السماء لا تمطر ذهبا

في تصريحه الأخير لوسائل الإعلام، أشار وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف أن الدولة قد تضطر للسحب من احتياطياتها من أجل تنفيذ قرارات الدعم الأخيرة. ورغم أن هذه الاحتياطيات مستثمرة في سندات أمريكية غير ذات قيمة، وعوائدها منخفضة جدا، ومعرضة لخطر إنخفاض الدولار في أي لحظة، إلا أن استخدام هذه الاحتياطيات في هذا النوع من الإنفاق الغير منتج بدل الإستثمار سيكرس النظام الاقتصادي الريعي الذي يعتمد عليه اقتصادنا بشكل كلي.

فالاقتصاد السعودي، إقتصاد غير منتج يعتمد بشكل شبه كامل على عوائد النفط، حيث يزيد حجم استيراد السلع والخدمات على 320 مليار ريال سنويا، يضاف عليها أكثر من 80 مليار ريال تكلفة العمالة الوافدة التي تقوم بتقديم جل الخدمات الداخلية نيابة عن المواطن. أي أن المواطنين يستهلكون ما قيمته 400 مليار سنويا من الخدمات والسلع والخدمات الداخلية المعتمدة على العمالة الأجنبية، في المقابل لا يتجاوز حجم ما يتم تصديره للخارج من الخدمات والسلع غير النفطية 100 مليار ريال، أي أن هناك فجوة كبيرة جدا تزيد على ال 300 مليار ريال سنويا بين ما نستهلكه وما ننتجه فعليا، وحتى ما يتم إنتاجه داخليا وتصديره مثل البتروكيماويات وغيرها من الصناعات فتعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي على شكل غاز رخيص أو طاقة رخيصة، وبمجرد إيقاف هذا الدعم فإن كثيرا من هذه الصناعات ستعجز عن الإستمرار.

كثير من قرارات الدعم الأخيرة وخاصة المتعلقة بدعم صندوق التنمية العقاري وبدل العطالة وزيادة الرواتب الحكومية لن تكون ذات جدوى أو ستتسبب في إختلالات جديدة، فمشكلة الإسكان لا يمكن حلها بضخ المزيد من الأموال في صناديق التمويل، لأن ذلك سيكون كصب الزيت على النار وتأجيج أسعار الأراضي أكثر، ولكن الحل يمكن في إصلاح هيكل سوق الأراضي الذي يعاني بسبب احتكار التجار، وقبل أن نتقدم في خطوة في أي اصلاحات متعلقة بالإسكان يجب أولا سن زكاة أو رسوم الأراضي التي ستدفع بأسعار الأراضي للإنخفاض حتما. أما بالنسبة لبدل العطالة، فلا يوجد تفاصيل حتى الآن لشكل هذا البدل، ولكن بكل الأحوال، فإن الأولوية هي علاج الاختلالات الموجودة في سوق العمل والتي يعود سببها الرئيسي للعمالة الرخيصة، فلا يمكن البدء بإعطاء بدل عطالة قبل إصلاح سوق العمل، كما أن نسبة العاملين السعوديين بسوق العمل قليل جدا مقارنة ببقية دول العالم، حيث أن ما يقل عن 20% من الذكور والإناث بين 24 سنة و 65 سنة يعملون في وظيفة، مقارنة ب 75% في أمريكا و 80% في الأردن. هذا يعني أن غالبية من لا يعمل ولا يبحث عن عمل سيطلب بدل العطالة بمجرد الإعلان عنه، وبالتالي سترتفع نسبة البطالة بشكل كبير جدا، وقد تصل أعدادهم لأكثر من مليونين مقارنة بأقل من 600 ألف الآن. أما رفع رواتب موظفي الحكومة فسيزيد من الفجوة الموجوة بين موظفي القطاع العام والخاص، حيث أن معدل رواتب القطاع العام يزيد على 7300 ريال شهريا، اما القطاع الخاص فمعدل الرواتب للسعودين أقل من 3200 ريال شهريا، مما سيزيد جاذبية القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص.

ما نحتاج له في المرحلة الحالية، هو أن نضع أقدامنا في طريق التحول لاقتصاد منتج، وقبل ذلك تهيئة الأرضية الصلبة لهذا التحول، ابتداءا بتفكيك شبكات الإحتكار التي تستنزف المواطن واقتصاد البلد، كاحتكار الأراضي والبنوك وغيرها من القطاعات كقطاع الإسمنت، وإصلاح سوق العمل بشكل جذري عن طريق رفع تكلفة العمالة الوافدة والقضاء على التستر، والبدء في بناء اقتصاد منتج صناعي يضمن للبلد نموا مناسبا وقادرا على استيعاب الأفواج القادمة من الشباب الذي سيدخل سوق العمل. فالاعتماد على النفط كمورد وحيد يمثل تهديدا حقيقيا لاقتصاد الوطن، فحجم الإستهلاك الداخلي للنفط يزيد على 3 مليون برميل يوميا، ونسبة النمو في الاستهلاك سنويا تزيد على 4%، وكثير من الخبراء يقولون أننا سنستهلك كل ما ننتجه من نفط خلال عشرين سنة فقط، يجب علينا أن نبدأ بخلق الثروة بأيدينا ابتداءا من اليوم، فالثروة تفنى ولا تستحدث من العدم.

