لماذا عادت أمريكا للصناعة؟ (2/2)

"القتال من أجل الصناعة الأمريكية هو القتال من أجل مستقبل أمريكا" هكذا أعلنها الرئيس أوباما في أحد خطاباته بعد الأزمة المالية الأخيرة. استوعب صناع القرار في أمريكا بعد حوالي عقدين من الاحتفاء بالاقتصاد الجديد – الذي يشمل في غالبه على قطاعات غير صناعية – أن الصناعة يجب أن تستمر ركنا أساسيا في أي اقتصاد يبحث عن النمو المستدام وخلق الوظائف المناسبة لكل شرائح المجتمع. تآكل القطاع الخاص الصناعي في أمريكا أدى إلى فقدان الملايين من الأمريكيين لوظائفهم، وأكثر المتضررين هم من كان من الطبقة المتوسطة ممن لا يحملون مؤهلات علمية عالية، حيث أن الصناعة، وعلى عكس كثير من القطاعات الأخرى، قادرة على توفير وظائف بمرتبات عالية حتى لو كان الموظف لا يحمل مؤهلا عاليا، وتشير الأرقام أن معدلات الرواتب في القطاع الصناعي تزيد عن معدلات الرواتب في القطاعات الخدمة بأكثر من 15%. "الصناعة كان ينظر لها دائما أنها ركن ضروري لأي اقتصاد قوي. فهي تخلق ملايين الوظائف عالية الدخل لأولئك الذين يحملون فقط شهادة الثانوية، والذين يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع. لا يوجد قطاع آخر يسهم في رفع إنتاجية الدولة بشكل عام كما تسهم الصناعة، حسب رأي الاقتصاديين" النيويورك تايمز – 2009.

لا يوجد دولة بالعالم أقدر من أمريكا على أن تنمي قطاعاتها الخدمية وقطاعاتها المعتمدة على الابتكار أو البرمجيات أو الترفيه أو السياحة، فلدى أمريكا أفضل جامعات العالم وأفضل مراكز الأبحاث، وفيها وادي السيليكون منبع غالبية شركات الإنترنت والتقنية التي يعتمد عليها أغلب سكان الأرض، وهوليوود أكبر منطقة لإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية، بالإضافة لأكبر شركات الاستشارات الإدارية والمحاسبة، ورغم ذلك، لم يستطيع الاقتصاد الأمريكي أن يحافظ على زخمه وقوته بمجرد أن بدأت الصناعة بالتآكل والاضمحلال، مع العلم أن التآكل لم يكن بالحجم الذي يتصوره البعض، فالانخفاض في الإنتاج الصناعي وتباطؤ نمو القطاع الصناعي كان صغيرا، ورغم ذلك كان التأثير كبيرا وآثاره السلبية اتضحت بشكل سريع على حيوية الاقتصادية وعلى معدلات البطالة. "الهدف هو إيقاف تباطؤ الصناعة. لقد كانت الركن الذي بنيت على أساسه الطبقة المتوسطة، من الصعب أن أجد طريقة أخرى لبناء تلك الطبقة من دون إعادة إحياء النمو الصناعي" ثي ليي -رئيس سياسات اتحاد العمال للمنظمات الصناعية الأمريكية.

إذا كانت أمريكا عاجزة عن التخلي عن الصناعة، ولا يمكن لاقتصادها أن يستمر بالنمو والحفاظ على المستوى المعيشي لمواطنيها من دون صناعة، فما بالك بالدول الأخرى، خاصة تلك الدول التي ليس فيها أي أفضلية علمية أو بحثية. الصناعة هي قلب الاقتصاد والقطاعات الأخرى شرايينه، لا قيمة لأي شريان من دون قلب.

مقالات متعلقة:

  1. لماذا عادت أمريكا للصناعة؟ (1\2)

تعليقات فيس بوك

3 thoughts on “لماذا عادت أمريكا للصناعة؟ (2/2)

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>