Category Archives: اقتصاد

هل يمكن أن تعجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين؟

مع الانخفاض الحاد لأسعار النفط، واقتراب سعره من 50 دولارا. بدأ التساؤل عن مستويات الإنفاق الحكومية المتوقعة خلال السنوات القادمة، ومدى تأثيرها على النمو الاقتصادي المحلي. كما بدأت تدور أسئلة عن مستويات أسعار النفط التي قد تعجز معها الحكومة عن تغطية رواتب موظفيها. في هذا المقال سنجيب عن هذا السؤال: هل يمكن للحكومة أن تعجز عن دفع رواتب الموظفين؟

بداية، علينا أن نحدد المستوى السعري الذي تحتاجه الحكومة لتغطية مرتبات موظفيها. حاليا يصل حجم ما تنفقه الحكومة على الرواتب والبدلات لموظفيها حوالي 300 مليار ريال. وبناء على هذا الرقم، فإن سعر النفط (خام برنت) الذي تحتاجه الحكومة لتغطية الرواتب يتراوح بين 35 و 40 دولارا. لو انخفض سعر النفط عن هذه المستويات، فأول خطوة ستلجأ إليها الحكومة هي المزيد من السحب من الاحتياطي الذي راكمته خلال السنوات الماضية من فوائض النفط. هذه الفوائض حسب تقديرات صندوق النقد الدولي تكفي الحكومة حوالي 4 سنوات وربما أقل.

استهلاك كامل الاحتياطي النقدي لا يعني أن الحكومة ستعجز عن الاستمرار في دفع الرواتب، فالخطوة التالية التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة هي الاقتراض الداخلي من البنوك أو حتى الاقتراض الخارجي بإصدار سندات حكومية، يمكن من خلال هذا الاقتراض تمويل أي عجز في الميزانية الحكومية، ولكن الاقتراض لا يمكن أن يستمر للأبد. فلو استمر العجز لمدة طويلة فلا يمكن للحكومة أن تستمر في الاقتراض، سواء الاقتراض الداخلي أو الخارجي. فإذا عجزت الحكومة عن الاقتراض، هل ستعجز عن دفع الرواتب؟ الجواب: لا.

الحكومة السعودية تدفع رواتب الموظفين بالريال السعودي. وهذا الريال تحت سيطرتها بالكامل. وبالتالي فهي قادرة على خلق هذا الريال بأي مستوى تريده ولكن ذلك لن يكون بلا تأثير. لفعل ذلك فإن الحكومة ستضطر على الأرجح إلى تغيير سعر صرف الريال أمام الدولار. عوائد الحكومة من مبيعات النفط عند مستويات سعر 35 و 40 دولارا هي حوالي 300 مليار ريال. هذا بافتراض سعر صرف 3.75 ريالا لكل دولار. ولكن الدولة قادرة على تغيير سعر الصرف في أي وقت تشاء. على سبيل المثال: لو خفضت سعر الصرف ليصبح 5.5 ريالا لكل دولار بدلا من 3.75 ريالا لكل دولار فهذا يعني أن مبيعات النفط عند مستويات سعر 35 و 40 دولارا ستكون إيراداتها أكثر من 440 مليار ريال بدلا من 300 مليار ريال. تخفيض سعر العملة سيرفع من الإيرادات الحكومية – بالريال السعودي – ولكنه بالطبع سيضعف القوة الشرائية للريال، وبالتالي فإن الدخل الحقيقي لموظفي الحكومة سينخفض فعليا من خلال انخفاض قوته الشرائية حتى لو لم يتغير اسميا. فالموظف الذي كان راتبه 10 آلاف ريال، ويشتري به أربعة جوالات آيفون، سيستمر راتبه 10 آلاف ريال، ولكن لن يستطيع شراء أكثر من 3 جوالات آيفون.