تعليقات فيس بوك

20 thoughts on “السماء لا تمطر ذهبا

  1. أسامة الزهراني

    صحيح أن لدينا أنظمة تحتاج إلى تطوير ومواكبة العصر ولكن المشكلة الأساسية لدينا هو تطبيق الأنظمة والإجراءات الإدارية والرقابية والقضائية وبدون هذه المنظومة المتكاملة فأي إصلاح للاقتصاد وإن كان حقيقياً لن يجدي نفعاً فما بالك بـ “المكرمات!!؟” والتي ما هي إلا مثل المدمن عندما يُعطى جرعة هيروين لتخفيف معاناة مؤقته وفي الوقت نفسه تمدد وتفاقم المرض.

    Reply
  2. اسامة

    لايوجد رؤية مالية
    لا توجد رؤية سياسية
    لا يوجد خبراء اقتصاديون في الحكومة
    إحنا ماشين بالبركة
    الشيبان الذين يقودون البلد توقفت اعمارهم العقلية على 1960 عندما كانوا شباباً

    Reply
  3. رشيد

    “حيث أن ما يقل عن 20% من الذكور والإناث بين 24 سنة و 65 سنة يعملون في وظيفة”

    والباقي؟ هذه المعلومة مفجعة!
    الخطط والدراسات موجودة على حد علمي، ولكن ينقصنا التطبيق ومراقبة التطبيق!

    لك مني التحية أخي عصام،
    أخوك
    رشيد

    Reply
  4. سلوى

    ولو نأخذ بالحسبان أنه ستظهر خلال العشرين سنه القادمه قبل أستهلاكنا لما ننتجه من النفط موارد وطاقات أخرى يعتمد عليها العالم غير البترول ,,, كالطاقه الشمسيه أو النوويه أوو .
    أن يقوم أقتصادنا ع موارد مختلفه و متنوعه مطلب يحمينا وأجيالنا القادمه …

    Reply
  5. Mol7ed La7od

    والحلول تحتاج إلى وقت أطول سواء خمسية أو عشرية أو عشرينية. أما القرارات الأخيرة الإرتجالية الغير مدروسة فهدفها ليس إلا منع وصول الثورة.

    Reply
  6. عبدالله القحطاني

    هذي لعنه الثروة ياخوي عصام
    مرات اتمني اننا ماعندنا نفط ، كنا لسه نزرع و نصنع و نبني بأيدينا ..
    بالنسبه للسندات اعتقد ان انخفاض الدولار لا يؤثر عليها لان العمله مرتبطه بالدولار ..

    شكرا لك

    Reply
  7. ياسر

    أحسنت أخي عصام, لعلك من القلائل الذين ناقشوا هذه القرارات بموضوعية دون الإستسلام لحكمتها اللامتناهية. هذا يجعلني أستغرب أين اختفت جحافل المحللين والإقتصاديين الذين أتحفونا أيام الأسهم, وأين هم من مناقشة منافع ومضار هذه القرارات, وكأن مجرد التحليل المنطقي الإقتصادي صار زندقة وكفرا.
    أتفق معك أنها قرارات ارتجالية ولن تؤتي ثمارا دون اصلاحات هيكلية في قوانين العمل والعمالة, واستئصال الممارسات الإحتكارية على كافة الصعد.
    ولكن في النهاية, بما أن الموضوع لا يخرج عن كونه مكرمة وهبة ومنحة, علينا أن نقبل الأيادي وننطم.

