضهم البعض ويتبادلون الآراء والأفكار والإهتمامات.
5- المدونين السعوديين متنوعين. فهم ليسوا من منطقة واحدة أو وضع إجتماعي واحد أو خلفية ثقافية واحدة.
6- المدونين السعوديين ينشرون التفاؤل. أغلبهم في العشرينات من العمر. وذلك يعني أن المستقبل سيكون واعد. أضف إلى ذلك، من هم البديل؟ شباب التفجيرات؟ أبداً. الشباب السلمي الخامل؟ أبداً.
7- المدونين السعوديين مثقفين. فهم يقرأون الكثير يومياً على الإنترنت.
8- المدونين السعوديين تغلب عليهم الشجاعة. كثير منهم يدونون بأسماءهم الحقيقية. وجزء كبير من البقية سيفعل ذلك يوماً ما.

س- ماذا نريد كمدونين سعوديين؟
ج- في الحقيقة، أن ما يريده المدون السعودي هو نفس ما يريده المواطن السعودي. نحن لسنا حركة معارضة سياسية تستخدم الإنترنت كوسيلة للعمل السياسي. نحن مواطنين مثل باقي الشعب . نحن لسنا في حرب مع أحد. كل الذي نريد عمله، هو نقل مشاعر ومواقف المواطن السعودي العادي تجاه كل القضايا التي تمسه في حياته اليومية. كل الذي نريده هو المشاركة في صناعة مستقبلنا. نحن أفراد من الشعب يعلنون عن هوياتهم في كثير من الأحيان ويتكلمون بجرأة وصراحة تجاه القضايا المهمة لمجتمعهم. الطريف والجميل أنه لا يشترط أن تكون مواقفنا واحدة تجاه كل قضية. ولا يحق لأي مدون فرض رأيه على باقي المدونين. بل إننا ضد فكرة “العقل الجماعي” أو “تفكير القطيع”. ميزتنا أننا نتقبل الإختلاف ونتعامل معه كواقع وجزء من طبيعة هذه الحياة.

نحن نريد أن نعيش في وطن آمن..وطن نحبه ويحبنا..
لا نريد أن نعيش تحت ظلال الخوف والرهبة..
نريد نظام تعليمي يخرج شباباً جاهزين لمصارعة الحياة وخدمة وطنهم..
نريد مستشفيات حكومية وعلاج حكومي مجاني يحترم آدميتنا..
نريد شوارع سليمة من الحفر والمطبات..
نريد مساعدتنا في بناء منازلنا وليس نهبنا من خلال “مساكن”..
نريد أن يتاح لنا التفكير بحرية..والنقاش بحرية..
نريد أن يتاح لنا التجمع بحرية وليس من أجل المباريات الكروية فقط..
نريد أن يسمع المسؤولين صوتنا..
نريد أن نعيش ونحن مطمئنين بأننا لن نتعرض للظلم والإعتقال لأننا جريئين ونفكر ونتكلم بصوت عالي…

تدوينات مشاركة بفعاليات أسبوع لفؤاد:

تعليقات فيس بوك

5 thoughts on “أسبوع لفؤاد: مستقبل التدوين السعودي (1)

  1. Pingback: I B R A H I M » أرشيف المدونة » أسبوع الحريه لأجل فؤاد

  2. Pingback: || مدونة ماشي صح || » سلام من فؤاد في أسبوع فؤاد

  3. رهف

    مين يسمع ومين يشوف ,,,,,,,,,,,,,,,
    محد دارى عن شئ كتير من الشعب مظلم فى دولته ومش اى دوله دوله معروفه ع الواطن العربى كله
    والكل يقول احسن وانى دول
    تعاله شوقه ايش فيها
    محد دراى عن شئ حتى …,,,؟؟…..,,,,,
    مايعرفه شئ الله يحسن الاحوال
    شئ من جد يقهر فى وطنا وكدا
    ليش ولمتى السكوت والخوف لمتى ؟؟؟؟؟؟؟؟

    Reply
  4. Pingback: هل فعلًا غير التدوين حياتهم ؟ – مُنيره راشد

اترك رداً على رهف إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>