من الناحية النظرية لا يوجد سيناريو ستعجز فيه الحكومة عن دفع رواتب موظفيها. ولكن بالتأكيد هناك سيناريو – احتمال حدوثه ضئيل على المدى القصير – تضعف فيه القوة الشرائية لمرتبات الموظفين وذلك عند تغيير سعر صرف العملة.

ميزانية 2015

تم الإعلان عن ميزانية 2015 التي كان يترقبها الكثيرون، حيث أن انخفاض أسعار النفط زاد من أهمية إعلان ميزانية هذه السنة، وذلك لارتباط حجم الميزانية بالنشاط الاقتصادي بشكل عام وعلى رأسه النشاط الاقتصادي بالقطاع الخاص.

جاءت ميزانية 2015 ضمن التوقعات، حيث كانت النفقات المقدرة 860 مليار ريال، أما الإيرادات المتوقعة فكانت 715 مليار ريال. أي أن سعر النفط المتوقع والذي تم تقدير الإيرادات بناء عليه يتراوح بين 65-75 دولارا، وهو أعلى من أسعار النفط الحالية. رغم أن العادة جرت على أن الميزانية تكون بناء على سعر نفط متحفظ جدا. وقد يوحي ذلك بأنه هناك قناعة راسخة لدى وزارة المالية بأن أسعار النفط سترتفع خلال السنة القادمة. وكانت تقديرات عجز الميزانية حوالي 145 مليارا. وبذلك يكون سعر النفط المطلوب حتى نتجنب أي عجز هو حوالي 85-90 دولارا.

المفاجأة لم تكن في أرقام ميزانية 2015 وإنما في أرقام ميزانية 2014 الفعلية. حيث أعلنت المالية عن إنفاق أكثر من 1100 مليار ريال خلال 2014، وهو رقم ضخم جدا وغير مسبوق. وأدى هذا الإنفاق الهائل إلى إعلان عجز في ميزانية 2014 بلغ حوالي 50 مليار ريال.

العلاقة بين أرقام 2015 وأرقام 2014 تشكل أهمية كبيرة على الاقتصاد، حيث أن المصروفات المتوقعة لعام 2015 ستكون أقل بحوالي 240 مليار ريال – أي بانخفاض نسبته أكثر من 20% مقارنة بعام 2014، بالنسبة إلى اقتصاد مثل الاقتصاد السعودي، يعتمد بشكل شبه كامل على الإنفاق الحكومي، فإن هذا الانخفاض سيكون له أثر سلبي واضح على الناتج المحلي وعلى القطاع الخاص، لذلك لا أعتقد أن وزارة المالية ستلتزم بأرقام الإنفاق المعلنة لعام 2015، وأرجح أنها ستنفق رقما قريبا من حجم إنفاق عام 2014. ولكن هذا يعني – في حال استمرت أسعار النفط على مستوياتها الحالية – أن العجز سيكون ضخما جدا. وسيتجاوز 400 مليار ريال، وسيتم استهلاك هذا المبلغ من الاحتياطيات الحكومية، وهي الاحتياطيات التي قدر صندوق النقد الدولي أنها ستصبح تساوي صفرا إذا انخفض سعر النفط 25 دولارا فقط واستمر مستوى الإنفاق الحكومي دون تخفيض.

هل انتهى عصر النفط الغالي؟

بينما كنا نستمتع طيلة السنوات الماضية بأسعار النفط الّتي تجاوزت الـ100 دولار ونردد في تقاريرنا ومن خلال إعلامنا أن النفط الصخري ما هو إلا فورة عابرة لن تغير موازين سوق النفط العالمي، كانت الشركات الأمريكية حينها تعمل ليلا نهارا على تطوير تقنيات التنقيب في النفط الصخري. وانخفضت كلفة إنتاج البرميل في بعض الحقول من أكثر من 90 دولارا إلى أقل من 50 دولارا، وارتفع إنتاج بعض الحقول بنسبة 300% بسبب تطوير تقنيات التنقيب واستخراج النفط.