    Reply
  8. عمر خالد

    زكاه على اراضي شكلها مافي امل

    لأن المشرع هو نفسه التاجر

    وافهم يا فهيم

    Reply
  9. سند القحطاني

    أخونا في الأسلام العساف يقول احتيطاتنا

    وهو ما يدري أن الدولة أكبر مصدرة للنفط في العالم

    أي بحسبه بسيطه

    13 مليون برميل يومياً * 100 دولار = مليار وثلامائه مليون دولار يومياً

    مليار وثلاثمائه مليون دولار يومياً * 350 يوم = 445 مليار دولار سنوياً

    445 مليار دولار سنوياً * 3.75 سعر الصرف = 1 ترليون و706 مليار و250 مليون ريال

    بحسبه بسيطه تعتبر ما تسمى مكرمة ملكية 6% من اجمالي ميزانية النفط فقط فقط فقط فقط

    Reply
    1. عبدالله القحطاني

      اخوي سند
      ملاحظه بسيطة بس ، الانتاج من النفط في السعوديه هو ٨،٥ مليون برميل و الطاقه القصوى هي ١٢ مليون برميل ، السعودية تحتفظ بفائض انتاجي بين مليونين الي ثلاثة و نص و هو الحاصل حاليا. النفط هذا لا يباع كاملا بل يستهلك منه محليا في حدود مليونين و نص يعني انا ما يصدر هو ستة ملايين برميل و ليس ١٣ مليون . ما تراه في شاشة التلفيزيون هو سعر النفط العاجل و اغلب العقود تكون اجله و باسعار اقل من ماهو موجود في التلفيزيون.
      تحياتي لك

      Reply
      1. سند القحطاني

        اول شكراً على التعليق الرائع

        ثانياً ما ذكرته أخي عبدالله في تعليقي هو صادرات الدولة وليس انتاجه

        صحيح أن أنتاج الدولة 13 مليون برميل يومياً

        ولكن لا يقل صادراتها 9 إلى 10 مليون برميل

        واعتقد أن هذا ليس محل الخلاف بقدر أين ذهبت أموال الوطن والمواطن ولماذا يتم التعامل معنا كأننا مجموعة من الجياع ما يقدم لهم هو صدقة ومكرمة ؟؟؟

        Reply
  10. عائض

    أعتبر مقالتك أخي عصام من أجمل ما كتب حول هذا الموضوع لأنك عالجت المسألة من الجذور , سأركز على نقطة مهمة وهي الإحتكار , فإحتكار الأراضي هو الذي رفع تكاليف بناء المنازل ووتكاليف الإيجارات وتكاليف المعيشة وتكاليف الأعمال overhead costs وذلك كله من أجل مجموعة من الإقطاعيين ومحتكري الأراضي والبنوك وشركات الإسمنت والتأمين وغيرها ….

    المسألة الأخرى هي كما تفضلت عدم وجود نظام ضريبي على الأراضي لفك الإحتكار بل ينبغي بالأصل قيام نظام يمنع الإحتكار وينزع الملكيات إذا كان منها تضرر فليس معقولا أن تضم مدينة الخبر مثلا قطع من الأراضي كبيرة المساحة داخل النطاق العمراني لا نعرف من هم أصحابها ولا يوجد لديهم نية حتى لتسويرها ويعرض سعر المتر فيها بـ 3000 ريال ..

    تخيل لو أريد شراء قطعة أرض في الخبر لبيت بسيط ينبغي أن أدفع ما قيمته 700 ألف على الأقل ومن ناحية أخرى تمنع البلدية والدفاع المدني أن تبني بيتك بطرق أخرى غير الإسمنت ( المحتكر) و الحديد !

    على أية حال ما لم يتم محافحة الفساد ومنع الإحتكار ثم وجود نظام تعليمي عصري أشك تماماً أن نتمكن في عمل أي شيء لو انتهى عصر النفط !

    Reply
    1. سند القحطاني

      اخوي عائض ارجوك نتكلم بصراحة ونبتعد عن الكلام المنمق

      والشعارات الفضفاضه

      تقول في آخر تعليقك
      ( على أية حال ما لم يتم مكافحة الفساد ومنع الإحتكار ثم وجود نظام تعليمي عصري أشك تماماً أن نتمكن في عمل شيء لو انتهى عصر النفط )

      سؤالي بالمختصر والصراحة من هو الشخص المأمول منه أن يكافح الفساد ويوقف الإحتكار ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لا تقول جهات رقابيه !!!!!

      Reply
  11. خالد المنصور

    عزيزي عصام
    لا اعتقد ان هذه الجملة صحيحة: “حيث أن ما يقل عن 20% من الذكور والإناث بين 24 سنة و 65 سنة يعملون في وظيفة، مقارنة ب 75% في أمريكا و 80% في الأردن.” اللي اصغر من ٢٤ اطفال وطلبة وطالبات وقله قليله من العاملين فوق ١٨ سنة. وعدد العاملين اكبر من ٦٥ لا يوجد او بالكاد يذكر. احذف من هذه الفئة العمرية الاناث ماعدا العاملات منهن في التعليم والصحة وبعض المرافق الحكومية كالجوازات والأمن وبعض الجهات الخاصة وستدرك ان نسبة ٢٠٪ مغلوطة.
    الذي اعرفه مما نشر من قبل ان البطالة لهذه الفئه العمرية هي ٢٠٪ للذكور فقط 

    Reply

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>