لماذا لا تفتح الدول المتقدمة أبواب الاستقدام على مصراعيها؟

في المقال السابق تحدثنا عن الأرقام الحقيقية لنسب العمالة الوافدة في الدول المتقدمة، وذلك في سياق الرد على مبالغات من يدّعي أن الدول المتقدمة تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة. حيث بيّنت الأرقام أن نسب العمالة الوافدة في غالبية الدول المتقدمة تتراوح بين 5 إلى 15% مقارنة بأكثر من 70% في السعودية.

وفي هذا المقال نتحدث عن السبب الذي يجعل تلك الدول تتحفظ على فتح أبواب الاستقدام بشكل كامل، رغم أن العمالة الوافدة ستقلل نظريا من تكاليف الخدمات. وسأركز على الجانب الاقتصادي وسأتجاهل الجوانب الاجتماعية والسياسية رغم أهميتها أيضا.

حتى تتضح الصورة، لنفترض أن أحد تلك الدول المتقدمة – على سبيل المثال أمريكا، والتي يوجد بها من العمالة الوافدة أقل من 14% – قررت فتح أبواب الهجرة إليها على مصراعيها وبدون تحفظ. ما الذي سيحدث؟

حصة الفرد من الناتج القومي في أمريكا حوالي 53 ألف دولار، وهي من أعلى الأرقام في العالم. في المقابل فإن معدل حصة الفرد في العالم لا تتجاوز 10 آلاف دولار. كما أن كثيرا من الدول ذات الكثافة السكانية كالهند وباكستان وإندونيسيا لا تتجاوز حصة الفرد فيها 5 آلاف دولار. أي أن حصة الأمريكي توازي عشرة أضعاف حصة الفرد في تلك الدول. النتيجة المباشرة لفتح أبواب الهجرة لأمريكا، أن أعدادا ضخمة جدا ستهاجر من دول العالم الأفقر إلى أمريكا، ومع كل زيادة في عدد المهاجرين سيزداد عدد سكان أمريكا وستنخفض حصة الفرد معها، لأن الزيادة في تدفق المهاجرين لن توازي الزيادة في حجم الناتج القومي لأمريكا. وستستمر الهجرة إلى أمريكا حتى تنخفض معدلات دخول العاملين في أمريكا لأرقام مقاربة للمعدل العالمي أو حتى مقاربة لمعدلات الدول الأفقر كالهند وإندونيسيا.

بالإضافة للضرر المباشر على مستوى دخول المواطنين في أمريكا، فإن مستوى الخدمات العامة سيتدهور بشكل مطرد، فبينما كانت تلك الخدمات موجهة لثلاثمائة مليون، فإنها الآن مضطرة لخدمة مليار أو أكثر. أما الضرر الاقتصادي الجوهري، فهو أن وفرة العمالة الرخيصة ستقتل أي حافز لرفع الإنتاجية، فعندما تتوفر اليد العاملة الرخيصة فلن يكون هناك دافع للاستثمار بالتقنيات والمعدات التي تقلل الحاجة لليد العاملة. وبالتالي سيتباطأ أو يتوقف نمو الإنتاجية للفرد ومعه يتوقف أو يتباطأ نمو الدخل للمواطنين. وفي المقال القادم سأستشهد بقصة محلية حقيقية تظهر بجلاء العلاقة بين صعوبة الحصول على اليد العاملة الرخيصة وزيادة الإنتاجية.

تعليقات فيس بوك

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>