قد تكون الخصائص الفيزيائية والجيولوجية لمكامن النفط الصخري ثابتة، ولكن المتغير هو قدرة الإنسان على تحسين وسائل الإنتاج. عندما كنا نقلل من قدرة النفط الصخري على تغيير موازين السوق، تناسينا أن المعايير التي كنا نستخدمها قبل ثلاث أو أربع سنوات قد تتغير، وهذا ما حدث فعلا.

من المؤسف أن يكون رهاننا دائما على أن العالم سيستمر في الاعتماد على نفطنا، وأن يكون رهاننا أن أسعار النفط ستبقى مرتفعة، وأن دخلنا من النفط سيكون كافيا لتلبية احتياجاتنا وتلبية متطلبات الاستثمار في البنية التحتية.

عندما نتحدث عن كساد أو انهيار اقتصادي في دولة متقدمة فنحن نتحدث عن زيادة إضافية في البطالة قد لا تتجاوز 5%، ونتحدث على الأرجح عن تباطؤ اقتصادي وليس انكماش، وإن كان هناك انكماش فهو لا يزيد عادة عن 5%. أما في حالتنا، فإن هبوط أسعار النفط، مصدر دخلنا الوحيد تقريبا، قد يؤدي إلى انكماش ناتجنا المحلي بنسب تتجاوز 20 أو حتى 30 بالمائة. أما البطالة، فإن توقف الإنفاق الحكومي يعني تباطؤا حادا في القطاع الخاص، مما يعني أن قدرة الاقتصاد على خلق وظائف عالية الجودة ستكون شبه معدومة. كما أن الحكومة لن تستطيع توظيف المزيد من المواطنين في القطاع الحكومي، ليس فقط لأن التوظيف بدون حاجة حقيقية هو قرار غير صحيح اقتصاديا، ولكن أيضا لأن الدولة لن تكون قادرة على تحمل أعباء إضافية على ميزانياتها. فرواتب الموظفين في القطاع الحكومي تستهلك حاليا أكثر من 300 مليار ريال سنويا. لذلك فلن يتمكن الاقتصاد من امتصاص السيل الجارف من الشباب الذين سيدخلون سوق العمل خلال العشر سنوات القادمة، والذي سيتجاوز 3 ملايين مواطن حسب التقديرات الحكومية.

لا يمكن الجزم باتجاهات أسعار النفط في السنوات القادمة، أقصى ما يمكن للمحللين الاقتصاديين طرحه هو احتمالات، وتبقى جميعها واردة. ولكن إلى متى نبقى رهائن لتلك الاحتمالات؟ أمريكا مستمرة في إنتاج نفطها الصخري، ونموها تجاوز 1 مليون برميل سنويا، وحسب تقديرات بعض المختصين، ستتوقف أمريكا عن استيراد النفط نهائيا في عام 2019 وتبدأ بالتصدير. قد يبطئ الهبوط الحالي للأسعار هذا النمو، ولكنه على الأرجح لن يوقفه. وحسب تقارير صحفية، تهدف أوبك من خلال قرارها الأخير في إبطاء نمو إنتاج النفط الأمريكي إلى نصف مليون بدل 1 مليون.

قد يعود سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار، وقد يستمر بالانخفاض ليصل إلى أقل من 40 دولارا. يفترض ألا يكون سعر النفط المستقبلي هو همنا، وألا تكون غاية أمانينا أن يعود سعر النفط لمستوياته المرتفعة السابقة. ولكن يفترض أن نبدأ بإصلاحات اقتصادية حقيقية وأن نعمل على إزالة تشوهاته، لنبدأ بعد ذلك بالتحرك فعليا باتجاه بناء اقتصاد منتج لا يعتمد على النفط، ولا يجعلنا نتابع أسعاره ليلا نهارا.

