كيف تؤثر أسعار النفط على أسعار الأراضي؟

مع كل ارتفاع لأسعار النفط يبدأ تساؤل المواطنين عن مدى استفادتهم من هذه الطفرة، ويكاد يكون الرأي السائد بينهم أنهم لم يشعروا بأي أثر إيجابي لهذا الارتفاع، بل إن كثيرا منهم يعتقد أن هذه الارتفاعات كان لها أثر سلبي على المستوى المعيشي، حيث يترافق مع ارتفاع أسعار النفط ارتفاع في سعر السلع والخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع حاد في أسعار العقار وخاصة أسعار الأراضي.

قد تكون هناك زيادات طفيفة في مستويات الدخل للموظفين الحكوميين أو حتى موظفي القطاع الخاص مع كل طفرة نفطية، ولكن أثر هذه الزيادة يتوارى تماما أمام زيادات الأسعار الأخرى وخاصة أسعار العقار والأراضي. فمع كل طفرة نفطية تقفز أسعار الأراضي بشكل حاد، وفي الطفرة الأخيرة ارتفعت أسعار الأراضي خلال ثمان سنوات من ارتفاع أسعار النفط بنسبة تتجاوز 400%. فما هو تفسير هذه الزيادة في أسعار الأراضي مع كل طفرة نفطية؟

عندما ترتفع مداخيل الحكومة من النفط، ترتفع مستويات الإنفاق الحكومية، خاصة في المشاريع الاستثمارية الضخمة. ريع هذه المشاريع والتوسعات يستفيد منه بشكل أساسي ملاك الشركات في القطاع الخاص، خاصة قطاع المقاولات وبعض القطاعات الأخرى التي تستفيد من الإنفاق الحكومي. ينتقل جزء كبير من فوائض دخل النفط من الحكومة إلى التجار والمستثمرين. يبحث هؤلاء التجار عن قناة لاستثمار فوائضهم من الأرباح فلا يجدون أفضل من الأراضي كوعاء لحفظ ثرواتهم وتنميتها. فبدل أن يستفيد المواطن من الزيادة المحدودة لدخله في شراء الأراضي وبناء مسكنه، يزاحمه التجار الذين يبحثون عن قنوات لاستثمار أرباحهم المتزايدة مع كل زيادة في الإنفاق الحكومي، فترتفع أسعار الأراضي إلى مستويات جديدة تتجاوز قدرة المواطنين، ومع كل ارتفاع في أسعار الأراضي تزداد قناعة التجار بصواب خيارهم في حفظ ثرواتهم في تلك الأراضي فيستثمرون المزيد من فوائض أرباحهم في تلك الأراضي وترتفع الأسعار أكثر فأكثر. هذه الدوامة السلبية والضارة بالاقتصاد والمستهلك هي نتيجة مباشرة لوضع سوق العقار والأراضي بالتحديد، حيث أن الوضع القائم الذي يسمح باحتكار الأراضي بدون تكلفة حقيقية على من يملكها، هو الذي يدفع أسعارها للارتفاع مع كل طفرة جديدة في أسعار النفط ومستويات الإنفاق الحكومي.

الآن ومع النزول الحاد في أسعار النفط، سيتقلص الإنفاق الحكومي على المشاريع وستقل السيولة المتوفرة في أيدي التجار، وبالتالي سيضعف الطلب على الأراضي من قبل التجار، ونتيجة لذلك ستنخفض أسعار الأراضي. قد يستغرق ذلك سنة أو سنتين من لحظة تقليص الحكومة لإنفاقها مع افتراض استمرار مستويات أسعار النفط على مستواها الحالي القريب من 70 دولارا، وحتى لا تعاد الكرة من جديد مع الطفرة القادمة يجب إصلاح السوق من جذوره وسن قوانين تمنع الاحتكار، وعلى رأس تلك القوانين قانون فرض رسوم الأراضي.

تعليقات فيس بوك

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>