هل ستختفي المشاريع المتعثرة؟

هل سيكون لحملة وزارة العمل والجوازات ضد العمالة المخالفة دور في تقليل نسبة المشاريع المتعثرة؟ قد يكون الجواب البديهي لهذا السؤال هو النفي. الكثيرون يعتقدون أن الحملة الأخيرة ستؤدي لتعثر مزيد من المشاريع، سواءً كانت هذه المشاريع في القطاع الخاص أو الحكومي. وقد يكون ذلك صحيحا على المدى القصير. ولكن تأثير الحملة سيكون إيجابيا وبشكل ملحوظ في زيادة كفاءة المشاريع وتقليل نسبة التعثر على المدى الطويل.

الغالبية العظمى من شركات المقاولات تستخدم العمالة السائبة أو تستأجر عمالة من شركات أخرى. حيث تشير أحدى الاستطلاعات أن نسبة العمالة غير النظامية في شركات المقاولات تتجاوز 50%، هذه النسبة المرتفعة من العمالة المستأجرة ترفع التكاليف على شركات المقاولات، كما أنها تقلل من كفاءتها، فمن الصعب المحافظة على تلك العمالة أو مراكمة الخبرات لديها، أو حتى وضع أنظمة تزيد من أداء الشركة ككل ما دامت العمالة مؤقتة وغير مستقرة. بالإضافة لاستخدام عمالة ليست تحت كفالة الشركة، فإن كثيرا من شركات المقاولات تضطر لمنح عقود بالباطن لشركات أخرى، والسبب الرئيسي لذلك هو عجز الشركات عن إيجاد عمالة كافية لتنفيذ المشروع، وقد نجد في بعض المشاريع أن هناك أكثر من أربعة طبقات لعقود الباطن. كل ذلك يزيد الوضع سوءا ويعيقها عن تنفيذ المشاريع بالجودة والوقت والتكلفة المناسبة. ورغم ذلك، فإن المشكلة الأكبر لا تكمن في استئجار العمالة الذي يرفع التكلفة ويقلل الكفاءة أو حتى عقود الباطن. المشكلة هي أن تلك العمالة جاءت من شركات أخرى – جلّها شركات مقاولات أو صيانة وتشغيل. هذه الشركات تحصل على العمالة من خلال الدخول في مشاريع ومناقصات حكومية للحصول على خطابات تأييد للعمالة، عندما تنافس تلك الشركات على المناقصات فإن هدفها ينصب على الحصول على المشروع للحصول على العمالة، وليس من أجل المشروع بحد ذاته، بل أنها في بعض الأحيان تضع سعرا يقل عن التكلفة الحقيقية للمشروع، وتعلم تلك الشركة أن هذا المشروع خاسر بالنسبة لها، بل قد لا تستطيع إكماله، أو تتأخر كثيرا في تنفيذه، هذه الشركات استطاعت المشاركة بخسارة في تلك المشاريع لأن مصدر دخلها الحقيقي هو إعادة تأجير العمالة أو ترك تلك العمالة تبحث عن مصدر رزقها وتحصل الشركة على مبلغ شهري ثابت من ذلك العامل.

استمرار الحملة ضد المخالفين ونجاحها في القضاء على ظاهرة العمالة ومنع أي شركة من إعادة تأجير عمالتها، سيكون له أثر بالغ على الحركة الاقتصادية وعلى كفاءة أداء شركات المقاولات والصيانة والتشغيل. فوزارة العمل كانت طوال السنوات الماضية تنضر بعين الريبة لكل شركة تطلب استقدام العمالة، لأن نسبة كبيرة من تلك الطلبات لا تنوي استخدام العمالة ضمن منشآتها، بل تنوي إعادة تأجيرها أو تركها كعمالة سائبة. عندما يطبق القانون بصرامة، لن تطلب الشركات أكثر مما تحتاج من عمالة. وستتمكن وزارة العمل من الاطمئنان أن غالبية طلبات الاستقدام صحيحة، وقائمة على الاحتياج الحقيقي للمنشأة. وهو قريب مما يحدث في دبي حاليا، فسرعة الاستجابة لطلبات الاستقدام استثنائية، وكفاءة شركات المقاولات لا تخطؤها العين. والقدرة على إتمام المشاريع – سواء كانت حكومية أو خاصة – فائقة السرعة والجودة. ولكن بنفس الوقت هناك عقوبات صارمة لكل منشأة مخالفة، وليس هناك أي وجود لظاهرة العمالة السائبة أو إعادة تأجير العمالة بطرق غير قانونية.

أتمنى أن تستمر الحملة – بعد إنتهاء مهلة الثلاثة أشهر – وتنجح في إعادة الأمور إلى نصابها. عندها ستغلق كثير من الشركات أبوابها، لأنها لا تستطيع البقاء في بيئة نظامية. أما الشركات التي تعمل بشكل نظامي، فستكون قادرة على النمو ورفع الانتاجية، ولن تجد المتلاعبين ينافسونها على المناقصات والمشاريع. وقد نجد حينها أن المشاريع المتعثرة… أصبحت من الماضي.

تعليقات فيس بوك

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>