كيف تؤثر أسعار النفط على أسعار الأراضي؟

مع كل ارتفاع لأسعار النفط يبدأ تساؤل المواطنين عن مدى استفادتهم من هذه الطفرة، ويكاد يكون الرأي السائد بينهم أنهم لم يشعروا بأي أثر إيجابي لهذا الارتفاع، بل إن كثيرا منهم يعتقد أن هذه الارتفاعات كان لها أثر سلبي على المستوى المعيشي، حيث يترافق مع ارتفاع أسعار النفط ارتفاع في سعر السلع والخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع حاد في أسعار العقار وخاصة أسعار الأراضي.

قد تكون هناك زيادات طفيفة في مستويات الدخل للموظفين الحكوميين أو حتى موظفي القطاع الخاص مع كل طفرة نفطية، ولكن أثر هذه الزيادة يتوارى تماما أمام زيادات الأسعار الأخرى وخاصة أسعار العقار والأراضي. فمع كل طفرة نفطية تقفز أسعار الأراضي بشكل حاد، وفي الطفرة الأخيرة ارتفعت أسعار الأراضي خلال ثمان سنوات من ارتفاع أسعار النفط بنسبة تتجاوز 400%. فما هو تفسير هذه الزيادة في أسعار الأراضي مع كل طفرة نفطية؟

عندما ترتفع مداخيل الحكومة من النفط، ترتفع مستويات الإنفاق الحكومية، خاصة في المشاريع الاستثمارية الضخمة. ريع هذه المشاريع والتوسعات يستفيد منه بشكل أساسي ملاك الشركات في القطاع الخاص، خاصة قطاع المقاولات وبعض القطاعات الأخرى التي تستفيد من الإنفاق الحكومي. ينتقل جزء كبير من فوائض دخل النفط من الحكومة إلى التجار والمستثمرين. يبحث هؤلاء التجار عن قناة لاستثمار فوائضهم من الأرباح فلا يجدون أفضل من الأراضي كوعاء لحفظ ثرواتهم وتنميتها. فبدل أن يستفيد المواطن من الزيادة المحدودة لدخله في شراء الأراضي وبناء مسكنه، يزاحمه التجار الذين يبحثون عن قنوات لاستثمار أرباحهم المتزايدة مع كل زيادة في الإنفاق الحكومي، فترتفع أسعار الأراضي إلى مستويات جديدة تتجاوز قدرة المواطنين، ومع كل ارتفاع في أسعار الأراضي تزداد قناعة التجار بصواب خيارهم في حفظ ثرواتهم في تلك الأراضي فيستثمرون المزيد من فوائض أرباحهم في تلك الأراضي وترتفع الأسعار أكثر فأكثر. هذه الدوامة السلبية والضارة بالاقتصاد والمستهلك هي نتيجة مباشرة لوضع سوق العقار والأراضي بالتحديد، حيث أن الوضع القائم الذي يسمح باحتكار الأراضي بدون تكلفة حقيقية على من يملكها، هو الذي يدفع أسعارها للارتفاع مع كل طفرة جديدة في أسعار النفط ومستويات الإنفاق الحكومي.

الآن ومع النزول الحاد في أسعار النفط، سيتقلص الإنفاق الحكومي على المشاريع وستقل السيولة المتوفرة في أيدي التجار، وبالتالي سيضعف الطلب على الأراضي من قبل التجار، ونتيجة لذلك ستنخفض أسعار الأراضي. قد يستغرق ذلك سنة أو سنتين من لحظة تقليص الحكومة لإنفاقها مع افتراض استمرار مستويات أسعار النفط على مستواها الحالي القريب من 70 دولارا، وحتى لا تعاد الكرة من جديد مع الطفرة القادمة يجب إصلاح السوق من جذوره وسن قوانين تمنع الاحتكار، وعلى رأس تلك القوانين قانون فرض رسوم الأراضي.

ضربة غير متوقعة لأسعار العقار

كانت أسعار النفط هي العنصر الرئيسي في التأثير على أسعار العقار، سواء الأراضي أو الوحدات السكنية. حيث أن العلاقة تكاد تكون مباشرة بين ارتفاع سعر النفط أو انخفاضه وبين ارتفاع أسعار العقار وانخفاضها ، وقد سمح بذلك وجود بيئة تسمح باحتكار الأراضي وتحوّل الأراضي إلى وعاء استثماري لكثير من الفوائض المالية لرجال الأعمال والمستثمرين، وكانت النتيجة أننا وصلنا إلى وضع لا يمكن معه هبوط الأسعار إلا بانخفاض أسعار النفط أو بكسر الاحتكار من خلال أدوات مختلفة أهمها فرض الرسوم.

ولكن جاء ضيف جديد غير متوقع دفع بأسعار العقار للانخفاض، حيث أعلنت مؤسسة النقد في اللائحة التنفيذية لأنظمة التمويل العقاري أن الحد الأقصى لنسبة التمويل للمستهلك لا يمكن أن تتجاوز 70% من قيمة المسكن، هذا يعني أن على المقترض أن يوفر 30% من قيمة المسكن نقدا. وسيبدأ تطبيق القرار ابتداء من هذا الشهر. هذا القرار سيضعف القوة الشرائية للوحدات السكنية بشكل كبير. وسيضطر المطورون إلى تخفيض الأسعار. وقد بدأ الانخفاض فعلا حيث انخفضت أسعار كثير من الوحدات السكنية بنسب تصل إلى خمسة بالمائة، وقد يستمر الانخفاض ويصل إلى أكثر من 15% على المدى القريب. أما الأراضي فلن يطالها تأثير القرار إلا بعد فترة أطول.

هدفت مؤسسة النقد من قرارها لحماية القطاع المالي من الانكشاف في حالة حدوث هبوط حاد في أسعار العقار، وهو قرار صائب برأيي، حتى لا نتعرض لما تعرضت له بعض الدول الغربية قبل سنوات. ولا أعتقد أن القرار سيكون له أثر سلبي على المستهلك، لأن أسعار الوحدات ستنخفض للتناسب مع مستويات القوة الشرائية الجديدة. أما المطورون فسيتأثرون بشكل سلبي دون شك. وكنا نتمنى أن يكون الضرر الأسرع والأكبر على محتكري الأراضي وليس على مطوري الوحدات السكنية. حيث أن المطورين يقدمون قيمة مضافة حقيقية على عكس محتكري الأراضي، الذين يجنون أرباحهم من دون أي منفعة حقيقية للاقتصاد أو  للمواطنين.

لماذا انخفضت أسعار النفط؟ وأين تتجه؟

خلال أقل من أربعة أشهر انخفضت أسعار النفط أكثر من 25%. فبعد أن كان سعر برميل النفط 115 دولار في شهر يونيو انخفض لأقل من 85 دولار في شهر أكتوبر. ذهبت التفسيرات لهذا الانخفاض في اتجاهين رئيسين، البعض أرجع هذا الانخفاض لأسباب اقتصادية بحتة والبعض الآخر فسر هذا الانخفاض بأنه متعمد، لأسباب سياسية بهدف إضعاف اقتصاد بعض الدول.

من الصعب جدا أن يثبت أي محلل بشكل قطعي وجود أسباب سياسية خلف الانخفاضات الأخيرة لأسعار النفط، في المقابل فهناك مؤشرات اقتصادية واضحة وكافية لتفسير انخفاض الأسعار، يأتي على رأسها تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي للفترة القادمة، فضعف النمو للاقتصاد العالمي سيعني انخفاض النمو في الطلب على النفط، حيث توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على النفط لهذه السنة بمعدل 700 ألف برميل يوميا، بانخفاض 200 ألف برميل عن توقعها السابق.

بالتوازي مع انخفاض الطلب، كانت هناك زيادات كبيرة في المعروض، حيث ارتفع معروض النفط لهذه السنة مقارنة بالسنة الماضية بحوالي 2 مليون برميل، جزء كبير من هذه الزيادة جاء من خارج منظمة أوبك وبالتحديد من أمريكا، حيث تجاوز انتاجها من النفط 8.8 مليون برميل في سبتمبر بزيادة 13% عن العام الماضي، وبأجمالي زيادة بأكثر من 50% للثلاث سنوات الماضية، والفضل بهذه الزيادة يعود لتزايد انتاج النفط الصخري. كما كانت هناك زيادات في الإنتاج حتى بين بعض دول أوبك، حيث ارتفع الإنتاج الليبي خلال هذه السنة من 200 ألف برميل إلى 900 ألف.

العوامل الاقتصادية السابقة كافية لتفسير الانخفاض في أسعار النفط، ولكن هل سيستمر هذا الانخفاض أم أن الأسعار وصلت لحدها الأدنى؟ من يعتقد أنها وصلت لحدها الأدنى يشير إلى ارتفاع تكلفة انتاج النفط الصخري، وأن مستويات أقل من الأسعار الحالية ستعني تباطؤ الاستثمار في حقول جديدة لهذا النفط عالي التكلفة. ولكن الحقائق بخصوص انتاج النفط الصخري تتغير بشكل متسارع وسنوي، فتقنيات الإنتاج تطورت بشكل ملحوظ خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث ارتفعت نسبة الإنتاج في بعض تلك الحقول بفضل التقنيات الجديدة بأكثر من 300%، كما أن التوسع في الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالنقل والتخزين رفعت من جدوى الاستثمار، وحسب دراسة لوكالة الطاقة الدولية فإن أقل من 4% من انتاج النفط الصخري في أمريكا يحتاج أسعارا فوق 80 دولار، وتشير تقديرات أخرى أن انتاج النفط الصخري في أمريكا لن يتأثر على المدى المتوسط ما دامت الأسعار فوق 70 دولار. وهذا الرقم مرشح للانخفاض مع تطور تقنيات الإنتاج. يبدو أن النفط الصخري في أمريكا مثل المارد الذي خرج من قمقمه وليس له نية أن يعود، وسيستمر تأثيره وضغطه على الأسعار خلال السنوات القادمة.

انخفاض الطلب بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي، وارتفاع المعروض بسبب عودة الإنتاج لبعض الدول وارتفاع الإنتاج في أمريكا، كلها عوامل كافية لخفض الأسعار، ولا يبدو أن التفسيرات السياسية قادرة على الصمود أمام كل تلك العوامل الاقتصادية. من الراجح أن نشهد استمرارا لانخفاض الأسعار، ولكن من المستبعد أن تنخفض الأسعار لأقل من 70 دولار في المدى القصير.

صندوق النقد: هكذا تتجنبون عجز الميزانية

ينشر صندوق النقد الدولي تقريرا سنويا عن وضع الاقتصاد بالسعودية على المدى القصير والمتوسط. وهو يعد أهم تقرير يتعلق بتشخيص الاقتصاد السعودي. وسأكتب سلسلة من المقالات لنقاش أبرز ما جاء في تقرير هذه السنة.

بدأ التقرير بالإشارة إلى النمو القوي للاقتصاد خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط بالإضافة إلى استمرار الإنفاق الحكومي المرتفع في مشاريع البنية التحتية، كما أشار التقرير إلى انخفاض معدل التضخم سنة 2014 إلى 2.7% بسبب انخفاض أسعار الغذاء عالميا. وهذا الانخفاض في التضخم يتناقض مع التصور السائد من أنّ ارتفاع الأسعار سببه ارتفاع تكاليف العمالة الناتج عن قوانين وزارة العمل.

أما عند الحديث عن النمو المتوقع للاقتصاد السعودي على المدى القريب والمتوسط، فإن التقرير أشار إلى أن التوقعات إيجابية لعامي 2014 و 2015، حيث يتوقع أن يصل النمو في 2015 إلى 4.5%.

أما أخطر ما جاء في التقرير هو التوقعات بخصوص مواجهة عجز في الميزانية سنة 2015، فالاستمرار في نمو المصروفات الحكومية على السلع والخدمات والمشاريع الرأسمالية يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط التعادلي، وسعر النفط التعادلي هو السعر الذي تحتاجه الحكومة لكي يغطي الميزانية، هذا السعر التعادلي كان حوالي 78 دولارا عام 2012 وارتفع إلى 89 دولارا عام 2013. ويتوقع أن يستمر في الارتفاع حتى يتجاوز سعر النفط، مما يعني أننا سنواجه عجزا في الميزانية، وحسب توقعات الصندوق فإنه من المتوقع أن نبدأ بمواجهة العجز في 2015 ويستمر العجز بالتصاعد حتى يصل إلى 7.5% من إجمالي الناتج المحلي عام 2019.

الارتفاع السنوي في الميزانية بسبب زيادة الإنفاق سيرفع السعر التعادلي للنفط، وزيادة إنتاج النفط في أمريكا ستؤدي إلى زيادة المعروض النفطي العالمي وانخفاض الأسعار، كما أن الرفع المتوقع من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أسعار الفائدة، قد يؤدي إلى تباطؤ النمو العالمي وبالتالي انخفاض الطلب على النفط وانخفاض أسعاره.

في نفس التقرير يقترح الصندوق على الحكومة السعودية بعض الإجراءات التي يمكنها أن تجنب السعودية الوقوع في هذا العجز من خلال ضبط المصروفات المالية للحكومة.

كانت أبرز الاقتراحات هي تحديد الوظائف الحكومية غير الضرورية وإلغاؤها عند خلوها من شاغليها، وذلك لتقليص إجمالي ما تنفقه الحكومة من رواتب حكومية أو على أقل تقدير للحد من النمو في هذا البند من المصروفات. كما يقترح الصندوق أن تتم إعادة تقييم المشاريع التي بدأتها الحكومة، وتأجيل بعضها أو إلغاؤها. ويقترح الصندوق زيادة مصادر دخل الميزانية من خلال فرض ضريبة على العقارات، بالإضافة إلى زيادة الرسوم على الخدمات الحكومية، وأخيرا رفع أسعار الطاقة.

بعض هذه الاقتراحات يستحيل تنفيذها حاليا لأسباب سياسية – خاصة اقتراح رفع أسعار الطاقة وتقليص معدلات التوظيف في القطاع الحكومي، أما اقتراح تقليص الإنفاق الحكومي على المشاريع، فسيكون له أثر سلبي حاد على مستوى النمو في القطاع الخاص ومستوى النمو في الاقتصاد ككل. القطاع الخاص يعتمد بشكل كبير جدا على الإنفاق الحكومي. تباطؤ النمو في القطاع الخاص يعني أن معدل خلق فرص عمل جديدة في هذا القطاع سيتقلص، وسترتفع على إثر ذلك معدلات البطالة، حيث سيدخل سوق العمل في العشر سنوات القادمة أكثر من 3 ملايين سعودي.

خياران أحلاهما مر، الاستمرار بمستويات الإنفاق الحالي قد يعرضنا لعجز في الموازنة الحكومية وبالتالي ستتآكل الاحتياطيات التي راكمناها من فوائض النفط في السنوات الماضية، وإبطاء الإنفاق سيؤدي إلى إبطاء نمو الاقتصاد وزيادة معدلات البطالة. للأسف هذا الوضع وصلنا إليه بسبب فشلنا في تنويع الاقتصاد خلال الثلاثة عقود الماضية، وما زال القطاع الحكومي من خلال عوائد النفط هو من يغذي الاقتصاد ويضمن استمرارية نموه، وهو وضع غير قابل للاستدامة.